بالقدْر الذي فرح سكان مدينة طنجة ومنطقتها الدولية باستقلال المغرب وعودتهم إلى حضن الوطن، تحرّكت الهواجس لدى تجارها وأعيانها وعموم سكانها من إمكانية تأثر المدينة اقتصاديا واجتماعيا بانتهاء عهد النظام الدولي ورحيل المستعمرين الأجانب، حاملين معهم مصالحهم الاقتصادية والمالية، وهي المخاوف التي حاول الملك الراحل محمد الخامس القضاء عليها عبر رسالة بعثها إلى سكان المدينة. وتضمّنت الرسالة، التي سميت «العهد الملكي»، عددا من البنود التي حاولت «طمأنة» الطنجيين إلى استمرار النشاط الاقتصادي لمدينتهم بالشكل الذي كانت عليه خلال فترة الحكم الدولي، وبما يَضْمن مزيدا من الازدهار للمواطنين المغاربة، الذين ظلوا على هامش الاستفادة من ثروات مدينتهم، التي احتكرها الأجانب زمنا طويلا. وتعهّد الملك محمد الخامس، في الوثيقة التي نعرض نصها الكامل، بالحفاظ على حرية الصرف التي كان العمل جاريا بها في طنجة في ذلك الوقت، مع الحفاظ على حركة الاستيراد والتصدير، باعتبار طنجة منطقة اقتصادية حُرّة، لا توجد فيها قيود على البضائع، لكنّ العمل بهذه البنود لم يستمرَّ لوقت طويل، في ظل وجود خلافات وصراعات بين القيادات الوطنية. عاصمة الصيف في 17 غشت 1957 جمع وزير «الأنباء والسياحة» آنذاك، أحمد رضا اكديرة، الصّحافيين العاملين في طنجة أثناء زيارة قدّم فيها العهد الملكي لسكان الإقليم، بعد تحقيق الاستقلال وعودة المدينة إلى حكم السلطان، ثم استطرد في «طمأنة» سكان المدينة إلى مآل الأمور فيها، ومما جاء في كلامه: «وقد يكون هناك من يتصورون أن تعدّد هذه الأمور وتشعبها قد يجرّ إلى إهمال مستقبل طنجة.. إنني أؤكد لهؤلاء أنه لا يوجد شخص واحد من سكان هذه المدينة، ولا شبر واحد من تراب الوطن إلا ويحظى بعناية جلالة العاهل واهتمامه. ألمْ يقل صاحب الجلالة وهو يدشن في 8 أكتوبر 1956 مؤتمرَ طنجة الدولي في مدينة فضالة: (ونحن إذ نباشر سيادتنا -كغيرنا من الدول الحرة- لا نغفل عن هذه المنطقة، التي كانت تعيش بالأمس في وضعية لم يعد لها مقام في العهد الجديد، فإنّ مصالح قد نشأت فيها للأجانب وغيرهم من رعايانا تسترعي اهتمامنا، وتجد ربّانا ينظر إليها بعين العطف ومزيد من الاعتناء)». وأضاف اكديرة أنّ «النظام الذي سيضمن ازدهار المدينة في المستقبل موضوع الآن فوق مائدة الدرس والبحث، وستراعى فيه المصالح المشروعة التي نشأت من قبل في هذه المدينة، وسيكون الطنجيون المندمجون الآن في الوحدة الوطنية أول من يستفيدون منه. ثم إنّ هذه الوحدة هي التي ستعطي للنظام المنتظر القوة والمفعولية التي ما كان ليحلم بهما أو يؤملهما في بلد مُقسَّم إلى مناطق، لم تكن رفاهيته إلا سرابا». وشدّد الوزير على دور المدينة، الذي تلعبه بفضل موقعها الإستراتيجي، ويشمل ذلك الجوانب المالية والفلاحية والصناعية، أما الجانب السياحي فكان له حديث خاص، حيث أعلن اكديرة عن قرار ملكي في غاية الأهمية، وجاء في حديثه: «قد يكون هناك كذلك من يظن أن طنجة ستبقى محرومة من العنصر الجذاب للزائرين ومن النشاط الذي عرفته حين كانت مقرا لعدد من المراكز الديبلوماسية.. إلى هؤلاء نقول إنّ صاحب الجلالة قد حسب لكل ذلك حسابه واهتمّ له وجعله موضع عنايته، فقرّر أن يجعل من مدينة طنجة العاصمة الصيفية للمملكة.. وإني لأترك لكم أنتم أنفسكم تقديرَ أهمية هذا القرار». واستطرد الوزير قائلا: «إن وجود جلالة الملك وحكومته في طنجة أيام فصل الصيف سيأتيها بالعدد الضّخم من الزائرين، وسيجعل منها -علاوة على ذلك- العرق النابض في المغرب، فتصير عند الرأي العامّ المغربي والدولي المرآة الصافية التي ينعكس عليها ازدهار البلاد السياسي والاقتصادي». غير أنّ هذا القرار التاريخي، الذي لا يعلم به أغلب المغاربة، لم يجد طريقه إلى التطبيق على أرض الواقع، حيث لم يعد الملك الراحل محمد الخامس إلى زيارة المدينة بعد الاستقلال، وكانت زيارته التاريخية إليها في سنة 1947 هي الزيارة الوحيدة للمدينة.. وتُرجِع بعض المصادر التاريخية، مثل المؤرخ الطنجي الراحل عبد الصمد العشاب، إهمال المدينة والقضاء على امتيازاتها الاقتصادية، إلى صراع دارت رحاه على مستوى الدائرة القريبة من الملك، بين بعض قيادات العمل الوطني في مرحلة الاستقلال، وأدت في النهاية إلى سحب هذه الامتيازات، التي كان من شأنها أن تجعل من المدينة قطبا اقتصاديا وماليا عالميا.
العهد الملكي الخاص بإقليمطنجة ووضعيته الجديدة بعد أن أصبح جزءا من الوطن المغربي لقد عادت اليوم سيادتنا تامة كاملة على إقليمطنجة، وألغي النظام الخاص الذي كان مفروضا على هذا الإقليم، وبهذا نكون قد حققنا -وفق ما نصبو إليه ونتمناه- توحيدَ مملكتنا، التي أصبحت جميع أجزائها اليوم تابعة لسلطة واحدة، تشريعا وقضاء وتنفيذا. ولكننا، أيضا، نرغب بجانب هذا، في أن يظل إقليمطنجة متمتعا، كذي قبل، بالازدهار الاقتصادي الذي يضمن في الحالة نفسها تطورا خاصا بالإقليم ويساعد على رفع مستوى بقية أنحاء مملكتنا.. وأملنا كذلك في أن تصبح طنجة، بفضل ما تتمتع به من موقع جغرافي ممتاز بالمغرب، ملتقى للاتصالات الدولية ولذا نريد -كما صرّحنا به غير ما مرة ولا سيما بمناسبة افتتاح مؤتمر فضالة المنعقد يوم ثالث ربيع الأول عام 1376، الموافق لثامن أكتوبر سنة 1956- بالاحتفاظ بالأحوال الملائمة التي أتاحت لطنجة أن تكون مركزا اقتصاديا هامّاً وقاعدة تجارية نشيطة. ورعيا لما ذكِر فقد أصدرنا هذا العهد الملكي الخاص بأن تطبَّق المقتضيات التالية في تراب إقليمطنجة بمجرد نشره. على أنّ هذه المقتضيات يمكن أن تُتمَّم في المستقبل بجميع التدابير، كإحداث ميناء حر أو تأسيس محكمة تجارية، تلك التدابير التي قد يتضح بعد الدرس أنها خليقة بأنْ تكون عاملا صالحا للنمو الاقتصادي بإقليمطنجة. وفي دائرة هذه الاعتبارات، أصدرنا هذا العهد الذي ستجد فيه طنجة -وقد أصبحت جزءا لا يتجزأ من مملكتنا- خير ضمان لمستقبل طنجة. الفصل الأول: يُحتفظ بحرية الصّرف الجاري بها العمل الآن في طنجة. الفصل الثاني: إن تجارة الإيراد والإصدار بين طنجة والبلاد الأجنبية حرّة، ولا يُفرَض أيُّ قيد على حرية دخول وخروج البضائع، باستثناء ما يمكن فرضه لاعتبارات توحيها المصلحة العامة لمملكتنا. الفصل الثالث: إنّ ترويج المنتوجات والبضائع بين طنجة وباقي مملكتنا ستصدر في شأنه نصوص يراعى فيها ما تدعو إليه ضرورة النمو الاقتصادي لإقليمطنجة، وبالأخص مينائها وما تتطلبه السياسة العامة لمملكتنا. الفصل الرابع: لا تُدخَل تغييرات على النظام الجبائي الجاري به العمل الآن في طنجة إلا بقدْر ما يتفق وضرورة التنمية الاقتصادية للإقليم المذكور، وخاصة منها ما يهمّ سير حرية التجارة والصّرف. الفصل الخامس: إن التغييرات التي يمكن أن تدخل على مقتضيات الفصل الأول والثاني أعلاه من هذا العهد لا تصبح نافذة إلا بعد انصرام ستة أشهر على تاريخ نشره. والسلام. وحرر بالرباط في 29 محرم عام 1377 موافق 26 أغسطس سنة 1957