أفغانستان.. زلزال بقوة 5,1 درجات يضرب منطقة هندوكوش    ترامب يعلن عن بدء "التحضيرات" لعقد لقاء بين بوتين وزيلينسكي    بطولة انجلترا: الاسكتلندي بن دوك ينتقل من ليفربول لبورنموث        أجواء حارة في توقعات حالة الطقس اليوم الثلاثاء بالمغرب    الدار البيضاء…توقيف سيدة وابنتها للاشتباه في ارتباطهما بشبكة إجرامية تنشط في النصب والاحتيال    القنيطرة… توقيف شخص للاشتباه في تورطه في السياقة بطريقة استعراضية بالشارع العام وتعريض أمن المواطنين وسلامة مستعملي الطريق للخطر    احتفالات عالمية بعيد ميلاد توأمي الباندا في هونغ كونغ    خبيرة أمريكية تكشف مدة النوم الضرورية للأطفال للتركيز والتفوق    الشرطة القضائية توقف طبيبة بمدينة البئر الجديد متلبسة بتلقي رشوة    إيقاف المتهم الرئيسي في محاولة سطو على وكالة بنكية ببني أحمد.. وإصابة عنصر من الدرك الملكي    شابان ينجحان في العبور إلى سبتة على متن "جيت سكي" للكراء    الملك محمد السادس يصدر تعليماته بإرسال مساعدات إنسانية إضافية لفائدة ساكنة غزة    "غوغل" تضيف تحديثات إلى تطبيق الترجمة    إسبانيا.. توقيف عنصرين موالين ل"داعش" بالتعاون مع المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني    إسبانيا تطيح بشبكة تجنيد دواعش بتعاون استخباراتي مع المغرب        فاس تواصل جذب السياح وتحقق نموا مستمرا في النشاط الفندقي    مهرجان "أصوات نسائية" يختتم مرحلته الأولى وسط أجواء احتفالية    "البيجيدي" يدعو الحكومة إلى استحضار الدستور والاختيار الديمقراطي في إعداد برامج التنمية الترابية    مقر "المينورسو" بالعيون يتحول إلى وجهة لوفود دبلوماسية بشأن الصحراء    الجزائر تتأهل إلى ربع نهائي "الشان"    ترامب: أمريكا ضالعة في أمن أوكرانيا    سعد لمجرد يعود لمعانقة الجماهير المغربية عبر منصة مهرجان القنيطرة في سهرة استثنائية        "بي دي اس": وضع أسيدون تحت جهاز التنفس الاصطناعي وحالته الصحية خطيرة رغم استقرارها    البكوري ينقذ المغرب التطواني بدعم مالي جديد تبلغ قيمته حوالي مليار سنتيم    ملحمة الخلود ثورة الملك والشعب    مؤسسة المهرجان المتوسطي للثقافة الأمازيغية بطنجة تنعي الروائي الكبير صنع الله إبراهيم    المغرب.. حين تُحلّق الطائرات محمّلة بالحياة نحو غزة    الانخفاض ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    نجم المنتخب الوطني يلتحق رسميا بالدوري السعودي    مهرجان الشواطئ يواصل جولته ويشعل مرتيل والناظور والسعيدية    مسؤول بحماس: الحركة أبلغت الوسطاء بموافقتها على أحدث مقترح لوقف إطلاق النار بغزة    إنجاز طبي.. خلايا بنكرياسية تُنتج الأنسولين لمريض السكري    أكبر مناورات بحرية في العالم تعزز الشراكة بين المغرب والولايات المتحدة    دراسة علمية تكشف وجود علاقة بين المعدة والصحة النفسية    الأزمة تضرب السوق العقار بالمغرب.. ركود كبير في المبيعات والأسعار ظلت مستقرة    دراسة: حماية الحاجز الدموي الدماغي قد تحد من التدهور الإدراكي لدى المسنين    احتياطي المغرب من العملات الصعبة يسجل رقما قياسيا جديدا    المغرب ‬الواثق ‬المطمئن ‬الصامد ‬والجزائر ‬المذعورة ‬المصدومة ‬    الهزيمة أمام خورفكان تنهي مسيرة الحسين عموتة مع الجزيرة    لفتيت يوجه الولاة والعمال لإعداد جيل جديد من برامج التنمية الترابية    الواجهات الزجاجية للمكاتب تفاقم معاناة الموظفين في ظل موجات الحرارة            "خيرونا" يجهّز عرضًا جديدًا لأوناحي    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الاثنين    دراسة: العنف يرفع خطر إصابة المرأة بأمراض القلب والأوعية    كأس آسيا لكرة السلة: المنتخب الأسترالي يتوج باللقب على حساب نظيره الصيني    الصحافة من بوابة الثقافة في ذكرى رحيل غلاب    "سينما الشاطئ" تحل بطنجة وتحتفي بالإبداع المغربي في الهواء الطلق    دموع الأم ووفاء الوطن.. لحظات استثنائية في حفل كزينة بالرباط    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القرار 2099
نشر في المساء يوم 02 - 05 - 2013

اجتازت الدبلوماسية المغربية، هذه الأيام، اختباراً عسيرًا وشاقًا ومحنة قاسية، تَمَّ الخروج منهما بسلام.
الحكومة كانت، عمليًا، على هامش الحدث، والقصر تدخل بقوة لتوجيه الحدث، والأحزاب انتظرت أن تأتي المبادرة من القصر لتتحرك. كانت الأحزاب تعلم أن محاولة توسيع صلاحيات المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان في الصحراء، قائمة منذ مدة، ولكنها لم تفعل أي شيء لإقناع من يجب إقناعهم بعدم صواب المحاولة والسعي لإزاحة كل العناصر التي تعزز موقف أنصار تلك المحاولة، وبعد أن تمَّ الاجتماع بالديوان الملكي، اعتبرت الأحزاب أن الحاجة أصبحت تدعو إلى الالتزام بدرجة أكبر من التعبئة وإلى دعم ما اعتبرته معركة جديدة دخلها المغرب.
مشروع القرار الأمريكي الذي نص على توسيع صلاحيات المينورسو، فيه إضرار كبير بالموقف الرسمي المغربي. يكفي أن تكون البوليساريو قد طالبت بهذا التوسيع لنعرف من سيكون الخاسر ومن سيكون الرابح من اعتماد هذا المستجد. إن المصادقة على المشروع كانت ستعني، بالعربي الفصيح، أن هناك مشكلة حقوقية في الصحراء المغربية، وأن الدولة المغربية لم تعد مؤتمنة على تدبير قضية حقوق الإنسان بالصحراء، وأن كل الترسانة المغربية من قضاء وإدارة ومجلس وطني لحقوق الإنسان ومندوبية ولجان جهوية ووسيط، لا تستطيع ضمان مراقبة حقوق الإنسان على الوجه المطلوب في الأقاليم الجنوبية. وطبيعي أن يشعر المغرب بأن مشروع القرار الأمريكي يمكن أن يكون مدخلاً للانتقاص من سلطات المغرب، وتكليف المينورسو، مثلاً، في المستقبل، بتدبير الثروات الطبيعية في الصحراء، كما تطالب بذلك أيضًا جبهة البوليساريو.
كان مشروع القرار الأمريكي مناسبة لكي تستخرج الدولة والأحزاب عددًا من أسلحتها المعروفة في الترافع : فتَمَّ الإلحاح على أن المغرب يرفل في سرابيل الديمقراطية وأنه «ضحية فضائه الديمقراطي الرحب»، فالمتاعب التي تلاحقنا مصدرها جرعة الديمقراطية الزائدة، وأن حقوق الإنسان مكفولة، في الشمال والجنوب، بفضل نجاعة وفعالية الآليات التي وضعها المغرب لخدمة هذه الحقوق، وأن هناك، فقط، حالات معزولة للانتهاكات، وهناك عجز لدى من يدعي العكس في إثبات ما يدعيه، وأن الغرض من سعي خصوم وحدتنا الترابية إلى توسيع صلاحيات (المينورسو) هو التهرب من المفاوضات، وتجنب الانخراط الجدي في مسلسل التسوية، وتحريف مسار هذا المسلسل وزرعه بالألغام، وإفشال مبادرة الحكم الذاتي، ووأد اتفاق 1991، فما دام هذا الاتفاق، في شكله الأول، كان ثمرة تفاوض، فيتعين إخضاع أي تعديل يُراد إدخاله على أسس الاتفاق، إلى تفاوض جديد.
وذهب البعض، في تصريحات مذاعة على نطاق واسع، إلى أن السلوك الأمريكي الحالي يكشف عن نية مبيتة لتأبيد الصراع في المنطقة، وأن هذا السلوك يترجم تناقضات تعتمل في دائرة مركز القرار الأمريكي ويمثل نوعًا من التغول الممارس من جناح يكره المغرب وينخرط في مناورات خصومه، وأن أمريكا غير مؤهلة لتقديم دروس في احترام حقوق الإنسان. بل لوحظ ظهور نوع من النزعة المعادية لأمريكا، بشكل فجائي وفي ما يشبه الانقلاب، وأُطلق العنان لتصريحات، تُقَيِّمُ مواقف مسؤولين أمريكيين، من النوع الذي لو كان صدر عن أمريكيين حيال مسؤولين مغاربة لاعتُبر من طرفنا تدخلاً في شؤوننا الداخلية وإخلالاَ بالاحترام الواجب لممثلي الدولة المغربية.
لكن الذي لم يُقل، أو لم يُقَلْ بالقدر الكافي من الوضوح، هو حصول الكثير من الاعتداءات على الحقوق والحريات في الصحراء، وتزامن المشروع الأمريكي مع تقارير لمنظمات حقوقية دولية مستقلة سجلت وقوع هذه الاعتداءات. والذين ينازعون في مغربية الصحراء وجدوا في الخروقات التي تطال حقوق الإنسان بالمغرب أساسًا لخدمة أهدافهم، علمًا بأن المنظمات الحقوقية عبر العالم، وحتى بدون وجود أي ارتباط مصلحي خاص بالبوليساريو أو بالجزائر، تجد نفسها، في الكثير من الأحيان، منساقة تلقائيًا وراء إغراء شعار تقرير المصير.
إذن، في جميع الأحوال، وبصرف النظر عن المصالح والحسابات الأمريكية ومدى شرعيتها أو عدم شرعيتها، وخارج أي دفاع عن الولايات المتحدة، فإن المشروع الذي تقدمت به جاء منسجما مع القناعة، التي تولدت لدى جزء كبير من الرأي العام الدولي وحتى وسط حلفائنا، بأن المغرب يخرق حقوق الإنسان في الصحراء. وشيئًا فشيئًا لم يعد بإمكان الدول في عالم اليوم، أن تخفي بسهولة ما تباشره من انتهاك. وحينما نتحدث عن خرق حقوق الإنسان، فإننا نعني به الخرق كما يفهمه الآخرون وليس كما نفهمه نحن. فطرد عشرات من المواطنين الأمريكيين الذين اعتبرناهم مُبَشِّرِينَ، دفعة واحدة وفي بضع ساعات وبدون قرار قضائي وبدون تَحَرٍّ كافٍ وتحت شعار الدفاع عن «الأمن الروحي» للمغاربة، هو عمل لا يمكن أن يمر بدون ثمن، ولا يمكن أن يمر بدون أن يخلف أثرا سلبياً على الصورة الحقوقية للمغرب وبدون أن يُعتمد كقرينة على عدم صواب الطريقة التي تنظر بها السلطات المغربية إلى قضية حقوق الإنسان وكقرينة على ما يمكن أن يجري بالصحراء. هذا، بالإضافة إلى مخلفات قضية أمينتو حيدر، وطرد أو منع صحفيين وحقوقيين أجانب من زيارة الصحراء بدعوى انحيازهم إلى الجهة الأخرى، وطريقة مداهمة البيوت واعتقال الشباب الذين اعتُبِرُوا مسؤولين عن أعمال العنف التي صاحبت أو أعقبت إجلاء معتصمي مخيم اكديم إيزيك..
في النهاية، صدر القرار 2099 الذي صادق عليه مجلس الأمن، بدون أي إشارة إلى توسيع صلاحيات المينورسو، واعتُبر ذلك انتصارًا للمغرب، رغم أن الانتصار الحقيقي، في نظرنا، كان سيتمثل في تغلب المغرب على العوامل والظروف والملابسات التي أدت في الأصل إلى وجود المشروع الأمريكي. لكن يكفي اليوم تأمل رد الفعل الغاضب من جانب البوليساريو للخلوص إلى أن المغرب، على كل حال، تمكن من تجنب ضربة كانت بلا ريب ستكون مؤلمة.
لكن، إذا اعتبرنا أن المغرب انتصر سياسيًا، فهو انهزم حقوقيًا. فرد فعل السلطات المغربية حيال قضية توسيع صلاحيات المينورسو وكثافة التحركات التي باشرتها والحزم الذي تعاملت به مع المسألة دفع بعض المنظمات الحقوقية الدولية الوازنة إلى الاشتباه في الأمر، والتساؤل عن الأسباب التي أدت بالمغرب إلى رفض ممارسة المينورسو لمراقبة حقوق الإنسان في الصحراء، وعن مدى ارتباط هذا الرفض بالتخوف من كشف المزيد من الحقائق الخاصة بالخروقات. فمن الناحية الحقوقية الخالصة، فإن إضافة آلية دولية جديدة للمراقبة لا تتناقض مع عمل الآليات الداخلية.
التحدي المطروح مستقبلاً، هو تغيير كل ما يحتاج إلى تغيير لإقناع المنتظم الدولي والمحافل الحقوقية العالمية بأن المغرب دشن مسلسلاً جديدًا وجديًا لحماية حقوق الإنسان في الصحراء وفي الشمال ولإنصاف الضحايا وتأمين المقومات الحقيقية للعدالة الانتقالية.
ويُلاحَظُ أن قرار مجلس الأمن تعرَّض إلى قراءات متفائلة قَوَّلَتهُ ما لم يقله. فقد اعتبر البعض أن القرار زكى خطة الحكم الذاتي واعتبرها أساس النقاش في المفاوضات، بينما هو ذَكَّرَ بمقترحي المغرب والبوليساريو معًا، وشجع الطرفين على «إظهار المزيد من الإرادة السياسية من أجل التوصل إلى حل، بما في ذلك توسيع مناقشة مقترحيهما». فلم ترد في منطوق القرار إشارة إلى مصطلح الحكم الذاتي، بينما أورد مصطلح تقرير المصير مرتين اثنتين.
المشكل إذن في العمق لم يُحَلَّ، وقضية اعتماد آليات جديدة لمراقبة حقوق الإنسان، مستقبلاً، تظل واردة، فالقرار شَدَّدَ على «أهمية تحسين وضع حقوق الإنسان في الصحراء الغربية ومخيمات تندوف، وتشجيع الأطراف على العمل مع المنتظم الدولي لوضع تدابير مستقلة وذات مصداقية لضمان الاحترام الكامل لحقوق الإنسان، آخذة بعين الاعتبار التزاماتها بهذا الخصوص وفق مقتضيات القانون الدولي».
القرار عبَّر عن القلق «إزاء انتهاكات الاتفاقات القائمة» ودعا كل الأطراف إلى «احترام التزاماتها في هذا الشأن».
وطالب ب«اتخاذ الخطوات اللازمة لضمان أمن وحركة أفراد البعثة دون عائق، وضمان الولوج التام والفوري للأمم المتحدة والعاملين تحتها وفقًا للاتفاقيات الجاري بها العمل».
يَخْلُصُ القرار إلى أن هناك انتهاكات تحتاج إلى خطوات ومبادرات جديدة، في شكل تدابير «مستقلة» و«ذات مصداقية» لضمان حقوق الإنسان، فكيف ستكون هذه التدابير المستقلة وذات المصداقية؟ وهل معنى ذلك أن كل ما تَمَّ تشغيله من آليات، حتى الآن، يفتقد إلى الاستقلالية والمصداقية، رغم الترحيب والاعتراف بما اتخذته السلطات المغربية في هذا الشأن، والذي اعتُبِرَ، ضمنيًا، غير كافٍ، فضلاً عن مطالبة القرار بتوفير الشروط «اللازمة» لأمن وتنقل أفراد المينورسو، دون «عوائق»، الشيء الذي يفيد ضرورة وضع حد لما يُقَدِّرُ البعض، ربما، أنها «عوائق» موجودة على الأرض !


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.