في حي حسان بالرباط، كان سياح يابانيون يعبرون الطريق القصيرة بين «الشوّاية» و»البوسْطة» بكثير من الخفة والخوف.. لقد اخترعوا نصف سيارات العالم، ومع ذلك فإنهم يخافون منها. نحن المغاربة لم نخترع ولو ربع سيارة، ومع ذلك نعبر الطريق بدون أي خوف وكأننا نتمشى في حديقة. السياح اليابانيون يجولون العالم كله وهم يحملون آلات تصوير كما يحمل المرضى بالربو دواءهم معهم. إنهم يلتقطون صورا لكي شيء، لكنهم نادرا ما يوجهون عدساتهم نحو متسولين أو مظاهر بؤس، عكس الفرنسيين أو الإسبان، مثلا، الذين جربوا الجوع والبؤس ويحبون رؤيته عند باقي الشعوب. في أي مكان تذهب إليه، ترى أزواجا يابانيين في السبعين وهم يمسكون بأيدي بعضهم البعض وكأنهم تزوجوا أمس. يحب اليابانيون الإمساك بأيدي بعضهم البعض وينظرون إلى كل شيء ويستهلكون وقتا طويلا في التأمل، ربما لأن عيونهم الصغيرة تحتاج إلى وقت أطول للتمكن من النظر. عيوننا نحن مفتوحة عن آخرها لكننا لا نرى بواسطتها شيئا. اليابانيون يبتسمون كثيرا، لكن يندر أن تجد يابانيا يقهقه، ربما لأن القهقهة تستهلك الكثير من الطاقة، وأولئك القوم يحتاجون إلى كامل طاقتهم للعمل وليس للقهقهة. نحن نقهقه صباح مساء على بعضنا البعض، لكننا عندما نلتقي في باب المصعد أو مدخل العمارة نتصرف وكأن الجار لا يعرف جاره، وعندما يقول أحدنا للآخر «السلام عليكم» أو «صباح الخير»، فإن الآخر لا يردها معتقدا أن صاحب السلام سيطلب منه سيجارة أو يريد قرضا. أحيانا، تمر قرب سائح ياباني فيبتسم لك دون سبب، لكن الحقيقة أن وجوههم تبدو مبتسمة باستمرار، باستثناء تلك اللقطات التي تصور جنرالاتهم في الحرب العالمية الثانية مثل وحوش. الأمريكان صوّروهم على تلك الحالة لكي يرموهم بالقنابل الذرية. أمريكا دائما هكذا، لكي تنكل بخصمها لا بد أن تصوره أولا بمظهر الإرهابي والمتوحش، ثم تفعل به بعد ذلك ما تشاء. نحن المغاربة قد نموت ولا نعتذر إلى بعضنا البعض، ونحن الأمة الوحيدة في العالم التي تستعمل عبارة «ولو طارت معزة»؛ أما الياباني فإنك لو «درّمْته» صدفة في الشارع فإنه سينحني لك عشر مرات معتذرا وهو يضم يديه إحداهما إلى الأخرى إلى أن يدفعك إلى الانهيار. الأمة التي لا عقدة لها من الاعتذار تتقدم بسرعة كبيرة، والأمة التي تنظم الأشعار في فضائل الانتقام تنتظر طويلا في سلم البشرية. اليابانيون يسافرون كثيرا، لكنهم غالبا ما يصابون بالاكتئاب عندما يصل موسم العطل، لذلك يسافرون للتغلب على اكتئابهم، أما نحن فإننا نحوّل أيام العطل إلى عيد، وغالبا ما يقضي الموظفون وقتا طويلا في تعداد أيام العطل وحساب الأيام المتبقية ل»الكونجي». اليابانيون يحزنون كثيرا عندما يصلون إلى سن التقاعد، وهناك أشخاص ينتحرون بسبب ذلك، ربما لأنهم لم يكتشفوا بعد لعبة عظيمة اسمها «الضّامة». ولو أنهم تبادلوا معنا اختراعاتهم لأنقذنا منهم أرواحا كثيرا. عندما يأتي السياح اليابانيون إلى الرباط فإنهم يحبون التقاط الصور التذكارية مع المظاهرات أمام البرلمان.. يبدون سعداء جدا بين المعطلين الذين لا يحتجون أبدا على تلك الصور. اليابانيون يتظاهرون في بلدهم أيضا، لكن ليس من أجل الحصول على منصب عمل في الدولة، بل للدفاع عن الحيتان أو احتجاجا على تدمير الطبيعة. اليابانيون يضربون عن العمل أيضا، لكنهم يكتفون بوضع شارة حمراء على أذرعهم كنوع من الاحتجاج، ونحن أيضا نضرب عن العمل، ونفضل أن يكون الإضراب لعدة أيام حتى نسافر أو نستمتع بلعب الورق في المقهى. هناك شيء متميز في رجال اليابان، وهو أنهم حين يمرون في الشارع وتمر قربهم امرأة، لا يلتفتون لمعاينة تضاريسها. ربما تعودوا على ذلك لأن المرأة اليابانية تكتفي بتضاريس سهلة وغير جديرة بالتأمل. أما في المغرب، فإن الشخص الذي لا يلتفت لتأمل امرأة مرت بجانبه يعتبر شخصا غير كامل الرجولة. عندما يذهب اليابانيون إلى ساحة الفنا في مراكش فإنهم يبدون وكأنهم اكتشفوا كوكبا جديدا، ويظهر عليهم الذهول حين يعلمون بأن الطلبة اليابانيين في القرن التاسع عشر درسوا مع الطلبة المغاربة في أوربا. ما جرى هو أن طلبة اليابان عادوا إلى بلادهم فوجدوا كل شيء مهيأ لكي يطبقوا ما تعلموه في ميادين العلم والتكنولوجيا، بينما عاد طلبة المغرب واشتغلوا قيادا وباشوات. في الأخير، هنالك حكاية تقول إن مغربيا ذهب إلى اليابان فدفنوه حيا.. المشكلة هي أنه ظل نائما في الفندق حتى العاشرة صباحا فاعتقدوه ميتا. وبه وجب الإعلام.. والسلام.