زورو.. إنه «روبن هود» العالم الجديد.. أرستقراطي نهارا وحامي المظلومين ليلا.. إنه مادة جيدة للقصص الخيالية والأفلام السينمائية والبرامج التلفزيونية. مغامر يمتلك شخصية مزدوجة وعاشق متفاخر ودائما ما يهرب من أعدائه ولا يخلف شيئا وراءه سوى علامته، حرف z، لكن هل تكمن وراء هذا القناع الخيالي شخصية حقيقية؟ هذا ما يعتقده بعض الأكاديميين في الوقت الحاضر، الذين يظنون أن مصدر إلهام «زورو» ليس من أمريكا اللاتينية وليس من المكسيك كما أنه ليس إسبانيا. فمن يكون يا ترى؟ ميلاد شخصية زورو ميكسيكو سيتي يوم عيد الميلاد عام 1650 تم سجن شخصية ثورية من قبل قضاة محاكم التفتيش، لكن بعد قضائه سنوات داخل السجن تسلق خارج زنزانته واخترق الأبواب السميكة واجتاز الجدران نحو الحرية، وبين ليلة وضحاها وزع منشورات في المدينة معلنا فساد النظام القضائي. لم تخلف الشخصية الغامضة أثرا وراءها، وأخذت الشائعات تنتشر في المدينة بأن هروبه تم بطريقة خارقة للطبيعية. هل يمكن أن تكون المآثر التاريخية البطولية لهذا الرجل هي أساس أحد أشهر أبطال القصص الخيالية «زورو»؟ شخصية «زورو»، هي من ابتكار المؤلف الأمريكي «جون ستون ماكالي» عام 1919، والتي قدمت لاحقا عبر أفلام ومسلسلات هوليود، لكن قد لا تكون قصة زورو خيالية بالكامل؟ «فابيو ترونكارييلي»، برفيسور أكاديمي إيطالي، درس أعمال «جون ستون ماكالي»، يوضح قائلا: ألّف ماكالي العديد من الكتب تخص شخصيات مزدوجة الهوية لرجال يختلفون في النهار والليل، وربما اقتبس «ماكالي» شخصية «زورو» من الخارجين عن القانون الذين كانوا موجودين في كاليفورنيا خلال فترة التهافت على الذهب وربما استلهمها من شخصية «روبن هود». لدى»ترونكارييلي» نظريته التي يشرحها كالتالي: «في أمريكا في ذلك الوقت كان هناك اهتمام كبير بتاريخ المكسيك بسبب الثورة المكسيكية، وبزغ خلالها نجم مؤلف مكسيكي، ربما أسر مخيلة ماكالي، لم يكن سوى الكاتب «فسينتي ريفا بلاسيو»، الكاتب والسياسي والمفكر والمؤرخ الذي ألف العديد من الأعمال الشاملة. تحقيقات «ترونكارييلي» كشفت أن كتب «بلاسيو» لم تكن خيالية فقط، بل قصصا تاريخية حقيقية حين كانت المكسيك مستعمرة إسبانية كما يكشف الأرشيف الوطني بإسبانيا. في القرن السابع عشر في المكسيك أكثر مؤسسة كان الناس يهابونها ويحترمونها هي محاكم التفتيش. يؤكد «فرانسيسكو إيسا باروسو» عضو الأكاديمية الهندية للعلوم بجامعة وارويك أن «بلاسيو» قضى وقتا طويلا في مراجعة الوثائق والأرشيف وكان مهووسا بالسجلات التي احتفظت بها محاكم التفتيش وبدأ في كتابة قصص حقيقية حول حياة واقعية وجرائم حقيقية ومن الشخصيات الموثقة «غويان لامباردو». تم الكشف عن تفصيل مثير للاهتمام عن حياة «لامباردو»، إنه ليس مكسيكيا أو إسبانيا، بل إيرلنديا واسمه الحقيقي هو «وليام لامبورت»، ووجد «ريفا بلاسيو في محاكمة «لامباردو» مادة خصبة لمؤلفاته.. لقد كتب بلاسيو فصلا حول»لامباردو» باسم، «زورو.. الذئب الثعلب» وفي رواية أخرى هناك شخصية «إل زورو». هل يكون «الدون دييغو دي لا فيغا» المعروف ب«زوور» هو «غويان لامباردو؟ لامباردو أو لامبروت «غويان لامباردو» باسمه الحقيقي «وليام لامبورت»، ولد في جزيرة ويكسفورد الإيرلندية ثم انتقل إلى دبلن ومنها إلى لندن. كان معلموه يعتبرونه طفلا عبقريا لذكائه الشديد، لكن في انجلترا في تلك الفترة كانت فترة صراع ديني كبير بصفته كاثوليكيا فقد اضطهد من طرف السلطات البروتستانتية. غادر «وليام» بلاده على متن سفينة سرعان ما استحوذ عليها القراصنة لينضم إليهم وأصبح واحدا منهم لمدة سنتين قبل أن يقفز ويشق طريقة إلى شمال إسبانيا، التي كانت تحكم إمبراطورية عالمية كبيرة آنذاك. كان الملك الإسباني فيليب الرابع يتعاطف مع الإيرلنديين الكاثوليك، وبما أن «وليام لامبورت»، ذكي ومقدام فقد عرض خدماته على خادم محلي عرفه بدوره على السياسي المحنك «الكونت اوليفارز»، صاحب السلطة المطلقة والقوة الكامنة وراء عرش إسبانيا، وليثبت أنه خادم وفيّ لإسبانيا غير «وليام لامبروت» اسمه إلى «غويان لامباردو» . عام 1640 إسبانيا الجديدة، المكسيك، كانت من أهم مستعمرات الإمبراطورية الإسبانية، وكان هناك توتر بين الهنود والمستعمرين، فأمر «أولفاريز» بإرسال بعثة من ضمنها «لامبروت» بمهمة جديدة.. إنها حياة مزدوجة سيعيشها الشاب الإيرلندي، أرستقراطي خلال النهار وجاسوس في الليل، مهمته إرسال التقارير إلى الكونت الإسباني. كشفت الحياة الجديدة صدمة ل»لامبروت»، لقد صدم حين وقف على فساد النخبة الإسبانية الحاكمة بالمكسيك، حيث العبيد والهنود الذين يمثلون غالبية المجتمع يعيشون في فقر شديد ويتم استغلالهم وبشكل بشع وفي كثير من الأحيان يتم قتلهم بلا رحمة. انزعج «لامبروت «من فساد النخبة الحاكمة في الإسبانية وفوجئ أكثر حين أدرك حالات استغلال في الكنيسة الكاثوليكية والسلطة التي تحكمها، أي محاكم التفتيش. وبعد سنتين تغيرت أفكار «لامبروت» حول المستعمرة بشكل جذري وتوصل إلى أن حكم الإسبان ليس الحل، فقرر تحقيق الأفضل للمستعمرة لقد قرر أن يثور. شرع «لامبروت» في كتابة مسودة إعلان الاستقلال (لازالت موجودة حتى يومنا)، وهي مسودة سبق تاريخها تاريخ الثورة الفرنسية والأمريكية بقرن من الزمن. .بدا كأن خطته تسبق زمنه بكثير.. الإعلان هو عمل رجل مثقف يبين أنه سيتم إبطال العبودية وأنه سيتم انتخاب الحكومة الملكية، وأنه أي «لامبروت» سيكون الملك. لكن في عام 1642 اعتقل «لامبروت» من طرف محاكم التفتيش واتهمته بالتحالف مع الشيطان وواجه محاكمة طويلة. وأثناء وجوده في السجن ادعى أنه عميل للملك ثم بدأ يبعث من سجنه برسائل استنكارية. الهروب الكبير ونهاية لامبروت تم تجاهل جميع رسائل «لامبروت» وبعد 8 سنوات داخل الزنزانة، قرر تولي الأمور بنفسه وخطط طويلا قبل أن يشرع في تنفيذ ما قرره. وفي يوم عيد الميلاد 1650 وبمساعدة من زميله في الزنزانة «بينتو» فر من السجن بطريقة بطولية، حيث اخترق نافذة الزنزانة وكسر القفل الحديدي للبوابة وتسلق الجدران وتنفس الحرية. في الليلة نفسها وزع «لامبروت» منشورات بالمدينة كما أنه وضع ملصقات على باب الكتدرائية شبيهة بقصص «زورو» التي جاءت من بعده. كان هروبه ناجحا بكل المقاييس لكشف الفساد في قلب محاكم التفتيش وكان التصرف المنطقي أن يهرب ويختبئ، لكنه اقترف خطأ قاتلا خلافا لزميله «بينتو»، الذي نحج في الهروب خارج المدينة.. لقد اختار الاختباء بالمدينة فتم اعتقاله بعد بضعة أيام. بينما استمر البطل الخيالي «زورو» في الهرب من السلطات حسم مصير «لامبروت» بعد 17 سنة في السجن، حيث وجدت محاكم التفتيش أنه مذنب بالهرطقة وحضّرت لإعدامه حرقا أمام الملأ، لكنه تمكن من القفز بعيدا عن ركام الأخشاب المحترقة وخنق نفسه بالطوق الحديدي. في مركز «ميكسيكو ستي»، حيث وضع نصب لأبطال الاستقلال وفي مكان ضليل بالحديقة ينتصب تمثال كتب عليه «غويان لامباردو»، تكريما للشاب الإيرالندي الذي آمن بالحرية، ربما هو أصل شخصية «زورو» المكسيكية في جموحها وشجاعتها.