لفتيت ينفي تدخل الإدارة في انتخابات 2021 ويدعو إلى تخليق الحياة السياسية    تعيين قائد جديد لمطار طنجة تزامنًا مع اقتراب انطلاق "كان 2025"    هولندا.. محاكمة مغربي متهم بقتل شخص طعنا : انا مختل عقليا ولست ارهابيا    مجلس جهة طنجة يصادق على مشاريع النقل الحضري والسدود وتدبير المنشآت الرياضية والبيئة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    مدير "يوروفيجن" يتوقع مقاطعة خمس دول للمسابقة بسبب مشاركة إسرائيل    اسم وهوية جديدان لمدرسة خليل جبران    نتفلكس تقترب من أكبر صفقة لشراء استوديوهات وارنر وخدمة "HBO Max"    ميسي يثير الغموض مجددا بشأن مشاركته في كأس العالم 2026    مجلس النواب يمرر مشروع مالية 2026.. وفتاح: يجسد أسس مسيرة المغرب الصاعد    الحكومة تمدد وقف استيفاء رسوم استيراد الأبقار والجمال لضبط الأسعار    بوريطة: مغالطات "الاستفتاء" انتهت .. والحكم الذاتي يُنفَّذ دون وصاية دولية    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    "أمريكا أولا"… ترامب يعلن استراتيجية تركز على تعزيز الهيمنة في أمريكا اللاتينية وتحول عن التركيز عن آسيا    وزارة الصحة تؤمّن نقلاً طبياً مستعجلاً لمريض في وضعية حرجة من الراشيدية إلى CHU طنجة    بوريطة: نحضر لنسخة محدَّثة وشاملة من مشروع الحكم الذاتي... والمفاوضات المقبلة ستُعقد برعاية أمريكية ووفق إطار أممي لحل نهائي    ماكرون يصف الحكم على صحافي فرنسي في الجزائر بأنه "ظالم"    الغلوسي: مسؤولون فاسدون استغلوا مواقع القرار للسطو على أموال برنامج "مراكش الحاضرة المتجددة"    مدينة الخبر تستعد لليلة الحسم في نهائيات PFL MENA    بوريطة في حوار مع وكالة إيفي يؤكد التحول الحاسم في قضية الصحراء: لا أحد قال إن تقرير المصير يعني الاستفتاء    خلال 20 عاما.. واشنطن تحذر من خطر "محو" الحضارة الأوروبية    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الأحمر    استئنافية مراكش تُنصف صُنّاع "انت باغية واحد" في نزاع العائدات الرقمية مع "ديجي فان"    سعر النحاس يقفز لمستوى قياسي وسط تفاؤل التوقعات ومخاوف الإمدادات    مبيعات الإسمنت تتجاوز 71 مليون طن    مراجعة مدونة الأسرة.. من نزال الفضاء العام إلى "حصان طروادة"!    التوفيق: 1500 إمام إفريقي تلقوا التأهيل في المغرب خلال 10 سنوات    تقرير: واحد من كل ثلاثة فرنسيين مسلمين يقول إنه يعاني من التمييز    قصيدةٌ لِتاوْنات المعْشوقة.. على إيقاع الطّقْطُوقة!    الرسالة الملكية توحّد العلماء الأفارقة حول احتفاء تاريخي بميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم            باقتراح من بوعياش... التحالف العالمي ينكب على تحديات وفرص الذكاء الاصطناعي والفضاءات الرقمية وأثرها على فعلية الحقوق    مونديال 2026.. أنظار العالم تتجه نحو واشنطن لمتابعة عملية سحب القرعة    كأس العرب.. مدرب منتخب قطر يوجه تحذيرا صارما إلى سوريا وفلسطين    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    استقرار أسعار الذهب مع ترقب بيانات التضخم الأمريكية    كيوسك الجمعة | 72% من المغاربة يتصدقون بأموالهم لفائدة الجمعيات أو للأشخاص المحتاجين    النيجيري ويليام تروست-إيكونغ يعلن اعتزاله الدولي    ترقب مغربي لما ستسفر عنه قرعة مونديال 2026 اليوم بواشنطن    المنتخب المغربي للتايكوندو ينتزع ميدالية ذهبية في بطولة العالم لأقل من 21    التنسيق النقابي في قطاع الصحة يعلن وقفات احتجاجية وطنية ويدعو إلى مقاطعة انتخابات "المجموعة الترابية" طنجة تطوان الحسيمة    مدرب عمان: جودة المغرب الفردية والجماعية تجعلهم منافسا قويا    "المثمر" يواكب الزيتون بمكناس .. والمنصات التطبيقية تزيد مردودية الجَني    لمياء الزايدي .. الصوت الذي يأسر القلوب ويخطف الأنفاس    مبادرة "Be Proactive" تعزّز الوقاية من حساسية الأسنان في عيادات المغرب        بين الراي والراب الميلودي... Wrapped 2025 يرصد التحولات الموسيقية بالمغرب    "حبيبتي الدولة".. من تكون؟!: في زمن التشظي وغياب اليقين    دراسة: الرياضة تخفف أعراض اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه    الشرفي يلقي خطاب عضوية "أكاديمية المملكة" ويرصد "غزو علمنة المجتمع"    نصائح صحية: هذه الأغذية تهددك ب"النقرس"!    "الصحة العالمية" توصي بأدوية "جي إل بي-1" لمكافحة السمنة    التهراوي : انخفاض حالات الإصابة الجديدة بالسيدا خلال السنوات العشر الأخيرة    تحديد فترة التسجيل الإلكتروني لموسم حج 1448ه    الأوقاف تكشف عن آجال التسجيل الإلكتروني لموسم الحج 1448ه    موسم حج 1448ه.. تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    موسم حج 1448ه... تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هكذا انتقلت حرب البترول من اليابسة إلى البحار
من آسيا إلى جزر الكاريبي.. بسبب التسابق على التنقيب عن النفط في أعماق البحار
نشر في المساء يوم 10 - 02 - 2015

تتوالى المناوشات الواحدة تلو الأخرى بمنطقة المحيط الهادي بآسيا. آخر تلك المناوشات تتعلق بتحركات بعض الدول من أجل السيطرة على مناطق بحرية متنازع عليها، تزخر باحتياطيات هامة من الغاز والنفط، وتنذر بنشوب نزاعات قوية قد تتحول إلى حروب فتاكة.
بداية شهر ماي 2014، أثار وضع منصة للتنقيب عن النفط داخل المياه المتنازع عليها ببحر الصين الجنوبي الكثير من التساؤلات حول النوايا الصينية. فحسب العديد من الملاحظين الغربيين، سعت بكين من خلال ذلك إلى إظهار بأنه في مقدرتها فرض قوتها وثني الدول الطامعة في السيطرة على تلك المياه، بما في ذلك الفيتنام والفليبين، عن السعي وراء تحقيق ذلك. ويندرج ذلك «في إطار سلسلة من التحركات التي يخوضها الصينيون في الأعوام الأخيرة من أجل تأكيد السيطرة الإقليمية للبلاد على بعض الأجزاء المتنازع عليها (بحر الصين الجنوبي)»، حسب السيدة إيريكا داونز، الخبيرة المختصة في الشؤون الصينية بمعهد بروكينز بواشنطن. علاوة على ذلك، تضيف هذه الأخيرة، سعت الصين إلى استعادة السيطرة على جزيرة سكاربورو الخالية من السكان والتي تتنازع عليها الصين مع الفيلبين، فضلا عن تكرر عمليات التضييق على سفن المراقبة الفيتنامية.
بالنسبة لعدد آخر من الخبراء، تعد هاته الممارسات تعبيرا منطقيا عن بروز الصين كقوة إقليمية كبيرة. وبينما لم تكن الصين مؤهلة حتى وقت قريب لحماية مجالها البحري، فقد أصبحت في الوقت الراهن قوية بما يكفي للقيام بذلك، يؤكد الخبراء. بيد أنه، وبمعزل عن كون الاعتبارات الوطنية والجيوسياسية قد لعبت بالتأكيد دورا حاسما في اتخاذ القرار بتنصيب منصة التنقيب HYSY-981، فلا ينبغي تبخيس الربح الملموس الذي تشكله هاته المنصة في عمليات البحث عن حقول النفط والغاز الطبيعي.
وأمام تزايد الحاجيات الصينية من الموارد الطاقية، تبغض السلطات فكرة الاعتماد بشكل متصاعد على الدول المصدرة بإفريقيا والشرق الأوسط، التي لا يمكن التعويل عليها بشكل تام. وتحاول السلطات الحصول على جزء أكبر من حاجياتها الطاقية بالاعتماد على الموارد الداخلية، بما في ذلك حقول النفط بالمناطق البحرية ببحر الصين الشرقي والجنوبي، التي تفترض أنها تحت سيطرة الصين. وتتمنى السلطات الصينية كذلك احتكار عملية استغلال تلك الموارد الطاقية.
بكين وتايوان على نفس الخط
حتى وقت قريب، عرفت هذه المياه العميقة عمليات تنقيب محدودة، رغم أن الحجم الحقيقي للموارد الطاقية التي توجد في باطنها مازال مجهولا. وتقدر وكالة المعلومات الطاقية الأمريكية، التابعة لوزارة الطاقة الأمريكية، أن بحر الصين الشرقي يضم ما بين ستين ومائة مليون برميل من النفط، وما بين ثماني وعشرين وست وخمسين مليار متر مكعب من الغاز. والخبراء الصينيون يقدرون وجود كميات أكبر بكثير من ذلك.
وقد قامت الصين بالاستثمار بشكل مكثف في تطوير تقنيات التنقيب عن النفط بأعالي البحر. وفي إطار مساعيها لتقليص درجة اعتمادها على التكنولوجيا الأجنبية، خصصت شركة النفط الصينية بالمناطق البحرية أزيد من 830 مليون أورو من أجل تشييد منصة التنقيب HYSY-981، وهي أول منصة قابلة للغوص بالبلاد. هذه المنصة مزودة بجسر يصل حجمه إلى ملعب كرة قدم وبرج للتنقيب يتساوى طوله مع طول مبنى يضم أربعين طابقا، ويمكن توظيفها في عمليات تنقيب يصل عمقها إلى ثلاثة كيلومترات تحت الماء، واثنا عشر كيلومترا على اليابسة. وتدعي الصين أن بحر الصين الجنوبي يشكل نحو 90 في المائة من المياه تحت السيادة الإقليمية للصين، بالاعتماد على خريطة نشرتها في البداية الحكومة الوطنية في العام 1947، والتي تحمل عنوان «خط النقاط التسع»، نسبة إلى سلسلة من تسع نقاط تحيط بالمنطقة. وتطالب أربع دول أخرى (بروناي، وماليزيا، وفيتنام، والفليبين) بالحصول على مناطق اقتصادية خاصة داخل نفس الرقعة البحرية. أما التايوان، التي تعتمد كمرجع على نفس خريطة الجمهورية الصينية الشعبية، فتطالب بالمنطقة بأكملها.
وداخل بحر الصين الشرقي، ترى بكين أن سفحها القاري الخارجي يمتد غربا إلى حدود خندق أوكيناوا، في مكان لا يبعد كثيرا عن الجزر الواقعة عرض البحر المقابل لليابان. أما الصين فتطالب بالحصول على منطقة اقتصادية خاصة حتى حدود الخط الذي يقسم إلى نصفين المسافة البحرية بين الصين والخندق. بيد أن الشركات الصينية شرعت في إنجاز عمليات تنقيب في منطقة تقع مباشرة غربي الخط الفاصل، وفي استغلال حقل غاز طبيعي يمتد إلى حدود المناطق التي تطالب بها اليابان.
هذا التنافس الشرس على موارد الطاقة يوضح درجة الاعتماد المتصاعد لدول العالم على النفط والغاز المتواجد بأعماق البحار بدل الاحتياطات الموجودة على اليابسة. وحسب الوكالة الدولية للطاقة، فإن إنتاج النفط الخام انطلاقا من الحقول الموجودة حاليا، الواقعة في أغلبها على اليابسة على المياه الساحلية قليلة العمق، سينخفض بالثلثين ما بين 2011 و2035. هذا التراجع، توضح وكالة الطاقة الدولية، يمكن تلافي تبعاته في حال تعويض الحقول الحالية بأخرى جديدة، بالقطب الشمالي، والمياه العميقة بالمحيطات، وتشكلات صخور الشيست بأمريكا الشمالية. تم الحديث بشكل كبير عن استخراج النفط والغاز من صخور الشيست بالاعتماد على التكنولوجيا الحديثة بالولايات المتحدة الأمريكية. غير أنه تم تخصيص جهود أكبر من ذلك بكثير لتطوير الموارد البحرية. وحسب المحللين العاملين بمؤسسة «كامبريدج اينيرجي ريسورش اسوشياتس» الاستشارية، فإن الاكتشافات الجديدة لاحتياطات نفطية بالمياه العميقة (التي تفوق 400 متر) يساوي إجمالي الاحتياطي المتواجد على اليابسة، حسب المعطيات التي تم تحيينها بين 2005 و2009، خارج منطقة أمريكا الشمالية. أكثر من ذلك، تشكل الاكتشافات بالمياه جد العميقة (على عمق يزيد عن 500 متر) قرابة نصف الاكتشافات التي تمت في العام 2010.
في بعض الحالات، تتواجد حقول النفط التي سيتم الشروع في استغلالها داخل المياه المنتمية إلى منطقة اقتصادية خاصة لدولة معينة، والتي قد تمتد ل 200 ألف عقدة بحرية (370 كيلومترا) على طول الشريط الساحلي للدولة المعنية. يمكن ذلك من تلافي الخلافات التي قد تنشأ بين الدول على شاكلة ما يجري داخل البحرين الصينيين الشرقي والجنوبي. وعلى سبيل المثال، اكتشفت البرازيل العديد من الحقول المهمة في حوض «دي سانتوس»، جنوبي الأطلسي، على بعد حوالي 180 كيلومترا شرقي ريو دي جانيرو. بيد أنه داخل المناطق التي تزخر باحيتاطيات واعدة، لم تقم أي دولة بإنشاء مناطق اقتصادية خاصة، وتظل أنشطة التنقيب محط الكثير من الخلافات.
وتظهر أغلب الخلافات داخل البحار شبه المغلقة، مثل بحر قزوين، وبحر الكارايبي والبحر الأبيض المتوسط. وقد يصعب بشكل كبير في بعض الأحيان وضع الحدود البحرية إما بسبب وجود شريط ساحلي غير منتظم، أو تواجد عدد كبير من الجزر، تكون بعضها محط تنازع بين الدول حول من يملك السيادة عليها. في المقابل، تضم اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، التي تعود إلى العام 1982، مجموعة كبيرة من التدابير التي تخضع لتأويلات عديدة. وفي الوقت الذي قد تقوم فيه دولة بالمطالبة، بناء على أحد بنود الاتفاقية من أجل الحصول على منطقة اقتصادية خاصة تمتد على مسافة 200 ألف عقدة بحرية من الساحل (كما هو الشأن بالنسبة لليابان ببحر الصين الشرقي)، يمكن لدولة أخرى المطالبة بتفعيل بند مغاير سيخول لها ممارسة السيطرة على سفح الشريط الخارجي، رغم كون ذلك يضم المنطقة الاقتصادية الخاصة للدولة المجاورة (كما تقوم بذلك الصين). ورغم أن الأمم المتحدة قد أقامت محكمة خاصة من أجل تسوية الخلافات (المحكمة الدولية لقانون البحار)، فإن العديد من الدول ترفض الاعتراف بشرعيتها، وهو ما يفتح المجال أمام تواصل الخلافات. بعض الدول الأخرى تبنت مواقف متصلبة، مهددة باللجوء إلى القوة العسكرية من أجل الحفاظ على سيطرتها على ما تعتبره بمثابة المصالح الوطنية الأساسية.
الأخطار متعددة جدا، كما هو الحال بالنسبة للمياه الأطلسية الجنوبية التي تحيط بجزر المالوين (فالكلاند بالنسبة للبريطانيين)، والتي تتنازع حول السيادة عليها المملكة المتحدة والأرجنتين. وقد دخل البلدان في العام 1982 في حرب قصيرة الأمد لكنها كانت دموية من أجل السيطرة على الأرخبيل، وهي الحرب التي كان خلالها الحس الوطني وحفنة المسؤولين السياسيين المعنيين (مارغاريت تاتشر بلندن وطغمة عسكرية ببوينس ايرس) المحفز الرئيسي لها. منذ تلك الحقبة، اتفق المعسكران على العيش في سلام، من دون أن يتم حل إشكالية من يمتلك الحق في السيادة. بيد أن اكتشاف حقول النفط والغاز بالأعماق البحرية لجزر المالوين أعاد إحياء الخلافات. وقد أعلنت لندن منطقة اقتصادية خاصة مسافة 322 كيلومترا المحيطة بالجزر، وسمحت للشركات المتواجدة بالمملكة المتحدة بالقيام بعمليات تنقيب داخل هذا المجال. من جانبها، أكدت الأرجنتين أن سفح شريطها الساحلي الخارجي يمتد إلى جزر المالوين، وبأن تلك الشركات التي تقوم بعمليات التنقيب تقيم بشكل غير قانوني في التراب الأرجنتيني. وكمؤشر على التنديد، منعت السلطات السفن البريطانية التي تقوم بالأنشطة المرتبطة بالنفط بالبحار من الرسو بموانئ الأرجنتين، وهددت باتخاذ المزيد من ردود الفعل. وكرد على ذلك، قامت لندن بتعزيز وحداتها الجوية والبحرية بالأرخبيل.
تقاسم خيرات المناطق المتنازع عليها
تسود حالة أكثر خطورة بالضفة الشرقية للبحر الأبيض المتوسط، حيث تطالب كل من إسرائيل، ولبنان، وسوريا، وقبرص، والجمهورية التركية لقبرص الشمالي، فضلا عن السلطة الفلسطينية بغزة، بالحصول على حقها في استغلال الاحتياطات النفطية والغازية الواعدة. وحسب مكتب الدراسات الجيولوجية الأمريكي (يونايتد ستايتس جيولوجيكال سيرفي)، فإن حوض بلاد الشام، الذي يمثل الجزء الشرقي من البحر الأبيض المتوسط، يضم احتياطيا من الغاز الطبيعي يقدر بثلاثة آلاف وأربع مائة مليار متر مكعب، أي ما يمثل نفس مقدار الاحتياطي الذي تم التحقق من وجوده بالعراق.
في الوقت الراهن، تظل إسرائيل الدولة الوحيدة المطلة على البحر الأبيض المتوسط التي تقوم بشكل منهجي باستغلال الاحتياطيات. وقد بدأ الإنتاج في مارس 2013 انطلاقا من حقل الغاز الطبيعي «تامار»، وتستعد تل أبيب للشروع في استغلال حقل الغاز الطبيعي بحوض بلاد الشام، الذي يمتد على مساحة أكبر بكثير، رغم أن المشروع تسبب في امتعاض كبير داخل دولة لبنان، التي تطالب بجزء من هاته المياه. وفي غضون ذلك، قامت قبرص بمنح تراخيص للشركة الأمريكية «نوبل اينيرجي»، والفرنسية «طوطال»، والإيطالية «إيني» من أجل الشروع في وضع محطات للحفر داخل نطاقها البحري، وتسعى للشروع في عمليات الاستغلال خلال السنوات القادمة. من جانبها قامت تركيا، وفي خطوة لدعم الترك الموجودين بقبرص، بالتنديد بشدة بهاته القرارات.
كما أن نزاعات مماثلة ظهرت في مناطق بحرية أخرى غنية بالموارد الطاقية، بما في ذلك بحر قزوين (حيث تتقاسم إيران حدودا بحرية متنازع عليها مع أذريبدجان وتركمنستان)، والمياه المتواجدة بالشمال الغربي لضفاف أمريكا الجنوبية (حيث تطالب كل من غويانا وفنزويلا بأحقية استغلال منطقة محتملة لاستخراج النفط). وفي كل هاته المنازعات، يمتزج حس وطني ملتهب مع رغبة لا محدودة في الحصول على الموارد الطاقية، ما يفضي إلى ظهور تصميم عنيد من أجل السيطرة على حقول النفط والغاز.
وبدل اعتبار هاته الخلافات بمثابة مشكلة تهم دول العالم بأكملها، وتتطلب استراتيجية خاصة للوصول إلى حلها، اختارت القوى العظمى الوقوف في صف الدول المتحالفة معها. وبالتالي، وفي ظل التظاهر بالالتزام بالحياد بخصوص مسألة من تحق له السيادة على جزر (سنكاكو/ديايو)، الواقعة ببحر الصين الشرقي، أكدت الحكومة الأمريكية تحت إدارة باراك أوباما في مناسبات عديدة بأنها ستدعم دولة اليابان، التي تتولى إدارة هاته الجزر، والتزمت بمساعدة طوكيو في حال التعرض لهجمة صينية. هذا الموقف نددت به بكين معتبرة إياه مواجهة غير مقبولة. كما يصعب ذلك بكثير إقناع الأطراف المتنازع بالجلوس على طاولة المفاوضات من أجل الوصول إلى حل مرضي للجميع، ولتفادي استفحال الأمور. ومن أجل إبطال أي تهديد محتمل، تفرض عدة مبادرات نفسها على أرض الواقع؛ بما في ذلك توفير شروحات أكثر دقة بشأن حقوق الدول المطلة على السواحل في إقامة مناطق اقتصادية خاصة بأعالي البحار؛ وكذا حذف النقاط الغامضة التي تثيرها اتفاقية الأمم المتحدة حول قانون البحار؛ فضلا عن القيام بجهود دولية حثيثة من أجل إقامة الهيآت المحايدة التي يمكن اللجوء إليها لإيجاد حلول للنزاعات بعد المفاوضات السلمية.
وفي انتظار بلورة مثل هاته الإجراءات، يتعين على الأطراف المتنازعة العمل على استغلال المجالات المتنازع عليها بالتعاون، وهي الاستراتيجية التي تبنتها كل من ماليزيا والتايلاند بخليج التايلاند، وكذا نيجريا وساو توم وبرنسيبي بخليج غينيا. وفي غياب جهود تصب في هذا الاتجاه، يمكن للخلافات حول المناطق البحرية التي زادت من حدتها مسألة الأحقية باستغلال الموارد الطاقية أن تعصف بدول العالم في القرن الحادي والعشرين، على شاكلة ما حدث من صراعات ونزاعات على الحدود البرية خلال القرون الماضية.
* عن «لوموند ديبلوماتيك»


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.