نجحت وزارة العدل والحريات في تمديد مدة توثيق الزواج من خلال ثبوت الزوجية، لمن فاتهم هذا الإجراء. وعلى الرغم من أن البعض رأى في ذلك تصحيحا لأخطاء ارتكبت في ظروف خاصة، فإن الكثيرين عادوا إلى طرح السؤال المستفز: ألن تساهم الوزارة الوصية، بذلك، في تشجيع زواج القاصرات الذي جاءت مدونة الأسرة للحد منه؟ حينما نسترجع حكايات عدد من القاصرات اللواتي عقد عليهن، سواء برضاهن أو رغما عنهن، واللواتي تعرضن للاغتصاب، وللقتل أحيانا، لا بد أن نوجه أصابع الاتهام إلى هذه الصيغة الاستثنائية التي منحت لقاضي الأسرة الحق، بموجب المادة 20 من مدونة الأسرة، في أن يأذن بزواج الفتى أو الفتاة دون سن الأهلية الذي حددته المدونة في 18 سنة. غير أنه استثناء مشروط بمقرر معلل يبين فيه قاضي الأسرة المصلحة والأسباب المبرِّرة لذلك، بعد الاستماع إلى أبوي القاصر أو إلى نائبهما الشرعي، كما تقول بذلك صراحة المادة 21، مع الاستعانة بخبرة طبية أو إجراء بحث اجتماعي. هل تحترم كل هذه الشروط، اليوم، في تزويج القاصرات، خصوصا ما يتعلق بالخبرة الطبية والبحث الاجتماعي؟ تكاد الإحصاءات، سواء التي تقدمها وزارة العدل والحريات أو تلك التي تتسرب لبعض الجمعيات المهتمة، تجزم بأن الاستثناء تحول، اليوم، إلى قاعدة؛ فعدد الطلبات الموضوعة أمام هذه المحاكم من أجل الترخيص بزواج قاصرات يتجاوز سنويا أربعة آلاف طلب، يتم الترخيص فيها لأكثر من الثلثين؛ وهو ما يعني أن فلسفة الزواج، التي حملتها المدونة، لم تحترم لأنها تتحدث عن أن الأهلية محددة في سن الثامنة عشرة، وليس في أقل من ذلك. لهذا سجل المهتمون جملة من الخروقات التي ترافق مسطرة هذا الاستثناء، ومن ذلك أن الظروف التي يتم فيها الاستماع والبحث مع القاصر لا تتيح لها التعبير عن إرادتها بشكل صريح، خصوصا ما يتعلق بالقبول؛ كما أنه لا يتم التحري بشكل دقيق ومعمق، في إطار بحث اجتماعي، عن وجود إجبار وإكراه مادي أو معنوي من عدمه، حتى يتم الوقوف عند توفر القبول الصريح. زد على ذلك أن الخبرة الطبية، التي تتحدث عنها المادة 20 من المدونة، غالبا ما يتم القفز عليها وتعويضها بشهادة معاينة طبية. أما مبررات طلبات الزواج من قاصرات، والتي وجدت موافقة من قبل قضاء الأسرة في عدد من الجهات، فتبدو غير سليمة. ومن ذلك، مثلا، الحديث عن القدرة الجسمية لتحمل أعباء الزواج، وكأن هذه الأعباء والمسؤوليات تختزل في الأعمال المادية الجسدية؛ واعتبار الظروف الاجتماعية والاقتصادية للقاصر؛ والنظر إلى علاقة القرابة بين المخطوبين؛ ثم تقديم مبرر التقاليد السائدة في بعض المناطق والقروية على الخصوص. كان المنطق يفرض أن تتحرك وزارة السيد الرميد لتصحيح هذه الاختلالات، لا منح فرصة أخرى للبعض لكي يتاجر في زواج القاصرات الذي يترك خلفه الكثير من الويلات. كان الموضوع، ولايزال، يفرض العمل على تطبيق الاتفاقية الدولية المتعلقة بحقوق الطفل، وتحديد السن الأدنى لمنظومة الاستثناء هذه في 17 سنة، مع سَنِّ عقوبات زجرية في حالة تزويج القاصر دون إذن، أي دون عقد لفرض الأمر الواقع بعد الحمل، كما أصبح معمولا به في الكثير من الحالات، أو في حالة ثبوت تحايل وتدليس في السن للحصول على إذن بالزواج، ثم العمل على تعديل المادة 20، وذلك بالجمع بين الخبرة الطبية والبحث الاجتماعي، وليس الاكتفاء بأحدهما. على أن يكون إجراء الخبرة الطبية، المنصوص عليها في المادة 20، بمفهومها القانوني والمسطري، بما في ذلك الأمر بها قضائيا، وتجديد نقاطها، وإسنادها إلى ذوي الاختصاص، جسمانيا ونفسيا. أما البحث الاجتماعي، فيجب أن يجرى في كل مجالاته، مع تعميقه وتحري الموضوعية باعتمادِ مختصٍّ، والتأكد بالأساس من عدم وجود إجبار أو إكراه. إن حكاية زواج القاصرات تشكل اليوم واحدا من أكبر الإكراهات التي تقف أمام تفعيل سليم لمدونة الأسرة؛ فعلى الرغم من أن المدونة تحدثت عن الأصل، الذي هو سن الثامنة عشرة، وتركت الفرع لما هو أقل، فقد أصبح بعض المجتهدين يعتمدون الفرع بدلا من الأصل لأغراض ليست دائما نبيلة، ومن ذلك حكايات ثبوت النسب بالنسبة إلى حامل وهي لاتزال قاصرا، والتي يتم اللجوء إليها من أجل فرض الأمر الواقع أمام قاضي الأسرة؛ لذلك تفرض هذه المدة، التي قضتها المدونة، أن تنقح وتعدل من أجل أن يكون الزواج بالقوة والفعل فضاء لأسرة سليمة، وليس مجرد فرصة لإشباع الرغبات الجنسية.