يقول الله سبحانه وتعالى: «وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ». وفي آية ثانية: «وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً». فإسلام الوجهِ لله عزّ وجل إسلام القصد والعمل للهِ عز وجل، والإحسان متابعة النبي عليه الصلاة والسلام. وفي آية أخرى: «وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً». عمل عظيم بلا إخلاص يجعله الله هباء منثورا، وعمل قليل مع الإخلاص يتقبلّه. إن موضوع الإخلاص خطيرٌ جدا، فقد يكون لك عمل كالجبال ولكن قد تبتغي به الدنيا أو السُمعة.. ومن أولى درجات الإخلاص أن لا ترى لك عملا ، لأن العملَ الصالح من توفيق الله و أنت في الصلاة تقرأ كلَّ يوم : إيّاكَ نعبدُ وإيَّاكَ نستعين، فلا حول عن معصية الله إلا بالله ولا قوة على طاعته إلا به. يقول الله تعالى في حديث قدسي: «أنا أغنى الأغنياء عن الشِرك من عَمِلَ عملا أشرَكَ فيه غيري فهو للذي أشركَ فيه وأنا منه بريء». وفي حديثٍ آخر يقول عزّ وجل للمرائي يومَ القيامة: «اذهب فخذ أجرك ممن عَمِلتَ له لا أجرَ لكَ عندنا». وفي أثر مروي عنه سبحانه وتعالى في حديث قدسي: «الإخلاص سِر من سري، استودعته قلبَ من أحببته من عبادي». ويقول النبي عليه الصلاة والسلام: «يا معاذُ، أخلص دينك يَكفِكَ القليلُ من العمل». ويقول مخاطبا سعد بن أبي وقاص: «يا سعدُ، إنكَ لن تُخلّفَ فتعملَ عملا تبتغي به وجه الله تعالى إلا ازددت به خيرا ودرجةً ورِفعةً». وعن عمر بنَ الْخَطَّاب رضِي اللَّه عَنْه قَال : سَمِعت رَسولَ اللَّهِ صَلى اللَّه عليهِ وَسلم يَقول: «إنَّما الأعْمالُ بِالنِّيات، وَإِنما لِكلّ امْرئ مَا نَوى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوْ إِلَى امْرَأَة يتزوجها، فَهِجرَته إِلَى مَا هَاجرَ إِلَيه). وكان من دعاء النبي عليه الصلاة والسلام: اللهم أنا بك وإليك، أنا قائم بك، كلّ ما عندي من فضلك، وإليك قصدي كله إليك. هذا الدعاء يعني أنتَ قائمٌ بالله، إنفاقك، خبراتك، أعمالك.. كلها بالله ويجب أن تكون لله. وقال بعضهم: الإخلاص نسيان رؤية الخلق بدوام النظر إلى الحق. مشغولٌ بالله عمّا سِواه، ومن تزيّنَ للناسِ بما ليس فيه سقطَ من عين الله، ولئن يسقط الإنسان من السماء إلى الأرض فتنحطم أضلاعه، أهون من أن يسقط من عين الله. و ذكر آخر: من شهِدَ في إخلاصه الإخلاص، فإخلاصه يحتاج إلى إخلاص. وقال أحد العلماء: ما أخلص عبد قط أربعين يوما إلا ظهرت ينابيع الحِكمة في قلبه وأجراها الله على لسانه. المخلص وغير المخلص: قد يسألُ سائل كيفَ أعرف ما إذا كنت مخلصا أو غيرَ مخلص؟ هناكَ إجابات أبرزها : أن يستوي عندك مدح الناس وذمهم هذه علامةٌ طيبة. ثم أن تبتعدَ عن الرياء. العلامةٌ الثالثة: ألا تطلبَ شهودا على عملك إلا الله، وألا تطلب الجزاء على عملك إلا الله. والعلامة الرابعة: أن تؤثره على كلِّ ما سِواه. أما الخامسة: أن يكون الخلق كلهم سواسية والله تعالى هو قصدك ومبتغاك. النبي عليه الصلاة والسلام أعطانا بعض المقاييس فقالَ : «بَرِئ من الكِبرِ من حملَ حاجته بيده». و«بَرِئ من النِفاقِ من أكثَرَ من ذِكرِ الله» و»بَرِئ من الشُحِ من أدى زكاةَ ماله» و»بَرِئ من الغلِّ من أخلصَ في العمل، ونصحَ ولاةَ الأمر، ولَزِمَ جماعة المسلمين». (النبي عليه الصلاة والسلام في معركة مؤتة، أرسلَ إليها جيشا وعلى رأسه زيد بن ثابت فإذا قتل زيد فالقائد جعفر فإذا قُتلَ جعفر فالقائد عبد الله بن رواحة. ما الذي حصل؟ حينما دارت رحى المعركة سريعاً، لما سقطَ سيدنا زيد شهيداً، أخذَ الراية منه سيدنا جعفر، وسريعاً ما سقطَ شهيداً، جاء دور سيدنا عبد الله بن رواحة وكان شاعرا, ورأى صاحبيه تساقطا تِباعا بسرعة بالغة، يبدو أنه تردد وقال: يا نفسُ إلا تُقتلي تموتي هذا حِمامُ الموتِ قد صليتِ إن تفعلي فعلهما رضيت وإن توليتِ فقد شقيتِ ثم أخذَ الراية فقاتلَ بها حتى قُتل. نريد من هذه القصة أن النبي عليه الصلاة والسلام حينما بلغه النبأ جمعَ أصحابه وقالَ لهم: أخذَ الراية أخوكم زيد وقاتلَ بها حتى قُتل، وإني لأرى مقامه في الجنة، ثم أخذَ الراية أخوكم جعفر فقاتلَ بها حتى قُتل، وإني لأرى مقامه في الجنة، وسكتَ النبي عليه الصلاة والسلام، فلما سكتَ النبي عليه الصلاة والسلام، قَلِقَ أصحابه على عبد الله بن رواحة، قالوا: يا رسول الله! ما فعلَ عبدُ الله؟ قالَ: ثمَّ أخذَ الراية أخوكم عبدُ الله فقاتلَ بها حتى قُتل، وإني لأرى في مقامه ازوراراً عن صاحبيه). مرتبته هبطت درجة لأنه تردد ثلاثين ثانية، تردد لا في إنفاق ماله، لا في أن يذهبَ معكَ ليخدمكَ في موضوعٍ ما، ما تردد ليستقبلكَ في بيته، تردد في بذلِ نفسه في سبيل الله، ومع ذلك هبطت مرتبته درجة. أشياء ثلاثة تقدحُ في إخلاص الإنسان، الشيء الثالث أن تعجبه نفسه. والشيء الثاني: أن تُطالبَ الله بأجرةٍ على عملك وكأنك لا تعرفُ فضله عليك. والشيء الأول: أن تلاحظَ عملك وتكون مفتخرا به أو تنتظرُ الثناء عليه. عمر بن الخطاب: عملاق الإسلام له مواقف لا يعلمها إلا الله، كان يقول :ليت أم عمر لم تلد عمر، ليتها كانت عقيمة؟ وكان يقول رضي الله عنه: أتمنى أن أقدم على ربي لا لي ولا علي؟ لأنه كان مخلصا لله لأنه رأى عظم حق الله عليه مهما عبده ، مهما اخلص له مهما بذل من وقته مهما بذل من ماله لا يؤدي شيئا من حق الله عليه. إن الله طيبٌ ولا يقبل إلا طيبا، والطيبُ ما كانَ العملُ خالصاً لوجه الله تعالى لذلك القصد أن ننتبه لقلوبنا، أن نتفحصَ أعمالنا، أن ندققَ في نوايانا، أن نتأملَ الغايات البعيدة التي وراءَ أعمالنا.