في المشهد السياسي المغربي تُقاس المواقف بالمسؤولية لا بالشعارات الرّنانة ولا بالمزايدات الفارغة. ولعلّ ما حدث مؤخراً بخصوص ملتمس الرقابة ضد حكومة عزيز أخنوش، يكشف بما لا يدع مجالاً للشك من هو الحريص على المصلحة الوطنية، ومن يحترف المتاجرة بالمعارضة لتحقيق مكاسب سياسوية ضيقة. الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وهو الحزب العريق الذي لطالما كان في طليعة الدفاع عن الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، كان أول من بادر قبل أكثر من عامين إلى طرح فكرة ملتمس رقابة جاد ومسؤول، باعتباره آلية دستورية راقية لتقويم العمل الحكومي ومساءلة السلطة التنفيذية وفتح نقاش سياسي حقيقي بدل الركود الذي كان يسود في مقابل تغوّل الحكومة ومكوناتها الثلاث. إذ دافع الحزب عن هذا الخيار في زمن كان فيه الكثيرون يتهربون حتى من مجرد التفكير فيه. وحين اقتنع الآخرون أخيراً بجدواه، كان حرياً بهم أن ينخرطوا في النقاش بروح جماعية، لا بمنطق الغنيمة أو التموقع داخل الصورة. لكن ما حدث في الكواليس أبشع مما يتم تسويقه الآن، وما تَبيّن من مناورات بعض مكونات ما يسمى ب"المعارضة"، كان مخيباً للآمال. فبدلاً من مناقشة مضمون الملتمس وصيغته وأثره السياسي والبرلماني، تحولت النقاشات إلى صراع عبثي حول من يقرأ الملتمس، وكأننا أمام مسرحية رديئة السيناريو والإخراج. فحزب العدالة والتنمية الذي طالما قدّم نفسه (كحزب مسؤول) تقيّة منه واستغفالا للمغاربة كعادته انخرط بشكل غير مفهوم في هذا العبث، متناسياً أن الهدف من الملتمس ليس التباهي أو تصفية الحسابات، بل مساءلة حكومة فقدت البوصلة أمام التحديات الاجتماعية والاقتصادية المتفاقمة او على الأقل طرح نقاش سياسي حقيقي عوض حالة الركود السائدة. حزب المصباح المنطفئ نوره الذي فشل رفقة الحركة الشعبية والتقدم والاشتراكية في فرض لجنة لتقصي الحقائق حول موضوع "دعم الدراسات"، لم يجد بداً من اللحاق بمبادرة الاتحاد. لكن بدل الانخراط الصادق في مبادرة ناضل من أجلها حزبنا لسنوات ودفَع ثمنها سياسياً، اختار البعض مسارات تعكس أن الغاية لم تكن أبداً تحقيق الرقابة بقدر ما كانت محاولة للركوب على موجة المعارضة. إن قرار الاتحاد الاشتراكي بالانسحاب من مهزلة التنسيق العبثي، لم يكن هروباً من المواجهة، بل تعبيراً عن رفضه لممارسات لا تليق بمقام المعارضة الجادة، ولا تحترم ذكاء المغاربة. الاتحاد رفض أن يكون ديكوراً في مسرحية أُعدّت لإفشال المبادرة من الداخل، وفضّل أن يحفظ لنفسه كرامة المبادرة لا ذلّ التسويات الهجينة. وإذا كان إدريس الأزمي، في خرجته التلفزيونية الأخيرة، قد اختار أسلوب التحامل والرشق بالحجارة بدل تقديم الحجة والنقاش السياسي الرصين، فإننا نذكّره أن المغاربة لم ينسوا بعد من دافع عن التوظيف بالتعاقد، ومن مرّر قوانين التقاعد... قبل أن يكتشف "فضائل المعارضة" بعد أن لفظه الناخبون. ولهذا فحزب الاتحاد الاشتراكي لا يحتاج دروساً في النضال ولا في الجرأة، تاريخه يشهد له، ومعاركه كانت دائماً من أجل الوطن، لا من أجل الصناديق أو المقاعد. واليوم كما بالأمس سنواصل النضال بصفوف موحدة من أجل معارضة فعالة صادقة، ومسؤولة... لا تبحث عن الضوء بل تصنعه.