يقتحم كتاب «عن طريق الخداع» الأقبية السرية لجهاز المخابرات الإسرائيلية «الموساد»، ويتوغل في عوالمه المثيرة، من خلال الكشف عن عمليات غيرت مجرى التاريخ. ولأن فيكتور أوستروفسكي أكثر من شاهد على الخداع، فإن روايته للحوادث التي ساهم في ترتيبها وحبكتها، تتميز بالدقة في تقديم المعلومة، مما يجعل للكتاب أكثر من قيمة تاريخية وسياسية، خاصة حين يميط اللثام عن الحروب والدسائس التي يعرفها الجهاز، مما يضفي عليه صورة مروعة. تنشر «المساء» أبرز العمليات التي تضمنها هذا الكتاب، وتقدم السيناريوهات الخطيرة التي نسجها جهاز الموساد، على امتداد العمليات التي استهدفت الدول العربية، سيما التي يعتبرها الجهاز «تهديدا» للوجود الإسرائيلي في المنطقة. في أشهر الأنشطة التي قامت بها وحدة « آل» سرقة مواد أبحاث من واحدة من أكبر مؤسسات إنتاج الطائرات الأمريكية لمساعدة إسرائيل في ضمان عقد مدته 5 سنوات بقيمة 25.8 مليون دولار بتاريخ يناير 1986 لتزويد بحرية الولاياتالمتحدة ب21 طائرة بدون طيار من طراز «بايونير-1» وإنتاج مصانع مازلات البالغ طولها 16 قدما وتطلق من ظهر السفن، إضافة إلى معدات السيطرة الأرضية ومعدات الإطلاق والأدوات الخاصة باستعادة الطائرات، ولهذه الطائرات جهاز مراقبة تلفيزيوني مركب أسفلها، وهي تستخدم لأغراض الاستطلاع العسكري. ومازلات هي جزء من الصناعات الجوية الإسرائيلية وتاديران، اللتان تديرهما الدولة، وقد فازت بالعقد بعد أن نافست شركات أمريكية في مناقصة عام 1985. والواقع أن «آل» سرقت البحث، وقد كانت إسرائيل تسعى لإنتاج طائرة بدون طيار، إلا أنها لم تكن متقدمة بما يكفي للدخول في منافسة، وعندما لا تتحمل صناعة ما تكاليف الأبحاث فإنها تكون قادرة على المنافسة، ويكون لديها فارق جيد في السعر، وبعد الفوز بالعقد عقدت مازلات شراكة مع مؤسسة AAI في بالتيمور، ميريلاند لإتمامه. ووحدة «آل» شبيهة بوحدة «تسوميت»، بل ترسل تقاريرها مباشرة إلى الموساد. وخلافا لمحطات الموساد العادية فهي لا تعمل داخل السفارات الإسرائيلية، ومحطاتها موجودة في بيوت آمنة أو شقق، ويشكل كل ثلاثة عناصر من «آل» فريقا ويقيمون محطة أو وحدة، وعلى سبيل المثال لنقل إن العلاقات بين بريطانيا وإسرائيل قد انهارت لسبب من الأسباب، واضطر رجال الموساد إلى مغادرة المملكة المتحدة فإن في وسعهم إرسال فريق من «آل» إلى لندن وأن يقيم تنظيما سريا في اليوم التالي، ويعتبر كاتسات «آل» من أكثر الرجال خبرة في الموساد. والولاياتالمتحدة مكان لا حدود فيه للعواقب التي ننتج عن الفوضى، والعمل من خارج السفارة يخلق الكثير من الصعوبات، خاصة في مجال الاتصالات. وإذا ما قبض على رجال «آل» في الولاياتالمتحدة سيعتقلون بتهمة التجسس، فليس لهم حصانة دبلوماسية وليس لدى الموساد بشكل رسمي في واشنطن سوى محطة ارتباط ولا شيء غير ذلك، ومسألة أخرى تمنع العمل من خلال السفارة الإسرائيلية في واشنطن هي أنها تقع خلف مركز تسويق على جانب طريق يتجه صعدا إلى تل، ويتفرع عن طريق دولي وليس حوله من شيء سوى السفارة الأردنية الموجودة في مكان أبعد قليلا أعلى التل، وتشرف على السفارة الإسرائيلية، وهو مكان لا يصلح للقيام بنشاطات سرية وليست للموساد محطة في الاتحاد السوفياتي، رغم الشائعات المخالفة لذلك، و99.99 بالمائة من المعلومات التي تجمع عن الكتلة الشرقية تأتي بما يعرف باسم «الاستجواب الإيجابي»، الذي يعني ببساطة مقابلة اليهود المهاجرين من الدول الشرقية وتحليل المعلومات التي يقدمونها ومعالجتها، ويمكن جمع صورة جيدة عما يجري في الاتحاد السوفياتي بهذه الطريقة بدل إقامة وكالة استخبارات تعمل بنشاط لجميع المعلومات هناك، فالعمل الاستخباراتي في الاتحاد السوفياتي خطر جدا، والنشاط الوحيد الممكن هو مساعدة الناس في الخروج بإيجاد طريق للهرب وأشياء من هذا النوع، وتقوم منظمة مستقلة بهذا العمل برعاية الموساد يطلق عليها اسم «ناتف»، وتعني بالعبرية درب أو ممر. وللمعلومات من الكتلة الشرقية قيمة تبادلية، وإذا ما أضيفت إليها معلومات من دول أخرى مثل المعلومات الرادارية التي يقدمها الدانمركيون فإنها تساعد في تقديم معلومة واضحة. ولا يعي الأميركيون كمية المعلومات التي تعطى من خلال حلف الشمال الأطلسي، وهي معلومات يمكن معالجتها لتقديم صورة حية، وفي حقبة ما قبل غورباتشوف لم تكن المعلومات المستقاة من وسائل الإعلام السوفياتية بذات شأن، لكن بإمكانك دوما الحصول على معلومات من الإشاعة، ومما يتفوه به الناس، معلومات تشمل حتى التحركات العسكرية، فقد يتذمر البعض من أن ابن عمه العسكري قد انتقل إلى مكان ما ولم يسمعوا عنه أي شيء، فحتى لو وصل إلى إسرائيل 10 أشخاص يوميا من الكتلة الشرقية، فإن بالإمكان الحصول على كمية غير عادية من المعلومات من ذلك. وفي حين أن محطات «آل» موجودة خارج السفارة فإنها تعمل كمحطات عادية طول الوقت، وتتصل مباشرة مع القيادة في تل أبيب إما هاتفيا أو بواسطة التلكس أو الفاكس، ولا تستخدم أنظمة الاتصال اللاسلكية، فهي وإن لم يستطع الأمريكيون فك رموز رسائلها سوف تكشف عن وجود نشاط سري في الجوار، وهو أمر تريد الموساد تجنبه، أضف إلى ذلك أن لبعد المسافة دورا في ذلك. وكاتسات «آل» هم الوحيدون في منظمة الموساد الذين يستخدمون جوازات سفر أمريكية، وهم بذلك يخرقون قاعدتين هامتين، فهم يعملون في الدولة الهدف، وهم يستخدمون هوية البلد الذي يعملون فيه، ووحدة «آل» تتدبر أمرها في هذا المجال، فالوثائق التي في حوزتهم مزورة بشكل دقيق، ولا بد أن تكون كذلك، ولا يرغب المرء في القبض عليه في أرض معادية لأنهم سيطلقون النار عليه، أما في الولاياتالمتحدة أكثر البلدان صداقة لإسرائيل فإن المرء لا يرغب في أن يقبض عليه لأنهم سيطلقون النار على بلده كله، ولا بد أن المباحث الفيدرالية الأميركية كانت تشك في أمر ما بين الحين والآخر، إلا أنهم لا يعلمون بالضبط ما الذي يجري.