يقتحم كتاب «عن طريق الخداع» الأقبية السرية لجهاز المخابرات الإسرائيلية «الموساد»، ويتوغل في عوالمه المثيرة، من خلال الكشف عن عمليات غيرت مجرى التاريخ. ولأن فيكتور أوستروفسكي أكثر من شاهد على الخداع، فإن روايته للحوادث التي ساهم في ترتيبها وحبكتها، تتميز بالدقة في تقديم المعلومة، مما يجعل للكتاب أكثر من قيمة تاريخية وسياسية، خاصة حين يميط اللثام عن الحروب والدسائس التي يعرفها الجهاز، مما يضفي عليه صورة مروعة. تنشر «المساء» أبرز العمليات التي تضمنها هذا الكتاب، وتقدم السيناريوهات الخطيرة التي نسجها جهاز الموساد، على امتداد العمليات التي استهدفت الدول العربية، سيما التي يعتبرها الجهاز «تهديدا» للوجود الإسرائيلي في المنطقة. في 12 مارس قابل عرفات في بيروت نعيم خضر، ممثل منظمة التحرير في بلجيكا، طالبا أن يفيد من قنواته هناك للاتصال بوزارة الخارجية الإسرائيلية لإجراء مفاوضات وتجنب حمام دم. كان الموساد في غاية القلق، والسبب في ذلك أنهم إن أرادوا التورط في لبنان لمساعدة المسيحيين فإن في إمكانهم ضرب الفلسطينيين هناك، لكن إذا بدأت الحكومة في التفاوض فلن تتاح لهم تلك الفرصة، فدار صراع خفي حقيقي بين الموساد ووزارة الخارجية، لم تكن تشعر به هذه الوزارة. لقد علم الموساد أن عرفات يحاول الإفادة من فرانس غانو، وهو مصرفي سويسري مؤيد وممول لكارلوس. وتقضي فكرة عرفات، التي مررها قاسم إلى الموساد، بالحصول على المال من غانو لشراء أسلحة من ألمانيا بمساعدة جماعة أطلق عليها «الكتلة السوداء»، وهي أحد فروع «عصابة الجيش الأحمر»، التي تلقت تدريبات في لبنان من قبل المستشارين الألمان الذين أرسلهم هونيكر. لم يكن الإسرائيليون سعداء بالتقدم الظاهر الذي أحرزه موفد الولاياتالمتحدة فيليب حبيب في مهمته السلمية، لذلك كانت فكرتهم هي توريط وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية بإخبارها أن منظمة التحرير تعد للحرب، في حين أنها تتحدث عن السلم، على أمل أن يقضي ذلك على مبادرة حبيب أو على الأقل تجمدها. في ذلك الحين كان بيجين يسعى لإعادة انتخابه، ولم تكن لديه أدنى فكرة عن خطط الموساد. أصبح للعملية العسكرية المنتظرة اسم هو «أرز لبنان» وبدؤوا في تزويد عناصر وكالة الاستخبارات المركزية بالمعلومات، لكن في 30 مارس، وبعد محاولة جون هنكلي اغتيال الرئيس ريغان، تحول انتباه الوكالة العملية وتم تجميد جزء منها. وفي 10 أبريل قابل عرفات هونيكر للمرة الثانية في برلين الشرقية وعاد في اليوم التالي إلى دمشق للدورة الخامسة عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني، وفي 15 ماي أجرى الموساد اتصالا مع الوحدة «جي جي سي9» الألمانية المتخصصة في مكافحة الإرهاب، التي أراد جذبها للعمل معه والاستفادة منها في العمليات المستقبلية. وفي يوم 1 يونيو، وبعد ثلاثة أشهر من لقاء عرفات مع نعيم خضر، أجرى الأخير مكالمة هاتفية مبكرة في منزله مع أحد المسؤولين في مكتب وزارة الخارجية الإسرائيلية في بروكسل لترتيب اجتماع في يوم 3 يونيو لبحث إمكانية بدء مفاوضات السلام، وأثناء ذهابه إلى عمله قام رجل أسمر يرتدي سترة بنية وله شاربان رفيعان بالاقتراب من خضر وأطلق عليه خمس رصاصات في القلب ورصاصة واحدة في الرأس، وسار إلى زاوية الشارع ثم صعد إلى إحدى سيارات الأجرة المارة واختفى عن الأنظار. كانت ضربة وجهها الموساد، رغم أن عرفات لم يكن يعرف ذلك في حينه. بعث قاسم بتقارير تفيد أن عرفات كان مضطربا للغاية في ذلك الحين، فلم يكن يستطتع النوم ليلا، وبدا عليه الإرهاق، وكان يريد الحماية والحصول على صفقة الأسلحة للقوة 17. في بداية يوليوز جرت سلسلة من المظاهرات في ألمانيا ضد الصواريخ الأمريكية المرابطة هناك، وفي 9 يوليوز زار عرفاتبلغاريا ويوغوسلافيا، مواصلا سعيه للحصول على أسلحة. وفي تلك الفترة تحطمت طائرة أرجنتينية محملة بالأسلحة قادمة من إسرائيل ومتجهة إلى إيران بعد اصطدامها بطائرة روسية فوق المجال السوفياتي، فقام الأمريكيون، الذين أغضبهم تزويد إسرائيل لإيران بالأسلحة، بإرسال روبرت مارك فارلين لمقابلة بيجن، وكانت الحادثة إيذانا ببداية فضيحة إيران-كونترا، التي كانت لها تفاعلات شعبية على مدى السنوات اللاحقة. في ذلك الحين أدخل السوريون صواريخهم إلى لبنان من مجموعة أخرى بناء على ما أسموه «ميزان الضعف»، حيث اعتقدوا أنه إذا ما قويت إحدى الجماعات أو الطوائف المتصارعة فإن عليهم دعم مجموعة أخرى كي تحاربها، وبذلك لا تقوى طائفة أو جماعة على أخرى، وتبقى سوريا مسيطرة على الوضع. واصل الموساد مساعيه لخداع الأمريكيين، وأمر يستحاق حوفي، رئيس الموساد دائرة الحرب النفسية، بتلفيق سيناريو يقنع الأمريكيين بأن منظمة التحرير كانت تعد للحرب وليس للسلام، والغرض من ذلك أن يبرر للولايات المتحدة اجتياح الجنوب اللبناني. وقامت دائرة الحرب النفسية بإعداد صور من مخزونات أسلحة العميد الخضرا، قائد جيش التحرير الفلسطيني، وعرضت أيضا وثائق لوكالة الاستخبارات المركزية، التي تم الاستيلاء عليها من قبل منظمة التحرير، وتظهر خططا حقيقية لمهاجمة شمال إسرائيل. والواقع أن هذا ليس أمرا غير عادي، ولا يعني بالضرورة التوعد بمهاجمتها، وتستطيع أن تجد في أي قاعدة عسكرية مثل هذه الخطط المفصلة، ولا فرق إن كانت منظمة التحرير تنوي تنفيذ هذه الخطط أو أن تكون حتى قد صادقت عليها. لم يكن لدى الموساد أي نية في السماح لتلك الاعتبارات بأن تقف في طريق خططه الشريرة. وحتى قبل بداية الأعمال العدائية أعدت منشورات وصورا جديدة، وأصبح من السهل تقديم وثائق مؤكدة عن «التهديد» الذي ينتظر إسرائيل من قبل الفلسطينيين.