فجأة ودون سابق إشعار انتصبت شاشة عملاقة في الساحة المجاورة لشارع الراشيدي والمعروفة في الأوساط البيضاوية بساحة نيفادا، زين المستشهر الشاشة بعلاماته كما زين جنباتها برجال أشداء برؤوس حليقة، انتشر حول المكان رجال الأمن من مختلف الأصناف تحسبا لأعمال الشغب لأن مباريات الكرة أصبحت مرادفا للفتنة أكانت ميدانيا أو على الهواء. انطلقت المباراة التي تجمع المنتخبين المغربي والناميبي وسط تشجيعات الحاضرين وغالبيتهم من الشباب الذين اضطروا إلى مقاطعة الفصول الدراسية من أجل الاستمتاع بفرجة جماعية لاتتاح إلا في مدرجات الملاعب الرياضية، منذ البداية كشفت الجماهير الحاضرة عن هويتها، وداديون هنا ورجاويون هناك وفئة محايدة قالت إن المنتخب المغربي يذيب الألوان، ردد «الخضر» مجموعة من الأهازيج سرعان ما توقفت بعد الهدف المبكر للاعب سفيان العلودي، تعانق الحاضرون واستغل بعض المراهقين الفرصة لاحتضان يافعة ترقص على نخب الهدف المبكر وهي تتأبط محفظة دراسية، أرسل بعض اليقظين عبارات تنبيه لمن به مس من الجنون، لتستمر الفرجة وسط تعليقات ساخرة خاصة بعد أن توالت الأهداف وأصيب دفاع المنتخب الناميبي بالإسهال، قال أحد الرجاويين إنه المد الرجاوي ورد عليه ودادي متعصب «صيدتو الرخا» في إشارة لضعف الخصم الذي استقبلت شباكه أربعة أهداف في الجولة الأولى كان للعلودي نصيب الأسد منها، حيث وقع ثلاثة أهداف من أصل خمسة. تحول الواقفون في الصفوف الأمامية إلى مدربين يقدمون للحاضرين فتاوي في الخطط الظاهرة والمستترة، وظل أحدهم يصيح معتقدا أنه في مدرجات ملعب أكرا وأن المدرب هنري ميشال يسمع صياحه الذي يحمل مطالب بتغيير العلودي وحجي والشماخ خوفا من الأعطاب، لكن صياحه سرعان ما ابتلعته الوصلات الإشهارية لأحد شركات الهواتف الثابتة والنقالة، التي اختارت الفرصة الأنسب للترويج لمنتوجها في أوساط الرياضيين، بعد أن احتكر منافسها التلفزيون وتحول إلى مساند رسمي للكرة المغربية. في مابين شوطي اللقاء لم يهتم أحد بالوصلات الإشهارية، حيث اختار الكثيرون البحث عن الباعة المتجولين الذين أخذوا أماكنهم في محيط الساحة، بحثا عن زبائن يفضلون مأكولات لاتملأ البطون بل تكسر الملل. مباشرة بعد إصابة اللاعب سفيان العلودي بدأ مسلسل التراشق بالكلمات بين الوداديين والرجاويين خاصة وأن فئة من مناصري الرجاء اتهموا خصومهم بالتقواس، واعتبروهم سببا مباشرا في نكبة اللاعب الذي سجل ثلاثية تاريخية لم يسبق لأي لاعب مغربي أن سجلها في نهائيات كأس إفريقيا. حين فتح الناميبيون شباكهم لأهداف المنتخب المغربي وتعاملوا بلطف كبير مع غارات أسود الأطلس، اضطر الكثير من الحاضرين خاصة التلاميذ إلى الانسحاب، وهم يرددون أهازيج تتغنى بالإنجاز القاري، أما هواة التحليل الرياضي فعاشوا اللحظات الأخيرة من المباراة على أعصابهم بعد أن ظلوا يطالبون باستكمال الغارات الهجومية على حارس مرمى أعزل. انتهت المباراة بخماسية للمنتخب المغربي فتحرك رجال الشرطة في اتجاه الصامدين أمام الشاشة العملاقة في محاولة لتفريق عشاق الكرة الذين اختاروا حلقات النقاش قبل أن يتحولوا إلى كورال جماعي يتغنى بالعلودي.