هذه توقعات أحوال الطقس اليوم الخميس    أكاديمية المملكة تعمق البحث في تاريخ حضارة اليمن والتقاطعات مع المغرب    بطولة فرنسا: موناكو يفوز على ليل ويؤجل تتويج باريس سان جرمان    الصين تكشف عن مهام مهمة الفضاء المأهولة "شنتشو-18"    الولايات المتحدة.. أرباح "ميتا" تتجاوز التوقعات خلال الربع الأول    أخنوش: الربط بين التساقطات المطرية ونجاح السياسات العمومية "غير مقبول"    ماركس: قلق المعرفة يغذي الآداب المقارنة .. و"الانتظارات الإيديولوجية" خطرة    بني ملال…تعزيز البنية التحتية الرياضية ومواصلة تأهيل الطرقات والأحياء بالمدينة    ما هو سيناريو رون آراد الذي حذر منه أبو عبيدة؟    تعزيز التعاون الفلاحي محور مباحثات صديقي مع نائبة رئيسة مجلس النواب التشيكي    أخرباش تشيد بوجاهة القرار الأممي بشأن الذكاء الاصطناعي الذي جاء بمبادرة من المغرب والولايات المتحدة    كأس إيطاليا لكرة القدم.. أتالانتا يبلغ النهائي بفوزه على ضيفه فيورنتينا (4-1)    المنتخب المغربي ينهزم أمام مصر – بطولة اتحاد شمال إفريقيا    المنتخب المغربي لأقل من 18 سنة يفوز على غواتيمالا بالضربات الترجيحية    اتفاقية الصيد البحري..حجر ثقيل في حذاء علاقات إسبانيا والمغرب!    رابطة للطفولة تعرب عن قلقها من التركيز المبالغ فيه على محور التربية الجنسية والصحة الإنجابية للمراهق في دورة تكوين الأطر    الرئيس الموريتاني يترشح لولاية ثانية    نور الدين مفتاح يكتب: العمائم الإيرانية والغمائم العربية    لا تيتي لا حب لملوك: اتحاد العاصمة دارو ريوسهم فالكابرانات وتقصاو حتى من كأس الجزائر    جنايات أكادير تصدر حكمها في ملف "تصفية أمين تشاريز"    الشاطئ البلدي لطنجة يلفظ جثة شاب فقد الأسبوع الماضي    عاجل.. كأس إفريقيا 2025 بالمغرب سيتم تأجيلها    أخنوش يرد على خصومه: الدولة الاجتماعية ليست مشروعا ل"البوليميك" والحكومة أحسنت تنزيله    مكافأة مليون سنتيم لمن يعثر عليه.. هذه معطيات جديدة عن حيوان غريب ظهر في غابة    سانشيز: أفكر في إمكانية تقديم الاستقالة بعد الإعلان عن فتح تحقيق ضد زوجتي بتهمة استغلال النفوذ والفساد    بالأرقام .. أخنوش يكشف تدابير حكومته لمساندة المقاولات المتضررة جراء الأزمة الصحية    هادي خبار زينة.. أسماء المدير مخرجة "كذب أبيض" فلجنة تحكيم مهرجان كان العالمي    قميصُ بركان    مطار مراكش المنارة الدولي: ارتفاع بنسبة 22 في المائة في حركة النقل الجوي خلال الربع الأول من 2024    طقس الخميس.. أجواء حارة وقطرات مطرية بهذه المناطق    المغرب ومنظمة "الفاو" يوقعان على وثيقة "مستقبل مرن للماء" بميزانية 31.5 مليون دولار    تسريب فيديوهات لتصفية حسابات بين بارونات بتطوان    اللجنة الجهوية للتنمية البشرية بالشمال تصادق على برنامج عمل يضم 394 مشروعا برسم سنة 2024    الجزائر تتوصل رسميا بقرار خسارة مباراة بركان و"الكاف" يهدد بعقوبات إضافية    بنكيران يهاجم أخنوش ويقول: الأموال حسمت الانتخابات الجزئية    لأول مرة في التاريخ سيرى ساكنة الناظور ومليلية هذا الحدث أوضح من العالم    أخنوش مقدما الحصيلة المرحلية: إجراءات الحكومة هدفها مناعة الأسرة التي هي "النواة الصلبة لكل التدخلات"    خارجية أمريكا: التقارير عن مقابر جماعية في غزة مقلقة    إستعدادُ إسرائيل لهجوم "قريب جداً" على رفح    أيام قليلة على انتهاء إحصاء الأشخاص الذين يمكن استدعاؤهم لتشكيل فوج المجندين .. شباب أمام فرصة جديدة للاستفادة من تكوين متميز يفتح لهم آفاقا مهنية واعدة    سنطرال دانون تسلط الضوء على التقدم المحقق في برنامج "حليب بلادي" لفلاحة مستدامة ومتجددة    الولايات المتحدة تنذر "تيك توك": إما قطع العلاقات مع بكين أو الحظر    برنامج دعم السكن.. معطيات رسمية: 8500 استفدو وشراو ديور وكثر من 65 ألف طلب للدعم منهم 38 فالمائة عيالات    الفوائد الصحية للبروكلي .. كنز من المعادن والفيتامينات    دراسة: النظام الغذائي المتوازن قد يساهم في تحسين صحة الدماغ    مدير المنظمة العالمية للملكية الفكرية : الملكية الفكرية تدعم جميع جوانب الحياة في المغرب، بما في ذلك الزليج    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من خطر الإصابة بسرطان القولون        كلمة : الأغلبية والمناصب أولا !    اختتام فعاليات الويكاند المسرحي الثالث بآيت ورير    دراسة تبيّن وجود صلة بين بعض المستحلبات وخطر الإصابة بمرض السكري    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    الموت يفجع شيماء عبد العزيز    أسعار الذهب تواصل الانخفاض    صدور رواية "أحاسيس وصور" للكاتب المغربي مصطفى إسماعيلي    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    لقاء يستحضر مسار السوسيولوجي محمد جسوس من القرويين إلى "برينستون"    الإيمان القوي بعودة بودريقة! يجب على الرجاء البيضاوي ومقاطعة مرس السلطان والبرلمان أن يذهبوا إليه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حضارة الغرب و العرب
نشر في المسائية العربية يوم 27 - 02 - 2013


المسائية العربية
مما لا شك فيه أن الجذور الحضارية للغرب اليوم مستمدة من الحضارة الإغريقية و الرومانية القديمتين وإن البحث في تاريخ اليونان " الإغريق " عندما تحركوا على ضفاف الدانوب في إتجاه موطنهم الحالي كان ذلك بعد بناء الأهرامات بحوالي ألف سنة على أقل تقدير
و بدأوا كمحاولة للتفكير بصورة متميزة قبل الميلاد بنحو خمسة قرون فقط و قد تعلموا قواعد الحياة و استعمال الأدوات متأثرين بالإيجيين الذين نقلوا ذلك عن العربفي بابل و صيدا و صور و مصر وتؤكد الأساطير اليونانية القديمة هذه الحقيقة العربية لبدايتهم فمثلا تقول الأسطورة إن الإلاهة أوروبا ابنة ملك صور التي اختطفها زيوس إإلاه اليونان عندما ظهر على شكل ثور و هرب بها ليتزوجها ومن ذلك فالمدن المشهورة في الحضارة اليونانية ومن بينها طيبة هي مدن عربية بالتسمية فقد اختاروا أسماءها على أسماء أبناء ملك صور الذين أرسلهم وراء ابنته للبحث عنها.
ثم إن اليونانيين لا يزالون يشهدون بطريقة نطقهم للحروف الأبجدية أنهم تعلموا الكتابة من مخترعيها الأولين وهم العرب لهذا فالحضارة العربية أوغل قدما و أصالة من الحضارة الغربية ذات الأصول الوثنية ولذلك دأب الغرب على العدوان على العرب حتى بعد أن جاءتهم المسيحية دين المحبة والتسامح في الأصل فأمسكوها بالمخالب حين لم يستطيعوا الإنفتاح عليها بالقلوب و العقول وقد حفظوا من الدين الشعارات و أهملوا الجوهر و لذلك استغلوا الدين كما استغلوا مناجم الذهب و الفحم و الحديد و أشجار الغابات لذلك استحال علم السلام في المسيحية في التطبيق الأوروبي إلى تكريس لمظالم الملوك وعصمة الكهان وقهر الفلاحين حتى تبدد نور المسيحية في أوروبا قرونا طويلة في ظلمات محاكم التفتيش و أوهام صكوك الغفران ومآسي تقتيل العلماء وإحراق كتبهم ومصادرة العلم وامتهان حقوق المرأة وعلاقات الأسرة وحقوق الشعوب ثم انتهى كل ذلك آخر الأمر إلى موجة من الحقد و الجشع تحت راية المسيحية –كذبا و تضليلا –خلال قرنين من الحروب الصليبية العدوانية على المشرق العربيوفي العصور الحديثة يتكرر الشهد ضمن الموجة الإستعمارية الحديثة والتي لاتزال متواصلة بأشكال متعددة منها احتلال العراق والتهجم على الرسول عليه السلام عبر تلك الرسوم الآثمة .
وكذلك استحال المنهج العلمي التجريبي الذي حمله العرب المسلمون إلى أوروبا آخر الأمر إلى علم مجرد من الإيمان محكوم بهوس العدوان ثم إلى ثورة صناعية وتقنية قام على دعائمهما النظام الرأسمالي الغربي بكل طغيانه على الشعوب وليصبح قاعدة ارتكازللصهيونية العالمية و الإستعمار ومنطلق خططهما لإعادة تشكيل العالم على أساس سادة و عبيد , أبيض و ملون و شمال و جنوب والنتيجة لكل ذلك و منذ قرنين من الزمان أي عند سيادة هذه الحضارة على العالم ظهرت أكثر النتائج مأساوية من الحروب الكثيرة التي راح ضحيتها ملايين من البشر من أجل الإستعمار والإستغلال لثروات الشعوب إلى حد إبادة البعض منها كالهنود الحمر في أمريكا والإستعمار الإستيطاني في فلسطين محافظة على المصالح الغربية .
هذا بالنسبة لشعوب العالم الثالث المغلوبة على أمرها فماذا بالنسبة للآثار المدمرة لهذه الحضارة بالنسبة للغربيين أنفسهم ؟حيث العلاقات الأسرية المدمرة والتفكك العائلي والإنحطاط الأخلاقي وانتشار البطالة وتفاقم جرائم السرقة و القتل و الإنتحار والإغتصاب إضافة إلى تدني مستوى التعليم و الصحة و النقل إضافة إلى كثرة المخدرات و الإدمان على الكحول وانتشار الزنى وغيره من بذور انهيار هذه الحضارة .
هذا بالنسبة للحضارة الغربية وكيف تعاملت مع الدين و العلم و أسباب القوة حيث حولتها إلى أدوات للقهر و لكن ماذا عن الحضارة العربية الإسلامية
الحضارة العربية الإسلامية
إن الحضارة في لغتنا وتراثنا هي ذلك الطور الأرقى الذي بلغه الإنسان العربي عندماتجاوز البداوة
فاستقر وتوطن وأصبح حاضرا في المكان الأمر الذي صحبه امتلاكهلقيم ونظم و أعراف و آداب و فنون و علوم مثلت بناءه الحضاريففي مقابل البداوة و الترحال كانت القرية و المدينة حاضرة متحضرة قال تعالى ( وآسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر ) الأعراف 163
لذلك أثبتت الحفريات و الآثار في اليمن و الجزيرة و العراق و مصر وسكان الهلال الخصيب وهم من الساميين العرب الذين استوطنوا هذه المنطقة وشيدوا المدن وحفروا القنوات و الجداول و زرعوا الأرض وبنوا القصور و تركوا من الآثار ما يدل على حضارة مزدهرة من حيث العلوم و الفنون كابتكار الأبجدية وقد أشرت إليها سابقا وحساب الفلك (الكلدانيون ) و وضع التشريع والقوانين ( حمورابي ) كما أقاموا السدود الضخمة لجمع المياه و استغلالها وقد أشار القرآن لذلك بقوله تعالى ( لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنتان عن يمين و شمال كلوا من رزق ربكم و اشكروا له بلدة طيبة و رب غفور ) سبأ15
لهذا فالحضارة العربية قديمة وموغلة في التاريخ وليست هجينة أو متطفلة وكذلك أصيلة بعد أن
أضفى عليها الإسلام ظلاله بقيمه و مبادئه السمحة فكان ظهوره في أكثر البيئات تحضرا في مكة
أم القرى ثم كانت الهجرة من مكة إلى المدينة حاسمة في إنجاز أول مولود حضاري للعرب المسلمين
أي إقامة أول دولة عربية إسلامية والتي صاغت تحت القيادة النبوية الرشيدة للرسول صلى الله عليه وسلم أول دستور مدني مكتوب في التاريخ الشري لأنها وثيقة نظام مجتمع جمع المسلمين و غيرهم على أسس الحياة المشتركة بينهم جميعا كما أن مصدر قوتها الملزمة هو استمرار قبولها ممن تنظم الحياة المشتركة لديهم في منطقة جغرافية واحدة وهي المدينة كماتنظم المعاملات بين المؤمنين ثم فيما بين اليهود ثم فيما بينهم جميعا وتسميهم جميعا أهل الصحيفة وتلزمهم بالدفاع المشترك عن المدينة دون تفرقة على أساس الدين فالكل مواطنون في هذه الدولة الفتية وأخيرا فإنها تقيم حاكما على المدينة هو الرسول صلى الله عليه وسلم فكانت بحق شهادة ميلاد الأمة العربية الإسلامية في ظل اللإسلام حيث وقع تجاوز الروابط القبلية و العشائرية الضيقة السابقة على الطور القومي
وهكذا كان جوهر الإسلام التوحيد أبرز عملة سكها الإسلام عند ظهوره بالجزيرة العربية فكان أحد وجهيها التوحيد الديني في الألوهية بينما كان وجهها الآخر التوحيد القوميفي الحضارة و السياسة والدولة فساعد التوحيد الديني على إتساق هوية الجماعة البشرية العربية قوميا وسياسيابعد أن كان تعدد الآلهة يجسد تمزقها القومي و السياسي كما أسهم التوحيد القومي و السياسي في الدولة الجديدة في حفظ الدين و نشره عبر الفتوحات التي توسعت في وقت قياسي لتشمل عالم الإسلام الفسيح على حساب الإمبراطوريات الإستعمارية وقتئذ ( الفرس و الروم ) .
وبذلك كانت العلاقة بين العروبة والإسلام علاقة جدلية لا تنفصم و ذلك أن المد الإسلامي عندما توقف قد ضم إليه مجتمعات مختلفة في تكوينها الإجتماعي و بالتالي كان أثره الحضاري في كل منها مختلفا :
الأثر الحضاري للإسلام في البلاد المفتوحة
في بلاد فارس التي كانت موحدة منذ أن حكمها أردشير 226م حيث وحدها باسترداده الأقاليم التي كان الإسكندر الأكبر قد استولى عليها ومنذ ذلك الوقت وحتى الفتح الإسلامي استقر الشعب الفارسي على أرضه و تفاعل معها حتى أنتج حضارته الخاصة ولذلك لم تأخذ الأمة الفارسة من لغة القرآن إلا حروفها و في عهد السامانيين عادت إليها لغتها القومية ثم ما لبثت أن استقلت في عهد محمود بن سبكتكين الغزنوي (998-1030 م )
أما الشعب الإسباني فإنه يوم الفتح عام 711 م كان قد قضى نحو ثلاثة قرون من الإستقرار على أرضه و التفاعل معها منذ عهد تيودوريك الثاني 456 م تفاعلا حرا أنتج خلاله حضارته الخاصة و لم تحتفظ اللغة الإسبانية إلا بمفردات محدودة من لغة القرآن رغما عن قرون عديدة من الفتح الإسلامي انتهت باستعادة الأندلس لفائدة الأسبان .
أما المجتمعات القبلية من العثمانيين التي لم تستقر شعبا في تركيا الحديثة إلا بعد أن كانت الأمة العربية قد اكتملت تكوينا فإنها أخذت من لغة القرآن حروفه ثم يضيق وعيها القبلي بعمق و ثراء الفكر الإسلامي فتختار واحدا من المذاهب ( المذهب الحنفي ) لتفرضه دينا بالقوة فيبقى تراثها الإسلامي مذهبا حنفيا وعلى مدى قرنين من الزمانقبل أن تكتمل أمة طورانية في أواخر القرن التاسع عشر و كان نموها القومي يتم خلال تفاعل قوي و مؤثر تأثيرا مباشرا مع الحضارة الأوروبية الناهضة بقيمها الفردية وفلسفتها المادية فما أن تكتمل أمة حتى تغالب حضارتها القومية الهجينة ما أضافه الإسلام إليها من عناصر حضارية فتتخلى عن مذهبها الإسلامي لحساب العلمانية وتستبدل في لغتها بالحروف العربية حروفا لاتينية وتنزع نزوعا شوفينيا مثل كل الحركات القومية في أوروبا في القرن التاسع عشر فتحول الدولة المشتركة بين العرب والترك إلى دولة تعمل على تتريك العرب فيستجيب العرب للتحدي ويقاومونها فكان اعترافها بإسرائيل و عضويتها في الحلف الأطلسي ورغبتها في الإنضمام للإتحاد الأوروبي ولكنها لحد الآن تتعثر في الوصول لتحقيق أهدافها المتأوربة .
أما فيما يعرف باسم الوطن العربي فإن الإسلام بعد أن طور سكان الجزيرة من قبائل إلى شعب عربي انطلق غلى ما يجاوره فالتقى بمجتمعات كانت قد تجاوزت الطور القبلي و استقرت شعوبا و إن كانت السيطرة الفارسية و الرومانية قد عوقت تطورها فلم تنشأ في أي منها حضارة قومية فهذه الشعوب أكمل الإسلام تكوينها أمة واحدة فحررها من من الإستعمار الأجنبي و وحدها و قدم لها لغة مشتركة ونظم الحياة فيها طبقا للشريعة الإسلامية وتركها تتفاعل تفاعلا حرا على الأرض المشتركة قرونا متصلة من الزمان دافعت خلالها عن وجودها معا في مواجهة الغزو التتري و الصليبي كما كان الجهاد الإسلامي حاضرا في مواجهة الغزو الإستعماري الأوروبي في القرنينالماضيين .وقد تجسدت وحدتها السياسية في كون الأرض العربية منذ الفتح الإسلامي كانت عبارة عن ولايات و أقاليم تابعة و لو إسميا لدولة الخلافة وتصارع الحكام و الخلفاء و الولاة دهرا منالزمن على السلطة و لم يحدث من واحد منهم أن قسم الأرض أو البشر أو أراد ذلك بل كان طموح كل واحد منهم أن يكون حاكما على الأرض الواحدة أو يدعي شرعية وجوده كحاكم و لا يعترف بها لغيره و هكذا انصهرت في هذه الأرض الواحدة الشعوب وصنعت بلغتها أنماطا من الفكر و المذاهب والفن والعلم و التقاليد حضارة عربية إسلامية متميزة وليست ممتازة فكانت تلك هي علاقة الإسلام بالعروبة 8
غير أن الملاحظ أن هذه الرسومات سيئة الذكر عبارة عن حلقة واحدة من سلسلة العدوان الغربي المسيخي المتصهين على الأمة العربية والإسلامية على امتداد ألف سنة تقريبا كانت بدايتها الحروب الصليبية التي استمرت حوالي قرنين من الزمان وبالرغم من نهايتها لصالح العرب و المسلمين إلا أنها تركت آثارا سلبية على المنطقة العربية لأنها دفعت ثمنا باهضا جدا للقضاء على الصليبيين . فقدكانت الحروب الصليبية من أسباب تعطل قوى الإبداع و النمو في الحضارة العربية الإسلامية و بعدنهاية النضال ضد الصليبيين دخلت المنطقة في منحنى التدهور و الذبول حتى سقطت تحت السيطرة العثمانية و إذا كان العثمانيون قد منعوا الوطن العربي من السقوط في قبضة السيطرة الأوروبية مدة ثلاثة قرون و لكن لم يفعلوا شيئا لبث الروح في جسد الحضارة العربية الإسلامية المسجى لتخلفهم الحضاري كما أسلفت منذ حين ثم انتهى هذا التوقف الحضاري إلى نهايته المحتومة :الإستعمار و الصهيونية و التخلف حيث لا تزال الأمة تعاني آثارها جميعا إلى الآن فلا يمكن تجاهل
علاقة ما جرى منذ عدة قرون بما يحكم علاقتنا بالغرب الأوروبي و الأمريكي فقد كانت الحملات الصليبية ضد الشرق العربي البوادر الأولى لتجارب الإستعمار الأوروبي الحديث و الملهم للتجربة الصهيونية ذات الأهداف الإستيطانية
الدور القذر للصهيونية العالمية
مما لاشك فيه حتى للناس العاديين ما تلعبه الصهيونية العالمية من دور خطير جدا في إثارة مشاعر العداء للعرب والمسلمين في العالم واستعداء العالم عليهم بما تخطط له من خطط جهنمية بكل الأشكال فمسألة هذه الرسومات لا أستبعد منها عامل التحريض والإثارة من الصهاينة على مثل هذا الصنيع الشنيع نظرا لحقدهم على الإسلام والمسلمين و بالذات الرسول محمد صلى الله عليه وسلم لما تشكله المبادىء السمحة لدينة من خطر على المصالح الدنيوية المادية لأرباب المال في العالم ومحاربة لحشعهم فمن الطبيعي أن يناصبوه العداء ويشجعوا كل قلم يجرأ على الإنتقاص من شأنه عليه السلام ولكنهم واهمون في ذلك .
وقد تحدثت في فقرة سابقة عن العقدة القبلية لليهود والتي ظلت سارية فيهم إلى حد الآن بالرغم من مظاهر الحداثة في دولتهم الصهيونية إسرائيل وآية مظاهر القبلية الإيمان بالأساطير الدينية التي تمجد قوتهم و اعتبار أنفسهم شعب الله المختار واختصاصهم بإلاه واحد هو يهوه و وعد الرب لهم بالرجوع إلى أرض الميعاد فلسطين ذات الموقع الإستراتيجي المهم كل هذا أدى إلى ظهور الحركة الصهيونية بصفة رسمية منذ مؤتمر بال 1897 م لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين وقد التقت الأطماع الإستعمارية الأوروبية مع الأهداف الصهيونية فكان اصطناع دولة عازلة تفتت الوحدة العربية و تحافظ على المصالح الإستعمارية وتكون عدوة لشعوب المنطقة فأنشأت سنة 1948 بفلسطين دولة تحت اسم إسرائيل خاضت ضد العرب حروبا عديدة انتهت مؤقتا لصالح الصهاينة ولكن الصراع لم يحسم بعد لأنه دائر حول نقطة مركزية هي لمن تكون أرض فلسطين ؟
وليس هناك أي خلاف بين العرب و الصهاينة حول هذه النقطة فبالنسبة للعرب فلسطين مغتصبة أرضا وأخليت جزئيا منشعبها و استوطنها الصهاينة بقوة السلاح وبالدعم الإستعماري وبالتالي من حق الشعب العربي استرداد فلسطين بالكفاح المسلح وبكل الوسائل فما يفعله الفلسطينيون وضمن انتفاضتهم المباركة يدخل في هذا الإطار وتجد إسرائيل نفسها في مأزق كبير خاصة بعد اندحارها من جنوب لبنان عام 2000 ومما زاد في عمق ازمتها حاليا نجاح حماس في الإنتخابات الفلسطينية الأخيرة بما يعني نجاح الخيار العروبي و الإسلامي المقاوم والذي لا يقبل تحت أي ظرف المساومة على أرض فلسطين بحيث عادت الأمور إلى نصابها من حيث حقيقة الصراع حول ماذا وهو لصالح العرب والمسلمين ويؤذن بقرب زوال دولة الصهاينة بإذن الله .
هذا هو الواقع من وجهة نظر عربية أما الصهاينة فعندهم أن فلسطين اغتصبها العرب من اليهود منذ الفتح الإسلامي منذ 14 قرنا وأخليت من شعبها واستوطنها العرب وضموها بالقوة إلى دولة الخلافة فتشتت اليهود في أقطار الأرض إلى أن قادتهم الحركة الصهيونية حسب موقفهم أو غررت بهم كما نراه نحن العرب والمسلمون إلى أرض فلسطين " أرض الميعاد " فاسترودها وأقاموا عليها دولة باسم إسرائيل وهي تقاتل منذ إنشائها لإثبات وجودها ولهذا فإنها لم تتردد في ضرب العرب في كل مكان في مصر و الأردن و لبنان و سوريا وتونس و العراق ومستعدة لضرب أي مكان في الوطن العربي والعالم الإسلامي أو أي مكان من العالم إن لزم الأمر في سبيل تحقيق الأمن المستحيل لوجودها غير الشرعي وتمتلك لهذا الغرض أقوى الأسلحة في العالم وتمتلك ترسانة نووية لا يستهان بها وتحاول أن تمنع الدول العربية والإسلامية من امتلاك سلاح يضاهيها كما حصل مع العراق من تدمير كلي لكل قدراتها الإقتصادية والعسكرية والعلمية فكل ذلك لمصلحة إسرائيل بالدرجة الأولى و الآن محاولة لفعل نفس الشيىء مع إيران لذات الأهداف فهل نستفيق من هذه الغفوة أم تنطلي علينا الحيلة أيضا فالكيان الصهيوني الآن في مأزق حاد جدا ولا بد أن يساعد على افتعال أي أمر من شأنه أن يبعد عنه الأنظار ولو مؤقتا.
لناصر خشيني نابل تونس
Email Naceur.khechini_(at)_gmail.com
Site http://naceur56.maktoobblog.com/


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.