وترجع حيثيات وقائع قضية اصابة كوثر الشافي البالغة عقدها الثاني بشلل توليدي الى يوم عملية توليدها في 16/9/1992 ، نتيجة خطأ طبي في التوليد داخل مصحة ابن النفيس بمدينة مكناس المترتب عنه شلل خطير في الضفيرة العضدية اليمنى للطفلة ، وبمعاينة أعراض الشلل على مستوى الحركة وكذا الإحساس تم نقلها بإذن من الطبيب المولد إلى مستشفى محمد الخامس بنفس المدينة ،وقد اضطر والدها بعد ذلك إلى نقلها إلى فرنسا لإجراء العملية الجراحية الأولى بتاريخ 22/11/1992،في الشهر الخامس من ولادتها ،وبالنظر إلى صعوبة وضعية الإصابة في العملية الأولى أجريت لها عملية جراحية ثانية بفرنسا بتاريخ 19/9/1996، وبعد هذه المرحلة من المتابعة ومحاولة التصحيح الطبي بحيث لم يلجأ السيد علي الشافي للعدالة إلا بعد العملية الجراحية الأخيرة عندما تبين في ما بعد أن الطفلة محكوم عليها بالشلل الدائم لكون بعض الأعصاب تمزقت في مناطق حساسة وخطيرة ،وهي الأعصاب المتحكمة في حركة الكتف والعضد والمرفق والكف والأصابع والإحساس الداخلي للعضد الأيمن بصفة كلية سبق وان كشفت عليها الفحوصات الأولية يوم ولادتها بالأشعة بإذن من الطبيب المولد ،وكذا الفحص بالرنين المغناطيسي لتمزق الأعصاب ،زيادة على العديد من تقارير الفحوصات والخبرات الطبية القضائية. ولكن معاناة الطفلة كوثر منذ ولاتها لم تقتصر على الإصابة بالشلل نتيجة الخطأ الطبي بل تعدته من خلال محاولات الإجهاز على حقها في الإنصاف القضائي العادل في مسطرة إقرار إثبات الخطأ والإهمال الطبيين أثناء عملية التوليد إذ كان على المولد إجراء عملية جراحية قيصرية بحكم أنه أجرى فحصا بالإكوكرافيا قبل الوضع،وهذا يؤكد انه أدرك حجم الجنين مما يستدعي حتما عملية قيصرية لتفادي عواقب ومضاعفات صعوبات الوضع المهبلي ،في حين إن الاعتراف والإقرار بهذه الحقيقة العلمية والقاعدة الطبية ضمن تقارير الخبرة الطبية القضائية لا يسايره الضمير المهني وروحه الإنسانية المفترضة في هذا المجال في أغلب الأحيان . فكانت أول خبيرة تعينها المحكمة الإبتدائية بمكناس هي (ليليان بن حمو) التي رفضت إجراء الخبرة الطبية ولم تقدم تقريرها الطبي للمحكمة مما يطرح علامات استفهام عريضة حول خلفيات ودوافع هذا الرفض،وتم استبدالها بالدكتور إرموند بنكيكي خبير محلف بفاس لم يحدد بدوره نسبة العجز المطلوب إنجازها للمحكمة حيث جاء التقرير الذي قدمه ناقصا ولم يتقيد بالأمر التمهيدي القاضي بإجراء الخبرة مما يبطل الخبرة الأولى والثانية ،حيث يتضح تهرب الأطباء من تحميل الطبيب المولد مسؤولية الخطأ الطبي ، الأمر الذي حدا بالمحكمة إلى تعيين خبير آخر بالرباط الدكتور المختار السوسي الذي أنجز الخبرة الطبية بضمير يقض حي متحديا المساومات والمضايقات التي تمت بحضور والد الضحية من طرف الطبيب المولد ،وتمسك الخبير بمسؤوليته في العمل الموكول إليه من طرف المحكمة والعدالة الذي حدد العجز الجزئي في 50% ليتضح جليا بعد صدور الحكم لصالح الضحية الإقدام على استئناف الحكم الابتدائي من قبل الطبيب المولد وموكله. وبعد تعيين المحكمة لخبرة جديدة في الدعوى الإستئنافية جاء تقريرها في غير صالح الضحية ،ومنافيا لوقائع التوليد وجميع التقارير الطبية السابقة المنجزة داخل التراب الوطني وخارجه،وكذا فحوصات الأشعة والرنين المغناطيسي التي تثبت إصابة الأعصاب بالضرر.وقد أنجز هذه الخبرة الدكتور القيسي الغمري بفاس مما حدا بوكيل الضحية إلى الطعن في هذه الخبرة ، وتعيين المحكمة لخبرة طبية جديدة ثلاثية لأطباء عينتهم المحكمة بالرباط وهم :الدكتورة خديجة السفياني والدكتور العدلوني بوبكر والدكتور الورزازي عبد الرحيم ،ولكن هؤلاء لم يستدعوا الضحية بصفة قانونية لإينجاز الخبرة بالشكل المطلوب دون معاينة الضحية مع تقاضي أجرة أتعاب الخبرة المقدرة بأربعة آلاف وخمس مائة درهم . وهذا ما يشكل خرقا سافرا للفصل 63 من قانون المسطرة المدنية بإعداد خبرة طبية للضحية دون احترام المسطرة القضائية الجاري بها العمل .فقد عمد الدكتور العدلوني إلى التصريح خلال لقاء تمهيدي مع أب الضحية بأنه لن يثبت الخطأ الطبي في التوليد مادام القانون المغربي لم يعدل ، أما الدكتورة خديجة السفياني فقد صرحت له على أنها تعول على التقرير الطبي المنجز من طرف الدكتور العدلوني لكونه متخصصا في التوليد،أما الدكتور الورزازي فقد أجاب الأب عبر الهاتف أنه لا داعي لإحضار الطفلة إلى الرباط والاكتفاء من جهته بتقرير الطبيب العدلوني بما يفيد أنه وقع على التقرير دون إجراء معاينة للضحية. و تقدم السيد على الشافي بتاريخ 8/7/2010 الى محكمة النقض بدعوى الطعن في قرار محكمة الاستئناف بمكناس الصادر لصالح المدعى عليه بتاريخ 27/1/2009 ملف عدد 1599/2003/1 ،وقد اخذت المحكمة محمل الجد الطعون المرفوعة ضد قرار الاستئناف واجازت صحة ما اعابه الطاعن على القرار، لان الاحكام يجب ان تكون موافقة للقانون، وان خرق القانون يعرضها للنقض بحكم انه لم يقم الخبراء الثلاث باستدعاء الطاعن ووكيله الضحية لحضور عملية انجاز الخبرة ولم يرفقوا تقريرهما بمايفيد توصلهما بالاستدعاء ،فجاء القرار خارقا للفصل 63 من قانون المسطرة المدنية ومعرضا للنقض.وقضت محكمة النقض في قرار عدد: 1049 في 28/2/2012 بنقض قرار الاستئناف المطعون فيه واحالة القضية على نفس المحكمة لتبث فيها من جديد بهيأة اخرى طبقا للقانون . ويتبين من خلال الخبرات السابقة على الضحية ان هناك وعيا بالخطا الطبي مما حذى بالدكتورة ليليان بنحمو الى تجاوز المدة القانونية للرد على طلب المحكمة في الخبرة الطبية. اما بالنسبة للدكتور بنكيكي بفاس المدرك بدوره للخطا الطبي مما حدى به الى إجراء خبرة دون تحديد نسبة العجز الطبي ، ويتبين جليا في الخبرة الثلاثية التي اسندت الى كل من خديجة السفياني والدكتور العدولي والدكتور الورزازي انهم خبراء محلفون ويدركون جليا المسطرة القانونية في اجراء الخبرة الطبية ،وهذا خرق للفصل 63 مقصود و متعمد من طرفهم لابطال الخبرة الطبية، حيث تبقى حصيلة الخبرات الطبية الاربع لفائدة الضحية إلا خبرة واحدة التي انجزها الدكتور القيسي . وامام كل هذه الحيثيات السالفة الذكر يتضح مدى جسامة الخطا الطبي وتهرب الخبراء من اجراء مهامهم وفق المسطرة القانونية الجاري بها العمل حتى يتاتي للمحكمة تبين ثبوت الخطا الطبي لانصاف الضحية. عثمان حلحول : ناشط في حقوق الطفل