المسائية العربية كانت العزيمة قوية، والأمل كبير، في أن يحقق الطب قفزة نوعية في زراعة كبد سليم في جسم طفل صغير، ويعيد له بسمة الحياة المفقودة، وكانت الأنظار جميعها منصبة على المستشفى الجامعي محمد السادس بمراكش الذي سيكون له الشرف بالقيام بأول عملية جراحية من هذا النوع. تحركات الأطباء المشرفين على العملية الجراحية الأولى من نوعها مؤشر على أنهم أنهوا كل الترتيبات، واتخذوا الاحتياطات اللازمة ، ولم يعد أمام فريق من الجراحين بالمستشفى الجامعي ابن رشد ومستشفى بوجون بباريس ،وتحت إشراف دكاترة وبورفيسورات مغاربة وفرنسيين. سوى التوكل على الله، والإعلان عن قفزة نوعية في عالم زراعة الأعضاء البشرية التي تهدف تبديل الأعضاء أو الأنسجة المصابة بأعضاء، أو أجزاء من أعضاء أو أنسجة سليمة. أعلن مستشفى مراكش عن نجاح العملية التي تمت يوم 13 فبراير 2014 ، وتأكد رسميا أن طفلا في ربيعه العاشر كان يعاني من قصور في دور الكبد ناتج عن التهاب كبدي من نوع " أ " ، قد خضع لعملية جراحية مستفيدا من تبرع والده بجزء من كبده لصالحه، وأن هذا النجاح، سيمكن العديد من مرضى القصور الكبدي من تجاوز المحنة المرضية والعيش بشكل طبيعي. هذا الخبر في حد ذاته لم يكن بالنبإ العابر بالنسبة لمرضى الكبد ، فهم أدرى وأعلم بحقيقة أن الكبد مسؤول عن التصفية المتواصلة للدم المتدفق في الجسم، كما يقوم بتحويل المواد المغذية والادوية التي يتم امتصاصها في الجهاز الهضمي الى مواد كيميائية جاهزة للاستعمال. وأن فشل الكبد أو إصابته بالتشمع يعني الموت البطيء، و ما يتكبده مرضى القصور الكبدي من معاناة ومرارة يصعب تشخيصه في خبر او مقال أو عمود صحفي، مرض يتطلب تكاليف مالية باهضة، وعناية خاصة، وتحاليل طبية وأدوية، وتصفية دم، ونظام غذائي معين، و البحث عن سرير شاغر، مرض يقلب حياة الأسرة رأسا على عقب، وقد تأتي مصاريف العلاج على ما ادخرته الأسرة طيلة عمرها، دون أن تحصل على نتيجة مرضية، معاناة بحجم الجبل، وصمت مريب كصمت القبور التي تلوح في الافق لكل من أصيب بهذا الداء، وكان الخبر بنجاح العملية بمثابة الفرج المنشود، ذلك الفرح الذي لا يضاهيه فرح ولا سعادة. وكانوا أول من التقط الخبر، وعملوا على تعميمه بين المرضى وأسرهم والمتعاطفين معهم. بعد حوالي شهرين عن إجراء العملية، يأتي خبر وفاة الطفل كالصاعقة، ليعيد التساؤل عن سبب الوفاة، هل يعني ذلك ان الجسم لم يتقبل بالشكل المطلوب أجسام غريبة عنه، وهل ما توصل إليه العلم لم يكن كافيا لضمان نجاح العملية مائة بالمائة، وهل هناك أمل في نجاح عمليات زرع للاعضاء في المستقبل القريب ، ام أن الأجل المحتوم إذا حل لن ينفع معه دواء ولا طبيب، مصداقا لقول الرسول الكريم : " لكل داء دواء الا السام والسام هو الموت"، ومهما كان نتائج التجربة، فالخطوة التي قطعها الاطباء تعتبر بمثابة غيث يبشر بخير، فقد تأتي الرياح فتذهب بالمنتوج قبل أن ينضج ويثمر ويستفاد من غلته، وقد تعمل الجانحة من تلك القطرات على إعادة الحياة للارض الطيبة، فيعم الخير والبركة. وبمعنى آخر، إذا مات الطفل، فإن الامل سيظل حيا يرزق، والمجتهد إذا أصاب له أجران، وإذا أخطأ فله أجر واحد