اتهامات بالمحاباة والإقصاء تُفجّر جدل مباراة داخلية بمكتب الاستثمار الفلاحي للوكوس    تطوان تحتضن النسخة 16 من الأيام التجارية الجهوية لتعزيز الانفتاح والدينامية الاقتصادية بشمال المملكة    الرجاء يصطدم بعناد اتحاد تواركة ويكتفي بالتعادل السلبي    كأس إفريقيا لأقل من 20 سنة: تعادل سلبي بين المغرب ونيجيريا في قمة حذرة يحسم صدارة المجموعة الثانية مؤقتًا    طنجة تحتضن اللقاء الإقليمي التأسيسي لمنظمة النساء الاتحاديات    التعادل يحسم مباراة المغرب ونيجيريا في كأس إفريقيا U20    الدوري الألماني.. بايرن ميونخ يضمن اللقب ال34 في تاريخه بعد تعادل منافسه ليفركوزن    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الاثنين    جريمة بيئية مزعومة تثير جدلاً بمرتيل... ومستشار يراسل وزير الداخلية    الإطاحة بشبكة مخدرات ودعارة بتنغير    شركة بريطانية تطالب المغرب بتعويض ضخم بقيمة 2.2 مليار دولار    المغرب يتصدر قائمة مورّدي الأسمدة إلى الأرجنتين متفوقًا على قوى اقتصادية كبرى    تحالف مغربي-صيني يفوز بعقد إنشاء نفق السكك الفائقة السرعة في قلب العاصمة الرباط    انخفاض جديد في أسعار الغازوال والبنزين في محطات الوقود    وزيرة تكشف عن مستجدات بشأن الانقطاع الكهربائي الذي عرفته إسبانيا    الأميرة لالة حسناء تشارك كضيفة شرف في مهرجان السجاد الدولي بباكو... تجسيد حي للدبلوماسية الثقافية المغربية    الفن التشكلي يجمع طلاب بجامعة مولاي إسماعيل في رحلة إبداعية بمكناس    الطالبي العلمي يمثل الملك محمد السادس في حفل تنصيب بريس كلوتير أوليغي نغيما رئيسا لجمهورية الغابون (صورة)    "البيجيدي" يؤكد انخراطه إلى جانب المعارضة في ملتمس "الرقابة" ضد حكومة أخنوش    الخيط الناظم في لعبة بنكيران في البحث عن التفاوض مع الدولة: الهجوم على «تازة قبل غزة».. وإيمانويل ماكرون ودونالد ترامب!    المغرب يطلق برنامجًا وطنيًا بأكثر من 100 مليون دولار للحد من ظاهرة الكلاب الضالة بطريقة إنسانية    الناخب الوطني يعلن عن تشكيلة المنتخب المغربي لأقل من 20 سنة لمواجهة نيجيريا    توقعات بتدفقات مبكرة للجالية المغربية نحو شمال المملكة    الشرطة البرازيلية تحبط هجوما بالمتفجرات على حفل ليدي غاغا في ريو دي جانيرو    المغرب يجذب الاستثمارات الصينية: "سنتوري تاير" تتخلى عن إسبانيا وتضاعف رهانها على طنجة    للا حسناء تزور مهرجان السجاد الدولي    مراكش تحتفي بالموسيقى الكلاسيكية    إسبانيا: تحديد أسباب انقطاع الكهرباء يتطلب "عدة أيام"    استشهاد 16 فلسطينيا بينهم أطفال ونساء في قصف إسرائيلي جديد على غزة    العداء الجزائري للإمارات تصعيد غير محسوب في زمن التحولات الجيوسياسية    الحارس الأسبق للملك محمد السادس يقاضي هشام جيراندو    مصادر جزائرية: النيجر تتراجع عن استكمال دراسات أنبوب الغاز العابر للصحراء    معهد الموسيقى بتمارة يطلق الدورة السادسة لملتقى "أوتار"    بريطانيا تطلق رسمياً لقاح جديد واعد ضد السرطان    توقيف 17 شخصا على خلفية أعمال شغب بمحيط مباراة الوداد والجيش الملكي    حريق بمسجد "حمزة" يستنفر سلطات بركان    "الأونروا": الحصار الإسرائيلي الشامل يدفع غزة نحو كارثة إنسانية غير مسبوقة    علماء يطورون طلاء للأسنان يحمي من التسوس    المنتدى الدولي للبرلمانيين الشباب الاشتراكيين يعبر عن دعمه للوحدة الترابية للمغرب    "صوت أمريكا" تستأنف البث    فوز كاسح للحزب الحاكم في سنغافورة    نجم الراب "50 سنت" يغني في الرباط    من المثقف البروليتاري إلى الكأسمالي !    الداخلة.. أخنوش: حزب التجمع الوطني للأحرار ملتزم بتسريع تنزيل الأوراش الملكية وترسيخ أسس الدولة الاجتماعية    الشرطة البريطانية تعتقل خمسة أشخاص بينهم أربعة إيرانيين بشبهة التحضير لهجوم إرهابي    الجمعية المغربية لطب الأسرة تعقد مؤتمرها العاشر في دكار    دراسة: الشخير الليلي المتكرر قد يكون إنذارا مبكرا لارتفاع ضغط الدم ومشاكل القلب    وهبي: مهمة "أشبال الأطلس" معقدة    طنجة.. العثور على جثة شخص يُرجح أنه متشرد    برشلونة يهزم بلد الوليد    وداعاً لكلمة المرور.. مايكروسوفت تغيّر القواعد    مقتضيات قانونية تحظر القتل غير المبرر للحيوانات الضالة في المغرب    الموت يفجع الفنانة اللبنانية كارول سماحة بوفاة زوجها    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفكر والإيمان

لما خلق الله الإنسان وكلفه بأمانة الاستخلاف في الأرض، زوده بالفكر الذي هو من أهم أفعال الروح المنفوخة في الجسد الطيني، عن طريق تعليمه الأسماء كلها "وهو ما نرجح أنه القدرة على الرمز باللفظ والاسم للمدلول والمسمى، وهو القاعدة التي يقوم عليها إمكان تبادل المعرفة وتعميمها في الجنس كله" [1] #_edn1 فالفكر يوظفه الإنسان أكثر من الطاقات الأخرى في إنجاز المسؤوليات الاستخلافية المتعددة وعلى رأسها التعرف إلى الله والإيمان به من خلال التفكر في آياته المنشورة: "سَنُرِيهِمْ ءايَاتِنَا فِي الاََفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ" [سورة فصلت/الآية: 52] وآياته المتلوة: "قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ اَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ" [سورة الانعام/الآية: 105]. وهي عملية فكرية محضة، ينطلق فيها الفكر من المعلوم لاكتشاف المجهول، ومن المؤشرات المبثوثة في عالم الشهادة للاستدلال بها على عالم الغيب، ومن التمعن في متن الوحي للحكم بصدقه وربانية ما فيه من هداية ورشاد.
فهذه المهمة الفكرية هي أصعب وأكرم ما امتحن الله به الإنسان في الحياة الدنيا بحيث كل ابتلاء واختبار بعدها فهو أدنى منها صعوبة. ولايكتمل الابتلاء بالإيمان بالآيات المنظورة إلابوجود الآيات المقروء "وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا" [سورة الاِسراء/الآية:15].
فالإنسان مطالب في إطار أمانة الاستخلاف بالتفكير على اتجاهين مختلفين: مجال الغيب ومجال الشهادة، فالغيب المحجوب عن الأنظارهو الذي يجب الاعتقاد به اعتقادا جازما لايحتمل الشك والارتياب: "اِنَّمَا الْمُومِنُونَ الَّذِينَ ءامَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ" [سورة الحجرات/الآية: 15] وأيضا ملازمة هذا المستوى من الإدراك والمعرفة على امتداد الحياة، وإذا تخللته حالات شك فليكن الرجوع بعدها إلى الإيمان أقوى ما يكون، كما يعود المذنب بعد التوبة أكثر إصرارا على عدم العود إلى الذنب وأشد حاجة للاستغراق في الضراعة والاستغفار والاستقامة.
فعن ابن عباس أن رجلا أتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "يا رسول الله إني لأجد في صدري الشيء لأن أكون حمما أحب إلىّ من أن أتكلم به قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: الله أكبر الحمد لله الذي رد أمره إلى الوسوسة" [1] #_edn2 . فتثبيت الإيمان في القلب ليست مهمة محدودة في الزمان يفرغ منها ثم ينتقل إلى الانشغال بغيرها، وإنما يتطلب الإيمان التعهد والتقوية المستمرين ما بقي المرء على قيد الحياة، وهذا وجه من الصعوبة لايخفى! فكم من واحد قضى الجزء الأكبر من عمره على نهج الإيمان تم ارتد عنه في آخر حياته، ولقد حذرنا الله من هذا الانقلاب الذي ينفذه القلب بطبيعته التقلبية: "وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُومِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ" [سورة الأنعام/الآية: 111] وفي رواية أخرى عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال : جاء ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النبي فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به. قال: "أو قد وجدتموه" قالوا: نعم. قال: "ذاك صريح الإيمان" [3] #_edn3 .
إن تقلب القلب يحصل منه دون استئذان فيحتاج إلى ما يعيده إلى دائرة الإيمان كلما فتر أو تدنى، من ذكر وتفكر واعتبار، وتجديد النظر في الأدلة والبراهين ومدى حجيتها وتحقيقها للإيمان الصادق، واستشعار برد اليقين في القلب.
فلما كان الإيمان بالله هو التكليف الأساس الذي ينبني عليه ما دونه من تفاصيل الدين، ناسب أن يختبر من حيث الوجود والقوة حينا بعد حين وأن تلتمس زيادته بأداء الطاعات واجتناب المعصيات.
والتفكر في آيات الله المنشورة، قد يفضي إلى الإقرار بوجود خالق للكون قادر عالم مدبر حكيم دائم -في أحسن الأحوال- دون باقي الصفات الإلهية، وقد يلازمه تردد وريب في الأمر، وقد يقال بقدم العالم بمعنى عدم حاجته لمن يحدثه على الصورة التي يرى عليها، وقد يفسر الوجود بمصادفات غريبة، وقد يقال بعبثية الحياة وافتقادها لأي مغزى، وقد وقد... فالفكر في مجال الإيمان يتوزع بين الناس طرائق قددا ومذاهب عددا.
ومما يؤكد أيضا ارتفاع حدة الاختبار الذي يواجهه الآدميون في الدنيا هو ندرة اهتدائهم إلى توحيد الألوهية حتى مع توفر بيانات الوحي! فما يشيع أكثر في الناس على امتداد الوجود البشري، هو إيمانهم بشركاء لله! قد يصنعونهم بأيديهم ويعلمون عجزهم، ومع ذلك ينسبون إليهم الحول والقوة والتأثير والنفع والضر، ومن الملاحظ أن هذه المعبودات التي ألهها الإنسان لم تكن لها أية قوة تفرض بها نفسها عليه، وإنما هو الذي صنعها بيديه وفرض عليها صفة الألوهية من تلقاء نفسه: "أَفَرَآيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى، وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى، أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الاُُنْثَى، تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى، إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَءابَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ اِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الاََنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى" [سورة النجم/الآيات:19-23].
وتغيب عنه حقائق أخرى ذات أهمية كبرى مثل: لماذا خلق الخالق الكون والإنسان ولأية غاية؟ وهذا الفضول المعرفي يدفع بالإنسان في اتجاه البحث عن أجوبة شافية لتلك الاستفهامات العريضة، ويرفع استعداده للإيمان بالآيات المسطورة.
إن آيات الله المنشورة في الأنفس والآفاق، علامات واضحة دالة على الخالق المصور، الذي أحكم خلق كل شيء، لكنها ليست بنفس صرامة الاستدلال التجريبي، الذي نصادفه في عالم الشهادة، فالشمس حين تصعد في كبد السماء لا يستطيع مبصر أن ينكر وجودها، لكن الذين لا يعيرون آية الشمس وغيرها من الآيات الكبرى أي اهتمام، باعتبارها من الأدلة الواضحة على وجود الله، أو أغلقوا أبواب عقولهم ومنعوها من التفكير في هذا الموضوع، أو سلموا بأن خالقها هو خالق الكون وكائناته كلها ثم نفضوا أيديهم عند هذا الحد، أو بدلوا في شرع الله وغيروا، أو نفوا وجود الإله وعدوه خرافة، هم الغالبية الكبيرة. "وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُومِنِينَ" [سورة يوسف/الآية: 103].
وهكذا نجد الدليل الإيماني غير ملزم إلا لمن عنده إرادة الالتزام به! وحتى في هذه الحالة يظل مفتوحا على احتمالات عدة مثل نقض الالتزام أو التراخي فيه أو الانحراف به عن مقاصده وغاياته، "وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ ءايَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ" [سورة الحج/الآية: 16] "اَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الاََرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ -اذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الاََبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ" [سورة الحج/الآية: 44].
ومع وجود كل هذه الإخفاقات الفكرية أمام الإنسان تجاه الإيمان، فإن الله تعالى لا يرضى لعباده إيمانا مهزوزا أو ضعيفا لا يحرك النفس في اتجاه التمثل السلوكي عبادة وأخلاقا، بل إنه فوق ذلك خلق أسبابه المؤدية إليه: الفطرة، وإنزال الرسالات وبعث الرسل، ونشر الآيات المنظورة في الأنفس والآفاق، وخلق كذلك أسبابه الصارفة عنه: الشهوات، إبليس، زينة الحياة الدنيا.
وكلما بلغ الإنسان درجة أعلى من الإيمان واجه محك الابتلاءات، فيرتقي درجة أسمى حين يثبت، أو ينتكس إلى الخلف ويتراجع. "اَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا ءامَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ، وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ" [سورة العنكبوت/الآيتان: 2-3]].
فمن يستسهل قضية الإيمان، أو يعده مسلكا سهلا، قد ينخرط فيه أي كان وينجح في بلوغ غاياته، فهو أجهل الناس بحقيقة أن الإيمان بالله هو الأمانة العظمى التي عجزت عن حملها السماوات والأرض والجبال.
---------
1. #__edn1 سيد قطب، في "ظلال القرآن"، ج 3، ص: 205.
2. #__edn2 البيهقي في شعب الإيمان، وحسنه الألباني في ظلال الجنة، ج 1، ص: 353.
3. #__edn3 رواه مسلم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.