هو أكبر مفاجأة في لائحة التعيينات التي أقرّها الملك محمد السادس بعد زوال أول أمس الاثنين، قبل انطلاق المجلس الوزاري. فمنذ مرحلة التفاوض العسير أثناء ما يعرف ب"البلوكاج"، الذي طبع محاولة الأمين العام لحزب العدالة والتنمية السابق تشكيل الحكومة؛ كانت ورقة وزارة الشؤون الإفريقية تطرح مرتبطة بالحاجة إلى شخصية سياسية من حزب الاتحاد الاشتراكي في هذا الموقع. استقبالات الملك في قصر الدارالبيضاء أول أمس، كشفت عن اسم مفاجئ لم تشمله التوقعات، يتمثل في رجل الأعمال والاستشارات الاستراتيجية، محمد الجزولي. هذا الأخير أصبح مطالبا فور أدائه القسم بين يدي الملك وحضوره المجلس الوزاري، بالانتقال على وجه السرعة إلى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، حيث تنعقد هذا الأسبوع اجتماعات الخبراء والوزراء الأفارقة، تحضيرا للقمة السنوية التي ستنعقد يوم الأحد المقبل، وذلك بصفته وزيرا منتدبا مكلفا بالشؤون الإفريقية. الوزارة التي أعلن الملك رسميا قرار إحداثها في خطاب افتتاح السنة التشريعية الحالية، آلت في النهاية إلى رجل اختار الاستثمار في الخبرة المالية والاقتصادية الخاصة بالأسواق الإفريقية، ومن ثم مرافقة المشاريع والاستثمارات التي تبحث عن موطئ قدم في القارة السمراء. أول ظهور بارز لهذا الخبير الاقتصادي في محفل دولي كبير، كان على هامش مؤتمر "كوب 22″، الذي احتضنه المغرب نونبر 2016، حيث كان ضمن فريق رجال الأعمال الممثلين للمغرب، والمنتمين إلى المنظمة الممثلة للباطرونا المغربية، أي الاتحاد العام لمقاولات المغرب. محسن الجزولي ظهر حينها بصفته رئيسا للجنة الاستراتيجية التابعة للاتحاد، وهي الصفة التي ظل يواكب بها خروج القطاع الخاص المغربي الكبير نحو الدول الإفريقية، موازاة مع المنعطف الدبلوماسي الكبير الذي قام به الملك محمد السادس في القارة السمراء. مصدر عرف محسن الجزولي، قال ل"اليوم24" إن هذا الأخير ظل منذ عودته إلى المغرب منتصف التسعينيات قادما من فرنسا، التي كان يقيم بها بعد التخرج من جامعة باريس التاسعة، يشتغل في فرع لأحد مكاتب الدراسات الدولية، قبل أن "ينشق" عنه ويؤسس مكتبه الخاص المعروف حاليا باسم "فاليانس". هذا الأخير أصبح منذ أكثر من 12 عاما، واحدا من الوجهات المفضلة لدى عدد من المؤسسات الرسمية لطلب الخبرة والاستشارة الاستراتيجية. "يمكن القول إن هذا المكتب كان محظوظا بشكل استثنائي، لكونه حصل على مجموعة من الصفقات مع الدولة، جعلته في إحدى المراحل يحقق رقم معاملات بمئات الملايين من الدراهم، وهو أمر استثنائي في سوق صغير مثل المغرب". واحدة من هذه الصفقات التي قد تكون الجسر الأخير الذي أوصل محسن الجزولي إلى الحكومة، تتمثل في دراسة أسندت إلى مكتبه من طرف وزارة الخارجية والتعاون، تهم تقييم المشاريع التي أطلقها المغرب في الدول الإفريقية، بمناسبة الزيارات الملكية التي جرت في الفترة الأخيرة. "في حقيقة الأمر، الذي كلّف بهذه الوزارة هو مكتب "فاليانس" أكثر منه محسن الجزولي، بالنظر إلى الملفات التي اشتغل عليها المكتب في السنوات الأخيرة"، يقول المصدر نفسه. "القطاع العام هو أحد أكبر مصادر الطلب على الاستشارة في المغرب، وهو أمر ينطبق على جل مكاتب الدراسات المشابهة لفاليانس"، يقول محسن الجزولي في حوار نادر أجراه خريف العام 2014 مع موقع "ميديا 24" الإلكتروني. الجزولي يضيف، موضحا أن القطاع العام لا يقتصر على مؤسسات إدارية، بل يتضمن مقاولات لها هاجس كبير لتحقيق المردودية، "وباللجوء إلى مكاتب الدراسات، فإن القطاع العام يجيب في الوقت نفسه عن إشكالات تتعلق بتدبير المقاولات، وبالسياسات العمومية"، يقول الجزولي، مضيفا أن الاشتغال أساسا مع القطاع العام أمر يهم الكثير من القطاعات ولا يقتصر على الاستشارة. وعندما سُئل الجزولي عن سر النجاح، قال إن ذلك يتطلب عوامل متعددة، "أولها توفر رياح ملائمة، ووجهة محددة. لا بد من تحديد طموح معين، ولا بد من الحلم من أجل النجاح. حلم، هدف، طموح، ووسائل، كل ذلك يتطلب أولا رجالا ونساء، أي أن تحسن إحاطة نفسك بالأشخاص المناسبين".