الذكرى 22 لميلاد الأمير مولاي الحسن.. مناسبة لتجديد آصرة التلاحم المكين بين العرش والشعب    التقدم والاشتراكية يدعم ملتمس الرقابة ويأمل توفر شروط نجاحه    بورصة الدار البيضاء.. أداء إيجابي في تداولات الافتتاح    بايدن يتهم ترامب باسترضاء روسيا    تصاعد التوتر بين باكستان والهند يدفع إسلام أباد لدعوة لجنة الأمن القومي لاجتماع طارئ    صيحة قوية للفاعل الجمعوي افرير عبد العزيز عن وضعية ملاعب القرب بحي العامرية بعين الشق لالدارالبيضاء    توقعات أحوال الطقس اليوم الأربعاء    المغرب يدخل خانة البلدان ذات التنمية البشرية المرتفعة وفقا لمعايير برنامج الأمم المتحدة للتنمية    دورة تكوينية حول التمكين الاقتصادي للشباب وريادة الأعمال والثقافة المقاولاتية    فليك يتهم الحكم بإقصاء برشلونة ويُخاطب لاعبيه قبل الكلاسيكو    دافيد فراتيزي: اقتربت من فقدان الوعي بعد هدفي في شباك برشلونة    انتر ميلان يتغلب على برشلونة ويمر إلى نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    المغرب يستقبل 5.7 ملايين سائح خلال 4 أشهر    التصعيد العسكري بين الهند وباكستان.. 34 قتيلا في ضربات متبادلة    القوات المسلحة الملكية: ندوة بالرباط تسلط الضوء على المساهمة الاستراتيجية للمغرب خلال الحرب العالمية الثانية    كيوسك الأربعاء | لفتيت يكشف الإجراءات الأمنية للتصدي للسياقة الاستعراضية    بركة: قطاع البناء والأشغال العمومية يُحدث 52 ألف منصب شغل في ثلاثة أشهر    الرؤية الملكية لقضية الصحراء المغربية من إدارة الأزمة إلى هندسة التغيير والتنمية    السياحة الريفية في الصين... هروب من صخب المدن نحو سحر القرى الهادئة    غوتيريش: "العالم لا يمكنه تحمّل مواجهة عسكرية بين الهند وباكستان"    من النزاع إلى التسوية.. جماعة الجديدة تعتمد خيار المصالحة لتسوية غرامات شركة النظافة التي تتجاوز 300 مليون سنتيم    وهبي: نقابات تكذب... وقررت التوقف عن استقبال إحدى النقابات    مستشفى ورزازات يفتح باب الحوار    عاملات الفواكه الحمراء المغربيات يؤسسن أول نقابة في هويلفا    الهند تعلن شن هجوم على مواقع في باكستان.. والأخيرة تعلن أنها سترد    انطلاق عملية استقبال طلبات الدعم العمومي الخاص بالصحافة والنشر    زكية الدريوش: الحكومة تشتغل على تقليص الوسطاء والمضاربين ومراجعة قانون بيع السمك    تألق مغربي في ختام البطولة الإفريقية التاسعة للووشو بالقاهرة    وفد مغربي سعودي يستقبل وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد في مطار الدار البيضاء    إنتر يقصي البارصا من أبطال أوروبا    صاحبة السمو الملكي الأميرة للا حسناء تفتتح بباكو المعرض الرقمي "الزربية الرباطية، نسيج من الفنون"    إسبانيا تتمسك بتقليص ساعات العمل    "إغلاق أخضر" في بورصة البيضاء    إرشادات طبية تقدمها الممرضة عربية بن الصغير في حفل توديع حجاج الناظور    تقدم خطوتين فقط بعد جائحة كوفيد.. المغرب في المرتبة 120 عالميا في مؤشر التنمية البشرية لعام 2025    الرجاء الرياضي يحتج على التحكيم    نيروبي: افتتاح أشغال مؤتمر دولي لليونيسكو حول التراث الثقافي بإفريقيا بمشاركة المغرب    ارتفاع أسعار الذهب إلى أعلى مستوى    موسم طانطان ينطلق في 14 ماي.. احتفاء بتقاليد الرحل وبالثقافة الحسانية    "قفطان المغرب" يكرم التراث الصحراوي    وزير إسرائيلي: "غزة ستدمر بالكامل"    متى كانت الجزائر صوتا للشرعية البرلمانية العربية؟ بقلم // عبده حقي    افتتاح فعاليات الدورة الرابعة للمهرجان الدولي للفيلم بالحسيمة    الفريق الاستقلالي يطالب بإحالة محمد أوزين على لجنة الأخلاقيات    استراتيجية حكومية لضمان تكاثر القطيع الحيواني تغني عن اللجوء للاستيراد    منطقة الغرب.. توقع إنتاج 691 ألف طن من الزراعات السكرية    زوربا اليوناني    العصبة تلزم فرق البطولة بحذف جميع إشهارات الشركات المتخصصة في نقل الأشخاص والوساطة في النقل    الرباط تحتضن ملتقىً دولي حول آلة القانون بمشاركة فنانين وأكاديميين من المغرب والعراق ومصر    تحذير من تناول الحليب الخام .. بكتيريات خطيرة تهدد الصحة!    ارتفاع حالات الإصابة بالحصبة في أوروبا خلال شهر مارس الماضي    عضة كلب تنهي حياة شاب بعد أسابيع من الإهمال    استقبال أعضاء البعثة الصحية لموسم الحج    كيف تُنقذ حياة شخص من أزمة قلبية؟.. أخصائي يوضّح    كلمة وزير الصحة في حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سلف أردوغان الذي أعاد الأذان
نشر في اليوم 24 يوم 10 - 07 - 2018

مع اقتراب مرور قرن كامل على الاحتضان الغربي لتحركات «الوطنيين» العرب الساعين للتخلّص من السيطرة العثمانية (التركية)، واحتضان باريس لأحد أشهر مؤتمراتهم عام 1913؛ تحوّل الانجذاب العربي التركي الذي أفرزته ثورات الربيع العربي، إلى مصدر لهواجس جديدة للعالم الغربي، جعلته يسحب رداء الرضا الذي ظلّ يلفّ به الدولة العلمانية في تركيا منذ تأسيسها من طرف أتاتورك. والسبب الرئيس، تجاوز تركيا أردوغان لحدود الدائرة المرسومة لها منذ قرن، وشروعها في تصدير نموذجها القائم على ثنائية القومية والانتماء الإسلامي، إلى شعوب المنطقة العربية التي خرجت عام 2011 بحثا عن الخلاص من قيود ما بعد «سايكس بيكو» ومعها أنظمة الاستبداد والقمع. تركيا أردوغان القوي واسطنبول البهية والجيش المسلّح ذاتيا (تقريبا) والدبلوماسية المتمردة على الوصاية الغربية والطامحة إلى دور إقليمي يستند إلى الشرعيتين التاريخية والدينية؛ لم تعد هي تركيا ما قبل الربيع العربي، أي تلك الدولة التي تعانق الغرب مجرّدة من ردائها الثقافي (الديني). والرجل الذي يحكم تركيا منذ أزيد من 15 عاما، بدوره لم يعد ذلك الشاب المتمرّد على شيخه (أربكان)، والساعي إلى الجمع بين العلمانية والتنمية والإشعاع الدولي. رجب طيّب أردوغان، شق لنفسه طريقا نقلته من مجرّد رئيس حكومة يمشي في ظلّ الدولة العميقة (الجيش والقضاء)، إلى سلطان جديد يحرّر الشعور الديني من جديد داخل نفوس الأتراك، ويغيّر الدساتير ليصبح رئيسا للجمهورية على النمط الأمريكي، دون أن يخلو سجلّه من آلاف الاعتقالات في صفوف الخصوم السياسيين والصحافيين والمعارضين، بدعوى التواطؤ مع الأعداء والانقلابيين. «أخبار اليوم» التي كانت قد خصصت في صيف العام 2011 حلقات مطوّلة لرسم صورة كاملة عن مسار تركيا منذ عهد أتاتورك إلى مرحلة هذا الرجل المعجزة؛ تعود بعد سبع سنوات لتنحت هذا البورتريه، مع ما حملته هذه السنوات من منعرجات وتحولات. تركيا القوية اقتصاديا وعسكريا ودبلوماسيا باتت اليوم درسا إلزاميا لجميع شعوب المنطقة العربية، لا مناص من قراءته، دون إغفال أن صانع هذه التجربة الاستثنائية، أردوغان، إنسان راكم الخطايا كما «الحسنات».
تعتبر أولى مراحل دخول الإسلاميين إلى المعترك السياسي التركي، هي فترة حكم الحزب الديمقراطي بزعامة "عدنان مندريس": في هذه المرحلة كان لمساندة الحركة الإسلامية التركية للحزب الديمقراطي في انتخابات عام 1950 نتائج بارزة، أهمها اتخاذ عدنان مندريس (كان رئيسا للوزراء آنذاك) قرارا في 14 يوليوز 1950 بعودة الأذان إلى اللغة العربية، بالإضافة إلى إتاحة الفرصة لطلاب "رسائل النور" للدخول إلى البرلمان التركي في صفوف الحزب الديمقراطي، والحصول على مناصب مختلفة في أجهزة الدولة، وعودة النشاط للتعليم الديني، "وفى هذا الإطار على سبيل المثال لا الحصر، كان عدد معاهد الأئمة والخطباء عام 1951 لا يزيد عن ستة معاهد فقط، وبلغ 71 معهدا عام 1969، كما بلغ عدد الجمعيات التابعة للجماعات الدينية 5104 جمعية عام 1960، بعدما كان لا يزيد عددها عن 154 جمعية عام 1950" يسجّل العدال في بحثه حول الحركة الإسلامية في تركيا.
بالإضافة إلى حالة الانفراج العام بعد مرحلة من الاستبداد المطلق للحزب الواحد التي دامت 28 عاما. كما أن هذه المرحلة دفعت الحزب الممثل للجناح الكمالي (حزب الشعب الجمهوري) إلى تقديم تنازلات للجماعات الدينية، فلم يعارض مشروعات قرارات عديدة في البرلمان آنذاك لإعادة الاعتبار للتعليم الديني والطرق الصوفية، بل سعى الحزب أيضا لفتح أبوابه أمام عدد من شيوخ الطرق الصوفية خاصة النقشبندية لكسب مساندة أنصارها. حيث تبدو الحركة الإسلامية التركية وكأنها استمدت شرعيتها، لاحقا، من جهاز الدولة ذاته كما يرى الباحث المصري حسام تمام.
فرغم سياسات العلمنة الصارمة، جرى التصالح مع الدولة ومؤسساتها عبر بوابتين اثنتين. "أولا، جرى التخفيف من وطأة العلمانية التركية مع تحول تركيا إلى النظام التعددي، حين بدت أهمية الدين واضحة في استقطاب الأصوات التي لم تكن راضية عن الإصلاحات الكمالية. وجرى استيعاب التوجهات الإسلامية الناشئة مبكراً عبر قنوات مؤسسية بنشوء أحزاب يمين الوسط، وهى الأحزاب التي اشتهرت بميلها إلى المحافظة وسعيها إلى اجتذاب قطاعات واسعة من المجتمع جرى إقصاؤها من المجال السياسي في المرحلة الكمالية"، يقول تمام.
كما سعت الأحزاب الكمالية أو العلمانية الليبرالية في تلك الفترة إلى استثمار قوة التيارات الدينية، للوقوف أمام المد الشيوعي الذي بدأ يطرق أبواب تركيا آنذاك.. الأمر الذي أتاح للجماعات الدينية فضاءات واسعة للنشاط تحت غطاءات رسمية في غالب الأحيان، وهو ما ساهم في تهيئة أرضية متينة لواقع الحركة الإسلامية التركية اليوم. فيما سيطر الحزب الديمقراطي على الحياة السياسية التركية طيلة الخمسينيات، وارتبط اسمه بعودة الإسلام إلى السياسة في تركيا. "والواقع أنه ساهم كثيرا في "الإحياء الإسلامي" في ذلك العقد، عبر اتخاذ العديد من الإجراءات المهمة، من قبيل السماح برفع الأذان بالعربية، وإلغاء الحظر على البرامج الدينية في الإذاعة، وتلاوة القرآن فيها… وبناء 1500 مسجد وترميم عشرات المساجد في الفترة 1950-1957″، يقول جلال عبد الله معوّض.
هذا الأخير يعود لينبّه إلا أن ارتباط الحزب الديمقراطي بالإسلام وعودته إلى الحياة السياسية، لأن رغبة زعيمه مندريس في كسب الانتخابات ومناهضة الشيوعية الزاحفة حينها، "كانتا من عوامل ممارسته "سياسة إسلامية" بمعنى معيّن، لكنه كان في الوقت نفسه رافضا لظهور حزبه ك"حزب إسلامي"، وتبنى فعليا سياسة توازن دقيق بين النزعتين الإسلامية والعلمانية. ففي إطار دفاعه عن العلمانية، تم في عهد مندريس إصدار تعليمات "لحماية تماثيل أتاتورك"، التي تعرّضت للتحطيم، ولوحق أعضاء الطريقة التيجانية وسجن زعيمها "كمال بيلاق أوغلو". وحوكم المفكر الإسلامي الكبير "سعيد النورسي" وغيره، وأغلقت مطبوعات إسلامية، وحوكم منتقدو الكمالية والعلمانية، وأغلق حزب الأمة".
من جانبه الداعية المصري راغب السرجاني، ذهب إلى أن مندريس لم يكن مندريس إسلاميًّا، "ولكنه كان وطنيًّا يُظهِر إمكانية التعامل مع كافة القوى من أجل مصلحة تركيا. وفي هذه الظروف نشط الاتجاه الإسلامي نسبيًّا، وبدأت هناك بعض المطالبات بحريات أكثر وأكثر للتيار الديني، وزادت أعداد مدارس الأئمة والوعاظ، وبرز دور علماء الدين بشكل أوضح".
لكن ذلك كلّه لم يشفع لمندريس وحزبه، واستمرّت هجمات وتحذيرات العلمانيين، يتزعّمهم حزب "الشعب الجمهوري"، مما اعتبروه توظيفا للدين في السياسة سيؤدي بتركيا إلى كارثة. وهو ما سيؤدي إلى أول انقلاب عسكري في تركيا باسم حماية العلمانية من الإسلاميين، قام به الجيش التركي في ماي 1950، مع اعتقال كل من رئيس الحكومة مندريس ورئيس الجمهورية بايار ونواب الحزب الديمقراطي. إذ "لم تكن هذه التغيرات خافية بطبيعة الحال عن الجيش التركي الذي يقوم بدور حامي العلمانية والأتاتوركية، فقام الجيش بانقلاب دموي رهيب في سنة 1960م، ونفذوا حكم الإعدام في عدنان مندريس، وكذلك في جلال وفي عدد من أتباعه، مع التصدي بمنتهى العنف للتيارات الإسلامية المتنامية" يقول راغب السرجاني، معتبرا أن ذاك كان صدمة كبيرة للحركة الإسلامية في تركيا، "خاصةً أنها جاءت في وقت متزامن مع وفاة العلاّمة الفذّ بديع الزمان النورسي في منفاه بمدينة أورفة في نفس السنة. ولكي ندرك مدى الحقد الذي كان في قلوب العسكريين ضد بديع الزمان النورسي، يكفي أن نعلم أنهم هجموا على قبره، وأخذوا جثته حيث دفنوها في مكان غير معلوم، ولا يعرفه أحدٌ من الأتراك حتى يومنا هذا".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.