توقعات أحوال الطقس غدا الأحد    المغرب يدعو إلى إدماج الآليات الوطنية لحقوق الإنسان في استراتيجيات الأمم المتحدة    جماعة طنجة تعتمد نظاما رقميا جديدا لتنظيم ركن السيارات يعزز النجاعة والشفافية    جازابلانكا .. منصة نفس جديد تنفتح على إيقاعات صحراوية مع فرقة درعة تريبز    المغرب يزيد واردات قمح كازاخستان    الطماطم المغربية تهدد الإنتاج الإسباني.. مزارعو إسبانيا يطالبون أوروبا بتحرك عاجل    سعر صرف الدرهم يسجل ارتفاعًا بنسبة 1.4 في المائة مقابل الدولار الأمريكي    في العدوان الإسرائيلي على إيران    إنذار بمطار مايوركا بعد اندلاع حريق بطائرة وإصابة 6 ركاب    قانون جديد بهولندا يجرم تقديم المساعدة "للحراكة"    ترامب: قد يكون هناك اتفاق بشأن غزة بحلول الأسبوع المقبل    موتسيبي يتقدم بالشكر لملك المغرب    نادي ليفربول ومنتخب البرتغال يودعان المهاجم ديوغو جوتا بجنازة مؤثرة    الملك يبعث تهنئة إلى الرأس الأخضر    المرصد الاستراتيجي: البوليساريو في حالة موت سريري        عبد الله العروي: اسْتِبانَة    "الحرب بوسائل أخرى": رواية عن السلطة والحب والإدمان    السلطات تمنع عروض الهواء الطلق في "الليلة البيضاء للسينما وحقوق الإنسان" وتثير استياء المنظمين    الأزمي: مشروع قانون إعادة تنظيم مجلس الصحافة "فضيحة ديمقراطية"    المغرب والإكوادور يدشّنان مرحلة جديدة من التعاون الاستراتيجي بافتتاح سفارة كيتو في الرباط وتوقيع اتفاقيات شراكة شاملة    المبادرة الوطنية للتنمية البشرية: ميدلت تخلد اليوم العالمي للتعاونيات تحت شعار التواصل    روما: إعادة انتخاب المغرب عضوا في مجلس الفاو    مؤسسة البحث والتطوير والابتكار في العلوم والهندسة.. حصيلة "مذهلة" خلال السنوات الثلاث الماضية (أزولاي)    حقوقيون يستنكرون تصاعد التضييق على حرية الرأي والتعبير والاستهداف الممنهج للحق في التنظيم    إنزاغي يعبر عن فخره بالهلال بعد الخروج من مونديال الأندية    جامعة محمد السادس تشارك في ابتكار جهاز ينتج المياه العذبة من الهواء دون مصدر طاقة خارجي    مهرجان الحمامات يرحب بالجزائري الشاب مامي    المثمر يواكب "منتجي الكبّار" بحلول علمية من أجل دعم الزراعة المستدامة    مونديال الأندية.. تشيلسي يهزم بالميراس ويلاقي فلومينينسي في النصف نهائي    كيوسك السبت | أكثر من 143 ألف حادثة و4 آلاف و24 قتيلا خلال سنة 2024        "كان" السيدات: المنتخب المغربي يواجه زامبيا بحثا عن الانتصار في أولى مبارياته    كأس أمم إفريقيا للسيدات (المغرب 2024): ستة ملاعب تحتضن أبرز نجوم الكرة الإفريقية النسوية    كروزنشتيرن.. أسطورة السفن الروسية تحط الرحال في ميناء الدار البيضاء باستقبال دبلوماسي    ارتفاع حصيلة قتلى العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ل57 ألفا و268    فرحات مهني يطلق عريضة دولية لإدانة قمع حرية الرأي واعتقال النشطاء السياسيين في منطقة القبائل    في عيد استقلال الولايات المتحدة، الرئيس ترامب يوقع قانون الميزانية الضخم        طنجة.. مصرع شاب في حادث سير داخل الممر تحت أرضي ببني مكادة    طقس حار مع "الشركي" وهبات رياح مع عواصف رملية السبت والأحد بعدد من مناطق المغرب    "السومة" يكلّف الوداد 30 مليون سنتيم    مصادر أمريكية: صعود نجل قديروف يثير القلق والسخرية في الشيشان    الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة يكشف مستجدات الدورة السادسة والأربعين لموسم أصيلة الثقافي الدولي    مونديال الأندية .. الهلال يسقط بعد معجزة السيتي    نقابة الأبناك تدق ناقوس الخطر بشأن اقتطاعات ضريبية خاطئة من معاشات المتقاعدين    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    الحرارة القاتلة: دعوات عاجلة لحماية عمال البناء والزراعة بالمغرب    الجديدة : ديوان شعري نسائي جديد "لآلئ على بريق التجلي"    طوطو وصناعة المعنى على منصة موازين    تفسيرات علمية توضح أسباب فقدان ذكريات السنوات الأولى    أمسية تحتفي بالموسيقى في البيضاء    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    تغليف الأغذية بالبلاستيك: دراسة تكشف تسرب جسيمات دقيقة تهدد صحة الإنسان    أخصائية عبر "رسالة 24": توصي بالتدرج والمراقبة في استهلاك فواكه الصيف    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    طريقة صوفية تستنكر التهجم على "دلائل الخيرات" وتحذّر من "الإفتاء الرقمي"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في الكذب الصحافي
نشر في اليوم 24 يوم 25 - 02 - 2019

يحكي فرويد قصة يهوديين التقيا في قطار، فسأل أحدهما الآخر عن البلدة التي يتوجه إليها. أجاب الثاني: «أنا متجه إلى كراكوفيا». رد الأول متعجبا: «يا لك من كذّاب. إذا كنت تقول إنك ذاهب إلى كراكوفيا، فلأنك تريد أن أعتقد أنك ذاهب إلى لومبيرغ، لكني أعرف أنك ذاهب حقا إلى كراكوفيا». هذه الحكاية التي ينقلها عبد السلام بنعبد العالي عن فرويد، في حديثه عن «الكذب السياسي»، تنطبق إلى حد كبير على جرائد ومواقع التشهير، خصوصا ما تنشره هذه الأيام حول القرار الأممي المطالب بإطلاق سراح الصحافي توفيق بوعشرين. لقد أصبح القارئ المغربي يفهم، تلقائيا، عندما يطلق هذا النوع من الصحافة حملة تشهير ضد شخصية ما (بوعشرين، مثلا، أو الشخصيات والمنظمات المطالبة بإطلاق سراحه)، ويحاول إقناعنا بأنه يفعل ذلك دفاعا عن قيم مهدورة ونساء مغتصبات، فإنه، فقط، يقوم، بالتشهير، المبني على الكذب، ببوعشرين والمطالبين بالحقيقة والعدالة في قضيته، وأن حكاية النساء، مثلها مثل حكاية الفيلا، أو حكاية عمارية الأمير.. محض سيناريوهات جاهزة يمكن تنزيلها وتعديلها، حسب السياق، لتأثيث مشهد القتل الرمزي والمادي لصحافي مزعج وعصي على التطويع.
ومثلما قال اليهودي لصديقه: «يا لك من كذّاب، إذا كنت تقول إنك ذاهب إلى كراكوفيا، فلأنك تريد أن أعتقد أنك ذاهب إلى لومبيرغ، لكني أعرف أنك ذاهب حقا إلى كراكوفيا»، يقول القارئ المغربي: «يا لكم من كذابين، إذا كنتم تهاجمون بوعشرين، فلأنكم تريدونني أن أعرف أنكم تدافعون عن نساء ضحايا، لكني أعرف أنكم تهاجمون بوعشرين لذاته، لخطه التحريري، لكتاباته التي قضَّت مضاجعكم وفضحت حقيقتكم». وأنا، عندما أقول هذا، لا أنطلق من انطباعات ذاتية أو حسابات شخصية أُسقِطها على القارئ، بل يمكن أي أحد أن يعود إلى تعليقات القراء في أحد أكبر المواقع الإلكترونية المغربية، ليرى كيف تفاعلوا مع المقالات الصحافية التي هاجم أصحابها توفيق بوعشرين، ويتأكد أن أغلب تعليقات القراء تجزم بأن اعتقاله سياسي-انتقامي، وفي المقابل، تعتبر المقال الذي يهاجمه نوعا من «الكذب الصحافي» أو «الكذب السياسي»، والأخطر أنها تكاد تجمع على أن العدالة المغربية غير عادِلة ولا مستقلة. ويمكن العودة في هذا الصدد إلى مقال القاضي حكيم وردي، الذي وَرَّدَهُ الزملاء في «هسبريس» بعنوان منحاز: «وردي يفند مزاعم الفريق الأممي حول اعتقال الصحافي بوعشرين»، للتأكد من أن القراء هم من فندوا مزاعم الوردي. أقول هذا مع تأكيد أنني شخصيا لا أصنف موقع «هسبريس» ضمن مواقع التشهير.
لقد سبق لي في 2014، بعد الحملة التي شنتها صحافة التشهير ضد توفيق بوعشرين، في قضية الفيلا، أن تساءلت في مقال: «لماذا يا ترى لا يشبه جسمنا الصحافي باقي الأجساد، التي إذا اشتكى منها عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى؟ لماذا نتعاطف ونتحالف، مع ضِدِنا، ضِدَنا؟ أليست حالتنا هذه هي ما يعرف في علم النفس بمتلازمة ستوكهولم «Le syndrome de Stockholm»، والتي تطلق عادة على مجموع الأعراض التي تظهر متزامنة ومتلازمة على الضحية التي تتعاطف وتتعاون مع جلادها؟»، فلو أن محاميا أو طبيبا أو ميكانيكيَ سيارات، تورط في جريمة خطيرة، هل يقف الجسم المهني الذي ينتمي إليه في مقدمة من يهاجمه ويؤلب ضده الرأي العام، ويدينه قبل القضاء، أم يدافع عنه أو، في أسوأ الحالات، يصمت؟ هذه هي أعراف وأخلاق الزمالة، باستثناء الجسم الصحافي المغربي.
لنتأمل ما حدث مع توفيق بوعشرين، وهو متابع بتهم نفاها كثير ممن جرى تقديمهن باعتبارهن ضحايا. إن أول من يكيد له ويتحامل عليه ويُحرض عليه الرأي العام الوطني والدولي، بل ويضيف إلى اتهامات النيابة العامة اتهامات أخرى، هم صحافيون ومحسوبون على الصحافة.
لنأخذ مثال أحمد الشرعي، مالك جريدة «الأحداث المغربية». الشرعي هذا كتب مقالا في «وول ستريت جورنال» يوم 9 مارس 2018، بالتزامن مع بدء محاكمة بوعشرين، حيث قدمه للرأي العام الأمريكي والعالمي على أنه مغتصب نساء، وقد استغل الشرعي حملة «فضح التحرش»، التي كانت قد أطلقتها هوليوود في ذلك الوقت، من أجل قطع الطريق على أي تضامن محتمل مع بوعشرين. ومن يعرف أبسط قواعد برمجة المقالات للنشر في جريدة بحجم «وول ستريت جورنال»، سيعرف أن مقال الشرعي، الذي نشر يوم 9 مارس 2018 في أمريكا، قد كتب قبل انطلاق المحاكمة يوم 8 مارس. فأين يكمن المشكل؟ في هذا المقال قدم الشرعي وداد ملحاف باعتبارها صديقة له –وهذا معروف- كما قدمها بكونها ضحية لبوعشرين، في حين أن وداد ملحاف لم تنصب بشكل رسمي ضحية أمام المحكمة إلا يوم 8 مارس، فكيف له أن يعرف ذلك قبل المحكمة؟
جريدة الشرعي ستذهب إلى أبعد من الشرعي، وستتجاوز مهمة التشهير والتحريض، إلى تهديد النساء اللواتي رفضن استعمالهن حطباً لإحراق بوعشرين، عندما نشرت مقالا تهدد فيه ابتسام مشكور بأنها ستدخل السجن، إن هي تراجعت عما نسب إليها في محاضر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية.
ختاما، إن أسوأ ما سجلته شخصيا في عملية تحريك هذا النوع من الصحافة، بعد صدور القرار الأممي، بالإضافة إلى الكذب المركَّب، هو احتقارها من لدن الجهة التي تحركها؛ إذ كيف تقبل جرائد ومواقع تحترم نفسها أن تنشر بيانا، بنفس الصيغة، يرد على قرار الفريق الأممي المطالب بإطلاق سراح بوعشرين، موقعا باسم “المستشار القانوني للمغرب” (هكذا!)، دون حتى أن تطالب الجهة التي أعطتها الرد بأن تكشف لها اسم هذا المستشار.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.