المنصوري: أزيد من 36 ألف شاب دون الأربعين استفادوا من برنامج دعم السكن    الركراكي يعلن عن التشكيلة الرسمية للمنتخب المغربي أمام الكونغو    نزار بركة: 60% من المغاربة سيشربون من مياه البحر وسنتمكن من إيصال الماء إلى مراكش    أكادير.. تفكيك شبكة تنشط في تنظيم الهجرة غير الشرعية عبر المسالك البحرية    في نيويورك... أغلبية ساحقة تدعم مغربية الصحراء: الحكم الذاتي يترسخ كخيار واقعي ووحيد لإنهاء النزاع    بورصة الدار البيضاء تغلق على تراجع    تراجع مقلق في مخزون السدود بالمغرب إلى 32% بسبب الجفاف والتبخر    "الداخلية" تحيل ملف مزاعم رشوة عامل آسفي السابق على النيابة العامة    أخنوش يجري مباحثات مغربية صينية    النباوي يلتقي رئيس النزاهة العراقية    32 قتيلا حصيلة حوادث السير بالمدن    الرباط تحتضن نقاشا إفريقيا حول "حق التتبع" للفنانين التشكيليين والبصريين    414 مليار درهم قيمة 250 مشروعا صادقت عليها اللجنة الوطنية للاستثمار    المغرب يقترب من إنجاز عالمي غير مسبوق ب16 انتصارا متتاليا    الأمم المتحدة تقدر تكلفة إعادة إعمار غزة ب 70 مليار دولار    البطولة الاحترافية 2: المغرب التطواني يسجل فوزه الأول خارج الديار وبني ملال يتذيل الترتيب بنقطة واحدة    ممارسة التمارين الرياضية الخفيفة بشكل يومي مفيدة لصحة القلب (دراسة)    محاربة الهدر المدرسي هو المدخل لمحاربة ظاهرة الشباب غير المندمجين في التعليم أو العمل (برادة)    شعلة الحي المحمدي تطلق «حوارات شبابية» مع الدكتور كمال هشومي    منير محقق يصدر «تحليل بنيات الحكاية الشعبية المغربية»    رسميا.. تحديد موعد الديربي البيضاوي بين الرجاء والوداد    "ماركا" الإسبانية تشيد باللاعب المغربي الدولي عثمان معما    "جيتكس غلوبال 2025" .. الذكاء الاصطناعي يحدد خريطة إنتاجية جديدة    "أسعار الاستهلاك" ترتفع في المملكة    "تقنيو السكانير" ينادون بتقنين المهنة    منتخب "الأشبال" يواجه فرنسا بطموح بلوغ النهائي والاقتراب من اللقب التاريخي    إندونيسيا تستبعد رياضيين إسرائيليين    فتح باب الترشيح للاستفادة من دعم الموسيقى والأغنية والفنون الاستعراضية والكوريغرافية    دعوات نقابية لاحترام حق الشباب في الاحتجاج وتحذير من تهديد الاحتقان المتنامي للسلم الاجتماعي    سانشيز: المسؤولون عن "الإبادة الجماعية" في غزة يجب أن يحاسبوا قضائيا    "الصحة العالمية": الاضطرابات العصبية تتسبب في 11 مليون وفاة سنويا حول العالم    المغرب يتجه لدخول نادي منتجي اليورانيوم في العالم    شرطة فاس تستخدم سلاحها الوظيفي لإيقاف جانحين بعد تعرض عناصرها لهجوم بسكاكين    الحسيمة.. أحكام بحق خمسة قاصرين على خلفية أحداث إمزورن    قادة أربع دول يوقعون وثيقة شاملة بشأن اتفاق إنهاء الحرب في غزة    مهرجان بن جرير يكرم رشيد الوالي ويحتفي بذكرى محمد الشوبي    إسبانيا ‬تتموقع ‬إلى ‬جانب ‬المغرب.. ‬نحو ‬شراكة ‬بحرية ‬جديدة ‬تعيد ‬رسم ‬موازين ‬المتوسط    "فيفا" يكشف التميمة الرسمية لمونديال السيدات لأقل من 17 سنة    الشرقاوي: "جيل زيد" حرّكت المشهد السياسي لكنها تعاني من التضخم الرقمي وغياب القيادة    البلاوي يبرز جهود النيابة العامة في حماية النساء خلال المنتدى الإفريقي لتمكين المرأة    طقس الثلاثاء: أجواء حارة بعدد من الجهات    الذهب يلامس ذروة قياسية جديدة وسط إقبال على الملاذ الآمن    الحكومة الفرنسية الجديدة الهشة تعرض مشروع الميزانية    قصف يقتل 3 فلسطينيين شرق غزة    انفجار يقتل 3 عناصر من الدرك شمال إيطاليا    نحو ألفي قتيل و30 ألف جريح إسرائيلي منذ أكتوبر 2023.. تقرير يرصد امتداد الخسائر إلى خمس جبهات    "جيتكس غلوبال" يبرز مستجدات الحلول الذكية ومستقبل الأصول الرقمية    فوز 3 علماء بجائزة نوبل في الاقتصاد    لافونتين المغربي والخطاب السياسي..    معايير منح جائزة نوبل بين التشريف السياسي والاستحقاق الأكاديمي    دراسة يابانية: الشاي الأخضر يقي من مرض الكبد الدهني    جائزة نوبل للأدب بيان ضدّ الشعبوية الأوروبية    المغاربة متوجسون من تداعيات انتشار الأنفلونزا الموسمية خلال فصل الخريف    العِبرة من مِحن خير أمة..    حفظ الله غزة وأهلها    الأوقاف تعلن موضوع خطبة الجمعة    رواد مسجد أنس ابن مالك يستقبلون الامام الجديد، غير متناسين الامام السابق عبد الله المجريسي    الجالية المسلمة بمليلية تكرم الإمام عبد السلام أردوم تقديرا لمسيرته الدعوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إنمل .. دوار يعيش تحت الصفر
نشر في اليوم 24 يوم 31 - 01 - 2014

بجلباب بني رث وعينين جاحظتين يقف محمد ذو الخمس سنوات، وسط قريته «إنمل» المعزولة وسط الأطلس المتوسط، وتحديدا ضمن تراب جماعة «نزالة» التابعة لعمالة ميدلت. لا يدري هذا الطفل ما يخبؤه له المستقبل بعدما شاء له القدر أن يولد في قرية نائية على علو يصل الى 2000 متر عن سطح البحر، معرضة لبرودة شديدة بسبب تساقط الثلوج في فصل الشتاء وللحر في الصيف، وتبعد عن الطريق المعبدة ب26 كلم. في الطريق إلى هذه القرية قد يخيل للزائر أنه يستحيل وجود بشر هنا، لأن سبل العيش منعدمة، فالأراضي قاحلة وغير قابلة للزراعة، وكلها منعرجات وعرة جدا، يكاد يستحيل التحرك فيها، فضلا عن مرتفعات تكسوها الثلوج.
للوصول إلى هذه القرية على متن السيارة، يتطلب الأمر أزيد من ساعة ونصف لقطع حوالي 60كلم فقط، انطلاقا من مدينة ميدلت، منها 26 كلم غير معبدة، تم ترميمها قبل سنتين في إطار مشروع للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية يروم تخفيف العزلة عن محمد وكل سكان القرية البالغ عددهم حوالي 850 نسمة، ومنحهم فرصة التواصل مع العالم الخارجي، ماداموا يصرون على العيش في هذه المنطقة القاسية، رغم أنها لا تبعد كثيرا عن ميدلت.
الخدمات الصحية في القرية منعدمة، والتعليم في مستوى متدني، والشباب يضطرون للهجرة للعمل في المدن القريبة والبعيدة لسد رمق عيش أسرهم.
حصار
النساء يشتكين من شظف العيش، وقساوة المناخ، ولا يترددن في كشف واقعهن المرير، ويتحدثن بجرأة عما يعانينه رفقة أطفالهن. تحاول فاطمة 45 عاما تلخيص ظروف العيش في هذه القرية قائلة: «نحن محاصرون هنا، لا توجد وسيلة للنقل، ومن أراد أن يذهب إلى ميدلت لسبب طارئ فعليه أن يتصل بصاحب سيارة النقل، ويدفع له 500 درهم». وتضيف «نحمد الله لأن السلطات قامت قبل سنتين بإنجاز طريق تربطنا بميدلت». قبل إنجاز هذه الطريق، وتوفير سيارة إسعاف كان الوصول إلى المستشفى في ميدلت والعودة منه يتطلب مدة لا تقل عن 16 ساعة. تروي فاطمة أنها اضطرت مرة لنقل ابنها المريض إلى المستشفى، فاستيقظت في الساعة الرابعة صباحا متجهة إلى قرية «عياط» التي تقع على بعد 7 كيلومترات فقط، ولكن تبدو بعيدة جدا نظرا لوعورة المسلك المؤدي إليها. وعندما بلغت هذه القرية استقلت سيارة نقل أوصلتها إلى المكان في حدود الساعة العاشرة صباحا، وهناك كان عليها انتظار دورها في المستشفى ليفحص الطبيب أو الممرض الابن فحصا سريعا. بعد ذلك كان عليها التسلح بكل ما بقي لها من عزم وإصرار للقيام برحلة العودة عبر نفس الطريق، لتصل إلى قريتها المعزولة في حدود الساعة الثامنة مساء.
بطنيات لنقل الحوامل
هنا لا تجد النساء اللواتي يفاجئهن المخاض من شيء غير اللجوء إلى التوليد التقليدي في البيت. وتحكي امرأة عجوز يقارب سنها التسعين، بنبرة فيها كثير من الإعتزار عن دورها في منح الحياة للكثير من سكان هذه القرية العالقة في هذه المنطقة الوعرة، وتقول: «معظم النساء هنا أنا التي ساعدتهم على الولادة.. بمن فيهن نساء قبائل الرحل».
وفي الحالات المستعجلة يتم استدعاء سيارة يتم كراؤها ب500 درهم. تقول فاطمة «أعرف كثيرا من النساء توفين خلال فترة المخاض في القرية، ولم يستفدن من أي مساعدة طبية». وقبل تهيئة المسلك الطرقي على مسافة 26 كلم كان السكان يضطرون لحمل المرأة الحامل في «بطانيات» لنقلها إلى الضفة الأخرى من النهر، حيث يمكن أن تنتظرهم سيارة إسعاف.
ويتذكر شاب آخر، عمره حوالي 24 عاما، كيف فقد أمه قبل حوالي 13 عاما، بسبب عدم حصولها على مساعدة طبية خلال فترة المخاض، يقول: «والدتي توفيت وتركتنا أيتام بسبب عدم وجود مساعدة طبية».
وإلى حدود اليوم ورغم أن القرية تضم حوالي 850 نسمة إلا أنها لازالت لا تتوفر على أي مستوصف، ولا أي ممرض أو ممرضة. كل ما تم إنجازه في مجال الصحة بالقرية هو وضع سيارة إسعاف رهن إشارة الجماعة القروية، وهو مشروع مولته المبادرة الوطنية للتنمية البشرية.
وتحتاج سيارة الإسعاف هذه لساعة كاملة للوصول إلى القرية، من مركز الجماعة القروية «نزالة»، هذا طبعا إن كانت السماء رحيمة، ولم تغط المنطقة بالثلوج، لأن السيارة لا يمكن أن تعبر المسالك الوعرة في ظل تهاطل الثلوج. أما في حالة سقوط الثلوج فما على المريض سوى البقاء في مواجهة قدره. وحسب السكان فإن استعمال سيارة الإسعاف اليتيمة هذه ليس مجانيا، بل على من يطلب خدماتها أداء 200 درهم. ويقول رب أسرة ل «أخبار اليوم»، «إنهم يطلبون أداء كلفة البنزين في حدود 200 درهم»، ومع ذلك يعتبر السكان أن توفير سيارة إسعاف في حد ذاته أمر جيد، يقول أحد السكان: «على الأقل أصبحنا ندفع200 درهم بدل 500 درهم».
تعليم مهترئ
وحتى بالنسبة للأطفال الذين يتحدون الظروف القاسية وينجحون في البقاء على قيد الحياة، فلن يحظوا بفرصة لدخول روض الأطفال، لأنه غير متوفر هنا، لكنهم سيلجون المدرسة الابتدائية الوحيدة، حيث يتولى ثلاثة معلمين الإشراف عليهم في ظل ظروف غير ملائمة، فبناية المدرسة مهترئة، ويشتكي السكان من كثرة غياب أطر التدريس، باستثناء أحدهم.
وهم غير مرتاحين البتة لمستوى التعليم، وتقول امرأة تحمل طفلها على ظهرها أن ابنتها تدرس في المستوى الثاني في مدرسة القرية، لكنها لا تعرف كتابة اسمها. وتضيف «رغم أن التمدرس يمتد هنا إلى القسم السادس إلا أن الاطفال الذين يصلون إلى هذا المستوى لا يتقنون القراءة والكتابة.»
شريفة فتاة تبلغ من العمر حوالي 15 عاما، وتعد محظوظة لتمكنها من إكمال دراستها إلى مستوى الرابعة إعدادي. بالنسبة إليها هذا إنجاز مهم، لكنه ما كان ليتحقق لولا مساعدة عمها الذي انتقلت للعيش معه في ميدلت. تقول إن كل ما تتمناه هو أن تتولى تدريس نساء القرية مبادئ القراءة والكتابة، وأن تعلمهن حفظ بعض سور القرآن وكيفية الوضوء. وتقول «يحز في نفسي أن كثيرا من نساء القرية لا يتقن الوضوء». ورغم وجود مدرسة ابتدائية يدرس بها حوالي 70 طفلا، فإن القليل منهم من يكمل دراسته الإعدادية ثم الثانوية. أغلب أطفال القرية ينقطعون عن الدراسة بعد إكمال التعليم الابتدائي، والقليل منهم يسجلون في الإعدادي في مدينة ميدلت؛ أما الفتيات فإنه من غير الوارد أن تغادرن القرية. ونظرا لضعف الدخل بالنسبة للأسر، فإن الشباب عادة ما يسافرون إلى مدن، مثل: طنجة أو الناظور… للعمل في قطاع البناء، يقول علي: «نغيب لمدة 3 أشهر ونعود للقرية بعدما نجمع بعض المال، ثم نقضي في القرية شهرا ونعود للعمل من جديد». وعادة ما يقبل الشباب هنا على الزواج مبكرا، ويتركون زوجاتهم في القرية بحثا عن شغل في مدن أخرى. أما من يتبقى في القرية فإنه يشتغل على الرعي، وعلى نشاط محدود في مجال تربية النحل. ومؤخراً قدمت وزارة الفلاحة مساعدة لبعض السكان لغرس أشجار التفاح، لكن الغلة لن تظهر إلا بعد خمس سنوات.
ورغم إقرار السكان بقساوة العيش في قريتهم إلا أنهم لا ينوون تغيير مكان عيشهم. عندما تتهاطل الثلوج يلزمون بيوتهم الطينية مستعينين بالحطب للتدفئة، وما جمعوه من مؤونة؛ الجزء الأكبر منها عبارة عن قطاني. وإذا مرض أحدهم خلال هذه الفترة فما عليه إلا أن يجلس في بيته وينتظر مصيره في انتظار ذوبان الثلوج.
16 مليار سنتيم لإنجاز مسلك طوله 26 كيلومتر
تم خلق عمالة ميدلت سنة 2010 بعدما كانت تابعة لخنيفرة، وهي تمتد على مساحة 13121 كلم مربع، وتضم جماعتين حضريتين هما جماعة ميدلت وجماعة الريش، كما تضم أربع دوائر، هي دوائر ميدلت، الريش، املشيل، وبومية. ويبلغ عدد ساكنة العمالة 258557 نسمة، وتقع في منطقة مرتفعة تتراوح بين 1200 متر و3700 متر (جبل العياشي ثاني أعلى قمة في المغرب.)
وبسبب مناطقها الجبلية، فإن عددا من القرى والتجمعات السكانية تبقى معزولة. وحسب عامل الإقليم، فإنه بفضل تمويلات المبادرة الوطنية للتنمية البشرية تم إنجاز 600 كلم من المسالك إلى هذه الدواوير خلال ثلاث سنوات الأخيرة فقط، منها ما تم خلقها لأول مرة، ومنها ما تمت تهيئتها، مشيرا إلى القائمين على المبادرة الوطنية في الإقليم أنهم قرروا اقتناء 13 آلية للأشغال؛ مما مكن من اقتصاد الميزانية وإنجاز المسالك. فقد كلفت- مثلا- تهيئة الطريق إلى قرية «إنمل» على مسافة 26 كلم مبلغ 160 مليون سنتيم، كما أنجزت المبادرة بئرا لسكان القرية مزود بمحرك وخزان للماء بغلاف مالي يقدر ب77 مليون سنتيم. فيما لازال السكان ينتظرون انتهاء الأشغال لمدهم بالكهرباء. علما أن نسبة كهربة العالم القروي بلغت 84 في المائة.
ما بين2010 و2013 أنجزت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية 359 مشروعا بكلفة حوالي 136 مليون درهم، وما بين 2005 و2009 صرفت المبادرة 239 مليون درهم على مشاريع فك العزلة، ومحاربة الفقر والهشاشة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.