المغربي أيوب عياش يتوج بلقب أفضل صانع بيتزا في العالم بنابولي    إلياس الحسني العلوي.. شاعر شاب يقتحم المشهد الأدبي ب "فقيد اللذة"    ابتدائية الرباط ترفض تمتيع ابتسام لشكر بالسراح لإجراء عملية جراحية بسبب مرضها بالسرطان    كل أعضاء مجلس الأمن باستثناء أمريكا يؤكدون أن المجاعة في غزة "أزمة من صنع البشر"    "من صبرا وشاتيلا إلى غزة" .. عندما كتب الفيلسوف الفرنسي دولوز دفاعا عن الشعب الفلسطيني قبل أربعين عاما    شراكة استراتيجية بين مؤسسة طنجة الكبرى والمعهد الفرنسي خدمةً للشباب والثقافة    الحسيمة.. افتتاح قاعة رياضية متعددة التخصصات لفائدة موظفي الأمن الوطني    أمن طنجة يوقف شخصين متورطين في سرقات بالعنف استهدفت نساء    تقرير: المغرب يضم اليوم 35 شخصاً من أصحاب الثروات التي تتجاوز مائة مليون دولار    حركاس ينتقل رسميا لضمك السعودي    كيف تحوّل "نقش أبرهة" إلى أداة للطعن في قصة "عام الفيل"؟        تصفيات كأس العالم 2026: مباراة المنتخب الوطني المغربي ونظيره النيجري ستجرى بشبابيك مغلقة        الخميس بين الحرارة والضباب.. تفاصيل الحالة الجوية بالمغرب    تعشير السيارات يدر 7 مليارات درهم على خزينة الدولة    "ماستر كارد" تبرز مسار التحول الرقمي    الجمعية العامة تواجه رهانات تقرير غوتيريش حول الصحراء بمفاهيم متناقضة    حادثة انقلاب حافلة بأزيلال تصيب 20 راكبًا    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأخضر    واردات الحبوب بالمغرب تتراجع 11% في سبعة أشهر    مدرب رينجرز يؤكد اقتراب رحيل حمزة إيغامان    الزاوية الكركرية تنظم الأسبوع الدولي السابع للتصوف بمناسبة المولد النبوي الشريف    من طنجة إلى الكويرة.. بوريطة: المغرب يفتح بوابة الأطلسي لأشقائه في دول الساحل    اضطراب النوم يضاعف خطر الانتكاسات لدى مرضى قصور القلب (دراسة)    قبل انطلاق البطولة.. اتحاد طنجة يراهن على باركولا وماغي لتغيير وجه الموسم    من تندوف إلى سوريا والساحل.. مسار مرتزقة البوليساريو في خدمة إيران والجزائر    الإعلان عن مشاركة سفينتين مغربيتين في مبادرة جديدة عالمية لكسر الحصار عن غزة    بطولة أمم إفريقيا للاعبين المحليين 2024 (نصف النهائي).. "تأهلنا إلى النهائي جاء عن جدارة أمام منتخب السنغال القوي" (طارق السكتيوي)    ذكرياتٌ فى ذكرىَ رحيل الأديب عبد الكريم غلاّب    القطاع النقابي "للعدل والإحسان" يطالب بسحب مشروع قانون التعليم العالي وإعادته لطاولة الحوار    زخم ثقافي وحملات بيئية يميزان صيف العاصمة الاقتصادية    مجاهد: "سيني بلاج" قيمة مضافة للمشهد السينمائي المغربي    اختتام فعاليات المهرجان الثقافي والفني والرياضي الأول بالقنيطرة باستقطاب 750 ألف متفرج خلال أربعة أيام    إدارة الجمارك... محجوزات السجائر المهربة تناهز 254 ألف وحدة في 2024    بطولة أمريكا المفتوحة لكرة المضرب.. الأمريكية كوكو جوف تتأهل إلى الدور الثاني    حزب الاستقلال يدين محاولات خصوم المملكة التشويش على النجاحات التي تحققها بلادنا    مدرب مانشستر يونايتد يكشف عن تطورات حالة نصير مزراوي    ترامب يرأس اجتماعا في البيت الأبيض بشأن الأوضاع في "غزة ما بعد الحرب"    عائلة وأصدقاء أسيدون أسيدون يعلنون صعوبة وضعه الصحي ويطالبون بتكثيف الجهود للكشف عن حقيقة ما حدث له        خطوبة كريستيانو وجورجينا تثير تعليقات متناقضة في السعودية    مقتل 13 مسلحا في جنوب شرق إيران    ماذا تريد بعض الأصوات المبحوحة في فرنسا؟    تقرير: النساء يتقاضين أجورا أقل من الرجال ب42% في القطاع الخاص    الصين تنظم النسخة ال25 من معرضها الدولي للاستثمار في شتنبر المقبل        صحيفة إسبانية: المغرب ضمن أكبر 15 مصنعاً للسيارات في العالم بطاقة إنتاجية مليون سيارة سنة 2025    اختتام الدورة الثانية لمهرجان الموروث الثقافي بجماعة الحوزية بايقاعات روحانية و عروض للتبوريدة    مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد يصدر تقريره السنوي لسنة 2025 حول الجغرافيا السياسية لإفريقيا    هؤلاء يبيعون لك الوهم ..    المغرب ‬‮:‬ ‬حملات ‬تقتضي ‬رفع ‬درجات ‬الحذر    تقرير أممي: ربع سكان العالم يفتقرون إلى مياه شرب آمنة    الصين تحقق سابقة عالمية.. زرع رئة خنزير معدل وراثيا في جسد بشري    ينقل فيروسات حمى الضنك وشيكونغونيا وزيكا.. انتشار بعوض النمر في بلجيكا    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شظايا على المذبح.. كنائس السودان في مرمى نيران طرفي الصراع (تحقيق استقصائي)
نشر في اليوم 24 يوم 27 - 08 - 2025

أربعة رجال يحملون تابوتاً رمزياً، أمامهم مجموعة من الشمامسة بأزيائهم الذهبية، يتقدمهم شخص يحمل صليباً، ومن خلف التابوت مجموعة من النسوة ينشدن « ختاماً يا رب، رحمتك علينا »، وصوت قرع الناقوس يملأ المكان. مشهد وثقه مقطع فيديو لاحتفال رعية كنيسة سيدة البشارة للروم الملكيين الكاثوليك بجمعة الآلام، في العاصمة السودانية الخرطوم، في 15 أبريل 2022، قبل نحو عام من اندلاع الحرب في البلاد.
خلال أكثر من عامين، هما عمر الحرب في الخرطوم، خلت الكنيسة من المؤمنين، الذين تعود أصولهم إلى هجرات من سوريا، ورجح التحقيق احتلالها من قبل محسوبين على قوات الدعم السريع، بعد تحليل زمني وجغرافي للوضع الميداني، مدعوماً بصور أقمار صناعية، ومقطع فيديو صُور بعد استعادة الجيش السوداني السيطرة على القصر الجمهوري ومحيطه شمالي مدينة الخرطوم، حيث تبعد الكنيسة عنه نحو 750 متراً.
يكشف هذا التحقيق مسؤولية طرفي الصراع في السودان عن أضرار واعتداءات لحقت بعدد من الكنائس، ويُرجّح مسؤولية كل طرف في عدد من الحالات المحددة، كما يسلّط الضوء على أفعال قد ترقى -وفق أحكام نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية- إلى جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية.
على الواجهة الشمالية لسور مجمع الكنيسة المطل على شارع البرلمان، رصدنا حاجزاً أمنياً. وعلى الواجهة الجنوبية في شارع الجمهورية، وثقنا حاجزاً آخر يبعد عنها نحو 25 متراً، وكلاهما وُضعا خلال سيطرة الدعم السريع على المنطقة. أما في فنائها، حددنا عدة أسِرّة وشواهد لإقامة أفراد، أما داخل صحن الكنيسة، حددنا صندوقاً، رجح متخصص في الهندسة التفجيرية وعلوم المقذوفات، قام بتحليل عدد من الأدلة التي جُمعت، أنه مُعَدّ لأغراض عسكرية.
تعرضت الكنيسة لأضرار منها: إقامة مَن رجحنا أنهم محسوبون على قوات الدعم السريع، أحد الطرفين المتحاربين في السودان، داخل الكنيسة. ورصدنا فيها تدنيساً للمذبح، وأسِرّة، وصندوقاً يرجح أنه يحتوي أغراضاً عسكرية، وتضرراً في جدار جانبي.
تتخذ الكنيسة موقعاً إستراتيجياً بين القصر الجمهوري والقيادة العامة للجيش، التي كانت تحت حصار الدعم السريع معظم فترات الحرب، ما دفع عدد من المحسوبين على الدعم السريع إلى اتخاذها مقراً لهم.
أرسلنا جزءاً من الأدلة التي جمعناها لعدد 16 كنيسة إلى مختبر الأبحاث الإنسانية في كلية الصحة العامة بجامعة ييل (HRL at YSPH)، تتضمن صوراً ومقاطع فيديو، بالإضافة إلى السياق الزمني والجغرافي لكل حالة. قام فريق المختبر بفحص الأدلة، وجمع وتحليل العديد من صور الأقمار الصناعية من ماكسار (Maxar Technologies) لكل كنيسة، وزودنا بتحليل لكل حالة. جدير بالذكر أنّ المختبر يتابع عن كثب الأزمة الإنسانية في السودان، وأصدر مؤخراً تحليلاً يتضمن إنذاراً بشأن تردي الأوضاع الإنسانية في مدينة الفاشر شمال السودان.
إجمالاً، وثّق التحقيق أضراراً طالت 23 كنيسة وديراً واحداً، يتبعون غالبية الطوائف المسيحية، منذ اندلاع الحرب في 15 أبريل 2023 وحتى استعادة الجيش السوداني السيطرة على العاصمة الخرطوم. ورصد التحقيق عدة أنماط للأضرار؛ توزعت بين الاقتحام والتخريب، وذخائر متفجرة، واستغلال المنشآت، والحرائق، ووقوع اشتباكات داخلها، وتدنيس المقابر الملحقة بها.
الأضرار والاعتداءات التي تم رصدها داخل الكنائس
ومن خلال تحليل صور حطام مقذوفين اثنين، والعديد من الصور لآثار القصف، جُمعت من 12 كنيسة وديراً، بالاستعانة بمتخصص في الهندسة التفجيرية وعلوم المقذوفات، اشترط عدم الكشف عن اسمه، تم تأكيد إصابة ثماني كنائس بصواريخ « جو – أرض »، أُطلقت بعضها من طائرات مسيرة، فيما تضررت كنائس أخرى من مقذوفات لم نتمكن من تحديد نوعها بدقة.
ووفق التحليل الزمني والجغرافي للاشتباكات، فمن المرجح بدرجة كبيرة مسؤولية الجيش عن قصف دير « الأنبا أنطونيوس والأنبا موسى الأسود » في الحاج يوسف بمحلية شرق النيل. كما يرجح مسؤولية الدعم السريع عن قصف جمعية وكنيسة « راهبات جمعية الساليزيان الكاثوليكية الإيطالية » جنوبي الخرطوم، لمرة واحدة على الأقل.
وتتحمل قوات الدعم السريع المسؤولية عن تعرض 13 كنيسة، بما فيها من منشآت وحدائق، للاستغلال والاقتحام؛ إذ وقعت تلك الاعتداءات خلال سيطرة القوات على المناطق الموجودة بها هذه الكنائس، ورجحت الأدلة إقامة جنود، أو موالين لهذه القوات، داخل باحات سبع كنائس على الأقل.
ووقع قتال بين قوات الدعم السريع والجيش داخل ساحتي كنيستين على الأقل؛ هما كنيسة « الشهيد العظيم مارمينا » في حي المظاهر، وكنيسة « مريم العذراء الحبل الطاهر بلا دنس »، وكلتاهما في أم درمان القديمة.
« عايزين الخزنة بتاعت القسيس الكبير »
يطلعنا ماركو ميلانوفيتش، أستاذ القانون الدولي العام في كلية القانون بجامعة ريدينغ، ومدير مجموعة أبحاث « القانون العالمي في ريدينغ » (GLAR)، على المسؤولية القانونية لأطراف الصراع، وفق القوانين الدولية ذات الصلة، وقد عرضنا عليه نماذج من الاعتداءات التي وثقناها، من مقاطع فيديو وصور فوتوغرافية، فأكد أنها ترقى لجريمة حرب.
يقول: « يُعدّ توجيه هجمات متعمدة ضد مبانٍ مخصصة للأغراض الدينية، شريطة ألا تُصنّف أهدافاً عسكرية، جريمة حرب بموجب المادة 8 (2) (ه) (رابعاً) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. وقد نجحت إحدى هذه القضايا فيما يتعلق بدولة مالي ».
في سابقة من نوعها، أدانت المحكمة الجنائية الدولية، عام 2016، أحمد الفقي المهدي، بتهمة تدمير مواقع دينية وتاريخية في تمبكتو في مالي، وحكمت عليه بالسجن تسع سنوات، خُفّضت لاحقاً إلى سبع سنوات.
وعلى الرغم من اختلاف السياق عن الحرب في السودان، فإنّ وجه المقارنة بين الواقعتين يتمثل في أن استغلال الكنائس وإلحاق أضرار بها؛ مثل تدنيس وتخريب مكوناتها الدينية، مشابه لما أُدين المهدي به. ولا تزال الدوافع حول الانتهاكات التي وقعت للكنائس في حالة السودان أقل وضوحاً من حالة المهدي، الذي ارتبط بجماعات محسوبة على تنظيم القاعدة، وكذا ما يتعلق بطبيعة المباني المستهدفة في البلدين.
ويضيف ميلانوفيتش أنّ القانون الدولي الإنساني يحمي أماكن العبادة، شأنها شأن جميع الأعيان المدنية الأخرى؛ لذا يجب أن تظل بمنأى عن الهجمات، مشيراً إلى إمكانية فقدان هذه الحصانة، لا سيّما إذا استخدمها العدو وأصبحت أهدافاً عسكرية، مستدركاً أنّ أماكن العبادة تُعدّ عموماً ممتلكات ثقافية؛ وبالتالي تتمتع بحماية مشددة، ما يعني ضرورة الحذر والانتباه عند القيام بعمليات عسكرية، حتى لو استخدمها العدو.
ويوضح بأنّ هذه الحماية لا تنطبق على ملحقات الكنائس أو الكنائس كلها، بل « تلك التي تُعدّ بالغة الأهمية وتُشكل في جوهرها جزءاً من التراث الثقافي لجميع الشعوب »، ومع هذا يشدد على أنّ « هذه الأعيان لا تزال مدنية، وهي محمية بصفتها هذه ».
المطرانية أشهر حالة تعرضت لأضرار، بعد هجوم من قوة مسلحة أول الحرب، أسفر عن إصابات بين خمسة أفراد من رجال الدين والخدم والرعية. ثم تعرضت لأضرار نتيجة الاشتباكات بين الجيش والدعم السريع لاحقاً.
كان هجوم قوة مسلحة على مقر مطرانية أم درمان للأقباط الأرثوذكس (كاتدرائية « السيدة العذراء مريم » وكنيسة « الشهيد العظيم مار جرجس ») مساء يوم 13 ماي 2023، من أشد الاعتداءات التي طالت الكنائس.
وفي حديثه لنا، اتّهم الكاهن بالمطرانية أرسانيوس أبو سيف -الذي أُصيب بالرصاص في ساقه أثناء اعتداء المهاجمين- الدعم السريع بإلحاق الضرر بالكنيسة.
تقاطعت هذه الشهادة مع رواية اثنين آخرين ممن شهدوا الهجوم -بحسب حديثهما لوسائل إعلام- وهما المعلم سيفين ناجي، مرتل كنيسة « مار جرجس » الذي أُصيب برصاصة في ساقه على حد قوله، ونبيل أشعياء الذي يعمل قرابني في كنيسة « أبانوب الثورة ».
خلال هذا الهجوم، وثّقنا تخريباً كبيراً طال مكاتب الكنيسة، وتدنيس تمثال المسيح، وإلقاء صليب على الأرض. حدث الاعتداء في الشهر الأول للحرب، في وقت كانت قوات الدعم السريع تؤكد سيطرتها على 90 في المئة من مدن العاصمة الثلاث؛ ومنها أم درمان، حيث تقع المطرانية.
مرة ثانية، تعرضت الكنيسة ومقر المطرانية لاعتداء بغرض النهب في 23 ماي 2023، بحسب شهادات وثقها تقرير منظمة العفو الدولية، وكان رجال الدين قد أخلوها عقب الهجوم الأول، كما غادر غالبية المواطنين الأقباط حي المسالمة، وفق حديث الكاهن أرسانيوس.
بعد استعادة الجيش للحي، وثقنا تعرض الكنيسة لأضرار كبيرة نتيجة الاشتباكات، في الفترة بين غشت 2023 ويناير 2024 تقريباً؛ منها إصابة بصاروخ « جو – أرض » في منارة الكنيسة، وفق تحليل الخبير. كما رصدنا آثار عشرات طلقات الرصاص على جدران المطرانية والكنيسة.
اشتباكات داخل كنائس
جنوب شرقي مطرانية أم درمان، وعلى بعد 145 متراً تقريياً، تقع كنيسة « مريم العذراء الحبل الطاهر بلا دنس »، التابعة ل »إرسالية كومبوني الكاثوليكية »، في شارع مدرسة كمبوني في حي المسالمة. وثقنا بتاريخ 26 كيناير 2024 تقدم قوات الجيش في الشارع، على بعد 177 متراً إلى الشمال من الكنيسة، مُعلنين السيطرة على المنطقة. بعد فترة قصيرة، زار بعض الرعية الكنيسة والتقطوا صوراً لها.
بتحليل عدد من الصور، أثبتنا حدوث اشتباك داخل ساحة الكنيسة، التي رجحت الأدلة استخدامها مقراً من قبل محسوبين على قوات الدعم، حيث رصدنا آثار الرصاص على جدران فناء الكنيسة من الداخل، وداخل مبنى ملحق بها، كما تضرر أحد الحوائط نتيجة إصابة مباشرة بصاروخ « جو – أرض »، أُطلق من طائرة مسيرة على الأرجح، وفق تحليل خبير المقذوفات.
وتُرجح الشواهد إقامة أفراد محسوبين على الدعم السريع -الذي سيطر على حي المسالمة حتى انسحابه في يناير 2024- داخل الكنيسة. كما تعرضت مبانٍ ملحقة بالكنيسة لأضرار نتيجة إصابات بعدد من القذائف، وفي الكنيسة ذاتها كُسر المذبح، ودنس المعتدون تماثيل المسيح، كما رصدنا آثار هدم في أحد الحوائط.
وأكد تحليل مختبر جامعة ييل لصور أقمار صناعية، ملتقطة بين 15 يناير و22 فبراير 2024، وجود أضرار لحقت بعدة مبانٍ داخل وحول الكنيسة، مرجحاً أنها نتيجة إصابات بالذخائر.
وقعت اشتباكات بين الجيش والدعم السريع داخل مجمع هاتين الكنيستين على الأرجح، الأولى كنيسة مريم الطاهرة، والثانية كنيسة مارمينا.
في الشمال الغربي، وعلى بعد نحو 930 متراً من كنيسة « مريم الطاهرة »، تقع كنيسة « الشهيد العظيم مار مينا »، التابعة لمطرانية أم درمان للأقباط الأرثوذكس، في حي المظاهر. نقل تقرير لمنظمة العفو الدولية عن رجل دين قوله إنّ قوات الدعم السريع اقتحمت الكنيسة في 22 ماي 2023.
وفق تحليل مواد بصرية وثقناها للكنيسة بعد سيطرة الجيش على المنطقة، فإن الكنيسة شهدت اشتباكات بين الجيش والدعم السريع داخلها وفي محيطها، بالإضافة إلى تعرض مبنى الخدمات إلى حريق كبير، كما تسببت آثار الرصاص في أضرار كبيرة بواجهة الكنيسة ومبنى الخدمات وجدرانها وسورها.
وداخل ساحة الكنيسة، رصدنا بقايا مقذوف، قال الخبير إنّه بقايا صاروخ « جو – أرض »، أُطلق من مسيرة على الأرجح، وأما الكنيسة من الداخل فقد تعرضت لأضرار كبيرة، منها إصابة منارتها بنحو ثلاثة مقذوفات، وأمامها مباشرة داخل طريق خاص بها، وثقنا عربة مدمرة يشتبه في استخدامها لأغراض عسكرية.
كان حظ الكنيسة « عاثراً »؛ حيث مقرها في منطقة فاصلة تتمركز فيها قوات الدعم السريع في أحياء العمدة والمسالمة، وعلى بعد 350 متراً تقريباً من مناطق سيطرة الجيش، ابتداء من معسكر الاحتياطي المركزي (أبو طيرة)، الذي ظل صامداً أمام الهجمات المتكررة لقوات الدعم. وأظهر تحليل صور الأقمار الصناعية الملتقطة بين 12 و19 أكتوبر 2023 أضراراً في أحد المباني الملحقة بالكنيسة، وفق تحليل مختبر جامعة ييل.
وبمقارنة صور الأقمار الصناعية بتاريخ 19 أكتوبر 2023، بصور أقمار صناعية أخرى بتاريخ 16 فبراير 2024، تظهر بوضوح آثار الاشتباكات (ومنها السيارة المحترقة أمام الكنيسة والضرر بالسور والبوابات)، ما يعني حدوثها بين التاريخين، وهي فترة كانت قوات الجيش تتقدم فيها لاستعادة أم درمان القديمة من الدعم السريع.
بالإضافة إلى هذه الأضرار، حسب الشواهد التي رصدناها، فمن المرجح استخدم محسوبين على قوات الدعم الكنيسة مقراً لهم لفترات. ومن بين الأضرار الأخرى تدنيس صليب داخل الكنيسة، وعدد من المقابر الملحقة بها. ويرى الكاهن أرسانيوس أنّ سبب تدنيس المقابر هو البحث عن الذهب، اعتقاداً من جنود الدعم السريع أنّ الأقباط -لكون أصولهم مصرية- « فراعنة »، يدفنون الذهب مع الموتى.
« هو معندكش بنات هنا كلها عواجيز »
شرقي أم درمان، وفي مدينة الخرطوم إحدى مدن العاصمة الثلاث، وثقنا تعرض 11 كنيسة لأضرار متفاوتة. على بعد نحو 981 متراً غربي القصر الجمهوري، توجد كاتدرائية « السيدة العذراء مريم »، مقر مطرانية الخرطوم ودولة جنوب السودان للأقباط الأرثوذكس، ويضم مجمعها ديراً للراهبات ومباني خدمية وملحق بها مدرسة الكلية القبطية.
نقلاً عن شهادة الكاهن جوزيف جون من المطرانية، بالإضافة إلى تسجيل صوتي رصدناه عبر الإنترنت لأحد العاملين في الكاتدرائية، فإن قوات الدعم السريع دخلت يوم 7 ماي 2023 الكاتدرائية، وأجبرتهم على إبقاء الأبواب مفتوحة من أجل استخدام مرافق المجمع؛ مثل الحمامات والكهرباء، كما سألوا الأنبا إيليا أسقف المطرانية عن وجود فتيات، وفق ما جاء في الشهادة والتسجيل.
عقب استعادة الجيش القصر الجمهوري في 21 مارس 2025، رصدنا مقاطع فيديو صورها جنود الجيش لمقر الكاتدرائية، وبتحليلها وثقنا استخراج وحرق كابلات الكهرباء؛ من أجل الحصول على معادنها. وداخل الكاتدرائية، وثقنا تدنيس المذبح ووجود تخريب طال عدة أجزاء من الكاتدرائية، بالإضافة إلى رصد كتابة شعار الدعم السريع، بخط اليد، على جدار أحد المباني الملحقة بها.
وفي ثماني كنائس في الخرطوم وبحري، حيث امتدت سيطرة الدعم السريع عليهما لفترات بين 18 و22 شهراً، وثقنا استخراج وحرق كابلات الكهرباء، للحصول على النحاس، ثم بيعه لتحقيق مكاسب مالية. ورصدنا آثاراً لصهر الكابلات داخل وبجوار عدد من الكنائس، التي تأثرت بفعل النيران، كما في « الكنيسة الإنجيلية » في الخرطوم، التي حُوّلت إلى مكان لتجميع وصهر الكابلات، وكنيسة « السيدة العذراء مريم المباركة وسيطة كل النعم » في بحري.
ترجح الشواهد التي جمعناها، أنّ سبع كنائس في مدينة الخرطوم، ممن كانت مناطقها تحت سيطرة الدعم السريع، لفترة تمتد بين 18 و22 شهراً، تم استغلال منشآتها لأوقات متفاوتة، وبحد أدنى لاستخراج المعادن من كوابل الكهرباء فيها، أو للإقامة.
« الكنيسة الإنجيلية » تقع على بعد 285 متراً تقريباً جنوبي الكاتدرائية، في شارع الجمهورية بجوار بنك السلام، وتبعد نحو ألف ومئة متر عن القصر الجمهوري. وبعد استعادة قوات الجيش للشارع، صور الجنود، من بينهم جندي مسيحي من رعية الكنيسة يدعى روفائيل، ثلاثة مقاطع فيديو، وبتحليلها وثقنا وجود العديد من الأسِرّة والملابس وأدوات الطهي داخل ساحة الكنيسة، وآثار عديدة لحرق كابلات الكهرباء، كما قضت النيران الناتجة عن حرق الكابلات -وربما الطهي- على محتويات الكنيسة من الداخل.
كما تضرر سقف مبنى داخل فناء الكنيسة، جراء ذخيرة متفجرة في الفترة بين 2 إلى 6 ديسمبر 2024، وفق تحليل مختبر جامعة ييل.
إلى الشمال الشرقي -حيث كوبري المك نمر الذي يربط الخرطوم بمدينة بحري، وقد شهد فصولاً من الحرب، وكان عبوره من قوات الجيش المتقدمة من بحري بمثابة مرحلة فارقة في انتصار الجيش في العاصمة- تقع كاتدرائية القديس متى الكاثوليكية، شرقي الكوبري مباشرة، على بعد أقل من 400 متر من القصر الجمهوري. تجاورها العمارة الكويتية، التي رصدنا داخلها جنوداً من الدعم السريع بتاريخ نوفمبر 2023، واستعادها الجيش في 20 مارس 2025.
أكد أحد رجال الدين الكاثوليك في الخرطوم، اشترط عدم الكشف عن اسمه، استخدام الكاتدرائية من قبل الدعم السريع مقراً لمدة معينة أثناء الحرب، وفق شهادته. واستناداً إلى مقاطع الفيديو التي جمعناها للكاتدرائية ومجمعها، فمن المرجح إقامة أفراد محسوبين على الدعم السريع داخلها لبعض الوقت، حيث رصدنا داخل مبنى الكاتدرائية شواهد إقامة أفراد.
ووثقنا تخريباً كبيراً في مبنى الكاتدرائية، مثل تدنيس تمثال المسيح، وتخريب مذبحين (اثنين)، وتضرر السقف، كما وثقناً أضراراً كبيرة في مبانٍ ملحقة؛ مثل سكن الآباء والمكتبة بسبب سقوط مقذوفات حربية. وقد رصدنا الأضرار الناتجة عن المقذوفات على فترتين؛ الأولى منذ اندلاع الحرب حتى نهاية نوفمبر 2024، والثانية في تاريخ بين 1 ديسمبر 2024 و16 فبراير 2025، ومنها التي أصابت سقف الكاتدرائية.
تزامنت الفترة الثانية مع تقدم قوات الجيش إلى جنوبي مدينة بحري، باتجاه المدخل الشمالي لكوبري المك نمر، على النيل الأزرق، في حين تقع الكاتدرائية عند مدخله الجنوبي.
وأكد تحليل مختبر جامعة ييل هذا الرصد، بعد تحليل صور بعضها التُقطت في فبراير 2024، وأخرى بين 11 و13 فبراير 2025، ووثق أربع إصابات جديدة على الأقل، اثنتان منها أثرتا في مبنى مظلل للاجتماعات، وأخريان أصابتا سقف الكاتدرائية ذاتها.
تقدمت قوة من لواء البراء بن مالك، حليف الجيش، نحو أبراج الديار القطرية في جنوب بحري، في 29 يناير 2025، التي تقع على مسافة نحو 666 متراً شمال غربي الكاتدرائية. بالتزامن كانت قوات الجيش تتقدم من جنوبي الخرطوم شمالاً إلى القصر الجمهوري، ووثقنا ظهور الكاتدرائية في مقطع فيديو بتاريخ 15 فبراير 2025، صوره جندي من أعلى بناية قال إنها في السوق العربي، وسط الخرطوم.
« خرجنا تحت تهديد السلاح »
بالقرب من مطار الخرطوم، توجد الكنيسة « الأرمنية الرسولية الأرثوذكسية »، التي وثقنا تعرضها لأضرار بالغة. رجح التحليل استخدام قوات الدعم السريع حديقة ملحقة بها، لإقامة أفراد وتخزين سيارات. في شهادته، يقول جراير بوزجيان، الأمين العام للجالية الأرمنية في السودان، إنّ قوات الدعم السريع اقتحمت منزله المحاط بسور واحد مع الكنيسة، يوم 10 ماي 2023، وسرقوا ممتلكات تحت تهديد السلاح، ما اضطره مع أسرته إلى الخروج من الخرطوم. يضيف: « قالوا لنا نحن نسيطر على هذه المنطقة ».
واتهم بوزجيان أفراداً من الدعم السريع بسرقة عدد من الممتلكات والمقتنيات؛ منها صليب من الفضة أُحضر من القدس، وأُهدي إلى الكنيسة وقت تدشينها عام 1958، وفق شهادته.
كما اتّهم الدعم السريع بتحويل حديقة ملحقة بالكنيسة إلى مقر لتخزين سياراتهم، وقطع أشجارها في فناء الكنيسة. تأكدنا من خلال صور أقمار صناعية من تخزين السيارات وقطع الأشجار. وتؤكد الشواهد التي جُمعت من داخل الكنيسة، والحديقة الملحقة بها، أن محسوبين على الدعم السريع استخدموها مقراً لهم.
عرضت الكنيسة الأرمنية لأضرار كبيرة خلال الحرب، واستُخدمت حديقة ملحقة بها مقراً لإقامة أفراد، يُرجح أنهم محسوبون على الدعم السريع.
ومن خلال تحليل العديد من مقاطع الفيديو للكنيسة، من الداخل والخارج بعد استعادة الجيش المنطقة، وثقنا تعرضها لدمار كبير ناتج عن إصابة بمقذوف حربي، رجح تحليل الخبير أنّه صاروخ « جو – أرض »، أُطلق من مسيرة.
إلى الجنوب منها، على بعد 580 متراً، تقع كاتدرائية « جميع القديسين » في مجمع ورئاسة الكنيسة « الأسقفية الإنجيلية »، غربي مطار الخرطوم في حي العمارات شارع واحد.
في 16 ماي، اتهم رئيس الأساقفة حزقيال كندو، قوات الدعم السريع باقتحام واحتلال المجمع واتخاذه مقراً، وسرقة سيارة وتخريب ممتلكات. وبحسب حوار صحفي مع كندو وتصريحات أسقف ليدز، القس نيك باينز، فقد هُوجم المجمع من مسلحين في الأيام الثلاثة الأولى للحرب، واحتُجز كندو مع آخرين لمدة ثلاثة أيام. واتهم كندو أفراد الدعم السريع بالوقوف خلف الهجوم، واستجوابهم تحت تهديد السلاح، قبل السماح لهم بالمغادرة.
كاتدرائية جميع القديسين في منطقة العمارات في الخرطوم؛ هذه الكنيسة تعرضت للقصف والاحتلال، على الأرجح من الدعم السريع، وضعنا عدة صور لأنماط الأضرار التي لحقت بها.
بعد استعادة الجيش المنطقة، صوّر مسؤولون من الكاتدرائية عدداً من مقاطع الفيديو والصور للمجمع، وبعرضها على الخبير توصلنا إلى تضرر حائط في الكاتدرائية، نتيجة إصابة مباشرة من صاروخ « جو – أرض » أُطلق من مسيرة. ويرجح التحقيق استخدام المجمع، من محسوبين على الدعم السريع، مقراً لإقامة أفراد لبعض الوقت. كما وثقنا وجود حقيبة داخل المجمع، رجح خبير أن تكون مخصصة لمنظار بصري لسلاح، علاوة على هذا وثقنا تدنيس مقابر داخل المجمع.
وفي الأيام الأخيرة لسيطرة قوات الدعم السريع على محيط مجمع الكاتدرائية، أظهر تحليل مختبر جامعة ييل لصور الأقمار الصناعية، الملتقطة بين 2 و9 مارس 2025، إنشاء موقع دفاعي جديد خارج المجمع؛ ما يعزز ترجيح التحقيق باستغلال قوات الدعم السريع للمجمع.
تدمير كنيسة ومنشآت أحد الأديرة
على الأطراف الشرقية للعاصمة الخرطوم، وعلى بعد نحو كيلو و700 متر غربي محطة كهرباء « عد بابكر »، بحي النسيم في الحاج يوسف، التابع لمحلية شرق النيل، يقع دير « الأنبا أنطونيوس والأنبا موسى الأسود »، على مساحة 276 ألف متر مربع.
تتبعنا أخباراً انتشرت على قنوات مؤيدي الجيش على تيليغرام بقيام الأخير بقصف الدير، بعد ورود معلومات عن تمركز قوة من الدعم السريع بداخله، بتاريخ 3 شتنبر 2023، ولكن ظهرت في الشهر نفسه منشآت الدير بحالة جيدة في صور الأقمار الصناعية التي حلّلناها.
وفي صور غشت 2023، رصدنا ما نرجح أنّهما حاجزان وضعتهما قوات الدعم السريع، على يمين ويسار الدير، على الطريق المار شماله، كما رصدنا الحاجزين في تواريخ مختلفة، أحدثها بتاريخ 16 فبراير 2025.
نعتمد على صور الأقمار الصناعية هنا لتحليل ما حدث للدير. تم قصفه بطائرة مسيرة، بصورايخ جو-أرض على الأرجح. وتبين الصور الدمار، ووجود حاجزين أمنيين حول الدير كشاهد على احتمال وجود أفراد من الدعم السريع داخل الدير، ولهذا السبب قام الجيش بقصفه على الأرجح.
وبتحليل عدة صور أقمار صناعية أخرى، رصدنا تدميراً كبيراً في كنيسة ومنشآت بالدير، بتاريخ 3 ديسمبر 2024 -أقدم تاريخ لرصد الأضرار من جانبنا- في وقت كانت قوات الدعم السريع لا تزال تسيطر على المحلية. وقام مختبر جامعة ييل بتحليل صور أقمار صناعية ملتقطة بتاريخ أقدم، بين 9 شتنبر و24 أكتوبر 2024، ووثق أضراراً لحقت بعدة مبانٍ في الدير.
في حين وثقنا تقدم قوات الجيش إلى محطة كهرباء « عد بابكر » في 15 شباط/فبراير 2025، ورصدنا وجود جنود تابعين للجيش بالقرب من سور الدير في ال 20 من الشهر نفسه.
بعد مشاركة صور الدمار للمباني في الدير مع خبير متخصص في الهندسة التفجيرية وعلوم المقذوفات، -رفض ذكر اسمه- توصلنا إلى أنّ سبب الدمار قصف صاروخي بصاروخ « جو – أرض »، أُطلق من مسيرة على الأرجح. ويرجح التحليل الزمني والجغرافي للقتال مسؤولية الجيش عن قصف الدير، حيث كانت المحلية تحت السيطرة التامة للدعم السريع، وقد تعرضت لهجمات عديدة من الجيش.
في محلية بحري المجاورة، وتحديداً منطقة العزبة، تضررت مبانٍ ملحقة بكنيسة نهر الحياة المعمدانية، نتيجة غارة جوية دمرت عدداً من المباني الملاصقة لها، بتاريخ 19 أو 20 ديسمبر 2024. قام مختبر جامعة ييل بتحليل صور أقمار صناعية بتاريخ ما بين 18 و23 من الشهر نفسه، وخلص إلى رصد عدة أضرار في محيط الكنيسة، ناتجة عن غارة جوية على الأرجح.
يتفق هذا مع شهادتين حصلنا عليهما، الأولى لشاهد عيان من المنطقة، والثانية لرجل دين من الكنيسة، طلبا عدم ذكر اسميهما، وقال الشاهدان -بالإضافة إلى رعية من الكنيسة وثقوا الأضرار في مقطع فيديو حصلنا عليه- إنّ الغارة تسببت في مقتل مدنيين بينهم أطفال، ووجهوا اتهامات للجيش بالمسؤولية عن الغارة، وفق حديثهم، ولم نستطع التأكد من وقوع ضحايا من مصادر محايدة.
ويرجح التحقيق مسؤولية الجيش عن قصف محيط الكنيسة، حيث شهدت العزبة انتشاراً مكثفاً للدعم السريع حتى الانسحاب منها في فبراير 2025.
انتقالاً إلى مدينة الأبيض، حاضرة ولاية شمال كردفان، يرجح التحقيق مسؤولية الدعم السريع عن إطلاق مقذوفين سقطا في مجمع كاتدرائية القديسة مريم سلطانة إفريقيا، مقر إيبارشية الأبيض، التابعة لمجلس أساقفة السودان وجنوب السودان الكاثوليك (SSSCBC).
سعت « قوات الدعم » منذ اندلاع الحرب إلى السيطرة على المدينة، وتقدمت من المحور الغربي والجنوبي الغربي، لكنها لم تتمكن من التقدم إلى وسط المدينة، حيث مقر الفرقة الخامسة مشاة هجانة، بسبب المقاومة الشديدة من الفرقة والمقاومة الشعبية، وظل القتال محصوراً في الأطراف الغربية والجنوبية الغربية من المدينة.
تقع الكاتدرائية وسط مدينة الأبيض، وإلى الغرب من الكاتدرائية ب 500 متر تقريباً، تتمركز الفرقة الخامسة مشاة التابعة للجيش. كان القتال بين الجيش والدعم في غرب المدينة؛ فعلى الأرجح أثناء قيام الدعم السريع بقصف الفرقة الخامسة مشاة، سقطت القذائف أمام وعلى مبنى تابع للكاتدرائية.
وبعد خمسة أيام من اندلاع الحرب، أصاب مقذوفان بوابة الكاتدرائية ومبنى الآباء الكهنة. وبتحليل جغرافيا القتال، يرجح التحقيق إطلاقهما من مناطق قوات الدعم السريع، في أحد الاستهدافات لمقر الفرقة الخامسة مشاة هجانة، التي تبعد أقل من 500 متر جنوب شرقي الكاتدرائية، لكنهما سقطا داخل مجمعها.
يؤكد ماركو ميلانوفيتش، أستاذ القانون الدولي العام في كلية القانون بجامعة ريدينغ، مسؤولية القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، في ضرورة احترام القانون الدولي الإنساني، وضمانه من قِبل أفراد قواتهما كافة، مضيفاً أنّه قد يُحاسب القادة بموجب مبدأ مسؤولية الرؤساء، إذا لم يمنعوا مَن هم تحت قيادتهم من ارتكاب جرائم حرب، أو لم يعاقبوهم.
جرجس منير، مواطن سوداني مسيحي، ظل معظم وقت الحرب في الخرطوم، وزار العديد من كنائسها المتضررة، بعد انسحاب قوات الدعم السريع، أخبرنا أنّه شاهد آثار دمار كبيرة في الكنائس، شملت أضراراً في المباني، وسرقة أيقونات، وسرقة كابلات الكهرباء، واندلاع حرائق في بعضها.
متسلحاً بالأمل، ينوي الأمين العام للجالية الأرمنية في السودان، جراير بوزجيان، العودة إلى الخرطوم بعد أنّ أجبرته الحرب على الانتقال منها. يقول إنّه بمباركة مطران الكنيسة الأرمنية في القاهرة، وبتبرعات الجاليات الأرمنية في دول العالم؛ سيُعاد إعمار ما تدمر في الكنيسة ومنزله.
أُنجز هذا التحقيق بدعم من أريج وبالشراكة مع « مواطن »


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.