بورصة الدار البيضاء تنهي تداولات الأسبوع بأداء سلبي    قبل مواجهة المغرب والكونغو.. اللجنة المنظمة تحدد موعد ومكان سحب تصاريح وقوف السيارات    اجتماع طارئ لبحث تداعيات إغلاق ملعب محمد الخامس    "الفيفا" يعين جلال جيد لقيادة مباراة الأرجنتين والمكسيك في ربع نهائي كأس العالم للشباب    موقع بلجيكي: بلال الخنوس.. موهبة مغربية تتألق في البوندسليغا    من الاحتجاج إلى الإصلاح.. كيف حوّل الخطاب الملكي غضب الشباب إلى أمل جديد؟    "جيل زد" تٌعلق احتجاجاتها مؤقتا بعد خطاب الملك الذي حمل صدى مطالبها    فيضانات مفاجئة تغرق شوارع العروي وتتسبب في خسائر مادية    أزمة القراءة... ما بين النص والتناص    "البام": الخطاب الملكي يعزز الثقة    ارتفاع حصيلة شهداء الإبادة الإسرائيلية في غزة إلى 67 ألفا و682 منذ بدء الحرب    "بورشه" الألمانية تبحث تشديد السياسة التقشفية    "تخريب ليلي" يستنفر شرطة البيضاء    اتفاق مبدئي يقرب الأشخاص في وضعية إعاقة من مجانية التنقل بالرباط    إدانة متهمين على خلفية أحداث إمزورن بعقوبات وصلت إلى سنتين حبسا نافذا    أشبال الأطلس في اختبار ناري أمام الولايات المتحدة لتكرار إنجاز مونديال 2005            الأمم المتحدة... متدخلون يحذرون من التواطؤ الثابت بين "البوليساريو" والجماعات الإرهابية    خطاب جلالة الملك في افتتاح البرلمان : مناشدة التنمية عبر الآلية الديمقراطية    الملك محمد السادس أمام البرلمان: تأطير المواطنين ليس مهمة الحكومة وحدها، بل مسؤولية جماعية تشاركية    طقس السبت: نزول أمطار قد تكون رعدية بالريف والواجهة المتوسطية والمنطقة الشرقية    اعتقال حوالي 30 من شباب "جيل Z" خلال افتتاح البرلمان    قتلى وجرحى في حادثة سير مأساوية بين سيدي قاسم وسيدي سليمان    بعد 55 عاماً من العلاقات الدبلوماسية.. بكين وروما تجددان التزامهما بالحوار والانفتاح    آلاف الفلسطينيين يعودون لشمال غزة مع صمود وقف إطلاق النار    ماكرون يعيد تعيين لوكورنو رئيسا للوزراء ويكلفه بتشكيل حكومة جديدة    تبون و«الدولة التي لا تُذكر»... عندما يتحول الحقد إلى سياسة رسمية في الجزائر    الصين وتايلاند والولايات المتحدة يتفقون على تعزيز التعاون في مجال مكافحة المخدرات    والدة قاصر منتحر تحذر من "روبوتات الدردشة"    جمال ديواني: الخطاب الملكي لافتتاح البرلمان شدد على أهمية الزمن السياسي    النازحون يعودون إلى مناطق في غزة    المنتخب المغربي يدخل التاريخ بمعادلة رقم قياسي لإسبانيا    قمة مرتقبة بين مولودية وجدة وسطاد المغربي    سحب بطاقة الصحافة من مدير موقع خالف أخلاقيات المهنة    كيوسك السبت | 66 ألف مستفيد من دعم السكن إلى حدود الشهر المنصرم    للاطلاع على الخبرة المحاسبية.. غرفة الجنايات الابتدائية المكلفة بجرائم الأموال بمراكش تؤجل جلسة المتابعين في ملف "كوب 22"    "أرفود" تستعد لاحتضان الدورة ال14 من الملتقى الدولي للتمر تحت شعار "التدبير المستدام للموارد المائية"    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    فنزويلية تفوز بجائزة نوبل للسلام 2025    السنغال: ارتفاع حصيلة ضحايا حمى الوادي المتصدع إلى 18 وفاة    الصيد البحري... تسويق حوالي 8,2 مليارات درهم من المنتجات حتى نهاية شتنبر 2025    طنجة تحتضن نقاشا إفريقيا واسعا يغذي أمل "استدامة حياة بحار القارة"    الخزينة.. مركز "التجاري غلوبال ريسورش" يتوقع عجزا متحكما فيه بنسبة 3,5% من الناتج الداخلي الخام سنة 2025    بورصة الدار البيضاء تغلق على تراجع    فعاليات مدنية تطالب بتكريم المخرج الراحل محمد إسماعيل ابن تطوان    هل تُعاقَب فجيج لأنها تحتج؟    مهرجان فيزا فور ميوزيك يكشف عن برنامج دورته الثانية عشرة    "مؤسسة منتدى أصيلة" تصدر كتابا تكريما لمحمد بن عيسى تضمن 78 شهادة عن مسار الراحل    أطعمة شائعة لا يجب تناولها على معدة خاوية    دراسة: الجسيمات البلاستيكية الدقيقة تغير أعداد البكتيريا المعوية النافعة    لأول مرة في العالم .. زراعة كبد خنزير في جسم إنسان    الأوقاف تعلن موضوع خطبة الجمعة    رواد مسجد أنس ابن مالك يستقبلون الامام الجديد، غير متناسين الامام السابق عبد الله المجريسي    دراسة: النساء أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب بسبب عوامل وراثية    عنوان وموضوع خطبة الجمعة القادمة    الجالية المسلمة بمليلية تكرم الإمام عبد السلام أردوم تقديرا لمسيرته الدعوية    وزارة الأوقاف تخصص خطبة الجمعة المقبلة: عدم القيام بالمسؤوليات على وجهها الصحيح يٌلقي بالنفس والغير في التهلكة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة في أولويات الخطاب الملكي: بين مطالب الشباب ورؤية الدولة
نشر في اليوم 24 يوم 11 - 10 - 2025

في منعطف سياسي واجتماعي دقيق، يتزايد فيه الشعور بوجود فجوة بين تطلعات المواطنين وأداء المؤسسات، يأتي الخطاب الملكي السامي بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية بالبرلمان، يوم 10 أكتوبر 2025، كوثيقة سياسية بالغة الأهمية. يمكن قراءة هذا الخطاب كتفاعل ضمني ومدروس مع مجموعة من الانشغالات العميقة التي تعبر عن نفسها في الفضاء العام، والتي لم تعد تقتصر على المطالب المادية التقليدية.
ورغم أن الخطاب لا يشير بشكل مباشر إلى فئة الشباب أو مطالبها الصريحة، إلا أنه يتفاعل بوضوح مع جملة من هواجسها المتمثلة في بطء وتيرة التنمية، وتآكل الثقة في قنوات الوساطة السياسية، والحاجة الملحة إلى منظومة حكم قائمة على العدالة والنجاعة والشفافية. بهذا المعنى، يقدم الخطاب إجابات الدولة عن أسئلة يطرحها المجتمع بأسره، ويشكل الشباب طليعتها الأكثر تعبيرا وإلحاحاً، مقترحاً مساراً للتحديث يركز على الأدوات والمنهجيات متفاديا الخوض في البنية السياسية الكبرى ومنها ما يتعلق بالحكومة وأسئلة الشرعية المرتبطة بها.
جوهر رسائل الخطاب الملكي لا يكمن في إعلان سياسات تفصيلية بقدر ما يكمن في رسم إطار توجيهي يهدف إلى تجديد عميق في طريقة الحكم وليس بالضرورة في بنيته ومن ضمنها البنية الحكومية والبرلمانية.
هذه الفلسفة تتجلى في الدعوة الصريحة إلى « تغيير العقليات »، وهي دعوة تتجاوز التوجيه الإداري لتلامس ضرورة الانتقال من ثقافة البيروقراطية المنغلقة التي تقدس الإجراءات إلى ثقافة إدارية منفتحة، ومرنة، وموجهة نحو حل مشاكل المواطنين. يكمل هذا التوجه التأكيد على « ترسيخ ثقافة النتائج »، التي تمثل قطيعة مع منطق « ثقافة الوسائل » حيث يقاس الأداء بحجم الميزانيات المخصصة لا بحجم الأثر الفعلي على أرض الواقع. هذا التحول يعني أن كل درهم من المال العام يجب أن يكون مرتبطاً بأثر قابل للقياس، وهو مطلب جوهري في استعادة الثقة. وتأتي « الرقمنة » التي وردت في الخطاب كأداة تنفيذية حاسمة في هذا السياق، فهي ليست مجرد تحديث تقني، بل آلية لفرض الشفافية، وتمكين المواطن من تتبع السياسات العمومية، وربط التمويل بالمردودية بشكل لا يقبل الجدل.
على المستوى المؤسساتي، يُحمّل الخطاب شبكة الفاعلين الوسيطة – من برلمان وأحزاب سياسية وجماعات ترابية وإعلام – مسؤولية تاريخية ومباشرة في ترميم جسور الثقة المنهارة. إن هذا التشخيص يعكس فهماً عميقاً بأن الأزمة الحالية هي في جوهرها أزمة وساطة، حيث فقدت هذه الهيئات قدرتها على تأطير المجتمع وتمثيل انشغالاته بفعالية. فالخطاب لا يكتفي بتوزيع الأدوار، بل يبدو كإنذار لهذه المؤسسات بأن شرعيتها مرتبطة بقدرتها على تجديد خطابها وأدواتها والانفتاح على لغة العصر ومتطلباته. إنها دعوة صريحة لها لكي تنتقل من دورها التقليدي كبنى انتخابية موسمية إلى فاعل دائم في النقاش العمومي والتأطير الميداني، ومعالجة أسباب العزوف السياسي بدلاً من الاكتفاء بتحليل نتائجه.
ولا يظل هذا الإطار التوجيهي مجرداً، بل يجد تطبيقه الملموس في وضع الخطاب للعدالة الاجتماعية والمجالية كبوصلة استراتيجية حاكمة للسياسات العمومية. هذا التوجه يمثل اعترافاً بأن نماذج التنمية العمودية الموحدة قد وصلت إلى حدودها، وباتت في بعض الأحيان سبباً في تعميق الفوارق. لذلك، يرسم الخطاب معالم هندسة تنموية أكثر ذكاءً وتمايزاً، تراعي الخصوصيات المحلية وتستثمر فيها: فالعناية بالمناطق الهشة كالجبال والواحات لم تعد عملاً خيرياً بل ضرورة استراتيجية لتحقيق التوازن، وتفعيل اقتصاد بحري متكامل ليس مجرد استغلال للثروة السمكية بل رؤية شاملة للسياحة والخدمات واللوجستيك، كما أن تطوير المراكز القروية الناشئة هو استجابة استباقية لضبط التوسع الحضري العشوائي وتقريب الخدمات الأساسية.
وفي سياق متصل، تفاعل الخطاب الملكي مع الجدل الذي أثارته بعض الاحتجاجات حول أسبقية المشاريع الكبرى على الحاجات الاجتماعية، وهي الإشكالية التي تبلورت في شعار « الملعب أم المستشفى ». فقد قدّم الخطاب مقاربة لا ترى تعارضاً بين المسارين، بل تؤسس لترابطهما، معتبراً أن المعيار الحقيقي لضبط الأولويات وتقييم جدوى أي مشروع وطني من المفروض أن يرتبط دوما بأثره الملموس في « تنمية البلاد وتحسين ظروف عيش المواطنين، أينما كانوا ».
لكن رغم هذه الإشارات القوية على مستوى الحكامة والتدبير، يظل الخطاب متحفظاً فيما يتعلق بتغيير قواعد اللعبة السياسية. فلا نجد إشارة إلى تفعيل الآليات الدستورية للمحاسبة السياسية، أو إصلاحات جوهرية لتوسيع قاعدة المشاركة، أو صيغ لإدماج الشباب في مراكز صنع القرار من مثل تفعيل المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي. هنا تبرز المقاربة التي تتبناها الدولة خلال هذه المرحلة، حيث يتم التركيز على تحسين « شرعية الإنجاز » عبر الرفع من أداء الإدارة وتقديم نتائج ملموسة، مع الحفاظ على « شرعية التمثيل » ضمن قواعدها الحالية. ولعل هذا التحفظ يجد تفسيره في مستويين؛ مستوى دستوري مرتبط بمقتضيات دستور 2011 التي تضبط العلاقة بين المؤسسات وتجعل إقالة الحكومة مساراً مرتبطاً بالبرلمان بالأساس أو بمبادرة تلقائية من رئيس الحكومة، بما يحد من إمكانية الاستجابة المباشرة لمثل هذه المطالب السياسية. ومستوى استراتيجي أعمق، يتمثل في الحرص، ربما، على حماية المكانة التحكيمية للمؤسسة الملكية كضامن للاستقرار؛ فالاستجابة الفورية لمطالب الشارع السياسية قد ترسخ تكريسا للتماس المباشر بين المحتجين والملك، مما قد يُدخل المؤسسة الملكية في دائرة التجاذب السياسي اليومي، وهو دور قد لا تحبذ اللجوء إليه إليه إلا في اللحظات التاريخية الاستثنائية والفاصلة التي تقتضي تدخلاً مباشراً بما يتيحه الدستور، كما حدث في سياق حراك 2011.
خلاصة القول، إذا كانت مطالب الجيل الجديد تتمحور حول رباعية: المشاركة، المحاسبة، العدالة، والنجاعة، فإن الخطاب الملكي لافتتاح البرلمان يلتقط بوضوح وبقوة مطلبي العدالة والنجاعة، مقدماً لهما خارطة طريق عملية – إذا تم الالتزام الدقيق بها – قائمة على الحكامة الجيدة والأدوات الحديثة. ولكنه يترك مسألتي المشاركة والمحاسبة ضمن إطارهما الحالي، متجنبا الخوض فيهما.
وهنا يطرح الوضع السياسي الراهن سؤالاً حاسماً: إذا كانت هذه الحكومة تقترب من نهاية ولايتها ولم يتبق لها سوى عام واحد، وبعد أن راكمت، بسياساتها المرتجلة، خلال أربع سنوات، حجمًا غير مسبوق من الاحتجاجات والاحتقان، بلغ ذروته في الحراك الشبابي الذي لا يمكن الاستهانة بأهميته وأسئلته العميقة، فهل ستنجح – خلال الحيز الزمني الضيق المتبقي من عمرها – في التفاعل الإيجابي مع خارطة الطريق التي حدّدها الخطاب الملكي، وتنزيل مقتضياتها بما يخفف التوتر ويستجيب لتطلعات المواطنين، وفي مقدمتهم جيل الشباب الجديد؟ أم أن استمرار نهجها الحالي والجدل بشأن شرعيتها، سيؤدي إلى تراكم المزيد من الاحتقان، والعجز عن تحقيق ما تضمنه الخطاب من أهداف، بما يزج بالبلاد في دوامة أوسع من الأزمات، وبما يجعل من الفرصة وطوق النجاة الذي منحها الخطاب الملكي فرصة ضائعة تزيد من منسوب التوتر والاحتقان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.