في هذه الحلقة يتحدث «الزايغ» عن تجربته كقايد خلفا لوالده، وكيف كانت علاقته مع سلطات الاحتلال، خصوصا عندما نُظمت انتخابات وتم تزويرها وشهادته أمام المحققين وقوله الحقيقة، مؤيدا ما كتبه عبد الرحيم بوعبيد في صحافة حزب الاستقلال ترجمة: أيوب الريمي
عند عودتي إلى أولماس ارتحت من مشاكل العمل في الجيش الفرنسي، على الرغم من أن الفرنسيين المقيمين في المغرب كانوا يعكرون صفو حياة المغاربة وكان الكولونيل جوردون يمثل هذه العجرفة التي كان يتعامل بها عدد من الفرنسيين اتجاه المغرب، عكس المراقب المدني كلود داليي، والذي كان ابن الرجل القوي في عهد الحماية الجنرال فالات، المدير العام للشؤون السياسية للإقامة العامة الفرنسية في المغرب. فالات وابنه داليي سيكون لهما تأثير كبير في حياتي، وكذلك في تشكيل وعي جديد لدي، حول ما يحدث في المغرب، حيث كنا يوما جالسين على مائدة الغذاء، أنا وزوجتي وأسرة داليي المراقب المدني، فقال هذا الأخير لزوجتي «زوجك لا يمكن أن يبقى عاطلا عن العمل إلى الأبد، في حين أنه يمكن أن يقوم بفعل ما هو أحسن». سأفهم معنى هذا الكلام عندما يقول لي فالات بصراحة «كنت مترددا بشأن طلبك خلافة والدك في مركز القايد في آيت سعيد، وكنت ضد هذا الطلب، لكن زواجك من سيدة تتحدر من أسرة عريقة في فرنسا جعلني أغيِّر رأيي، والآن أقول نعم لطلبك ولنباشر الإجراءات». هذا القرار كان يتطلب استقالة والدي من منصبه شرط أن أخلفه أنا، وكان قرار إدارة الحماية بأنني سأخضع للاختبار لمدة أربع سنوات، ليس من أجل الحكم على قدراتي، ولكن لمعرفة مدى مرونتي في التعامل مع سلطات الحماية. بدأت مهامي كقايد سنة 1951، وكان حفل تنصيبي بحضور السلطات الفرنسية لجهة الرباط والخميسات، وبعدها بدأت أكتشف حقيقة القيادة، ولكنني أخذت على نفسي وعدا بأنني لن أمرر مصلحة لأي شخص لا يستحقها وبألا يستغل أحد من عائلتي منصبي لصالحه. من خلال منصبي، سأكتشف إلى أي مدى أن أي إشاعة قد تتحول إلى قضية دولة وبأن أي رغبة في التطور من قبل المغاربة هي بمثابة تمرد وانحراف من طرف السلطات الفرنسية. مسؤولية في الظاهر لم تكن تعكس الواقع، ذلك أنه لا يمكن لك أن تعيد الحق لراعي الغنم وبأن تستعيد له قطيعه الذي أخذته منه السلطات الفرنسية أو بأن تثبت بأن قطعة أرضية هي ملكه وليس في ملك الفرنسيين. لا أحد كان يستطيع إعادة هذه الحقوق. مهمتي الجديدة كانت تقتضي بأن أقوم ببناء بيت خاص بي من أجل الحفاظ على خصوصيتي في مجتمع تعوّد أن يدخل أي بيت دون أن يطرق الباب. وقد اضطررت لأقترض 500 ألف فرنك من أجل بناء هذا البيت. وخلال فترة اشتغالي كقايد كنت أشتغل أيضا كقاض تحت إشراف مراقب مدني، والذي، بحركة من رأسه، يؤيد قراري أو يرفضه، ولكن عموما لم تكن هناك مشاكل كبيرة مع المراقب المدني كلود داليي، لكن العلاقة بيننا كانت غامضة. لم أكن مرتاحا لهذا الوضع، ويمكن أن أصف علاقتي مع المراقب المدني على أنها علاقة اللاحرب واللاسلم. ومع الوقت، سأكتشف أن دور القايد هو التحضير للحفلات والأعياد ورؤية المراقب المدني وهو يتلقى التهنئة من طرف الحضور. واكتشفت إلى أي حد كان والدي يعاني خلال مدة خدمته والذي كان في أفضل الحالات لا يقوم سوى بدور حبل الربط بين السكان وسلطات الحماية. وذات يوم، وأنا عائد من جولة رفقة المراقب المدني داليي، سألته: «قل لي كيف يمكن أن تعطي معنى للعلاقة بيننا في إطار معاهدة الحماية». ضحك داليي كثيرا قبل أن يجيبني: «أعترف بأنني لم أقرأ يوما معاهدة الحماية، ولكن هل قرأتها أنت؟»، فأجبته بأنني لم أقرأها أبدا وأنا نادم على ذلك، ولكن هل قراءتها ستكون كافية من أجل تحديد العلاقة بيننا؟ داليي يعتبر بأن المعاهدة ليست مهمة مادمنا أصدقاء وليست هناك مشاكل، لكنه كان يعلم بأن الأمور لا تسير بطريقة جيدة وبأن هناك الكثير من الأشياء التي ستتغير في المستقبل القريب. لكن في بعض الأحيان، أنت مضطر لأن تعطي الدليل على أن لك مواقف وبأنك لا تنفذ الأمور فقط، كما حدث في الانتخابات التي تم توجيهها وتزويرها من أجل الحصول على نتيجة ترضي إدارة الحماية. ومن خلال منصبي، فقد كنت شاهدا على عملية التزوير في الانتخابات. هذه الإجراءات كانت محل انتقاد من عبدالرحيم بوعبيد الذي كان يكتب في جريدة الاستقلال، حيث ستدفع هذه المقالات محكمة الرباط إلى أن تأمر بفتح تحقيق لمعرفة ما حدث بالفعل في هذه الانتخابات، وقامت بانتداب ثلاثة محققين لهذه المهمة. وقد قام المحققون باستدعائي من أجل سماع شهادتي حول ما حصل بالفعل. وبالفعل أدليت بشهادتي وقلت الحقيقة حول ما جرى حقيقة، وفي كل مرة كنت أطلب أن أقرأ شهادتي قبل التوقيع على المحضر، لأنني كنت متأكدا من أنهم سيحرفون الشهادة، وبفضل شهادتي سيتمكن عبدالرحيم بوعبيد من الخروج من هذه المعركة منتصرا. لكن بعد قولي للحقيقة، فقد تغيرت العلاقة مع داليي الذي، وإن لم يؤذن بأي كلمة، فإنه أصبح ينتبه كثيرا للأحكام التي أُصدرها وأصبح يدقق كثيرا في تصرفاتي.