هلال كيرد على ادعاءات عطاف بمجلس الأمن: المغرب استرجع الصحرا ديالو بشكل لا رجعة فيه    ندوة فاشلة ديال البوليساريو دارتها للتضامن العربي معاها ونظام العسكر جاب ليهم سوداني ساكن فإسطنبول    الدائرة الانتخابية فاس الجنوبية اللي معروفة ب"دائرة الموت".. 8 دالمرشحين كيتنافسو وعينهم على المقعد البرلماني لي كان عند البوصيري(صور)    من الرباط.. مسؤول أممي يحذر: معدلات الجوع مرتفعة في إفريقيا ومليار شخص بدون أنماط غذائية صحية    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الخميس    توقيف شخص متورط في حيازة وترويج المخدرات والمؤثرات العقلية بطنجة    تقرير: المغرب ضمن أسواق الثروة "الخمسة الكبار" في إفريقيا.. وعدد أثريائه في تزايد    النفط يستقر بعد انخفاض حاد بسبب مخاوف إزاء الطلب والتوتر بالشرق الأوسط    يوفنتوس ملزم بدفع أزيد من 9 ملايين أورو لكريستيانو رونالدو وهذا هو السبب    كأس الكونفدرالية... بعثة نهضة بركان تشد الرحال إلى الجزائر عبر تونس لمواجهة اتحاد العاصمة    البنك الدولي .. التوترات والمديونية تزيد ضبابية مستقبل الشرق الأوسط وشمال إفريقيا    توقعات أحوال الطقس اليوم الخميس    أمن مراكش يوقف ثلاثة أجانب مرتبطين بنشاط "كارتيلات" إجرامية    إحباط محاولة تهريب 116 ألفا و605 أقراص مهلوسة إلى داخل التراب الوطني    بينهم سوري.. عقود عمل وهمية والإتجار بالبشر يطيحان ب5 أشخاص في فاس    "نتفليكس" تعرض مسلسلا مقتبسا من رواية "مئة عام من العزلة" لغارسيا ماركيز    هاتريك رحيمي في مرمى الهلال السعودي يقرب العين الإماراتي من نهائي أبطال آسيا    دي ماريا يتلقى تهديدات بالقتل من عصابات المخدرات في الأرجنتين    الحكومة ‬المغربية ‬تؤكد مآل ‬تجديد ‬اتفاقية ‬الصيد ‬البحري    استطلاع: الأسرة المغربية غير قادرة على حماية أطفالها من مخاطر "التواصل الاجتماعي"    تحذيرات من الأونروا "بإحكام المجاعة قبضتها" على قطاع غزة ووفاة الأطفال جراء سوء التغذية    بعثة نهضة بركان تشد الرحال صوب الجزائر صبيحة اليوم الخميس تأهبا لملاقاة اتحاد العاصمة    أما ‬حان ‬لمجلس ‬الأمن ‬الدولي ‬أن ‬ينهي ‬هذا ‬المسلسل ‬؟    زيارة رسمية تقود وزيرة الثقافة الفرنسية إلى المغرب    هل يظهر أول مترو أنفاق في المغرب قريبًا؟    تطوان: شركة طيران عالمية تفتتح قاعدة جوية بمطار سانية الرمل    الانتقاد يطال "نستله" بسبب إضافة السكر إلى أغذية الأطفال    خوفا من مافيا يتزعمها مغربي.. ولية عهد هولندا هربت إلى إسبانيا (فيديو)    ما العلاقة التي تربط المغربية كريمة غيث بنجم الزمالك المصري؟    نور الدين مفتاح يكتب: سوريالية بالفرنساوية    زلزال بقوة 6,3 درجات يضرب هذه الدولة    موهبة كروية جديدة تُشغل الصراع بين المغرب والجزائر    الأمم المتحدة.. بمجلس الأمن سجال محتدم بين هلال ووزير الخارجية الجزائري بشأن البحر المتوسط    بلاغ جديد وهام من وزير الداخلية    تحداو ظروف الحرب وخرجو يبدلو الجو.. مئات الفلسطنيين قصدو البحر فغزة باش يستمتعو بالما والشمش (فيديو)    نفاد تذاكر نصف نهائي "كان الفوتسال"        لماذا أصدرت شركة أبل تحديثاً لهواتفها يعالج الرمز التعبيري للعلم الفلسطيني؟    ملف "انفصال القبايل" عن الجزائر يصل الأمم المتحدة!    نشرة الأخبار: رقم قياسي في الملل    حماس: لن نسلم الأسرى الإسرائيليين إلا بصفقة حقيقية    الرياضية: الكاف ما غيعاودش يدير السوبر ليگ الأفريقي    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (6)    الأمثال العامية بتطوان... (575)    مجلس النواب يستكمل هياكله التنظيمية في جلسة عمومية يوم الخميس    وزارة الصحة تخلد اليوم العالمي للهيموفيليا    هاشم البسطاوي يعلق على انهيار "ولد الشينوية" خلال أداء العمرة (فيديوهات)    وزارة الصحة: حوالي 3000 إصابة بمرض الهيموفيليا بالمغرب    كوثر براني تصدم متابعيها: 99 في المائة من الرجال "خونة"!    أرقام رسمية.. 3000 مغربي مصاب بمرض "الهيموفيليا" الوراثي وها شنو موجدة وزارة الصحة لهاد النزيف الدموي    الجمال الفني والثقافي المغربي يلتقي بالأدب الإنجليزي في "حكمة الجنوب"    المغرب يحتضن فعاليات "ليالي الفيلم السعودي" في نسختها الثانية    عينات من دماء المصابين بكوفيد طويل الأمد يمكن أن تساعد في تجارب علمية مستقبلاً    شقيق رشيد الوالي يدخل على خط إدانة "مومو" بالحبس النافذ    "محطات من تاريخ السينما بالمغرب".. موضوع محاضرة بكلية الآداب بالجديدة    لأول مرة خارج المغرب.. عرض 200 قطعة من الحُلي الأمازيغية التابعة للقصر الملكي    الأمثال العامية بتطوان... (574)    خطيب ايت ملول خطب باسم امير المؤمنين لتنتقد امير المؤمنين بحالو بحال ابو مسلم الخرساني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مدينتي أشباح وأرواح
نشر في أريفينو يوم 21 - 05 - 2013

صِرْتُ أحدق إلى الفضاء من نافذة نفسي، فرأيت الزمان يتراكض ويتدحرج على نفسه في سلسلة لا تنقضي. استوقفته قليلا حتى انفض الغبار على مدينتي، وأصف ما علق بها من شخوص وأطلال.
مدينتي تسكن شعاب الوادي ومشدودة إلى أوتاد جبلية تحيط بها من كل مكان.هي أشبه بفوهة بركان نحتها الزمن الجيولوجي الغابر. يجثو على صدر مدينتي فريقين من البشر؛فريق أشبه بالأشباح والأرواح، وفريق تقرأ على صفحات وجوههم تقاسيم الحيرة والتيه.
تحت هدأة الليل ،أرسل القمر خيوطا ذهبية أنارت المكان من كل جانب، كشفت المستور ونظَّمت المنثور في عقد متلألىء وشح عنق مدينتي فأصبحت كالعروس؛ لكن بدون عريس.
صعدت رَبْوة، واصطحبت معي منظاري المزدوج، وبدأت أدقق في كل كائنة من مدينتي، تارة بعيني المجردة، وتارة أنظر إليها من خلال النبش في ذاكرتي، لعلي أعثر على بقايا كنوزها التي دُفِنت على جنبات الوادي أو تحت المجالس المنتخبة أو في قرارات أنفس منسية.
أخبرني أهلي بالأمس، أن مدينتي كانت قرية هادئة، يسكنها أناس بسطاء تجمعهم خيوط تعاون دقيقة كميثاق غليظ يسمى باللهجة المحلية "ثويزا" على مدار العام، ويفرشون الحصير ملتصقة بالأرض؛ لأن فلسفتهم قائمة على العودة إلى الأصل، وكأن حال لسانهم يقول "أمنا الأرض". كانت مجالسهم خالية من معاقرة كؤوس السياسة التافهة، السياسة عندهم لغة الأشباح والأرواح وإذا سمعوها هرعوا إلى وضع القطن في آذانهم مخافة أن تَخْدش سريرتهم، وتشتت جمعهم.
يؤمنون بأنه إذا خُدِشت الطبيعة حلت محلها الرذيلة.هي فلسفة أجدادي قائمة على الواقعية والمحبة لا على المكر والخديعة. كانوا يحرثون الأرض فترى خطوطا هندسية مستقيمة تغري الناظرين، فتفوح منها رائحة العطر المنبعثة من النرجس والياسمين وشقائق النعمان؛ أما الآن فقد صارت مبلطة لا رائحة إلا رائحة الإسمنت والزفت ومخلفات الوادي الحار الذي أصبح شريانا يضُخُّ صبيبه نحو الساكنة فيُمِدها بحياة تُخَرِّجُ أفواجا من الديدان والحشرات وبعض الكائنات التي لا تُرى بالعين.
بالأمس كانت قريتي حدائق وبساتين نقشها أهلها على جنبات الأودية، فترى الأشجار متدلية تحت ثقل ثمراتها فيَحْلُبها المار حلبا. كانت بقرة حلوب، أما الآن فقد نضب ضرعها.
عدت من الأمس إلى اليوم، تربعت على الربوة وقد بسط الليل جناحه على مدينتي التي أصبحت أكواما من البنايات، فلا ترى إلا السطوح والعمارات والصحون المقعرة التي مالت على نفسها كما تتدلى الأفعى من أعلى الغصن. أطلقت عنان مِنظاري فوقع على أناس لَيْلِيِّينَ أسفل الوادي؛ لكنهم أشبه بالأشباح والأرواح، يتموجون في الظلام تموجات عالية كموجة تسونامي، كما استطالت ظلالهم تحت نور القمر وهم يتخبطون بأيديهم كأنهم يقتسمون غنائم نفيسة. بين التردد في الذهاب والحرص على مدينتي، قررت أن أنزل إليهم إلى سفح الوادي.
تركت المنظار في مكانه، وتسللت إليهم انسلالة الحية الرقطاء؛ لأنني أمين على مدينتي من قطَّاع الطرق. فلما دنوت، استرقت السمع، فإذا هي همسات تشبه همسة اللص في أذن صاحبه، فيصلني صداها.
انكشفت أقنعة هؤلاء الأشباح تحت نور القمر وسمعت همسهم اللَّيْلِيَّ بفضل صدى الوادي، وقلت في نفسي: الطبيعة تنتفض ضدهم قبل الإنسان. كانوا يتحدثون عن السياسة والاقتلاع والحصار… وجهت إليهم حنجرتي بعد أن أحسست بدفعة قوية من أمي الطبيعة: أيها الليليون، يا خَدَمَة الأبالسة، إني أسمعكم تارة تقولون اللعبة السياسة فتنسبونها إلى اللعبة وتارة تتفوهون بها حافية بدون نسب، كلماتكم ألغام وتمتمات سرعان ماتتبخر أعمدة دخانية في الفضاء، ثم إن السياسة تمارس في واضحة النهار لا في جوف الليل. أهلي وأجدادي كانت سياستهم حقول وبساتين وأشجار مثمرة تمد أعناقها بسخاء إلى البسطاء والضعفاء، سياستهم سواقي تندفع مسرعة في خط متصل لتروي العباد والبلاد، سياستهم واحدة لا سياسات، كلام واضح لا تمتمات، جد لا لعب ولعبة، زرع وقمح وبطاطس لا ألغام. أجدادي فهموا السياسة بالفطرة والسليقة.
أيها الأشباح ويا أيتها الأرواح:تقتلعون الأشجار وتزرعون الأحجار، تسكنون الخراب وتنتشرون في الضباب، وتضعون خيرات مدينتي تحت القباب.حكاية الحصار رمز الإبتكار واستمطار مقومات الإنتصار، وإعادة اكتشاف المحراث الذي يجره الحمار، وإعادة اكتشاف سراج الزيت في عصر الإضاءة والأنوار.الحصار امتحان عسير في واضحة النهار، قدر مكتوب على جبين الأحرار… أيها الليليون: قبل أن أكمل كلامي، تكلم الوادي لغة المطر والبرق ففاض المكان، وانتفخت عروق الأرض محدثة زلزلة عنيفة هزت كيان الأشباح، تهدمت الصروح عن أصولها فجمع الليل خيوطه إلى الأبد، وأشرقت الشمس وأزهر المكان بعدما عاد الربيع في جو بديع. أما أنا فقد عدت إلى ربوتي في يوميات صاحب منظار وأنا أنشد:
انتفضت الطبيعة انتفاضة زعزاعة
اقتلعت الأشباح من كل قلعة
تَزَيَّنَت مدينتي بِحُلة بديعة
أََحْرُسها بمنظاري حراسة الوديعة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.