طيلة حياتي كنت أتلقى المال من الخارج.. والدي رحمه الله كان يحرص أن يبعث لنا الخولد الهولندي الحبيب العزيز الغالي قبل أن يظهر الاورو و تمسخ قيمة العملات.. الخلدا الهولندية والمارك الألماني هو من أنقذ الريف من النكبة بعد عام الجوع و إنزال 58. وبفضله أكلنا و شربنا و قاومنا الفقر و درسنا ما تيسر و إشترينا ثلاجة و تلفزيون فيليبس بالابيض و الأسود ينقل لنا صور الحاجب الملكي مولاي حفيظ العلوي كأنها لقطات خارجة من القرن السابع عشر و سهرات إدريس البصري في ربوع الوطن و إشهار شامبوان دوب. بأموال هولندا المدسوسة المهربة للشمال إشترينا الحذاء الرياضي " بوتاج" و قلعنا أضراسنا في سن مبكرة عند الحجام بوكرشة الغليظ في دشر الجديد و دخلنا إلى سينما الريف و فوكس لمشاهدة الافلام الهندية نسرح في خيالنا مع البطن العاري الشهي للممثلة هيما ماليني و هي ترقص وسط البساتين. وبهذه الأموال المهربة كنا نشتري صابون تيد و اللبن و حليب البقرات الأربع و الأرانب التي نربي في السطح و شوكولاطة ماروخا و الجبن البلدي و السردين و البطيخ و البرتقال و المشمش و حلوى غزل البنات و كالينتي و الشامية و العسلية و حبوب الشقيقة أسبرو و أوبتاليدون من البقال قبل أن تظهر الصيدليات .. وبالخلدة الهولندية المعشوقة حفظها الله كنا نشتري ثياب العيد من باب الفحص و عقبة البلايا و نشتري تلاوة إقرأ و مونادا كروش و " بيك نيك " الريفية الانفصالية التي كانت تنتج في بلاد هاريز.. وبهذه الأموال المهربة كنا نسافر مرة في القرن إلى الحسيمة و الريف الكامبو و تنتهي رحلتنا في الحرش و الربضا و حكايات الجدات عن " ظهر اوبران" وسيدي شعيب أونفتاح.. في تمسمان أنت على الخليج الرائع الذي كان يزخر برائحة أعشاب البحر و سمك البوقة اللذيذ الذي يختلط مع حلاوة ثازا. بتلك الأموال التي كانت تأتي من دورتموند و أوتريخت إستطعنا أن نشتري تذاكر سفر إلى بلد الوالدين في حافلات اللفت و السدراوي .. الرحلة تبدأ من طنجة و تقف ساعات في خينسيا تطوان الاسبانية تنتظر مواصلة الطريق إلى " بيا" الحسيمة عبر الشاون و باب تازة و باب البرد و إساغن .. رحلة تقطع فيها الجبال و تشرب ماء الشرافات البارد و تغسل وجهك و تأكل البيصار.. ثم تكمل المنعرجات التي تشعرك أنك ذهبت إلى حج حقيقي كما عبرت لي عنها سميرة مغداد. أعترف و أصرح أننا كنا نتلقى الأموال و الدعم من الخارج و تلك كانت مؤامرة إنفصالية لا لبس فيها.. بييييك ..يا وليييدي.