1. الرئيسية 2. تقارير بعد لقاء وزير الخارجية المغربي ونظيره المصري.. لماذا ظل "الغموض" يلف موقف القاهرة من قضية الصحراء؟ الصحيفة – حمزة المتيوي الخميس 29 ماي 2025 - 13:51 اختارت مصر، مرة أخرى، الإبقاء على نسبة كبيرة من الغموض بخصوص موقفها من قضية الصحراء، وتفادي أي موقف متقدم وواضح، خلال رحلة وزير خارجيتها بدر أحمد عبد العاطي إلى المملكة، سواء من خلال إعلان الاعتراف بالسيادة المغربية على المنطقة، أو حتى دعم مقترح الحكم الذاتي الذي تعتبره الرباط الإطار الوحيد الذي يمكن من خلاله إنهاء الصراع. عبد العاطي، الذي اجتمع بنظيره المغربي ناصر بوريطة بمقر وزارة الشؤون الخارجية المغربية أمس الأربعاء، وعلى عكس ما جرى تداوله على نطاق واسع، عبر منصات التواصل الاجتماعي أساسا، تفادى التصريح بأي دعم مباشر للسيادة المغربية على الصحراء، رغم أنه، خلال كلمته في الندوة الصحفية المشتركة، أسهب في الإشادة بالعلاقات الثنائية بين البلدين ومجالات تطويرها. وبخصوص الملف الذي تعتبره الرباط قضيتها الوطنية الأولى، اكتفى الوزير المصري بالقول، نصًا، إنه تحدَّث مع نظيره المغربي عن "المبادئ التي تحكم السياسة الخارجية المصرية، وفي مقدمتها الحفاظ على السيادة الوطنية للدول ووحدة أراضيها، فضلا عن مبادئ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، ومبادئ تحقيق التنمية والازدهار للشعوب، وأنه لا توجد أي حلول عسكرية لأي من الأزمات". الملاحظ أن وزير الخارجية المصري، الذي اختار أن يتكلم بارتجال أمام ممثلي وسائل الإعلام، تلعثم قبل الحديث عن "السيادة الوطنية والوحدة الترابية"، ولجأ إلى الورقة الموجودة أمامه ليقرأ منها، في مشهد أظهرهُ كمن يختار بدقة وعناية عباراته، حتى لا يقول أكثر مما يجب قوله في إطار تعامل القاهرة الرسمي مع ملف الصحراء، وهو تعامل لا زال مُحاطا بالضبابية. أكثر من ذلك، فإن الحسابات الرسمية لوزارة الخارجية المصرية عبر منصات التواصل الاجتماعي وثقت زيارة عبد العاطي إلى المغرب قبل إقلاع طائرته، وتطرقت إلى كل أنشطته عند وصوله، انطلاقا من الرسالة الخطية التي بعث بها الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الملك محمد السادس، والتي تولى الوزير تسليمها إلى نظيره المغربي، ثم اجتماعاته مع رجال الأعمال ومدراء البنوك، وزيارته لمقر سفارة بلاده والمركز الثقافي المصري وضريح محمد الخامس، وطبعا اجتماعه بوزير الصناعة والتجارة رياض مزور، رئيس مجلس النواب رشيد الطالبي العالمي. إلا أن اللافت أن كل ما نُشِر لم يتضمن أي إشارة للموقف المصري بخصوص قضية الصحراء، وحتى حين تطرق إلى مُخرجات اجتماعه ببوريطة، فإن وزارة الخارجية تحدثت عن أن الوزير عبد العاطي "ثمَّنَ موقف المغرب الداعم للأمن المائي المصري"، دون التطرق إلى أي دعم في المقابل من القاهرة لمغربية الأقاليم الصحراوية، ولو بعباراتٍ ضمنية مثل دعم الوحدة الترابية للمملكة أو سيادتها على أراضيها. وحتى مع الأخذ بعين الاعتبار الموقف المعبر عند من طرف الوزير بدر عبد العاطي في الندوة الصحافية، نجد أنه كان فضفاضا ومُتَّسِمًا بالعمومية المفرطة، وبعيدا عن مواقف جل الدول العربية، مثل الإمارات العربية المتحدة والبحرين والأردن، التي تتوفر على قنصليات في الصحراء، وكذا عن الدعم الرسمي العلني للسيادة المغربية على المنطقة، الصادر عن بلدان أخرى، في مقدمتها المملكة العربية السعودية وقطر والكويت وسلطنة عمان. الموقف المصري، الذي لا يمكن اعتباره "جديدا"، يظل أيضا بعيدا عن سياق التحول الدولي في التعامل مع هذا الملف الذي عمر ل50 عاما، من لدن القوى الكبرى، مثل الولاياتالمتحدةالأمريكية وفرنسا، اللتان تدعمان علنا السيادة المغربية على المنطقة، أو إسبانيا وألمانيا والعديد من دول الاتحاد الأوروبي التي تشيد بمقترح الحكم الذاتي المغربي، كما أنه لا يرقى حتى لمواقف دول إفريقية كانت إلى وقت قريب داعمة للطرح الانفصالي، مثل كينيا أو غانا، والتي أضحت الآن أقرب للطرح الوحدوي المغربي. ولا يمكن العثور على تفسيرات كثيرة للغموض الذي يكتنف موقف القاهرة، فمصر ليست لديها حدود مشتركة مع الجزائر، بما يمثل إكراها أمنيا واقتصاديا، مثل ما هو حاصل مع تونس وليبيا، وليست مثل موريتانيا التي اختارت الحياد لجِوارها مع منطقة النزاع، واعتمادُ القاهرة على الجزائر في مجال الطاقة ثانوي، في ظل استيراد النفط والغاز أساسًا من دول الخليج ومن العراق وروسيا، أما مصالحها الاقتصادية الأخرى مع الجزائر فتُوازِنُها مصالح كبيرة ومُتنامية تجارية واستثمارية في المغرب. الأغرب من ذلك، أن موقف الوزير عبد العاطي المعبر عنه بالأمس، أقل تقدما حتى من ذاك الذي في تضمنه البيان المشترك الذي تلا لقاء سلفه سامح شكري مع بوريطة في الرباط بتاريخ 9 ماي 2022، وحينها أكد موقف بلاده "الداعم للوحدة الترابية للمملكة المغربية والتزامها بالحل الأممي لقضية الصحراء وتأييدها لما جاء بقرارات مجلس الأمن وآخرها القرار رقم 2602 لعام 2021 والذي رحب بالجهود المغربية المتسمة بالجدية والمصداقية والرامية إلى المضي قدماً نحو التسوية السياسية". ذاك الموقف كان الأكثر وضوحا والأكثر قربا من الطرح المغربي المتمثل في منح منطقة الصحراء حكما ذاتيا تحت سيادة المملكة، خصوصا وأن القاهرة ربطته حينها بقرار أممي صاغته واشنطن بدعم من باريس ولندن، ولقي ترحيبا كبيرا من لدن الرباط، في مقابل تلقيه بغضب من لدن الجزائر وجبهة "البوليساريو" الانفصالية، التي انسحبت مصر، مؤخرا، من مناورات كانت ستشارك فيها ميليشياتها المسلحة على الأراضي الجزائرية. هذا الانسحاب تحديدا، وتلقي العاهل المغربي رسالة من الرئيس المصري، لم يُكشف بشكل رسمي عن مضمونها، بالإضافة إلى أن الوزير بدر عبد العاطي أتى إلى المملكة قادما من موريتانيا التي تعيش حالة تقارب واضحة مع المغرب، كانت تشي بصدور موقف مصري أكثر تقدما من قضية الصحراء، خصوصا مع حاجة القاهرة إلى دعم الرباط داخل أروقة الاتحاد الإفريقي بخصوص قضية الصراع مع إثيوبيا حول سد النهضة، إلا أن ما حدث كان أقل بكثير من أن يوصف ب"الموقف الحاسم" من ملف الصحراء.