في لحظة تعج فيها الساحة الإقليمية بتحديات معقدة تتداخل فيها قضايا الأمن والسيادة والتنمية، جاء موقف القاهرة، على لسان وزير خارجيتها الدكتور بدر عبد العاطي، ليؤكد من جديد على الثوابت التي تحكم السياسة الخارجية لمصر، وفي مقدمتها احترام سيادة الدول ووحدتها الترابية، ورفض أي شكل من أشكال التدخل في شؤونها الداخلية. هذا التصريح، الذي أعقب لقاء جمعه بنظيره المغربي ناصر بوريطة في العاصمة الرباط، لا يمكن قراءته فقط كتحرك دبلوماسي عابر، بل كرسالة استراتيجية مزدوجة في مضمونها وتوقيتها، تحمل أبعاداً تتجاوز العلاقات الثنائية بين البلدين لتلامس خريطة التوازنات الجيوسياسية في المنطقة. التمسك المصري بالمبادئ المنصوص عليها في البيان المشترك الموقع في 10 ماي 2022 ليس مجرد تذكير بتفاهمات سابقة، بل هو تجديد لالتزام سياسي يعكس رؤية متكاملة لمصر في تعاملها مع قضايا السيادة والوحدة الترابية في محيطها العربي والإفريقي. فهذه المواقف تُترجم إلى دعم فعلي للدول في مواجهة النزاعات الترابية المفتعلة والتدخلات الخارجية، التي غالباً ما تكون مدفوعة بأجندات توسعية أو تفتيتية. إذا نظرنا إلى السياق المغربي، فإن تأكيد مصر على احترام وحدة وسيادة الدول يحمل في طياته موقفاً ضمنياً داعماً للمملكة المغربية في قضية الصحراء، وهي قضية جوهرية بالنسبة للرباط ومقياس حقيقي لمدى صدق ومتانة العلاقات الثنائية. فموقف القاهرة اليوم يُقرأ في الرباط كترسيخ لنهج دعم متواصل ومتدرج، يتماشى مع التحولات الإقليمية والدولية التي باتت تزن مواقف الدول بميزان السيادة والمصالح العليا. من منظور جيوسياسي، فإن هذا التصريح المصري لا يخاطب فقط المغرب، بل يحمل إشارات واضحة للفاعلين الإقليميين الذين يسعون إلى زعزعة استقرار دول شمال إفريقيا من خلال تغذية النزاعات الترابية أو خلق مساحات رمادية تتيح التدخل في الشؤون الداخلية للدول. كما أنه يأتي في وقت تتعالى فيه الأصوات داخل القارة الإفريقية بضرورة بلورة مواقف موحدة ضد التقسيم وإعادة إنتاج خرائط استعمارية جديدة. في الخلفية الأبعد، لا يمكن فصل الموقف المصري عن سعي مشترك نحو شراكة استراتيجية قائمة على أسس السيادة والاحترام المتبادل والتنمية المشتركة. فمصر والمغرب، كقوتين محوريتين في شمال إفريقيا، باتا يدركان أهمية العمل سوياً لمواجهة التحديات العابرة للحدود، سواء تعلق الأمر بمكافحة الإرهاب، أو تأمين سلاسل الإمداد، أو الدفع بعجلة الاندماج القاري. يبقى أن ما جاء على لسان الدكتور بدر عبد العاطي في الرباط ليس مجرد موقف رسمي، بل هو تعبير عن وعي دبلوماسي بمقتضيات اللحظة التاريخية، ودعوة لتكريس مبدأ السيادة كخط أحمر في العلاقات الدولية، في وقت لم تعد فيه الجغرافيا وحدها تضمن الاستقرار، بل المواقف السياسية الواضحة التي تضع المصالح الوطنية في صلب كل تحرك.