1. الرئيسية 2. تقارير أخنوش: إصلاح قطاع الصحة "معركة لا تقبل التأجيل".. وتداعيات هجرة الأطباء والممرضين خطيرة الصحيفة - خولة اجعيفري الأثنين 7 يوليوز 2025 - 19:37 قال رئيس الحكومة عزيز أخنوش، إن حكومته اليوم أمام لحظة وصفها ب "الحاسمة والاستثنائية" إذ تشكل تحوّلا لا يشبه في عمقه ومضمونها أي إصلاح سابق، وأنها لا ترفع شعارات جوفاء، ولا تزايد بوعود مؤجلة، بل تؤسس لمسار إصلاحي برؤية ملكية، مشددا عل أن "الرهان اليوم على قطاع الصحة، الذي لا تظهر فيه النتائج سريعا، هو تعبير عن شجاعة سياسية ومسؤولية وطنية". وجاء ذلك، في جلسة المساءلة الشهرية بمجلس النواب ليوم الاثنين، حيث قدم رئيس الحكومة عزيز أخنوش الرؤية المفصلة للإصلاح الصحي الذي تتبناه حكومته، واصفا إياه بأنه تحول جذري غير مسبوق في تاريخ المنظومة الصحية المغربية، ومشددا على أن هذا الورش ليس مجرد مجموعة من التدابير الظرفية، بل "مشروع هيكلي طويل النفس يراهن عليه في تحقيق العدالة الصحية، وترسيخ أسس دولة الرعاية الاجتماعية، وبناء مغرب المستقبل". في هذا السياق، أكد رئيس الحكومة أن الغاية الجوهرية من كل هذه الإصلاحات الصحية التي انخرطت فيها الدولة ليست أهدافا مرحلية، بل تهدف إلى بناء منظومة صحية متكاملة، قائمة على أسس علمية واستراتيجية متينة، ومحصنة ضد التراجع أو التآكل، بما يضمن استدامة هذا الإصلاح لفائدة المواطن المغربي على المدى البعيد. وأوضح أن الحكومة اختارت، ضمن رؤيتها، أن تجعل من البعد الجهوي ركيزة لتعزيز حكامة القطاع الصحي، لذلك تم إحداث المجموعات الصحية الترابية كآلية مبتكرة ومؤسساتية لتجاوز مركزية القرار وضمان التكامل الوظيفي لجميع المؤسسات الاستشفائية داخل النفوذ الترابي لكل جهة، وذلك وفق برنامج طبي جهوي يأخذ بعين الاعتبار خصوصيات كل مجال ترابي على حدة. وأوضح أخنوش أن هذه الخطوة التشريعية الجديدة ستتيح للمجموعات الصحية الترابية إعداد برامج طبية متكاملة تحترم التوزيع الجغرافي والديموغرافي، ووضع خرائط صحية واضحة ستمكن من تعزيز وتوسيع عرض العلاجات وتنظيم مساراتها بطريقة فعالة، والتغلب على الإكراهات التي عرفها التدبير المركزي طيلة عقود، وستمكن هذه المجموعات من اتخاذ قرارات ناجعة وفعالة، خصوصا في ما يتعلق بتحديد أولويات الاستثمار الصحي، وتوطين البنيات التحتية والمنشآت الصحية، بناء على مؤشرات دقيقة مرتبطة بالخصائص الديمغرافية والوبائية والجغرافية والاجتماعية والاقتصادية. وأضاف أخنوش أن هذا الإصلاح سيساهم في ترشيد استعمال الموارد، والانتقال إلى منطق البرمجة الجهوية، مع القطع مع ظاهرة "الصحاري الطبية"، وتقليص الفوارق والتفاوتات المجالية الصارخة التي تطبع الولوج إلى العلاج والخدمات الصحية الأساسية، وقد بلغ تنزيل هذا التصور الجديد مراحل متقدمة، من بينها إصدار مرسوم الإشراف على التداريب بالمؤسسات الصحية التابعة للمجموعات الترابية، والمرسوم المتعلق باللجان الجهوية المشتركة لتنسيق التكوين التطبيقي في المهن الصحية. وفي خطوة عملية أولى، أعلن رئيس الحكومة عن الانطلاقة الرسمية للمجموعة الصحية الترابية بجهة طنجةتطوانالحسيمة، والتي جرى تعيين مديرها العام خلال آخر مجلس وزاري برئاسة الملك محمد السادس، وتم خلال الأسبوعين الماضيين إصدار النصوص القانونية التي تؤطر عمل هذه المؤسسة الجديدة. كما أشار إلى أن الجهود التي تبذلها الحكومة لإعادة هيكلة وتأهيل المراكز الصحية للقرب، وتعميم المستشفيات الجامعية، وإصلاح المستشفيات الجهوية والإقليمية، كلها تصب في اتجاه تمكين هذه المجموعات الصحية من الاشتغال داخل منظومة مؤسساتية متكاملة، تحترم مسلك العلاج، وتوفر خدمات صحية قائمة على التوجيه الفعال للمرضى، وتقلص الضغط المتزايد على المستشفيات العمومية والمصالح الاستعجالية التي تعاني من اكتظاظ مزمن يؤثر سلبا على جودة الخدمات. وسلط رئيس الحكومة الضوء على التحديات التي تواجه الممارسة المهنية داخل القطاع، وفي مقدمتها هجرة الكفاءات الطبية والتمريضية نحو الخارج، وهي ظاهرة عالمية، لكن تداعياتها على المنظومة الصحية الوطنية خطيرة، خاصة حين تغادر الأطر المؤهلة المستشفيات العمومية بسبب ضعف التحفيزات وغياب ظروف اشتغال تليق بقيمة هذه الفئة المحورية. وأكد رئيس الحكومة أن الحكومة كانت واعية منذ البداية بهذا التحدي، ولذلك جعلت من الحوار الاجتماعي آلية مركزية لمعالجة ملف الأطر الصحية، وقد عقدت الحكومة لقاءات متتالية مع النقابات الأكثر تمثيلية في القطاع، أثمرت عددا من المكتسبات الهامة، أبرزها تحسين وضعية الأطباء من خلال تغيير الشبكة الاستدلالية وتمكين الأطباء والصيادلة وأطباء الأسنان من الرقم الاستدلالي 509، وهو ما نتج عنه زيادة صافية قدرها 3800 درهم شهريا في رواتبهم. كما تم تسريع وتيرة الترقيات لفائدة الممرضين وتقنيي الصحة، والرفع من قيمة التعويض عن الأخطار المهنية لفائدة الأطر الإدارية والتقنية لتصل إلى 1400 درهم شهريا، إلى جانب دعم مؤسسة الحسن الثاني للنهوض بالأعمال الاجتماعية لموظفي قطاع الصحة، وتوسيع خدماتها المقدمة للمهنيين. هذه الخطوات، وفق رئيس الحكومة، تؤسس لرد الاعتبار للمرفق العمومي الصحي، ولتقوية الحافز المهني لدى الأطر العاملة به. وذهب أخنوش أبعد من ذلك بالإشارة إلى أن الحكومة عملت على إخراج قانون الوظيفة الصحية، وهو تشريع استراتيجي يهدف إلى تجاوز أعطاب النظام السابق، ويعتمد نظام أجور مرن ومُحفز يقوم على شقين، جزء ثابت يشمل الراتب الأساسي والتعويضات القانونية، وجزء متغير مرتبط بحجم الأداء والأعمال المنجزة، كما ينص القانون على تعويضات خاصة لفائدة الأطر الصحية العاملة بالمناطق النائية، وذلك لتشجيع الاستقرار المهني وتحقيق التوزيع العادل للموارد البشرية الصحية. واعتبر رئيس الحكومة أن هذا النظام التحفيزي الجديد سيمكن من تقليص الفوارق في الأجور بين أطر الصحة في القطاع العام ونظرائهم في القطاع الخاص، كما يقترب من المستويات المعمول بها في عدد من الدول المتقدمة، وهو ما سيساهم بشكل كبير في الحد من هجرة الكفاءات الطبية، وتشجيع الأطباء على الاستقرار في القطاع العمومي، وتحقيق العدالة المهنية. وبخصوص استدامة منظومة التغطية الصحية، شدد أخنوش على أن الحكومة تشتغل على ضمان التوازن المالي لصناديق التأمين الصحي، من خلال مراجعة السياسة الدوائية المعتمدة، واعتماد آليات صارمة للضبط والتقنين. وفي هذا الإطار، تم إحداث الوكالة المغربية للأدوية والمنتجات الصحية كرافعة استراتيجية لضمان السيادة الدوائية الوطنية، وسلامة وجودة الأدوية والمنتجات الصحية، وتوفيرها بشكل دائم. وكشف أن الحكومة نظمت الاجتماع الأول لمجلس إدارة الوكالة مطلع السنة الجارية، وتم خلاله الوقوف على أولويات المرحلة والمصادقة على برنامج العمل السنوي، كما تم إطلاق سياسة طموحة لتخفيض أسعار الأدوية، من خلال الإعفاء الكلي من الضريبة على القيمة المضافة سواء عند الاستيراد أو في السوق الداخلية، ما أسفر عن خفض أثمنة أزيد من 4500 دواء جنيس، في خطوة تهدف إلى جعل الدواء في متناول جميع المواطنين باعتباره حقا أساسيا لا سلعة تجارية. وتماشيا مع هذا التوجه، تم تحفيز المستثمرين الصناعيين لإحداث وحدات إنتاج دوائية محلية، بلغ عددها 53 وحدة صناعية، ساهمت في تغطية أكثر من 70 في المئة من الحاجيات الوطنية من الأدوية، ورفع نسبة استعمال الأدوية الجنيسة إلى 40 في المئة، ما يعني ولوجا أوسع للعلاجات بجودة وسعر مناسب. كما أعلن رئيس الحكومة عن مشروع وطني كبير يتمثل في بناء مصنع لإنتاج اللقاحات بإقليم ابن سليمان، وهو مشروع استراتيجي سيمكن المملكة من تلبية حاجياتها الداخلية من اللقاحات، وتغطية جزء من حاجيات القارة الإفريقية، وقد تم التوقيع على مذكرة تفاهم بين وزارة الصحة ومصنع "ماربيو"، أعقبتها ثلاث اتفاقيات توريد لإنتاج حوالي 5.5 ملايين جرعة خلال سنتي 2025 و2026، في مرحلة أولى مرشحة للتوسع. وختم رئيس الحكومة كلمته بالقول إن ما يقوم به المغرب اليوم في قطاع الصحة لا يمكن اختزاله في مؤشرات آنية أو نتائج ظرفية، بل هو ورش إصلاحي عميق يتطلب نفسا طويلا، ورؤية استراتيجية تتجاوز الزمن الحكومي، وتُترجم التوجيهات الملكية في بناء مغرب جديد، أكثر عدلا وكرامة واستدامة. وأكد أخنوش أن الحكومة تمضي في تنزيل خارطة طريق تنموية متكاملة، تتقاطع فيها أوراش الصحة والتعليم والصناعة والبنيات التحتية، انسجاما مع الاستعدادات التي تقوم بها المملكة لاحتضان التظاهرات الدولية، وفي مقدمتها مونديال 2030، مشددا على أن ما يُنجز اليوم هو بناء فعلي لمغرب الغد، لا شعارات جوفاء ولا وعود مؤجلة، بل رؤية ملكية متبصرة تُنفذ بإرادة حكومية مسؤولة.