اعتبر عبد الجليل سالم، رئيس جامعة الزيتونة، أن «المغرب الأقصى يتبوأ المكانة الأولى للثقافة الإسلامية بحكم إطلاعه على ما يكتب في الشرق والغرب، ويمتاز بنخبة مثقفة قل نظيرها في العالم الإسلامي»، مشددا على الحاجة للدور التنظيري في مجال البحث في السيرة النبوية، ويرى سالم أن «ما كتب عن السيرة النبوية لابد أن يعاد النظر فيه، من أجل كتابة علمية نسقية ترقى إلى التنظير كما فعل الشاطبي وابن خلدون»، مشيرا إلى أن «جهود المغرب الأقصى يجب أن تتجه نحو كتابة السيرة كتابة تاريخية كما كتب ابن خلدون عن العمران وكما كتب الشاطبي عن الأصول». وتطرق رئيس جامعة الزيتونة، في حوار مع «التجديد» على هامش المؤتمر العالمي الأول للباحثين في السيرة النبوية الذي اختتم أول أمس بفاس، ل»واقع جامعة الزيتونة قبل وبعد الربيع العربي. ● ما الدور المنشود من علماء المغرب العربي خدمة للسيرة النبوية؟ ●● المغرب الأقصى يتبوأ المكانة الأولى للثقافة الإسلامية بحكم إطلاعه على ما يكتب في الشرق والغرب، ويمتاز بنخبة مثقفة قل نظيرها في العالم الإسلامي، فالمغرب العربي الذي أنتج ابن خلدون وابن رشد والشاطبي وابن عاشور وعلال الفاسي، والمغرب الذي نراهن عليه، هو المغرب الذي سينتج لنا مفكرين مبدعين يضيفون الكثير للثقافة الإسلامية، والمغرب الأقصى وتونسوالجزائر تنتظر منهم الأمة المزيد من الإبداع. هذا المؤتمر جاء في وقته وجاء ردا علميا هادئا على الهجمة التي يواجهها النبي صلى الله عليه وسلم، من حين لآخر في أنحاء العالم، وهذه الهجمة لا تزيد النبي صلى الله عليه وسلم إلا انتشارا ومعرفة به، فالنبي صلى الله عليه وسلم يحفظه الله عز وجل شر الكائدين، والرد هو رد علمي هادئ، ولذلك أرجوا لهذه الندوة أن تتوجه إلى القضايا والإشكالات الأساسية في تاريخ السيرة وتاريخ الأمة، كيف نتعامل مع السيرة وكيف ننزلها في حياتنا الاجتماعية والسياسية، سيما أن الإسلاميين في المغرب وتونس وفي أماكن أخرى يتبوءون الآن مركز الصدارة، فكيف نتعامل كإسلاميين وكمسلمين مع السيرة في أي لحظة تاريخية وأي مرحلة من مراحل البناء التاريخي، وكيف نستوحي من هذه السيرة منهجا وبرنامجا به نهتدي. ● ما الآليات التي ترونها مناسبة؟ ●● أولا أعتقد أن هناك حاجة للدور التنظيري في مجال البحث في السيرة النبوية، ما كتب عن السيرة النبوية لابد أن يعاد النظر فيه، من أجل كتابة علمية نسقية ترقى إلى التنظير كما فعل الشاطبي وابن خلدون، وجهود المغرب الأقصى يجب أن تتجه نحو كتابة السيرة كتابة تاريخية كما كتب ابن خلدون عن العمران وكما كتب الشاطبي عن الأصول. ثانيا المطلوب قراء حصيفة، لا يجب أن نكون غائبين عن اللحظة التاريخية، أعتقد أننا لازلنا غائبين، لازلنا ندرس القضايا من خلال وعينا الثقافي القديم، الآن لابد أن نفهم ونحن في عصرنا هذا، ما لم ندرك طبيعة المرحلة واللحظة التي نعيشها، لا نستطيع أن نحسن تعاملنا مع السيرة، وسيظل تعاملا تراثيا لا تعاملا خلاقا وبناء. أرجو لشبابنا الإسلامي نهضة وأن يجدوا طريقهم الذي لا يكون إلا بوسيلة وحيدة وهي طلب العلم، فمن أراد الدنيا عليه بالعلم ومن أراد الآخرة عليه بالعلم، فالعلم وحده هو الذي نستطيع أن نتبوأ به مركز الخلافة والريادة ومركز الشهادة على التاريخ. ● تقييمكم لما كتب لحد الآن من أبحاث ودراسات ومؤلفات حول سيرة المصطفى؟ ●● على قلة قراءتي للسيرة، أرى أن الفكر الإسلامي عامة، سيرة وعقيدة وشريعة، مازال يجتر قضايا الماضي، ومازال لم يبني وعيا معاصرا يرقى إلى مستوى اللحظة التاريخية التي نعيشها الآن، فالإسلام صالح لكل زمان ومكان، فالسيرة في أمس الحاجة اليوم لتكتب كتابة علمية تاريخية، وأن نفسرها تفسيرا سببيا وعلميا، وتشذب وتهذب وتنقى من ما دخلها من شوائب، ربما المحدثون كانوا محقين حين نقضوا الإخباريين ونقضوا كتاب السيرة في حد ذاته، وربما أجمل ما كتب لحد الآن في السيرة، هو كتاب حميد الله، «الرسول صلى الله عليه وسلم»، وهو عمل حاول المؤلف من خلاله تركيب سيرة النبي تركيبا علميا بلغة العصر. ● حدثنا عن جامعة الزيتونة قبل الربيع العربي؟ ●● جامعة الزيتونة أغلقت بقرار رئاسي في عهد بورقيبة سنة 1958، وأعطي لبقية المشايخ، ومنهم الشيخ الفاضل بن عاشور والشيخ الطاهر وغيرهم من شيوخ الزيتونة، أعطيت لهم الكلية الزيتونية للشريعة وأصول الدين سنة 1961، ربما في إطار التهدئة والترضية للمشايخ، مقابل أن يسكتوا له عن مجلة الأحوال الشخصية، وبقيت هذه الكلية يدرس بها المعلمون بالليل، إلى أن بدأت تستقبل الطلبة أواسط السبعينات، بُعيد النهضة الإسلامية التي بدأت تشهدها تونس، وأقبل الطلاب عليها، وكان من أهم خصائص هذه الفترة هي إقبال الطلبة على العلوم الشرعية، وبعد 7 نونبر أعطاها بن علي اسم الجامعة الزيتونية، وتضم ثلاث معاهد، ولكن الحقيقة أنه بعد ستة سنوات وقع إلحاق المعهد العالي للشريعة بوزارة الشؤون الدينية، وكانت الجامعة تسمى مجازا بالجامعة، حيث في عهد الكلية الزيتونية كان الطلبة أكثر والأساتذة أفضل، وتبين أن اسم الجامعة أعطيت لها لأغراض سياسية، أما الحقيقة فهي أنه تم إفراغها من برامجها، وجيء حتى بالكثير من الأساتذة العلمانيين والماركسيين للتدريس بجامعة الزيتونة. ● من جاء بهم؟ ●● بلغة التصدي للحركة الإسلامية، جاء بن علي بأساتذة علمانيين، وكان هناك تخطيط محكم لما سمي بسياسة تجفيف المنابع، وفي إطار هذه السياسة التي جاء بها بن علي وطبقها اليسار الذي تحالف معه، ولكن تلك المجموعة من الأساتذة العلمانيين لم تنجح في مهمتها، وبعد ثلاث أو أربع سنوات، جل أولائك الأساتذة عادوا إلى كليات الآداب من حيث أتوا. ● أي واقع تعيشه اليوم جامعة الزيتونة؟ ●● جامعة الزيتونة ثار فيها الطلاب بعد سقوط بن علي، وطالبوا بأن ترجع الجامعة لسالف عهدها برمجة وتقسيما لمؤسساتها، وكذا إرجاع الأساتذة الأكفاء الذي همشوا، ووضعوا رهن إشارة معهد الحضارة الذي كان يدرس الطالب الأجنبي، وبعد الثورة تسلم الأساتذة أماكنهم وأصبحوا يسيرون ويقودون الجامعة، وارتفع عدد الطلبة في الجامعة، والآن أصبح معهد أصول الدين يشهد إقبالا كبيرا للطلاب، وهذا مكسب كبير، فالذي حدث في الزيتونة أن الناس أقبلوا على العلوم الشرعية، من كل الجامعات بما فيها الجامعات العلمية. والآن نريد أن نؤسس معاهد أخرى في البلد، وبذلك نعيد الاعتبار للجامعة الزيتونة. ومشروعنا الآن هو بناء جامعة الزيتونة من جديد. ● أي دور منوط بالجامعة في معركة الهوية؟ ●● جامعة الزيتونة لعبت واضطلعت بدور أساسي في معركة التحرير، فحافظت على الهوية والدين في وجه المستعمر، وحافظت على الجزائر بوجه خاص أمام الهجمة الاستعمارية، فكل مثقفي الجزائر العروبيين والإسلاميين، درسوا في جامعة الزيتونة، كذلك الزيتونة قامت بدورها التاريخي في نشر الإسلام والمذهب المالكي في جنوب الصحراء، ودورنا الآن أن نعيد للجامعة دورها الإشعاعي في المنطقة، لضمان استمرارية السند الثقافي والعلمي في المنطقة، وبالعلم وحده ممكن أن نقف في وجه الغلو والتطرف.