الرد الجميل والتقويم الحكيم في ندوة «السيرة النبوية في الكتابات الإيطالية»

تحت شعار قول الله تعالى:
«وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين» نظمت مجموعة البحث في السنة والسيرة وقضايا الإعجاز التابعة لكلية الآداب سايس - فاس، بتعاون مع المركز العالمي للتعريف بالرسول صلى الله عليه وسلم ونصرته؛ والمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة الإيسيسكو، وبدعم من مجلس الجالية المغربية بالخارج والجماعة الحضرية لفاس والمديرية الجهوية لوزارة الثقافة بجهة فاس - بولمان، والمركز الثقافي الإيطالي بالرباط، وبتنسيق مع رابطة الجامعات الإسلامية والمجلس العلمي المحلي لفاس والمجلس العلمي المحلي لإقليم مولاي يعقوب ندوة علمية دولية في موضوع »السيرة النبوية في الكتابات الإيطالية«، وذلك أيام - 27 28 - 29 ربيع الثاني 1431 ه الموافق ل 13 - 14 - 15 أبريل 2010 م، برحاب كلية الآداب والعلوم الإنسانية سايس - فاس، بمساهمة ثلة من العلماء والباحثين والمهتمين .ومن أبرزما تبين من الأمور الضرورية الأولية في الحاجة إلى مدّ جسور الحوار المفتوح، وتصحيح الصورة النمطية عن الإسلام لدى الغير بخطاب وممارسة يتأسسان على منهجية الحوار الهادئ والمسؤول والإقناع قولاً وفعلا، وذلك الإسلام الرفيع. وتأهيل ثقافة متجددة تصدر عن تعاليم ديننا بعيدا عن الغلو والتطرف، وتنوير الناس بالفكر الإسلامي ومصادر الشريعة بما يخدم العقيدة الإسلامية.
لقد لخصت هذه الكلمة التي ألقاها د.مصطى الكثيري تنويه المشاركين في هذه الندوة بالحوار وقيمته في الإسلام وفي علاقات المسلمين مع غيرهم.
لكن الحوار لايُجدي إلاّ عندما تتوفر الرّغبة الصادقة، والنية الصالحة، في البحث عن نقاط الالتقاء ومجانبة نوازع الصراع، ونبذ فكرة »صراع الحضارات« واستبدالها بمبدأ المسابقة إلى الخيرات، كما جاء في كلمة رئيس شعبة الدراسات الإسلامية بالكلية د.عبد الحق ليدر.
وبالفعل، فإنّ الرّوابط الثقافية والتجارية بين ضفتي المتوسط قديمة، وقد زخرت الساحة الإيطالية بمستشرقين أمثال جيراردو وكارلو ألفونسو الذي أسس المعهد الشرقي في روما وأصدر مجلة »الدراسات الشرقية«، وغيره ممن كتب عن صقلية الإسلامية.
لكن مواقفهم لم تسعف في صناعة رأي عام منصف في ظل تحالف المعرفة والسلطة كما أشار إلى ذلك الخبير بالمنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم - إيسيسكو - د.محمد بن صالح، حيث ساهمت سوسيولوجيا الاستشراق غير العلمي في تشكيل سايكولوجيا الرأي العام بكل الصور المناقضة لقيم وحقيقة نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم. حيث رمته بالوثنية والدعوة إلى العنف ولاتزال تروّج هذه الصورة العديد من وسائل الإعلام، فثمة جهات مغرضة تبذل قصارى جهدها لإعادة الصورة المشوّهة المختزنة، ظنا منها أنها ستخدم بهذا هيمنتها. ولابد من تغيير الصور النمطية وتفكيكها بالاستثمار في مجالات التربية والتعليم وتوجيه المنظومات التربوية والسياسات الثقافية إلى إقرار التعددية والاختلاف وبناء فضاء علاقات تبادل وتحاور وتعارف قبل الحديث عن التحالف.
ودعا رئيس المركز العالمي للتعريف بالرسول صلى الله عليه وسلم ونصرته د.عادل الشدّي إلى التفاهم مع الآخر حول المشتركات الإنسانية، وإلى تأليف موسوعة للسيرة النبوية في الكتابات الغربية خاصّة الإيطالية والهولندية والرّوسية.
وقدّم د.فهد عبد العزيز الدامغ عرضاً عن أطلس السيرة النبوية الذي يعتبر إضافة نوعية في خدمة السيرة، وهو تحت إشراف إدارة الملك عبد العزيز في الرياض. وتكمن أهمية هذا المشروع في كونه يحقق الاستقصاء والتوثيق الميداني للمواقع ومسارات الجيوش بتسخير الآلات والتقنيات الجديدة، مما يساعد على فهم مرامي السيرة ا لنبوية.
وكان موضوع الجلسة العلمية الأولى من هذه الندوة هو »تاريخ البحث والكتابة في السيرة النبوية عند المستشرقين الإيطاليين وتقييم جهودهم في التعامل معها«، برئاسة عادل بن علي الشدي، واشتملت على المداخلات التالية: »تاريخ البحث والكتابة في السيرة النبوية عند المستشرقين الإيطاليين (النشأة والتطور والامتداد) للدكتور محمد العمارتي، (جامعة عبد المالك السعدي بتطوان)، و»سمات الاستشراق الإيطالي في التصنيف في السيرة النبوية في النصف الأول من القرن العشرين« للدكتور عبد العزيز شاكر حمدان الفياض الكبيسي (جامعة العين/ الإمارات العربية المتحدة)، و»تقييم الجهود العلمية في دراسة مواقف المستشرقين الإيطاليين من السيرة النبوية« للدكتور محمد سعيد عبد الله السرحاني (كلية الدعوة وأصول الدين جامعة أم القرى بمكة المكرمة).
وتمحورت الجلسة الثانية حول موضوع »السنة وتراث السيرة النبوية في دراسات المستشرقين الإيطاليين«، واشتملت على المداخلات التالية »سنة محمد في الكتابات الايطالية: للدكتور روبرتوتتلي (جامعة تورينو/ إيطاليا)، و »تراث السيرة السيرة النبوية في دراسات بعض المستشرقين الإيطاليين« للدكتور مريزين سعيد عسيري (جامعة أم القرى بمكة المكرمة)، و »صحيفة المدينة في الدراسات الإيطالية« للدكتور عبد العزيز شادي (جامعة تورفيرغاتا بروما/ إيطاليا). والتأمت الجلسة الثالثة حول موضوع »الرسول صلى الله عليه وسلم وسيرته وشريعته في كتابات الرحالة ومترجمي القرآن الكريم وفئات أخرى من الإيطاليين«، واشتملت على المداخلات التالية: »الرسول محمد في الكتابات الإيطالية« للدكتور كلاوديو لوياكونو (رئيس معهد الدراسات الشرقية بجامعة نابولي/ إيطاليا) و »محمد في ترجمات القرآن الإيطالية« للدكتور باولو برانكا (الجامعة الكاثوليكية بميلانو/ إيطاليا) و»السيرة النبوية في كتابات الرحالة الإيطاليين (رحلة فاريتما إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة نموذجا« للدكتور ضيف الله بن يحيى الزهراني (جامعة أم القرى بمكة المكرمة) و»الحجاب في شريعة محمد صلى الله عليه وسلم والشرائع السماوية الأخرى والجدل الدائر حوله في إيطاليا« للدكتور عبد الجليل ناوي الخير (كلية الآداب سايس فاس). وأمّا الجلسة الرابعة التي ترأسها الدكتور محمود سالم الشيخ فكان موضوعها هو »قراءات تحليلية لما كتبه الإيطاليون عن السيرة النبوية« ، وتضمنت هذه المداخلات: »السيرة النبوية في كتابات مفكري العصور الوسطى الإيطاليين« للدكتور فرانكوكار ديني (جامعة فلورنسا/ إيطاليا)، و »ريكولدو دامونتي دي كروسي وكتاباته المغرضة عن النبي صلى الله عليه وسلم والإسلام« للدكتور علي محمد الغامدي (جامعة أم القرى بمكة المكرمة)، و »موقف ليون الإفريقي الإيطالي من النبي صلى الله عليه وسلم وأعلام الإسلام في كتابه (وصف إفريقيا)« للدكتور أحمد عزي.
وانتظمت الجلسة العلمية الخامسة حول موضوع »مناهج المستشرقين الإيطاليين في دراسة السيرة النبوية«، والجلسة السادسة حول موضوع »الاتجاهات الإيطالية الحديثة في دراسة السيرة ودور الجاليات الإسلامية بإيطاليا في خدمتها«، بينما كان موضوع الجلسة العلمية الخامسة هو »السيرة النبوية في الأدب الإيطالي والمناهج التربوية الإيطالية«، وكان موضوع الجلسة العلمية الثامنة هو »السيرة النبوية في وسائل الإعلام الإيطالية«.
بدأ أوّل اهتمام الاستشراق الإيطالي بالإسلام مع الإطلاع على النصوص الإسلامية، وأول طبعة للنص القرآني في أوروبا سنة 1530 بالبندقية، قبل أن يطبع في أي بلد إسلامي. وكان من المفروض أن تتحقق معرفة بهذا الدين، لكن تمت هذه الطبعة في ظل أجواء الصراع والاستنفار، لا التسامح الديني والفكري. ولم تأخذ بواكير البحث في السيرة النبوية تعرف إلا بظهور محاولة رجال الدين المسيحي لاختراق الإسلام بتلفيق أكاذيب حول هذه السيرة العطرة ومحاولة طمس الحقيقة المحمدية وإخفائها.
مما لم يسمح بصيانة معرفة صحيحة وموضوعية عن الإسلام والسيرة بل فتح المجال لتصورات خرافية عدائية، وصور نمطية استقرت في لا وعي المستشرقين الإيطاليين. وإن كانت قد ظهرت خطابات أكثر إنصافا في العهود الأخيرة.
ومن أخطاء هؤلاء المستشرقين في تعاملهم مع السيرة والسنة النبوية: الانتقائية في اختيار المصادر والتحيز واعتماد المنهج المعكوس، والأخبار الضعيفة، والإسراف في استخدام المنهج المادي والمبالغة في الشك والافتراض والتأثر بالصورة التي رسمتها الكنيسة ورد معطيات السيرة إلى أصول يهودية أو نصرانية. وهناك في هذه الكتابات توجيه للتأثير في المواطن الإيطالي العادي.
ومن أهم ما أسفرت عنه هذه الندوة القيمة البيان الختامي والتوصيات.
وجاء في البيان الختامي:
»وإن المشاركين في هذه الندوة المباركة، وتقديرا منهم لجهود الباحثين من علماء المسلمين وعقلاء الغرب، من أجل تصحيح الصور النمطية القاتمة التي يروجها الفكر الاستشراقي الإيطالي المغرض عن الإسلام ونبيه صلى الله عليه وسلم، والتي ترتسم في المتخيل الغربي في صورة مفاهيم مغلوطة وشائهة.
ووعيا منهم بالمسؤولية المشتركة في ضرورة فتح باب الحوار بين الشعوب والديانات والحضارات الأخرى لإبراز الصورة المشرقة لشخصية الرسول صلى الله عليه وسلم وسيرته وأخلاقه وذلك إسهاما في بناء مجتمع إنساني قوامه التعارف والتعاون والعمران، فإن المشاركين يباركون هذه الندوة العلمية الهامة، ويخلصون إلى مجموعة من التوصيات المهمة:
1 التنويه بجهود المركز العالمي للتعريف بالرسول صلى الله عليه وسلم ونصرته المنبثق عن رابطة العالم الإسلامي، وتحقيق التفاهم مع الآخر حول المشتركات الإنسانية، وذلك من خلال تنظيم ودعم أعمال علمية رصينة مع فعاليات ونخب عربية وغربية؛ ومنها هذه الندوة الدولية.
2 الإشادة بجهود المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (الإيسيسكو) ومديرها العام في مجال الحوار بين الشعوب والحضارات والثقافات، ترسيخا لفقه التعارف ونبذا لثقافة الصراع والتصادم. والتنويه بعملها الدؤوب في مجال تصحيح المعلومات الخاطئة عن الإسلام، وذلك من خلال البرامج التي تنفذها والمؤتمرات والندوات العلمية التي تنظمها أو تدعمها، ومنها سلسلة الندوات الدولية حول السيرة النبوية في الكتابات الغربية.
3 التنويه بمجهودات الشركاء الداعمين الآخرين (مجلس الجالية المغربية بالخارج، والجماعة الحضرية بفاس، والمديرية الجهوية لوزارة الثقافة بفاس، والمركز الثقافي الايطالي بالرباط) في تيسير سبل هذا اللقاء العلمي، وتوفير أجواء التواصل بين الباحثين من داخل المغرب وخارجه.
الإشادة بالمشاركة القيمة على مستوى التنسيق العلمي لكل من رابطة الجامعات الإسلامية، والمجلس العلمي المحلي لفاس، والمجلس العلمي المحلي لإقليم مولاي يعقوب.
5 الدعوة إلى التواصل والتعاون بين الباحثين لتوسيع ونشر مشروع أطلس السيرة النبوية وإعداده إعدادا علميا متكاملا.
6 الدعوة الى عقد ندوات علمية عن الإسلام في إيطاليا بمشاركة باحثين، مسلمين وغربيين متخصصين، وكذا عقد مؤتمر دولي قابل للتعريف برسول الله وسيرته في الكتابات الروسية أو الهولندية..
7 الاهتام بالتثقيف المناسب للجالية العربية المهاجرة. وخاصة أبناء الجيل الثاني والثالث في الغرب، بوصفهم قاعدة ثقافية مهمة لنشر الصورة الصحيحة للإسلام بفاعلية أكبر ومستوى أرفع.
8 دعوة الباحثين الى ترجمة كتب التراث الإسلامي ومدونات السيرة إلى اللغة الإيطالية لتوفير مصادر أصيلة للباحث الإيطالي، وكذا ترجمة الدراسات الاستشراقية الإيطالية للسيرة النبوية قصد تواصل أيسر واطلاع أوسع وفهم واع وأشمل لفكرهم ومواقفهم.
9 تشكيل لجان متخصصة في اللغات الأجنبية ومتمكنة من المنهج العلمي الدقيق لمراجعة وتصحيح ماكتب عن الرسول وسيرته في المقررات الدراسية والمواقع الإلكترونية والمجلات الغربية.
10 إحداث برنامج أكاديمي في الدراسات الإيطالية حول الإسلام في كلية الآداب سايس فاس، وكذا مختبر علمي متخصص في نشر مخطوطات السيرة النبوية.
11 إصدار دليل بيبليوغرافي للدارسين الإيطاليين والدراسات الإيطالية حول السيرة النبوية.
12 تأسيس مرصد دولي لمتابعة ودراسة الإنتاج العلمي والأدبي الإيطالي المهتم بالسيرة النبوية.
13 تيسير الاطلاع والاستفادة من أعمال الندوة بطبعها وترجمتها إلى اللغات الأجنبية، وخاصة اللغة الإيطالية.
14 نشر موسوعة السيرة النبوية في الكتابات الغربية التي اقترح المركز العلمي للتعريف بالرسول صلى الله عليه وسلم ونصرته إصدارها، متضمنة أعمال الندوات الدولية التي نظمتها مجموعة البحث في مجال التعريف بالرسول عليه السلام وتصحيح صورته في المتخيل الغربي.