الملك يبعث برقية تهنئة إلى عاهل الأردن    مهنيو الصحة يواصلون الإضرابات ويلوحون باللجوء لمقاطعة واسعة في حال استمرار التجاهل الحكومي    فيدرالية اليسار تقود ائتلافا لدعم "حراك فكيك"    الدرهم شبه مستقر مقابل الأورو    "صحة غزة": ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 37 ألفا و84 منذ 7 أكتوبر    اليوم الأخير من انتخابات الاتحاد الاوروبي مع توقع صعود اليمين المتطرف    مزراوي مرشح لمغادرة نادي بايرن ميونيخ        لاعبو الكونغو يرفضون السفر إلى المغرب بعد رفض الاتحاد دفع تكاليف الإياب    توقعات أحوال الطقس غدا الاثنين    وزارة الحج والعمرة السعودية: إلغاء تصاريح بعض حجاج الداخل لعدم تلقي اللقاحات    جازابلانكا.. حفل اختتام رائع للدورة 17 يمزج بين إيقاعات الكناوي وموسيقى الفوزين    أعمال كبار الفنانين المغاربة تزين أروقة متحف الفن الحديث المرموق في باريس    المقالع بالمغرب تتعرض للاستغلال المفرط و تعاني من ممارسات الغش وعدم التصريح الكامل بالمداخيل ( المجلس الاقتصادي والاجتماعي)    الدفاع‮ ‬والصحراء والتبادل التجاري: ‬البرازيل في‮ ‬استراتيجية المغرب الدولية... ‬والعكس‮!‬    تطوير مدرسة Suptech Santé.. مؤسسة البحث والتطوير والابتكار في العلوم والهندسة تتجاوز عتبة مهمة بين سنتي 2023 و2024 ( أزولاي)    تواصل ارتفاع أسعارها يصعب على المغاربة اقتناء أضاحي العيد..    انطلاق بيع تذاكر مباراة المغرب والكونغو    هكذا عرفت الصين.. محمد خليل يروي قصة الفرق بين الصين في الثمانينيات واليوم    المغرب يسجل حالة وفاة جديدة بفيروس كورونا    آلية الترافع وأدوار المجتمع المدني محور ندوة فكرية بالرباط    تسجيل حالة وفاة جديدة ب"كورونا" في المغرب    جمعية سلا تُحرز كأس العرش لكرة السلة    مهرجان صفرو يستعرض موكب ملكة حب الملوك    هذه تفاصيل أطروحة جامعية لفقيد فلسطيني خطفه الموت قبل مناقشة بحثه    البلجيكيون يتوجهون إلى صناديق الاقتراع برسم الانتخابات التشريعية الجهوية والأوروبية    استطلاع رأي.. أزمة تدبير الغذاء تعصف بثلثي المغاربة    بليونش .. جنة ساحرة تجاور سبتة المحتلة وتشهد على مغربيتها منذ الأزل    الفرقة الوطنية للشرطة القضائية تحقق في تهريب أموال بتراخيص صرف مزورة    استطلاع.. تراجع في تأييد المغاربة للتطبيع مع إسرائيل    كولومبيا توقف بيع الفحم لإسرائيل بسبب الحرب في غزة    انطلاق المرحلة الأخيرة لطواف المغرب للدراجات من الرباط    بحضور أمزازي وأشنكلي .. النادي الملكي للتنس بأكادير ينظم، لأول مرة بأكادير، البطولة الدولية للتنس لفئة الشباب أقل من 18 سنة، بمشاركة 24 دولة.    زيارة "رجاوية" تتفقد نوري في أمستردام    تواصل المطالب بالإرجاع الفوري للأساتذة الموقوفين وزملاؤهم يحملون الشارة الحمراء ويلوحون بالتصعيد    عبد السلام بوطيب يكتب : في رثاء نفسي .. وداعا "ليلاه"    زينب قيوح تترأس أشغال لقاء تواصلي حول برنامج التنمية الجهوي 2022-2027 لجهة سوس ماسة    طلبة الطب والصيدلة مدعون إلى اقتراع وطني للحسم في وساطة حكومية تمهد لحل أزمتهم    تشوهات الأسنان لدى الأطفال .. أكثر من مجرد مشكلة جمالية    نقابة تدخل على خط منع مرور الشاحنات المغربية المحملة بالخضر إلى أوروبا    حقيقة وفاة سجين بالمستشفى الجامعي محمد السادس بمراكش..    هذه تدابير مهمة للحماية من هجمات القرصنة الإلكترونية    نتنياهو: لن نهدأ حتى نكمل المهمة ونعيد جميع الرهائن    العلامة التجارية الرائعة في تسويق السيارات المستعملة Auto 24 تفتتح فرعا لها بمدينة الجديدة    إعفاء مفاجئ لمدير ديوان الوالي أمزازي    رحلات أبولو: من هم رواد الفضاء الذين مشوا على سطح القمر ولا يزالوا على قيد الحياة؟    ندوة بالناظور تدرس ميزانيات الجماعات    هؤلاء أهم النجوم الذين يُتوقع اعتزالهم بعد يورو 2024    ماذا يحدث لجسم الإنسان حال الإفراط في تناول الكافيين؟    موسم الحج 1445: السلطات السعودية اتخذت جميع التدابير لضمان سلامة وأمن ضيوف الرحمان    وزارة الصحة تعلن حالة وفاة ب"كوفيد"    الحج 2024: خمسة آلاف طبيب يقدمون الرعاية الصحية للحجاج عبر 183 منشأة        مطالب بصرف الدعم الاجتماعي قبل عيد الأضحى    الأشعري في قصص "الخميس".. كاتب حاذق وماهر في صنع الألاعيب السردية    الأمثال العامية بتطوان... (619)    فيتامين لا    "غياب الشعور العقدي وآثاره على سلامة الإرادة الإنسانية"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صمت عربي يصم الآذان
نشر في التجديد يوم 05 - 08 - 2014

"لم أر أبدا وضعا كهذا، حيث توجد دول عربية كثيرة مذعنة للموت والدمار في غزة ... إن الصمت (العربي) يصم الآذان"! ذلك هو ما اقتبسته النيويورك تايمز يوم الخميس الماضي من أقوال ديفيد ميللر الباحث في مركز ويلسون بواشنطن العاصمة، كما اقتبست من زميله في معهد بروكينغز خالد الجندي تعليقه على ذلك بالقول: "من الواضح وجود التقاء مصالح لهذه الأنظمة المختلفة مع إسرائيل".
فبينما أنظار العالم مركزة على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وما وصفه الرئيس الفلسطيني محمود عباس ب"الإبادة" التي ترتكبها دولة الاحتلال الإسرائيلي ضد المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة، ما دفع جنودا إسرائيليين إلى رفض الخدمة في جيش الاحتلال ودفع بعضا آخر إلى التظاهر احتجاجا ودفع أكاديميين منهم إلى إدانة العدوان بل ودفع أحدهم إلى التخلي عن جنسيته الإسرائيلية، ودفع قارة بكاملها تقريبا في أميركا الجنوبية والوسطى إلى مقاطعة دولة الاحتلال بهذا الشكل أو ذاك، كانت جامعة الدول العربية تتهرب من مسؤولياتها بالهروب، لرفع العتب الفلسطيني والقومي، إلى مجلس الأمن الدولي وهي تعرف بأن أبوابه موصدة ب"الفيتو" الأميركي.
وكان شيوخ الأزهر الشريف في القاهرة منشغلين بجدل حامي الوطيس حول "عذاب القبر ونعيمه"، وكانت ما تسمى "الدولة الإسلامية" في العراق وسوريا تدوس العلم الفلسطيني بالأقدام بحجة أن لا راية ترفع غير راية "لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله"، بينما شلت ألسنة شيوخ الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين التي كانت وما زالت من دون أي كابح في إصدار فتاوى "الجهاد" في كل مكان إلا في فلسطين.
وعندما أعلنت وسائل الإعلام السعودية أمس الجمعة عن كلمة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله انشدت الأنظار العربية، وبخاصة الفلسطينية، إلى ما وصفه الملك ب"مهبط الوحي ومهد الرسالة المحمدية" آملة أن يصدر منه ما يفرج الكرب ويشفي الغليل، لتفاجأ خائبة الأمل بأن خلاصة الرسالة التي وجهها إلى "أمتنا العربية والإسلامية" و"قادة وعلماء الأمة الإسلامية" إنما تعلن فقط بأن الأولوية هي للحرب الأميركية على "الإرهاب" وليست لمقاومة الاحتلال ودولته، التي لفت نظر إعلامها عدم ورود أي ذكر لها في كلمته، لأن "أمتنا تمر اليوم بمرحلة تاريخية حرجة" سببها "الإرهاب" وليس دولة الاحتلال، ولذلك فإنه حذر "الذين تخاذلوا أو يتخاذلون عن أداء مسؤولياتهم التاريخية ضد الإرهاب" ولم يحذر الذين تخاذلوا أو يتخاذلون الآن عن أداء مسؤولياتهم العربية والإسلامية التاريخية ضد الاحتلال ودولته في فلسطين!
وتشير كل الدلائل إلى أن هذا موقف استراتيجي اختياري للدول العربية "الصامتة" وليس موقفا ناجما عن عجزها، فهذه الدول التي تتمتع بإمكانيات مالية هائلة سخرتها في خدمة الاستراتيجية الأميركية الإقليمية ل"تغيير الأنظمة" في الدول الشقيقة والمجاورة الداعمة لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي لا يمكنها أن تقنع مواطنا واحدا من مواطنيها بعجزها عن ايجاد الوسائل المناسبة لدى "المجتمع الدولي" للضغط على دولة الاحتلال لوقف عدوانها على قطاع غزة ولمحاسبتها على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها فيه، أو للضغط على "شريكها" الإسرائيلي في معسكر "الإعتدال" الإقليمي، أو لإقناع شريكيها المصري والأردني كي يحذوا حذو الدول الصديقة في أميركا اللاتينية في ردود أفعالها على العدوان، أو كأضعف الايمان لاقناعهما بالاقتداء بموقف العاهل الأردني الراحل الملك حسين عندما حاولت دولة الاحتلال اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل في عاصمته.
غير أن وصف موقف هذه الدول العربية ب"الصمت" فيه تضليل إعلامي كبير يغطي على حقيقة موقفها الذي يلتقي استراتيجيا مع دولة الاحتلال في السعي إلى نزع سلاح المقاومة الفلسطينية لأنه يحرجها أمام شعوبها ويهدد ب"توريطها" عسكريا مع دولة الاحتلال ويمثل تهديدا دائما لتنصلها من تحمل مسؤولياتها القومية تجاه فلسطين وشعبها وقضيته العادلة ويحرفها عن استراتيجية حربها المعلنة على قوى المقاومة العربية للاحتلال الإسرائيلي وعلى سوريا وإيران الداعمة لهذه المقاومة.
أليست هذه الدول "الصامتة" على العدوان المستمر على غزة هي ذاتها التي أيدت قرارات مجلس الأمن الدولي رقم 1559 لسنة 2004 وقراري المجلس رقم 1680 ورقم 1701 في سنة 2006 بنزع سلاح المقاومة اللبنانية وهي ذاتها التي ما زالت تسعى جاهدة لتطبيق هذه القرارات؟!
وهذه الدول العربية ذاتها سوف تؤيد على الأرجح مسعى حكومة دولة الاحتلال لاستصدار قرار من مجلس الأمن الدولي بنزع سلاح المقاومة في القطاع ضمن مشروع قرار لوقف إطلاق النار، كما سربت وسائل إعلامها يوم الأربعاء الماضي، ف"لم يعد يوجد عالم عربي معادي لإسرائيل" كما قال شمعون بيريز الرئيس السابق لدولة الاحتلال يوم الخميس الماضي.
وعلى ذمة هآرتس العبرية أمس الأول، يتضمن مشروع القرار الذي تسعى دولة الاحتلال إليه في مجلس الأمن الدولي النص على "إعادة السلطة الفلسطينية" إلى القطاع، متجاهلا أن المصالحة الفلسطينية قد أعادت حكومة الوفاق الوطني للسلطة إلى القطاع وأن العدوان الحالي المتواصل يمثل أهم عقبة في طريق عودتها إليه وأن أحد الأهداف الإسرائيلية المعلنة للعدوان هو "حل" هذه الحكومة.
إن تذرع هذه الدول بعدم دعم المقاومة مرة بحجة علاقة قيادتها سابقا بالاتحاد السوفياتي "الشيوعي"، كما الآن بحجة علاقة بعض فصائلها بإيران "الشيعية"، ومرة ثانية بحجة "ماركسية" أو "علمانية" بعض فصائلها الأخرى، وثالثة بحجة علاقاتها "القومية" مع مصر عبد الناصر أو سوريا وعراق البعث، ورابعة بحجة أن المقاومة "غير إسلامية"، وخامسة لأنها "إسلامية" على طريقة الإخوان المسلمين وليس على طريقتها، إلخ.، إنما هو تذرع شبهه أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت شفيق الغبرا في الحياة اللندنية نهاية الشهر الماضي "كمن يقول إنه مع الجنوب إفريقيين في زمن النضال ضد العنصرية بشرط ألا يكون قادة المقاومة من الملونين، أو أنه يؤيد الفيتناميين في زمن النضال ضد الهيمنة والاحتلال الأميركي بشرط ألا يكون المتصدر للمواجهة من الشيوعيين"!
وهي اليوم تتذرع بأولوية محاربة الإرهاب الذي خلقته ونسقت تسليحه وتمويله وتسهيله مع راعيها الأميركي ضد الشيوعية والقومية العربية وحركات التحرر الوطني العربية والعالمية لتشهره الآن ضد المقاومة الفلسطينية واللبنانية وداعميها خشية أن يرتد عليها كما يتوقع معظم المحللين.
لقد أجمعت حركة التحرر الوطني الفلسطينية بكل فصائلها المفاوضة والمقاومة على حد سواء على تفهم هذه "الحساسيات" العربية، فحصرت المقاومة في الأراضي المحتلة، وتجنبت كل ما يمكن أن "يورط" هذه الدول في أي مواجهة مع دولة الاحتلال، وعضت على النواجذ كاظمة غيظها لتنصلها من مسؤولياتها القومية، وتعامت مقهورة عن محاولاتها الحثيثة لاستبدال دولة الاحتلال بإيران وسوريا كعدو قومي للأمة، وتغاضت عن تحولها من دور الظهير للشعب الفلسطيني إلى دور الوسيط بينه وبين الاحتلال، وأغمضت عيونها عن الدبلوماسية الإسرائيلية وهي تصول وتجول في عواصمها ضد النضال الوطني الفلسطيني بينما تطارد أجهزتها أي نشاط للمقاومة أو دعم لها في حدود "سياداتها" المتصالحة مع دولة الاحتلال والمرتهنة لراعيها الأميركي، وقبضت على الجمر وهي تحاول عدم زج الشعب الفلسطيني في سياسات المحاور العربية والإقليمية، وسايرت هذه الدول المتحالفة مع الولايات المتحدة في قبولها خصما وحكما ووسيطا في فلسطين المحتلة، إلخ.، لكن من دون طائل.
ومن الواضح أن سياسة عدم استعداء الحكومات العربية واسترضاء حكامها وعدم التدخل في شؤونها الداخلية قد فشلت حتى في تحييد مواقفها من المقاومة الفلسطينية، ناهيك عن فشلها في كسب ولو تأييدها "الإنساني" كحد أدنى في مفاصل تاريخية من النضال الوطني الفلسطيني، كما يحدث الآن في العدوان المتواصل على غزة.
ولا توجد أي مؤشرات تدعو للتفاؤل بأي تغيير في مواقفها في أي مستقبل منظور.
وكل ذلك يترك المقاومة الفلسطينية أمام خيار واحد وحيد للعودة إلى استراتيجية الرهان على الأمة بشعوبها التي تحتضن فلسطين وقضيتها وشعبها في عقولها ووجدانها كقضية قومية مركزية، بكل ما يعنيه ذلك من تجديد الالتحام الفلسطيني بحركة التحرر الوطني العربية من أجل الحرية والاستقلال والوحدة والتحرير، وما يعنيه من الانحياز إلى المحور العربي الذي يدعم المقاومة، ومن العودة إلى تفعيل دور اللاجئين الفلسطينيين في المنافي والشتات في النضال الوطني، بكل أشكاله، عبر الحدود مع الوطن المحتل وداخلها وخارجها، وما يعنيه ذلك من وضع الدول العربية "الصامتة" على المأساة الفلسطينية وجها لوجه أمام شعوبها ومسؤولياتها القومية.
فلم يعد هناك أي مسوغ للمقاومة الفلسطينية للحرص على عدم "توريطها" في المواجهة مع دولة الاحتلال طالما استمرت غير معنية أو متواطئة مع الاحتلال ودولته في استفراده بالشعب الفلسطيني.
يقول دوري غولد مستشار رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو إن الأخير لديه الآن "هدف استراتيجي واضح جدا" وهو تجريد المقاومة الفلسطينية من السلاح، وهذا هو الهدف المعلن للوساطة الأميركية في التوصل إلى وقف لإطلاق النار في قطاع غزة، وتشير كل الدلائل إلى أن هذا هو أيضا الهدف غير المعلن للدول العربية "الصامتة" على العدوان، فجميع هؤلاء يسعون إلى استنساخ وضع الضفة الغربية في القطاع بدلا من سحب الوضع المقاوم للاحتلال في القطاع إلى الضفة.
وفي هذه الحالة، فليذهبوا جميعا إلى جحيم المقاومة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.