تأجيل محاكمة الغلوسي في قضية رفعها برلماني من "الأحرار" مدان بتهم غسل أموال    نادية فتاح: انطلاق عمل اللجنة التقنية لإصلاح صناديق التقاعد شتنبر المقبل    حرب خفية على المنتجات المغربية داخل أوروبا.. والطماطم في قلب العاصفة    افتتاح موسم صيد الأخطبوط بعد فترة الراحة البيولوجية    الدرك الملكي يجهض عملية تهريب ضخمة ويصادر طنين ونصف من الشيرا    كتاب ضبط وشرطي ومستشار جماعي في قبضة التحقيق بسبب شبكة سمسرة قضائية    "البيجيدي": تهديدات أخنوش ضد تيكوكين غير مسؤولة وتمس بمبدأ استقلالية الجماعات الترابية    "أنا غني".. سجال هاشم يستعد لإشعال صيف 2025 بأغنية جديدة    دراسة: الذكاء الاصطناعي يحول تخطيط القلب العادي إلى أداة فعالة لاكتشاف عيوب القلب الهيكلية        طبيبة شابة تُغدر وتُدفن في ظروف غامضة بإقليم تازة والزوج في قفص الاتهام    لوفيغارو الفرنسية: المغرب وجهة مثالية لقضاء عطلة صيفية جيدة    الهلال يتوصل إلى اتفاق مع ياسين بونو لتمديد عقده        لبؤات الأطلس على المحك..في لقاء حاسم أمام مالي لحجز بطاقة التأهل إلى المربع الذهبي    بلاغ صحفي تمديد استثنائي لآجال التصريح والأداء عبر بوابة "ضمانكم" برسم شهر يونيو 2025    مجلس النواب ينتظر صدور قرار المحكمة الدستورية بشأن دستورية قانون المسطرة المدنية        بورصة البيضاء .. أداء سلبي في تداولات الافتتاح    ميناء الداخلة الأطلسي، ورش ملكي في خدمة الربط بين القارات    جيش الاحتلال الصهيوني يواصل مجازره ضد الفلسطينيين الأبرياء    افتتاح بهيج للمهرجان الوطني للعيطة في دورته ال23 بأسفي تحت الرعاية الملكية السامية        افتتاح مركز الطب التقليدي الصيني بالمحمدية.. سفارة الصين بالمغرب تعزز التعاون الصحي بين الرباط وبكين    رحيل أحمد فرس.. رئيس "فيفا" يحتفي بالمسيرة الاستثنائية لأسطورة كرة القدم الإفريقية    بعد تشخيص إصابة ترامب بالمرض.. ماذا نعرف عن القصور الوريدي المزمن    توقعات أحوال الطقس لليوم الجمعة    مزور: الطاقات المتجددة مفتاح تحول الصناعة بالمغرب    مغني الراب سنوب دوغ يدخل عالم الاستثمار الكروي عبر بوابة سوانسي سيتي الانجليزي    الرابطة المغربية تنظم لقاء دوليا بمالقا لمواجهة تصاعد خطابات الكراهية ضد المهاجرين    "مهرجان الراي للشرق" بوجدة يعود بثوب متجدد وأصوات لامعة    محمد أبرشان كاتبا إقليميا للحزب بالناظور، وسليمان أزواغ رئيسا للمجلس الإقليمي    البيت الأبيض يعلن إصابة ترامب بمرض مزمن    الأمم المتحدة تطلب فتح تحقيق "سريع" في أعمال العنف بجنوب سوريا ومحاسبة المتورطين    الجنائية الدولية تؤكد القبض على ليبي في ألمانيا لاتهامه بجرائم حرب    المغرب يزداد جفافا.. خبير بيئي يدعو لاستراتيجية تكيف عاجلة    البنك الدولي: 64% من المغاربة تعرضوا لكوارث طبيعية خلال السنوات الثلاث الماضية    سانشيز: "الهجرة تساهم بشكل إيجابي في الاقتصاد الإسباني"    فرحات مهني يُتوَّج في حفل دولي مرموق بباريس    بطولة إيطاليا: انتر يسعى لضم النيجيري لوكمان من أتالانتا    ميتا تخطط لتطوير ذكاء اصطناعي يتجاوز قدرات العقل البشري    احتفاء بالراحل بن عيسى في الإسكندرية بمناسبة اختياره شخصية الدورة العشرين للمعرض الدولي للكتاب    الكونفدرالية تُشدد على حماية مكتسبات المتقاعدين وتُحذر الحكومة من قرارات أحادية في ملف التقاعد    البيت الأبيض يعلن إصابة ترامب بمرض مزمن    سقوط شخص من الطابق الرابع لمنزل سكني بطنجة    تسريب بيانات أفغانية يكشف هويات جواسيس ونخبة من القوات البريطانية    وزير الثقافة يعزي في وفاة الفنانين الأمازيغيين صالح الباشا وبناصر أوخويا    "حزب الكتاب" يدافع عن آيت بوكماز    وداعا أحمد فرس    موقع "الأول" يتوج بجائزة الصحافة البرلمانية لسنة 2025    دراسة تكشف العلاقة العصبية بين النوم وطنين الأذن    تهنئة : سكينة القريشي تحصل على شهادة الدكتوراه في الإقتصاد والتدبير بميزة مشرف جدا    زمن النص القرآني والخطاب النبوي    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



استقلالية النيابة العامة.. ليس بعد
نشر في التجديد يوم 06 - 03 - 2015

استعاد النقاش حول استقلالية النيابة العامة في قطاع العدل زخمه هذه الأيام، وتحول من الملتقيات في الفضاء العمومي إلى قبة البرلمان في لجنة العدل والتشريع. و لم يتخلص خطاب المطالبين بتلك الاستقلالية من علله الكبيرة التي نجد أنها إما غارقة في نوع من "الطوباوية" التي تقارب مسألة الاستقلالية من مبادئ مهمة في العدالة لكن بدون رؤية تستحضر شروط تطبيق نماذج مستلهمة من تجربة الدول الديمقراطية في الغرب لا تتوفر بعد شروط مقاربتها في المغرب. و إما تنتمي إلى معارضة ميكانيكية ترفع شعار انتزاع ما يمكن انتزاعه من الصلاحيات من الحكومة إما في سبيل إضعافها أو لمزيد من التمكين للسلطوية التي تسعى باستمرار لتوسيع دائرة تحكمها و مجالاته.
وإذا تخلصنا من ضغط بريق مصطلح " الاستقلالية" ونظرنا إلى دلالات "استقلالية النيابة العامة" في ظل فشل تجربة الاستقلالية في المغرب وما ينطوي عليه "تحرير" النيابة العامة من وصاية الحكومة المنتخبة والتي يمكن ممارسة الرقابة عليها في البرلمان، لتتحول، على غرار الإعلام و القضاء بشكل نسبي، إلى محمية للتحكم السلطوي وممارسة المعارضة الهدامة، فسندرك أننا بالمطالبة باستقلالية النيابة العامة اليوم في بيئة بعيدة كل البعد عن قيم الاستقلالية المواطنة، نكون بصدد المغامرة بإحدى أكثر وظائف العدل حساسية في تأمين الحريات الأساسية و حماية الحق العام.
وبالرجوع إلى تجربة الاستقلالية في الإعلام، نجد أن الإعلام المفروض فيه أن يعبر عن البعد العمومي بناء على استقلاليته، قد تحول عمليا إلى محمية بيد السلطوية والتحكم، فبالإضافة إلى أن ذلك الإعلام موجه ومنحاز اجتماعيا وسياسيا، فهو لا يعبر عن التعدد الذي في المجتمع. وأصبحت "الاستقلالية" مجرد غطاء لتبرير نزوعات سياسوية وانزلاقات مهنية، ونجد أنفسنا في ظل مفارقة غريبة يكون فيها الوزير الوصي مسؤولا أمام البرلمان عن قطاع لا يملك ممارسة ما ينبغي أن يكون له من صلاحيات تتماشى مع المسؤولية السياسية أمام المنتخبين وأمام المؤسسات التشريعية التي تمارس الرقابة.
بل لو نظرنا إلى الاستقلالية في القضاء لأدركنا ماذا يعني ذلك المفهوم في ظل هشاشة الحس المواطني والبعد الأخلاقي، فالتجربة أبانت أن المسألة لا تتعلق باستقلالية القضاء ولكن بمدى قدرة القاضي واستعداه ليكون مستقلا. ويتابع الرأي العام الوطني ملفات فساد تكشف ماذا تعني الاستقلالية في القضاء في ظل تلك الهشاشة، وماذا تعني تبعية النيابة العامة لوزير منتخب يساءل أمام البرلمان. فالكل تابع تطورات ملفات ما اصطلح عليه "مافيا العقار" بالدار البيضاء، وكيف أن أملاكا، فيلات وشقق في عمارات وأراضي، انتزعت من مواطنين بتزوير ممنهج تورط فيه قضاة وسماسرة ولوبيات عقار وموظفون. وأصبح الملاك الأصليون مشردين يعيشون في الأكواخ قرب مساكنهم بعد أن تم إفراغهم منها بقوة القانون المستندة على تزوير، وقد مرت قضاياهم بكل مراحل التقاضي، ولم تشفع لهم احتجاجاتهم ولا تضامن المجتمع المدني معهم ولا المعالجات الصحافية المثيرة لقضاياهم. وضمن هذا الملف "فيلا" انتزعت من مالكتها لتصبح في ملكية أم أحد القضاة! والمهم في هذا الملف هو كيف تمت إعادة فتح التحقيق فيه، واستعادة دوي الحقوق لحقوقهم، ما أدى بإحدى المواطنات التي استعادت "فلتها" بعد أن انتزعتها منها مافيا العقار بالأحكام القضائية في معركة استمرت ثماني سنوات إلى القول في تصريح ل"التجديد": "اليوم أحس لأول مرة أننا أمام دولة الحق والقانون". إن الآلية التي سمحت بإعادة فتح التحقيق تبدأ بدور البرلماني كمؤسسة دستورية لجأ إليها المواطنون المتضررون، ثم بممارسة ذلك البرلماني لواجبه الرقابي بالتقدم بملتمس إلى وزير العدل، ثم بتحرك وزير العدل، و بأمر منه تحركت النيابة العامة. هذه الآلية التي يبينها هذا المثال، وفي ظل المضامين غير المسؤولة وغير الوطنية لمفهوم الاستقلالية، ستموت. في ظل استقلالية النيابة العامة لا تملك المؤسسة التشريعية أي دور رقابي فعال على عمل النيابة العامة، و لا يملك الوزير المحاسب أمام ناخبيه وأمام حزبه وأمام حكومته وأمام ممثلي الأمة أي دور. وهناك أمثلة كثيرة معروفة اشتغلت فيها هذه الآلية أو شبيهة بها أدت إلى إسقاط فساد.
إن استقلالية النيابة العامة في ظل توجه نكوصي، تؤكده عدة مؤشرات في مجال الحريات العامة بالخصوص، نحو استرجاع التحكم والسلطوية لمواقعها، يعني أن نبشر المجتمع الحقوقي بالخصوص، الذي يعاني من تضييق متزايد، بخراب بيته في ظل نيابة عامة من الراجح أن تسقط في يد السلطوية و تحت سلطة التحكم ولوبياته.
إن تبعية النيابة العامة لمسؤولية وزير في حكومة منتخبة يساءل على أكثر من مستوى، هو الضمانة الأكثر فعالية اليوم لاستمرار قيام النيابة العامة بمهامها الدستورية والوطنية في حماية الحق العام، ولمقاومة نزوعات السلطوية ولوبيات الفساد لتوظيف النيابة العامة في أجندتها. إن وضع العدالة تحت رحمة الاستقلالية المزدوجة للقضاء والنيابة العامة في ظل التهديد المستمر برجوع التحكم بالسلطوية والفساد، وفي ظل هشاشة قيم المواطنة و العدالة المستقلة كما هي متعارف عليها في الدول الديمقراطية، لا يعني سوى الإسراع بخراب كل البناء الديمقراطي والحقوقي الرائع الذي شيده المغاربة جميعا.
إن مبدأ الاستقلالية في حد ذاته مبدأ يعكس درجة من النضج على مستوى الأشخاص كما على مستوى المؤسسات، غير أن التجربة في مسمى الإعلام العمومي وفي القضاء تؤكد أن استقلالية النيابة العامة لن تخدم اليوم إلا التحكم والسلطوية، وقد تنتج اختلالات كبيرة تهدد كل المكتسبات الحقوقية والديمقراطية والدستورية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.