"العدالة والتنمية" يرفع مقترحاته لتحديث مبادرة الحكم الذاتي للصحراء    وزارة التربية الوطنية تحدد المناطق النائية ... و"اللجنة" تواصل دراسة التقليص    بورصة البيضاء تنهي التداولات بارتفاع    قائمة المنتخب المشاركة في كأس العرب    الداخلة: المركز الدولي للأبحاث حول الوقاية من تجنيد الأطفال يوقع أربع مذكرات تفاهم مع مؤسسات إفريقية لمكافحة تجنيد الأطفال    النفط يواصل التراجع نتيجة ارتفاع الدولار    توظيف مالي مهم من فائض الخزينة    شبهة انتقام وتدخل في القضاء... مطالب برلمانية بفتح تحقيق بعد تسريبات المهداوي    الحسيمة.. فتح تحقيق أمني بعد سماع دوي طلق ناري في بني بوعياش    ولد الرشيد: اجتماع العيون يرسّخ الشراكة الإفريقية ويجعل التقييم رافعة للتنمية المستدامة        يونيسف تحصي مقتل طفلين فلسطينيين على الأقل يوميا في غزة منذ وقف إطلاق النار    الاتحاد الأوروبي يصفع دعاة الانفصال ويجدد عدم الاعتراف بالكيان الوهمي    الفريق الاشتراكي: التقطيع الانتخابي يحتاج مراجعة جذرية ودعم الأحزاب ضرورة للديمقراطية وليس امتيازاً    صاحبة الجلالة أم "صاحبة جلال"    المنتخب المغربي للسيدات داخل القاعة ينهزم أمام نظيره الأرجنتيني    صحف إسبانية .. المغرب يؤكد مكانته على قمة كرة القدم العالمية    حظر جمع وتسويق الصدفيات بتارغة-الشماعلة وجنان النيش-أمتار الغرب    وفاة رضيع في الطرامواي تولد في العراء الطبي بسلا تهز الرأي العام    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت        مندوبية بنموسى.. معدلات التضخم تواصل منحاها التراجعي    الاتحاد العام للفلاحين يتدارس ملف إعادة تشكيل القطيع الوطني    المطر يُعرّي أخطاء البشر !    من 28 نقطة… النص الحرفي لخطة ترامب لوقف الحرب في أوكرانيا    بعد الهدنة في لبنان.. حصيلة دموية ثقيلة إثر استهدافات الإسرائيلية    حكيمي وبن صغير في القوائم النهائية لجوائز "غلوب سوكر"    لوحة بورتريه لفريدا كاهلو تصبح أغلى عمل فني من إنجاز امرأة    اختتام مهرجان سينما الذاكرة المشتركة بالناظور وتتويج أبرز الأعمال    القوة الجوية المغربية تقتني 10 مروحيات "إتش 225 إم" من إيرباص    "الأول يكشف تفاصيل استنطاق "بوز فلو".. الرابور أمام القضاء بسبب اتهامات مرتبطة بمضامين أغانيه    أمل موكادور لكرة القدم الشاطئية بطلا للمغرب لسنة 2025    تتويج سفير المغرب لدى الأرجنتين ضمن "قادة التحول في أمريكا اللاتينية"    مهرجان الدوحة السينمائي 2025 يفتتح فعالياته معززاً مكانة قطر في المشهد السينمائي العالمي    مراكش: استئناف هدم مساكن العسكريين وقدماء المحاربين... وتعويضات تشمل بقعاً أرضية ومساعدات للبناء    اعتداء خطير بمستعجلات مستشفى بني ملال يخرج النقابة الوطنية للصحة للاحتجاج والتصعيد    كيوسك الجمعة | المنظومة المؤطرة للانتخابات تهدف إلى تخليق العملية الانتخابية والسياسية    مدرب مارسيليا: أكرد لاعب لا يعوض.. وعلينا التأقلم مع غيابه    خطف 52 تلميذا من مدرسة بنيجيريا    المغرب يرتقي إلى المرتبة السادسة عالميا في مؤشر الأداء المناخي 2026    سيراليون تجدد دعمها للوحدة الترابية للمغرب وتعبر عن ارتياح بالغ باعتماد القرار التاريخي 2797    المغربي إدريس علواني يحصد الميدالية البرونزية في بطولة إفريقيا للدراجات    وسام حمادة والدة "هند رجب" في افتتاح الدوحة السينمائي:    أجهزة قياس السكري المستمر بين الحياة والألم    زلزال بقوة 5,5 درجات يضرب بنغلادش    المكسيكية فاطمة بوش تتوَّج ملكة جمال الكون بعد جدل واسع    اليوم.. فتيان الأطلس يواجهون البرازيل بأمل المرور إلى نصف نهائي المونديال    إصدار جديد من سلسلة تراث فجيج    أجهزة قياس السكر المستمر بين الحياة والألم: نداء أسر الأطفال السكريين لإدماجها في التغطية الصحية    جمعية "السرطان... كلنا معنيون" بتطوان تشارك في مؤتمر عالمي للتحالف الدولي للرعاية الشخصية للسرطان PCCA    الفنان المغربي إِلياه والنجم المصري محمد رمضان يجتمعان في أغنية جديدة    في الحاجة إلى فلسفة "لا"    معمار النص... نص المعمار    الوصايا العشر في سورة الأنعام: قراءة فقهيّة تأمليّة في ضوء منهج القرآن التحويلي    ارتفاع معدلات الإصابة بارتفاع ضغط الدم لدى الأطفال والمراهقين بواقع الضعف خلال العقدين الماضيين    أطباء يوصون بتقليل "شد الجلد" بعد الجراحة    المسلم والإسلامي..    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



استقلالية النيابة العامة.. ليس بعد
نشر في التجديد يوم 06 - 03 - 2015

استعاد النقاش حول استقلالية النيابة العامة في قطاع العدل زخمه هذه الأيام، وتحول من الملتقيات في الفضاء العمومي إلى قبة البرلمان في لجنة العدل والتشريع. و لم يتخلص خطاب المطالبين بتلك الاستقلالية من علله الكبيرة التي نجد أنها إما غارقة في نوع من "الطوباوية" التي تقارب مسألة الاستقلالية من مبادئ مهمة في العدالة لكن بدون رؤية تستحضر شروط تطبيق نماذج مستلهمة من تجربة الدول الديمقراطية في الغرب لا تتوفر بعد شروط مقاربتها في المغرب. و إما تنتمي إلى معارضة ميكانيكية ترفع شعار انتزاع ما يمكن انتزاعه من الصلاحيات من الحكومة إما في سبيل إضعافها أو لمزيد من التمكين للسلطوية التي تسعى باستمرار لتوسيع دائرة تحكمها و مجالاته.
وإذا تخلصنا من ضغط بريق مصطلح " الاستقلالية" ونظرنا إلى دلالات "استقلالية النيابة العامة" في ظل فشل تجربة الاستقلالية في المغرب وما ينطوي عليه "تحرير" النيابة العامة من وصاية الحكومة المنتخبة والتي يمكن ممارسة الرقابة عليها في البرلمان، لتتحول، على غرار الإعلام و القضاء بشكل نسبي، إلى محمية للتحكم السلطوي وممارسة المعارضة الهدامة، فسندرك أننا بالمطالبة باستقلالية النيابة العامة اليوم في بيئة بعيدة كل البعد عن قيم الاستقلالية المواطنة، نكون بصدد المغامرة بإحدى أكثر وظائف العدل حساسية في تأمين الحريات الأساسية و حماية الحق العام.
وبالرجوع إلى تجربة الاستقلالية في الإعلام، نجد أن الإعلام المفروض فيه أن يعبر عن البعد العمومي بناء على استقلاليته، قد تحول عمليا إلى محمية بيد السلطوية والتحكم، فبالإضافة إلى أن ذلك الإعلام موجه ومنحاز اجتماعيا وسياسيا، فهو لا يعبر عن التعدد الذي في المجتمع. وأصبحت "الاستقلالية" مجرد غطاء لتبرير نزوعات سياسوية وانزلاقات مهنية، ونجد أنفسنا في ظل مفارقة غريبة يكون فيها الوزير الوصي مسؤولا أمام البرلمان عن قطاع لا يملك ممارسة ما ينبغي أن يكون له من صلاحيات تتماشى مع المسؤولية السياسية أمام المنتخبين وأمام المؤسسات التشريعية التي تمارس الرقابة.
بل لو نظرنا إلى الاستقلالية في القضاء لأدركنا ماذا يعني ذلك المفهوم في ظل هشاشة الحس المواطني والبعد الأخلاقي، فالتجربة أبانت أن المسألة لا تتعلق باستقلالية القضاء ولكن بمدى قدرة القاضي واستعداه ليكون مستقلا. ويتابع الرأي العام الوطني ملفات فساد تكشف ماذا تعني الاستقلالية في القضاء في ظل تلك الهشاشة، وماذا تعني تبعية النيابة العامة لوزير منتخب يساءل أمام البرلمان. فالكل تابع تطورات ملفات ما اصطلح عليه "مافيا العقار" بالدار البيضاء، وكيف أن أملاكا، فيلات وشقق في عمارات وأراضي، انتزعت من مواطنين بتزوير ممنهج تورط فيه قضاة وسماسرة ولوبيات عقار وموظفون. وأصبح الملاك الأصليون مشردين يعيشون في الأكواخ قرب مساكنهم بعد أن تم إفراغهم منها بقوة القانون المستندة على تزوير، وقد مرت قضاياهم بكل مراحل التقاضي، ولم تشفع لهم احتجاجاتهم ولا تضامن المجتمع المدني معهم ولا المعالجات الصحافية المثيرة لقضاياهم. وضمن هذا الملف "فيلا" انتزعت من مالكتها لتصبح في ملكية أم أحد القضاة! والمهم في هذا الملف هو كيف تمت إعادة فتح التحقيق فيه، واستعادة دوي الحقوق لحقوقهم، ما أدى بإحدى المواطنات التي استعادت "فلتها" بعد أن انتزعتها منها مافيا العقار بالأحكام القضائية في معركة استمرت ثماني سنوات إلى القول في تصريح ل"التجديد": "اليوم أحس لأول مرة أننا أمام دولة الحق والقانون". إن الآلية التي سمحت بإعادة فتح التحقيق تبدأ بدور البرلماني كمؤسسة دستورية لجأ إليها المواطنون المتضررون، ثم بممارسة ذلك البرلماني لواجبه الرقابي بالتقدم بملتمس إلى وزير العدل، ثم بتحرك وزير العدل، و بأمر منه تحركت النيابة العامة. هذه الآلية التي يبينها هذا المثال، وفي ظل المضامين غير المسؤولة وغير الوطنية لمفهوم الاستقلالية، ستموت. في ظل استقلالية النيابة العامة لا تملك المؤسسة التشريعية أي دور رقابي فعال على عمل النيابة العامة، و لا يملك الوزير المحاسب أمام ناخبيه وأمام حزبه وأمام حكومته وأمام ممثلي الأمة أي دور. وهناك أمثلة كثيرة معروفة اشتغلت فيها هذه الآلية أو شبيهة بها أدت إلى إسقاط فساد.
إن استقلالية النيابة العامة في ظل توجه نكوصي، تؤكده عدة مؤشرات في مجال الحريات العامة بالخصوص، نحو استرجاع التحكم والسلطوية لمواقعها، يعني أن نبشر المجتمع الحقوقي بالخصوص، الذي يعاني من تضييق متزايد، بخراب بيته في ظل نيابة عامة من الراجح أن تسقط في يد السلطوية و تحت سلطة التحكم ولوبياته.
إن تبعية النيابة العامة لمسؤولية وزير في حكومة منتخبة يساءل على أكثر من مستوى، هو الضمانة الأكثر فعالية اليوم لاستمرار قيام النيابة العامة بمهامها الدستورية والوطنية في حماية الحق العام، ولمقاومة نزوعات السلطوية ولوبيات الفساد لتوظيف النيابة العامة في أجندتها. إن وضع العدالة تحت رحمة الاستقلالية المزدوجة للقضاء والنيابة العامة في ظل التهديد المستمر برجوع التحكم بالسلطوية والفساد، وفي ظل هشاشة قيم المواطنة و العدالة المستقلة كما هي متعارف عليها في الدول الديمقراطية، لا يعني سوى الإسراع بخراب كل البناء الديمقراطي والحقوقي الرائع الذي شيده المغاربة جميعا.
إن مبدأ الاستقلالية في حد ذاته مبدأ يعكس درجة من النضج على مستوى الأشخاص كما على مستوى المؤسسات، غير أن التجربة في مسمى الإعلام العمومي وفي القضاء تؤكد أن استقلالية النيابة العامة لن تخدم اليوم إلا التحكم والسلطوية، وقد تنتج اختلالات كبيرة تهدد كل المكتسبات الحقوقية والديمقراطية والدستورية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.