مشروع إعادة هيكلة "المجلس الوطني للصحافة" يثير جدلا تحت قبة البرلمان    فريدريك إنسيل .. بقيادة جلالة الملك المغرب يشهد دينامية تنموية مبهرة    نشرة إنذارية: موجة حر وزخات رعدية مصحوبة بتساقط البرد وبهبات رياح من الثلاثاء إلى الجمعة    مندوبية التخطيط: عجز تجاري نسبته 19,8 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي متوقع خلال سنة 2025    بورصة البيضاء تبدأ التداولات بتراجع    فيضانات تجتاح نيويورك ونيوجيرزي جراء أمطار غزيرة    التحريض ضد مغاربة مورسيا يجر زعيم "فوكس" إلى المساءلة القضائية    وفاة أكبر عداء ماراثون في العالم عن عمر يناهز 114 عاما    المغرب نموذج للتحديث المؤسساتي والتنمية الاقتصادية (ثاباتيرو)    حكيمي يختتم الموسم بتدوينة مؤثرة    قادمة من الشمال.. حجز 36 ألف قرص طبي مخدر من نوع "ريفوتريل" بمدخل مراكش    تقارير أرجنتينية.. المغرب وقطر والبرازيل في سباق محتدم لتنظيم كأس العالم للأندية 2029    موجة حرّ شديدة وأجواء غير مستقرة بعدد من مناطق المملكة    اتفاقية ‬الصيد ‬بين ‬المغرب ‬وروسيا ‬أبعد ‬بكثير ‬من ‬أن ‬تكون ‬مجرد ‬تعاقد ‬اقتصادي    المنتخب المغربي يواجه مالي في ربع نهائي "كان" السيدات    رئيس ‬دولة ‬فلسطين ‬يعزي ‬في ‬وفاة ‬المناضل ‬محمد ‬بنجلون ‬الأندلسي    حالة غرق ثانية بسد المنع في أقل من شهر تستنفر السلطات    مؤسسة ‬المغرب ‬2030 ‬ومسؤولية ‬بناء ‬المشروع ‬الحضاري ‬الكبير    الرجاء يدخل في معسكر إعدادي بأكادير استعدادا للموسم الجديد    قارئ شفاه يكشف ما قاله لاعب تشيلسي عن ترامب أثناء التتويج    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء    في ‬تقرير ‬للمنظمة ‬الدولية ‬للهجرة:‬ المغرب ‬في ‬الرتبة ‬18 ‬عالميا ‬وتحويلات ‬المغاربة ‬تجاوزت ‬11 ‬مليار ‬دولار ‬    وفاة معتصم خزان المياه بأولاد يوسف بعد فشل محاولات إنقاذه بمستشفى بني ملال    فرانكو ماستانتونو: مكالمة ألونسو حفزتني.. ولا أهتم بالكرة الذهبية    "فيفا": الخسارة في نهائي مونديال الأندية لن يحول دون زيادة شعبية سان جيرمان    العيطة المرساوية تعود إلى الواجهة في مهرجان يحتفي بالذاكرة وينفتح على المستقبل    منتخبون عن إقليم الحسيمة يلتقون وزير الفلاحة للترافع حول توسيع المشاريع    إيرادات الجمارك المغربية تتجاوز 47,3 مليار درهم في النصف الأول من 2025    إسبانيا: توقيف عشرة أشخاص إثر اشتباكات بين متطرفين يمينيين ومهاجرين من شمال أفريقيا    كيوسك الثلاثاء | توجه جديد لتقنين استعمال الهواتف داخل المؤسسات التعليمية    الجيش السوري يدخل مدينة السويداء    الإفراط في النظر لشاشات الهواتف يضعف مهارات التعلم لدى الأطفال        المجلس الوطني لحقوق الإنسان يحتضن دورة تكوينية لفائدة وفد فلسطيني رفيع لتعزيز الترافع الحقوقي والدولي    الداخلة، "ملتقى طرق" يربط بين فضاء البحر المتوسط ومنطقة جنوب الصحراء (صحيفة كندية)            "OCP GREEN WATER" تطلق رسميا تشغيل خط أنابيب تحلية المياه بين الجرف الأصفر وخريبكة    فيدرالية اليسار الديمقراطي تنتقد الوضع العام وتطالب بإسقاط "التطبيع" وإطلاق سراح الزفزافي ورفاقه    بوريطة: الشراكة الأورو-متوسطية يجب أن تصبح تحالفا استراتيجيا حقيقيا    اليونسكو تُدرج "مقابر شيشيا" الإمبراطورية ضمن قائمة التراث العالمي... الصين تواصل ترسيخ إرثها الحضاري    الصين تواكب المغرب في إطلاق الجيل الخامس: فتح باب التراخيص يعزز الشراكة التكنولوجية بين الرباط وبكين    "مهرجان الشواطئ" لاتصالات المغرب يحتفي ب21 سنة من الموسيقى والتقارب الاجتماعي    دراسة علمية: السمنة تسرّع الشيخوخة البيولوجية لدى الشباب وتعرضهم لأمراض الكهولة في سن مبكرة        اللاّوعي بين الحياة النفسية والحرية    زمن النص القرآني والخطاب النبوي    الذّكرى 39 لرحيل خورخي لويس بورخيس    المحلي بوصفه أفقا للكوني في رواية خط الزناتي    لأول مرة.. دراسة تكشف تسلل البلاستيك إلى مبايض النساء    وفاة مؤثرة مغربية بعد مضاعفات جراحة في تركيا تشعل جدلا حول سلامة عمليات التخسيس    مهرجان ربيع أكدال الرياض يعود في دورته الثامنة عشرة    تواصل ‬موجات ‬الحر ‬الشديدة ‬يساهم ‬في ‬تضاعف ‬الأخطار ‬الصحية    وفاة الإعلامي الفرنسي تييري أرديسون عن عمر ناهز 76 عاما    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كي لا نحرث في البحر
نشر في التجديد يوم 17 - 08 - 2015


من هم الذين يحرثون في البحر؟!
هم الذين يسيرون ويظلون في مكانهم كأنهم ما ساروا. وهم الذين يقفزون نحو الصعود ويظلون في موقعهم المنخفض كأنهم ما قفزوا. وهم الذين يمر عليهم العمر كأنه السنة، وتمر عليهم السنة كأنها الشهر، ويمر عليهم الشهر كأنه الأسبوع، ويمر عليهم الأسبوع كأنه اليوم، ويمر عليهم اليوم كأنه الساعة، وتمر عليهم الساعة كأنها الدقيقة، وتمر عليهم الدقيقة كأنها الثانية، وتمر عليهم الثانية كأنها ما مرت، وهكذا يمر عليهم العمر كأنه ما مر، وكأن الزمن خُلق لغيرهم لا لهم، وكأنهم تسللوا إلى الزمن وهم ليسوا من أهله، فظلوا فيه على خجل حتى خلصه الموت منهم، وكأنهم ما عايشوا تعاقب الليل والنهار رغم أنهم كانوا فيه، ولذلك ولدوا وكانت محصلة وجودهم صفرا، وعاشوا وظلت محصلة وجودهم صفرا، وماتوا وما زادت محصلة وجودهم عن الصفر. وهم الذين أتقنوا فن القول ولم يتقنوا فن العمل. وأتقنوا فن الأماني ولم يتقنوا فن التضحيات. وأتقنوا فن الشعارات ولم يتقنوا فن صناعة الحياة، فوُلدوا في سراب وعاشوا في سراب وماتوا في سراب، بل عاشوا وكأنهم ما عاشوا، وماتوا وكأنهم ما ماتوا، وكأن الحياة لم تشعر بهم عندما عاشوا، ولم تشعر بهم عندما ماتوا، وكأن عيشهم وموتهم كانا في ميزان الحياة سواء! وكأن وجودهم وعدمهم كانا في ميزان الحياة وجهين لعملة واحدة، وهم الذين يصدق فيهم قول القائل: "وكم رجال تمر بلا عداد". ويسري عليهم في اتجاه السلب لا الإيجاب الوصف النبوي الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: "..إذا حضروا لم يؤبه لهم، وإذا غابوا لم يُفتقدوا.."، فالويل لنا إن تشبهنا بهم! والويل لنا إن كنا منهم!
وحتى لا نكون كذلك علينا أن ندرك أنه ما أسهل علينا أن ندعو إلى (وطنية) صافية كالماء الزلال، وغاضبة كالرعد القاصف، وثائرة كالبرق الخاطف، وهادرة كالبحر العاصف، وطامحة كالغيث الوارف، ولكن إذا ظلت هذه (الوطنية) شعارا يقال باللسان ويُكتب بالقلم ويُعلن عنه بمكبر الصوت، فستنقلب علينا ولن تكون لنا.
وما أسهل علينا أن ندعو إلى (قومية) غنية بالعاطفة، ومتمسكة بالجذور، وملتحمة بالامتداد التاريخي والحضاري للعروبة، ومنتسبة إلى حاضر العروبة كانتساب الغصن إلى الشجرة، ومتواصلة مع مستقبلها كتواصل الفرع مع الأصل، ولكن إذا ظلت هذه (القومية) أغنية للطرب، ومادة للخطب، وزادا للعجب، وفخرا بظاهر النسب، والتزاما بشكل الحسب، فستعاني منا وستتمنى أن تتخلص منا في كل لحظة، وأن يرزقها الله تعالى قوما غيرنا.
وما أسهل علينا أن ندعو إلى (مشروع إسلامي) راجين أن يكون لنا دواء من كل داء، وشفاء من كل شقاء، ونصرا على الأعداء، ونورا يبدد الظلماء، وهمة تطرد الخواء، ورحمة تملأ ما بين الأرض والسماء، ولكن إذا ظلت دعوتنا إلى (المشروع الإسلامي) دعوة قيل وقال، وكثرة سؤال، وإضاعة مال، ولهو مع دلال، وأقوال بلا أفعال، فستنقلب علينا هذه الدعوة إلى وبال، وسنغرق في الأهوال، وفي سوء الأحوال، وسيمقتنا الرب المتعال، ولن ينفعنا في دنيا وقبرٍ وآخرة طول الآمال. ولذلك علينا أن نحذر، ثم أن نحذر، ثم أن نحذر أن نكون ممن قال فيهم رب العزة؛ وإن دعَوْا إلى (وطنية) صافية أو إلى (قومية) طامحة أو إلى (إسلامية) منقذة: (لِمَ تقولون ما لا تفعلون)، أو نكون ممن قال فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم: "أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان"، أو أن نكون ممن قال فيهم الشاعر الحكيم:
نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيب سوانا
وإلا ما أشقانا إن أسرفنا في تحذير جماهيرنا من خطر عدو يتهدد دعوتنا إلى (وطنية) صافية، أو إلى (قومية) طامحة، أو إلى (إسلامية) منقذة، وكنا في نفس الوقت –من حيث نعلم أو لا نعلم ومن حيث نقصد أو لا نقصد– نشكل، بسبب سوء التزامنا وانضباطنا وارتباطنا بهذه الدعوة، خطرا أشد من هذا العدو على هذه الدعوة إلى وطنية (صافية) أو إلى (قومية) طامحة أو إلى (إسلامية) منقذة.
وحتى لا نكون كذلك، وحتى نكون صادقين مع هذه الدعوة إلى كل هذه الأبعاد؛ الوطني والعروبي والإسلامي، أو إلى أحدها، علينا أن نعلم أن هذه الدعوة يجب أن تتحقق في ذواتنا قبل أن تتحقق في واقعنا، وإلا إذا فشلنا في تحقيقها في ذواتنا فسنفشل في تحقيقها في واقعنا، أو بمعنى آخر: المطلوب تحقيقها في الداخل حتى ننجح في تحقيقها في الخارج، وإلا فالفوضى في الخارج تنبع من الفوضى في الداخل.
وهذا يعني أن مصادمة هذه الدعوة لكل هذه الأبعاد؛ الوطني والعروبي والإسلامي، أو إلى أحدها في واقعنا، ينبع من مصادمتها في ذواتنا.
وليس مربط الفرس كم يتحدث الواحد منا عن هذه الدعوة إلى كل هذه الأبعاد أو إلى أحدها، ولا كم يكتب، ولا كم ينظّر، ولا كم يحلل، ولا كم يخاصم، ولا كم يجادل، بل كم يلتزم (مظهرا وجوهرا وقلبا وعقلا ولسانا وقلما وروحا وجسدا ومشاعر وجوارح وأحاسيس وعواطف وفكرا وسلوكا وولاء وبراء وهوية وانتماء)؛ بكل التبعات الأصيلة التي تشكل الجوهر والمحتوى والثوابت والقيم والضوابط والرؤية والرسالة والخطاب، للدعوة إلى كل هذه الأبعاد؛ الوطني والعروبي والإسلامي، أو إلى أحدها، لأنه لا يعقل أن يكون إطار الدعوة إلى (وطنية) صافية هو (فلسطيني) ولكن محتواها القيمي (مستورد).
ولا يعقل أن يكون إطار الدعوة إلى (قومية طامحة) هو (عروبي) ولكن محتواها القيمي (مستورد). ولا يعقل أن يكون إطار الدعوة إلى (إسلامية ) منقذة هو (إسلامي) ولكن محتواها القيمي (مستورد)، بل المطلوب أن يكون المحتوى والإطار فلسطينيا في الدعوة إلى (وطنية) صافية، وعروبيا في الدعوة إلى (قومية) طامحة، وإسلاميا في الدعوة إلى (إسلامية) منقذة، مع التأكيد أنه يخطئ من يظن أن هذه الأبعاد متصارعة فيما بينها، بل هي متلاحمة كل التلاحم. ويوم أن أقول: أنا أدعو إلى المشروع (الإسلامي)، فأنا تلقائيا وأنا بالضرورة أدعو إلى (الوطنية) الفلسطينية الصافية وإلى (القومية) العروبية الطامحة. وكل عاقل يدرك بوضوح أن التاريخ والحضارة الإسلامية العربية قاما على هذا التلاحم بين هذه الأبعاد الثلاثة؛ الإسلامي والعروبي والفلسطيني. وعلى هذا الأساس تقوم رؤية ورسالة وخطاب الإسلام الوسطي، الذي ننتمي إليه وتدعو إليه الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.