"ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب" الحج (23) "إن لله في دهركم لنفحات فتعرضوا لنفحات ربكم ...." حديث صحيح رواه (ابن ماجه) هو الشهر الأجمل، هذا الشهر الذي لا يدرك عظمته غير الباحثين عن السعادة في ظلال الإيمان . . عن الفرح في لحظات القرب من الله عز وجل. "يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون". البقرة (183) الصيام هو أفضل الطرق لتحقيق التقوى وأقله الاقتراب من عليائها. فبالتقوى تصفو القلوب وتغدو أكثر ترفعاً عن متاع الدنيا، وعن كل ما يغضب الله عزّ وجل. الذين لا يعرفون الصيام لا ينشدون التقوى، وهم إلى "متاع الغرور" أقرب . . لأنهم يلهثون خلف سعادة وهمية، إذ ليس للمعرض عن ذكر الله إلاّ المعيشة الضنك كما تقول الآية الكريمة. هو موسم سنوي رائع تتوحد فيه الأمة على طقس يعيدها إلى روحها وهويتها، ويذكرها بالمشترك فيما بينها . . ربها الواحد. دينها الواحد. قرآنها المحفوظ بأمر الله. نبيها، خاتم المرسلين وأعظم خلق الله أجمعين. تتوحد الأمة . . تتذكر همومها وأحزانها . . تفعل ذلك من أجل أن تؤسس لزمن آخر، كذلك الذي أطلت بشائره من معارك رائعة عرفتها مواسم رمضانية كثيرة على مر القرون. لم تتوقف سهام الأعداء عن مطاردة هذه الأمة في يوم من الأيام، لكنها هذه الأيام أكثر شراسة. إنها تطارد اسلامها لأنه راية الوحدة وعنوان القوة . . تطارده تحت ذرائع واهية . . فيما هي تقصد إذلال الأمة ووضعها تحت طائلة الابتزاز. في رمضان تعود الأمة إلى نفسها، إلى قرآنها. وفيه تتذكر أمجادها. تصقل روحها. تتزود لرحلة جهاد جديدة، قد تكون طويلة. رمضان هذا العام هو بحق شهر الجهاد والمقاومة . . من فلسطين إلى العراق إلى أفغانستان إلى الشيشان تتجلى البطولة التي يصنعها الإيمان . . تكثر التضحيات لكن البشائر تلوح مع كل دفقة دم من جسد شهيد. في رمضان زاد للعام كله، على رغم أن زاد المؤمن لا ينقطع، بل يتواصل على نحو يومي، بل في كل ساعة، ولكن رمضان هو الزاد السنوي الذي يتميز بما يلقيه في الأرواح من إيمان وتقوى تواجه به ما تبقى من العام. في رمضان تتكافل الأمة. تتذكر ضعفاءها وفقراءها . . . تتذكر أبطالها وشهداءها وأسراها، وهي التي لم تنسهم أبداً، بيد أن حضورهم يكون مختلفاً في هذا الشهر. في الفطور والسحور. في الصلاة والدعاء والقنوت. فقراء، بل أشقياء من لا يعرفون روعة هذا الزاد السنوي. من لا ينتظرونه بشغف كي يملأوا منه أرواحهم حتى تصبح أقوى في مواجهة الكروب. يقول تعالى: "يا أيها الذين أمنوا استجيبوا لله والرسول إذا دعاكم لما يحييكم" . . وحياة الأمة في الجهاد، وجهاد النفس يكون بداية الصيام، ثم تكون الخطوة التالية. نسأل الله أن يرفع راية الجهاد في الأمة كي تعود عزيزة كريمة . . اللهم آمين. كل عام وأنتم بخير. ياسر الزعاترة - كاتب فلسطيني