ملتقى العيون للصحافة يعالج دور الإعلام في الدفاع عن الصحراء المغربية    الكاميرون ينتصر على الغابون في مباراة صعبة    ارتفاع مخزون سد عبد الكريم الخطابي بإقليم الحسيمة بعد التساقطات المطرية الأخيرة    صحافيون ينتقدون تصويت مجلس المستشارين على قانون مجلس الصحافة ويهددون بالتصعيد    السيول تسلب حياة شاب في الدريوش    المعارضة بمجلس المستشارين تنسحب من الجلسة العامة وتطلب من رئيسه إحالة مشروع قانون إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة على المحكمة الدستورية    مسؤولية الجزائر لا غبار عليها في قضية طرد 45 ألف أسرة مغربية    نشرة إنذارية.. زخات رعدية قوية وتساقطات ثلجية وطقس بارد من الأربعاء إلى السبت بعدد من مناطق المملكة    ‬ال»كان‮«: ‬السياسة والاستيتيقا والمجتمع‮    أمطار وثلوج تنعش منطقة الريف وتبعث آمال موسم فلاحي واعد بعد سنوات من الجفاف    السلطة القضائية تنضم إلى PNDAI    وهبي: الحكومة امتثلت لملاحظات القضاء الدستوري في "المسطرة المدنية"    مخطط التخفيف من آثار موجة البرد يستهدف حوالي 833 ألف نسمة    "كان المغرب".. المنتخب الجزائري يتغلب على السودان (3-0) في أولى مبارياته في دور المجموعات    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    توقيف شخص بحوزته أقراص مهلوسة وكوكايين بنقطة المراقبة المرورية بطنجة    كأس إفريقيا للأمم 2025.. الملاعب المغربية تتغلب على تقلبات أحوال الطقس    "ريدوان": أحمل المغرب في قلبي أينما حللت وارتحلت    قضية البرلماني بولعيش بين الحكم القضائي وتسريب المعطيات الشخصية .. أسئلة مشروعة حول الخلفيات وحدود النشر    كأس إفريقيا للأمم 2025 .. منتخب بوركينا فاسو يحقق فوزا مثيرا على غينيا الاستوائية    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأحمر    توفيق الحماني: بين الفن والفلسفة... تحقيق في تجربة مؤثرة        وفاة رئيس أركان وعدد من قادة الجيش الليبي في حادث سقوط طائرة في تركيا    شخص يزهق روح زوجته خنقا بطنجة‬    نص: عصافير محتجزة    وزير الصحة يترأس الدورة الثانية للمجلس الإداري للوكالة المغربية للدم ومشتقاته    رباط النغم بين موسكو والرباط.. أكثر من 5 قارات تعزف على وتر واحد ختام يليق بمدينة تتنفس فنا    أطروحة دكتوراة عن أدب سناء الشعلان في جامعة الأزهر المصريّة    الكشف عن مشاريع الأفلام المستفيدة من الدعم    روسيا تعتزم إنشاء محطة طاقة نووية على القمر خلال عقد    المغرب في المرتبة الثامنة إفريقيا ضمن فئة "الازدهار المنخفض"    رهبة الكون تسحق غرور البشر    الاقتصاد المغربي في 2025 عنوان مرونة هيكلية وطموحات نحو نمو مستدام    الأمطار لم توقّف الكرة .. مدرب تونس يُثني على ملاعب المغرب    الحكومة تصادق على مرسوم إعانة الأطفال اليتامى والمهملين    زلزال بقوة 6.1 درجات يضرب تايوان    كأس إفريقيا بالمغرب .. مباريات الأربعاء    انفجار دموي يهز العاصمة الروسية    فرنسا تندد بحظر واشنطن منح تأشيرة دخول لمفوض أوروبي سابق على خلفية قانون الخدمات الرقمية    الذهب يسجل مستوى قياسيا جديدا متجاوزا 4500 دولار للأونصة    "الهيلولة".. موسم حجّ يهود العالم إلى ضريح "دافيد بن باروخ" في ضواحي تارودانت    مواجهات قوية للمجموعتين الخامسة والسادسة في كأس إفريقيا    انتصارات افتتاحية تعزز طموحات نيجيريا والسنغال وتونس في كأس إفريقيا    عجز ميزانية المغرب يقترب من 72 مليار درهم نهاية نونبر 2025    طقس ممطر في توقعات اليوم الأربعاء بالمغرب    بكين وموسكو تتهمان واشنطن بممارسة سلوك رعاة البقر ضد فنزويلا    عاصفة قوية تضرب كاليفورنيا وتتسبب في إجلاء المئات    كأس أمم إفريقيا 2025.. بنك المغرب يصدر قطعة نقدية تذكارية فضية من فئة 250 درهما ويطرح للتداول ورقة بنكية تذكارية من فئة 100 درهم    بلاغ بحمّى الكلام    فجيج في عيون وثائقها        الولايات المتحدة توافق على أول نسخة أقراص من علاج رائج لإنقاص الوزن    دراسة: ضوء النهار الطبيعي يساعد في ضبط مستويات الغلوكوز في الدم لدى مرضى السكري    دراسة صينية: تناول الجبن والقشدة يقلل من خطر الإصابة بالخرف    خطر صحي في البيوت.. أجهزة في مطبخك تهاجم رئتيك    مشروبات الطاقة تحت المجهر الطبي: تحذير من مضاعفات دماغية خطيرة    من هم "الحشاشون" وما صحة الروايات التاريخية عنهم؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المغاربة يحيون سُنة صلاة الكسوف
نشر في التجديد يوم 05 - 10 - 2005

بأمر من أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس، أقيمت صباح يوم الاثنين 3 أكتوبر 2005 بمختلف المساجد الجامعة بالمملكة صلاة الكسوف.وقد أصدرت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بلاغا ذكرت فيه بالسنة النبوية الواردة فيما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فصلوا .وعملا بقوله تعالى ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون . حيث أهابت وزارة الأوقاف بجميع المواطنين أن يتوجهوا إلى المساجد الجامعة بالمملكة لأداء هذه السنة المؤكدة المباركة والتي هي عنوان شكر لله على آلائه وإنعامه واندماجا بمقتضى الشرع الحنيف في موكب السجود لله تعالى مع جميع الكائنات مصداقا لقوله تعالى: ألم تر أن الله يسجد له ما في السماوات وما في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس . وهذه خطوة محمودة في الطريق الصحيح لإحياء عدد من السنن التي طواها الزمن والغفلة والنسيان نتمنى أن يتبعها إحياء سنن أخرى كالإعتكاف الذي نتحدث عنه في دروس الوعظ والإرشاد دون أن
نرى تصريفا له على مستوى تهيئ بعض المساجد لذلك،وفيما يلي تذكير ،بهدي النبي صلى الله عليه وسلم في الكسوف وكذا الحكمة الكامنة في هذه الصلاة:
الحكمة في صلاة الكسوف والخسوف
كان الاعتقاد قديما أن كسوف الشمس وخسوف القمر إنما يحدثان من غضب الله على الناس، بشؤم كفرهم ومعاصيهم، وقد ثبت اليوم بسبب تقدم العلوم الكونية أن الكسوف والخسوف أمر عادي يحدث لأسباب طبيعية معروفة يدرسها التلاميذ في مدارسهم. فهو ظاهرة طبيعية كالمد والجزر وما شابه ذلك.
ولهذا نسأل عن الحكمة في الصلاة التي شرعها الإسلام عند الكسوف والخسوف، فإن الملاحدة أعداء الدين يستغلون ذلك للطعن في الإسلام، وأنه بنى هذه الصلاة على الخرافات القديمة التي كانت شائعة بين الناس، بدعوى أن الصلاة لرفع غضب السماء عن أهل الأرض.
هذا مع أن الكسوف معروف عند علماء الفلك قبل أن يحدث، ومتى يحدث؟ وأين يحدث؟ وكم يمكث؟ إلخ، فلا يتصور حينئذ أن ترفعه صلاة أو دعاء.
أرجو بيان ذلك مكتوبا لنشره وإذاعته، إقناعا للمتشككين. وإفحاما للمشككين.
لم يجئ في القرآن الكريم ذكر لصلاة الكسوف والخسوف. وإنما وردت بها السنة المطهرة من قول الرسول صلى الله عليه وسلم وفعله. وذلك في السنة العاشرة للهجرة حين كسفت الشمس فصلى بأصحابه وأطال الصلاة حتى انجلت الشمس.
ولم يرد فيما اتفقت عليه الروايات الصحيحة أن هذا الكسوف كان نتيجة لغضب من الله على الناس. كيف وقد حدث ذلك بعد أن جاء نصر الله والفتح ودخل الناس في دين الله أفواجا، وانتشر نور الإسلام في كل ناحية من جزيرة العرب، فلو كان الكسوف يحدث من غضب الله لحدث ذلك في العهد المكي، حين كان الرسول وأصحابه يقاسون أشد ألوان العنت والاضطهاد والإيذاء، وحين أخرجوا من ديارهم وأموالهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله.
ولقد كان الناس في عصر النبوة يعتقدون أن كسوف الشمس والقمر إنما هو مشاركة من الطبيعة لموت عظيم من عظماء أهل الأرض. وكان من غرائب المصادفات أن كسوف الشمس الذي حدث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان يوم وفاة إبراهيم ابنه من مارية القبطية، وقال الناس يومئذ:
إن الشمس قد انكسفت لموته أي حزنا عليه، وإكراما للرسول صلى الله عليه وسلم ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسكت على هذا القول الزائف والاعتقاد الباطل، وإن كان فيه إضافة آية أو معجزة جديدة إلى آياته ومعجزاته الكثيرة، لأن الله أغناه بالحق عن الانتصار بالباطل.
روى الإمام أحمد والطبراني من حديث سمرة بن جندب أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب فيهم يوم الكسوف فقال:(أما بعد: فإن رجالا يزعمون أن كسوف هذه الشمس وكسوف هذا القمر، وزوال هذه النجوم من مطالعها، لموت رجال عظماء من أهل الأرض، إنهم قد كذبوا. ولكنها آيات من آيات الله عز وجل يعتبر بها عبادةب)(مجمع الزوائد ج2 ص210) رواه الحاكم وقال: صحيح على شرطهما(ووافقه الذهبي كما في المستدرك وتلخيصه ج1 ص 231,329).
وروى البخاري عن المغيرة بن شعبة قال: انكسفت الشمس يوم مات إبراهيم، فقال الناس: انكسفت لموت إبراهيم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموها فادعوا الله وصلوا حتى ينجلي).
وفي بعض الروايات عند البخاري عن أبي بكرة مرفوعا بعد قوله: لا ينكسفان لموت أحد قال: (ولكن الله يخوف بهما عباده)، وفي ثبوت هذه الزيادة كلام أشار إليه الإمام البخاري نفسه(الزيادة المذكورة من رواية حماد بن زيد عن يونس عن الحسن عن أبي بكرة، ولكن عددًا من الرواة الثقات رووا الحديث عن يونس، فلم يذكروها، منهم عبد الوارث وشعبة، وخالد بن عبد الله، وحماد بن سلمة، كما ذكر ذلك البخاري. وكثير من أئمة الحديث يرفض مثل هذه الرواية التي يخالف فيها الراوي من هم أوثق منه أو أكثر عددًا، وتوصف هذه الزيادة حينئد بالشذوذ، فتخرج عن حد الحديث الصحيح).
وهنا يلتقط المشككون هذه الكلمة وأمثالها يخوف الله بهما عباده أو ادعوا الله وصلوا حتى ينجلي ليقولوا: مم التخويف؟ ولماذا الدعاء؟ ولماذا الصلاة؟ والكسوف أمر طبيعي؟
نعم هو أمر طبيعي لا يتقدم ولا يتأخر عن موعده ومكانه وزمانه، وفقا لسنة الله تعالى، ولكن الأمور الطبيعية ليست خارجة عن دائرة الإرادة الإلهية. والقدرة الإلهية، فكل ما في الكون يحدث، بمشيئته تعالى وقدرته، ومثل هذا الذي يحدث لهذه الأجرام العظيمة جدير أن ينبه القلوب على عظمة سلطان الله تعالى وشمول إرادته ونفوذ قدرته، وبالغ حكمته، وجميل تدبيره، فتتجه إليه القلوب بالتعظيم، والألسنة بالدعاء، والأكف بالضراعة، والجباه بالسجود.
ولقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أذكار وأدعية شتى ينبغي للمسلم أن يتلوها بلسانه، ويستحضرها بقلبه، عند رؤية ظواهر طبيعية مختلفة، منها:
( أ ) عندما يصبح الصباح أو يمسي المساء:
أخرج الترمذي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم أصحابه يقول: (إذا أصبح أحدكم فليقل: اللهم بك أصبحنا، وبك أمسينا، وبك نحيا، وبك نموت، وإليك النشور وإذا أمسى فليقل: اللهم بك أمسينا وبك الحديث) وقال الترمذي: حسن صحيح.
وروى مسلم عن ابن مسعود قال: كان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا أمسى قال: (أمسينا وأمسى الملك لله والحمد لله، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، رب أسألك خير ما في هذه الليلة، وخير ما بعدها، وأعوذ بك من شر هذه الليلة، وشر ما بعدها، رب أعوذ بك من الكسل وسوء الكبر، رب أعوذ بك من عذاب في النار، وعذاب في القبر).
وإذا أصبح قال ذلك أيضا: (أصبحنا وأصبح الملك لله) الحديث.
(ب) عند هبوب الريح وظهور السحاب:
روى مسلم عن عائشة قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا عصفت الريح قال: (اللهم أسألك خيرها وخير ما فيها، وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها، وشر ما فيها وشر ما أرسلت به).
وعنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى ناشئا (أي سحابة) في أفق السماء ترك العمل، وإن كان في صلاة، ثم يقول: (اللهم إني أعوذ بك من شرها). فإن مطر قال: (اللهم صيبا هنيئا) رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه وأبو عوانة في صحيحه بإسناد صحيح على شرط مسلم، كما في تخريج الكلم الطيب للألباني.
(ج) عند رؤية الهلال:
عن ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى الهلال قال: (الله أكبر، اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام والتوفيق لما تحب وترضى، ربنا وربك الله) أخرجه الدارمي، وأخرجه الترمذي أخصر منه من حديث طلحة، وحسنه وصححه ابن حبان، وهو صحيح بشواهده، كما قال الألباني.
وهناك أدعية وأذكار أخرى كثيرة تقال في مناسبات شتى: عند النوم، وعند اليقظة، وعند الأكل والشرب، وعند الشبع والري، وعند لبس الثوب، وركوب الدابة، وعند السفر والعودة منه، وغير ذلك مما ألفت فيه كتب كاملة (مثل عمل اليوم والليلة للنسائي، وابن السني، والأذكار للنووي، و الكلم الطيب لابن تيمية، الوابل الصيب لابن القيم ، وتحفة الذاكرين للشوكاني وغيرهما).
والمقصود بهذه الأذكار والأدعية أن يكون الإنسان موصول القلب بالله دائما وأن يقابل كل حدث جديد، بقلب متفتح، وإحساس مرهف، وشعور حي يقظ، حتى الأحداث التي تتكرر كل يوم كالإصباح والإمساء، بل تتجدد في اليوم أكثر من مرة كالأكل والشرب. فالمؤمن يرى الأشياء والحوادث بعين غير أعين الناس.
إن الناس يرونها بأعين رؤوسهم فحسب، فإذا تكررت أمامهم مرات ومرات ألفوها، أما المؤمن فيراها بعين قلبه وبصيرته، فيرى وراءها يد الله التي تبدع وتتقن، وعين الله التي ترعى وتحفظ، فيسبح ويحمد، ويهلل ويكبر، ويدعو ويتضرع، كما روى البخاري في الأدب المفرد.
عن عبد الله بن الزبير: أنه كان إذا سمع الرعد، ترك الحديث، وقال (سبحان الذي يسبح الرعد بحمده، والملائكة من خيفته).
وإذا كان هذا شأن المؤمنين في الأمور اليومية العادية المألوفة، فما بالك بحدث كبير لا يتكرر إلا كل عدد من السنين، مثل كسوف الشمس أو خسوف القمر؟
إن المؤمن لا يمر عليه مثل هذا الأمر، بل هذه الآية من آيات الله وهو لاه غافل، كسائر اللاهين الغافلين من البشر، وإذا كان الدعاء والذكر يكفي فيما يتكرر من الأحداث الطبيعية كل يوم أو كل شهر، فهذا في حاجة إلى شيء أكثر من الدعاء والذكر وهو الصلاة، ثم إن أصحاب القلوب الحية تغلب عليهم الخشية من الله، كلما رأوا مظاهر قدرته في خلقه فهم لا يأمنون أن يكون وراء هذا الحادث العادي شيء آخر يعلمه الله ويجهلونه ولا حجر على إرادته وقدرته. فهو سبحانه إذا أراد شيئا قال له: كن فيكون.
يقول الإمام ابن دقيق العيد: ربما يعتقد بعضهم أن الذي يذكره أهل الحساب ينافي قوله: (يخوف الله بهما عباده) وليس بشيء (يعني هذا الاعتقاد) لأن لله أفعالا على حسب العادة، وأفعالا خارجة عن ذلك، وقدرته حاكمة على كل سبب، فله أن يقطع ما يشاء من الأسباب والمسببات بعضها عن بعض، وإذا ثبت ذلك فالعلماء بالله لقوة اعتقادهم في عموم قدرته على خرق العادة، وأنه يفعل ما يشاء، إذا وقع شيء غريب حدث عندهم الخوف لقوة ذلك الاعتقاد. وذلك لا يمنع أن يكون هناك أسباب تجري عليها العادة إلا أن يشاء الله خرقها. ذكره الحافظ في الفتح.
على أن في ظاهرة الكسوف أمرا يتنبه له المؤمن ويلتفت إليه، إذا كان غيره لا يلتفت إليه، وهو التذكير بقيام الساعة، وانتهاء هذا العالم، فإن مما ثبت بطريق الوحي اليقيني: أن هذا الكون سيأتي عليه يوم ينفطر فيه عقده، وينتثر نظامه، فإذا سماؤه قد انفطرت، وكواكبه قد انتثرت، وشمسه قد كورت، وجباله قد سيرت، وأرضه قد زلزلت زلزالها، وأخرجت أثقالها، وآذن ذلك كله بتبدل الأرض غير الأرض والسموات، وبروز الخلق لله الواحد القهار.
إن الشمس والقمر ليسا أبديين ككل شيء في هذا العالم، إنهما يجريان كما قال الله خالقهما، إلى أجل مسمى، نعم مسمى معلوم عند الله، خفي مجهول عند الناس، ولكن المؤمن يوقن به ولا يغفل عنه، فإذا شاهد ظاهرة كالكسوف والخسوف، انتقل قلبه من اليوم إلى الغد، ومن الحاضر إلى المستقبل، وخصوصا إذا تذكر قول الله تعالى: (وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب)النحل77: ولعل هذا سر ما جاء في رواية بعض الصحابة في حديث الكسوف، أن النبي صلى الله عليه وسلم قام فزعا يخشى أن تكون الساعة -مع أن للساعة مقدمات وعلامات وأشراطا كثيرة أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم نفسه ولم تقع بعد، ولهذا استشكل بعض العلماء هذه الرواية، ولكن يمكن حملها على أنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك تعليما لأمته وإرشادا لها، لتكون على ذكر من أمر الساعة على كل حال، ولا سيما إذا تأخر الزمان، وظهرت معظم الأشراط والأمارات.
وقد حدث الكسوف في عهد عثمان، فصلى بالناس، ثم انصرف فدخل داره. وجلس عبد الله بن مسعود إلى حجرة عائشة، وجلس إليه بعض الصحابة فقال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالصلاة عند كسوف الشمس والقمر. فإذا رأيتموه قد أصابهما، فافزعوا إلى الصلاة فإنها إن كانت التي تحذرون (يعني الساعة) كانت وأنتم على غير غفلة، وإن لم تكن، كنتم قد أصبتم خيرا واكتسبتموه. رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني ورجاله موثوقون كما في مجمع الزوائد (ج207206 2)(وقال الشيخ أحمد شاكر في تخريج المسند ج6 رقم4387إسناده صحيح)
وبهذا يتضح لنا أن ما شرعه الإسلام من صلاة ودعاء وذكر لله عند انكساف الشمس والقمر لا يعني بالضرورة أن الكسوف نتيجة لغضب من الله تعالى، وأن الصلاة لرفع هذا الغضب وإن فهم ذلك من كلام بعض العلماء ممن فسر هذه الظاهرة الكونية، حسبما انتهى إليها علمه في زمنه، ولكن أفهام العلماء وخصوصا في مثل هذه الأمور ليست حجة على الدين، فالدين إنما يؤخذ من كتاب الله، وما بينه من سنة نبيه، وما عدا ذلك فكل واحد يؤخذ من كلامه ويترك.
وفي مقابل هؤلاء الذين قصر باعهم عن الإلمام بالعلوم الكونية والرياضية نجد إماما مثل حجة الإسلام الغزالي يخطئ هؤلاء القاصرين ويتكلم كلاما في غاية الجودة والتحقيق، وذلك في كتاب المنقذ من الضلال حين عرض للفلاسفة وأنواع علومهم، ومنها العلوم الرياضية (كانت العلوم الرياضية قديمًا شعبة من الفلسفة، وجزءًا لا يتجزأ من الدراسة الفلسفية، وكذلك الطبيعيات، وغيرها، ولم تستغل هذه العلوم وتأخذ طريقها المستقل إلا في العصور الحديثة) وما يتولد عنها من آثار في الأنفس والأفكار. ومما قاله:
الآفة الثانية نشأت من صديق للإسلام جاهل، ظن أن الدين ينبغي أن ينصر بإنكار كل علم منسوب إليهم (يعني الفلاسفة). فأنكر جميع علومهم، وادعى جهلهم فيها. حتى أنكر قولهم في الكسوف والخسوف، وزعم أن ما قالوه على خلاف الشرع، فلما قرع ذلك سمع من عرف ذلك بالبرهان القاطع، لم يشك في برهانه، لكن اعتقد أن الإسلام مبني على الجهل وإنكار البرهان القاطع، فازداد للفلسفة حبا، وللإسلام بغضا!
لقد عظمت جناية من ظن الإسلام ينصر بإنكار هذه العلوم، وليس في الشرع تعرض لهذه العلوم بالنفي والإثبات، ولا في هذه العلوم تعرض للأمور الدينية.
وقوله عليه السلام: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله تعالى لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله تعالى وإلى الصلاة). ليس في هذا إنكار علم الحساب المعرف بمسير الشمس والقمر واجتماعهما، أو مقابلتهما على وجه مخصوص.
أما قوله عليه السلام: (لكن الله إذا تجلى لشيء خضع له) فليس توجد هذه الزيادة في الصحاح أصلا (المنقذ من الضلال للغزالي/ مع أبحاث في التصوف لفضيلة الإمام الأكبر عبد الحليم محمود ص,141,140 ط سابعة) .
ولو جاز لنا الاستدلال بما فيه ضعف من الأحاديث، لذكرنا هنا الحديث الذي رواه الطبراني في الكبير عن سمرة، وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: (إن الشمس والقمر لا يخسفان لموت أحد، ولا لشيء تحدثونه، ولكن ذلكم من آيات الله) والحديث فيه راو ضعيف كما قال البيهقي ولهذا لم يعتمد عليه.
على أن مثل هذا الحديث وإن كان ضعيفا، يمثل التفكير السائد لدى المسلمين في العصور الأولى، ولهذا رووه وخرجوه وسجلوه في روايتهم.
والمهم أنه لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء يدل على أن الكسوف يحدث لغير السبب الطبيعي الذي أجرى الله سنته بوقوعه عنده .
وبالله التوفيق
ما ورد في صحيح البخاري عن الكسوف
عن أبي بكرة قال كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فانكسفت الشمس فقام النبي صلى الله عليه وسلم يجر رداءه حتى دخل المسجد فدخلنا فصلى بنا ركعتين حتى انجلت الشمس فقال صلى الله عليه وسلم:( إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد فإذا رأيتموهما فصلوا وادعوا حتى يكشف ما بكم).وذلك أن إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم مات فقال الناس في ذاك.
عن إسماعيل عن قيس قال سمعت أبا مسعود يقول قال النبي صلى الله عليه وسلم( إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد من الناس ولكنهما آيتان من آيات الله فإذا رأيتموهما فقوموا فصلوا ).
عن زياد بن علاقة قال سمعت المغيرة بن شعبة يقول انكسفت الشمس يوم مات إبراهيم فقال الناس انكسفت لموت إبراهيم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم( إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتموهما فادعوا الله وصلوا حتى ينجلي).
عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها قالت خسفت الشمس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس فقام فأطال القيام ثم ركع فأطال الركوع ثم قام فأطال القيام وهو دون القيام الأول ثم ركع فأطال الركوع وهو دون الركوع الأول ثم سجد فأطال السجود ثم فعل في الركعة الثانية مثل ما فعل في الأولى ثم انصرف وقد انجلت الشمس فخطب الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبروا وصلوا وتصدقوا ثم قال يا أمة محمد والله ما من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته يا أمة محمد والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.