لقد أبرز الإمام الحسن البصري دور العامل العلمي والمعرفي في نشأة الغلو والتطرف في قوله اطلبوا العلم طلبا لا يضر بالعبادة واطلبوا العبادة طلبا لا يضر بالعلم فإن قوما طلبوا العبادة وتركوا العلم حتى خرجوا بأسيافهم على أمة محمد صلى الله عليه وسلم وكان يقصد بذلك الخوارج. وفي غياب العلم الشرعي أو ضعفه ارتكبت بعض المجموعات خطأ تاريخيا باللجوء إلى العنف في وجه دولها ومجتمعاتها، حتى وإن بدا في صورة رد الفعل بما يعبرون عنه بدفع الصائل أي الدفاع الشرعي الخاص، كما قللت من شأن النهج الإصلاحي ومن ينتهجونه، إذ لم تر فيه سوى مهرب فرضه الجبن وخوار الهمم.. ويتجلى دور العامل العلمي في أن غياب الفقه بأنواعه المختلفة سواء ما تعلق بفقه الشرع أو بفقه الواقع هو من أكبر الأسباب، التي تفسر الغلو أو التسيب، الذي ما هو إلا صورة من صور الغلو. ضعف التأطير العلمي والتربوي للشباب ويعتبر ضعف التأطير الديني والدعوي للشباب من أهم الأسباب المسؤولة عن الضعف العلمي والفقهي المذكور في أبعاده المختلفة. فقصور التأطيير الديني والعلمي والتربوي من لدن المؤسسات الدعوية الرسمية والشعبية في أداء واجبها في تأطير الشباب وتقصير العلماء والمؤسسات الدينية في لعب الدور الإيجابي المنوط بهم أفقد الشباب الثقة فيهم. فسكوت العلماء أو المؤسسات عن القيام بواجب النصح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الأسباب التي أسهمت في فقدان الثقة من لدن الشباب الساقطين في فخ الغلو والتطرف. كما أن تقصير الحركات الدعوية الوسطية في القيام بمهامها ووظائفها على الوجه الأكمل هو أحد الأسباب، التي تفسح المجال لانتعاش فكر الغلو والتطرف. التطرف أو الغلو اللاديني ومن الشروط والعوامل التي تؤدي إلى استنبات الغلو والتطرف الديني وتعميقه التطرف اللاديني الذي يتمثل في عدة مظاهر مستفزة من الانتهاكات الفردية والجماعية والمجاهرة بالعداء للإسلام وأحكامه ومرجعيته وإفساح المجال لكل ناعق من أجل هدم الفضيلة والأخلاق في المجتمع من منظمات ماسونية وتنصيرية ودعوات للشذوذ والجرأة على الأخلاق العامة واستهداف ما تبقى من قيم الإسلام في البرامج التربوية والتعليمية وسعي البعض لتجفيف منابع التدين والتحريض على أئمة المساجد وخطبائها وتحول كثير من المخططات والبرامج الإعلامية إلى وسائل لهدم الفضيلة واستفزاز الشعور الديني، كل ذلك في مقابل تهميش التعليم والتوجيه الديني السليم في المدرسة والإعلام. إن الشباب الذي سقط في براثن الغلو والتطرف يلاحظ البون الشاسع بين ما يطمح إليه من خلال مقارنته بين المجتمع المسلم الفاضل الذي يدعو إليه الإسلام، والذي كون صورته من خلال ما تعلمه وسمعه وقراه عن الإسلام وتاريخه، وبين واقع المجتمعات التي يعيش بها وتعلن أنها مجتمعات إسلامية وتنص دساتيرها على أن الإسلام هو المصدر الرئيسي لقوانينها، في حين أن الرذيلة تسود وتقنن باسم الفنون، وتحول المنكر معروفا والمعروف منكرا، والحق باطلا والباطل حقا، والرشد غيا و الغي رشدا، وتقصى كثيرا من أحكام الشريعة، حتى إذا ما طالب هؤلاء بعودة الأمور إلى نصابها اتهموا بالرجعية والتطرف.