مجلس أوربا: قانون العقوبات البديلة "منعطف تاريخي" في المنظومة القضائية المغربية    جلالة الملك يعطي انطلاقة إحداث منصة المخزون والاحتياطات الأولية لجهة الرباط-سلا- القنيطرة الخاصة بمواجهة الكوارث    الأخضر ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    توقيع اتفاقية شراكة بالرباط لرقمنة إجراءات تصدير منتجات الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني    رئيس الحكومة الإسبانية يثني على مساهمة المغرب في تجاوز أزمة انقطاع التيار الكهربائي    الرميد: "ليس هناك من تناقض بين تازة وغزة إلا لدى فئة قليلة"    كأس أمم إفريقيا لأقل من 20 سنة.. المغرب يتأهل لربع النهائي بفوزه على تونس (3-1)    العصبة تكشف برنامج الجولة الأخيرة من البطولة الاحترافية    عبد النباوي: التشريع المغربي يلتحق بنظام العقوبات البديلة    صحيفة أجنبية: المغرب يعد الوجهة السياحية الأولى في إفريقيا    وزير الدفاع الباكستاني: التوتر مع الهند قد يؤدي إلى حرب نووية    الجزائر تواصل مطاردة المثقفين.. فرنسا تتلقى مذكرتي توقيف دوليتين ضد كمال داود    تُهرّب الحشيش من شمال المغرب.. إسبانيا تُطيح بشبكة إجرامية في الجنوب    "العفو الدولية": تهجير إسرائيل فلسطينيي غزة "جريمة ضد الإنسانية"    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    توقيف مواطنين فرنسيين من أصول مغربية يشتبه تورطهما في قضية تتعلق بالسكر العلني وارتكاب حادثة سير بدنية مع جنحة الفرار    الأطرالصحية ونقابة الجامعة الوطنية للصحة بعمالة المضيق الفنيدق تضع يدها على ملف ساخن وتستنكر تعطيل خدمات تقويم البصر بمصحة النهاري بمرتيل    تعليمات جديدة من لفتيت للأمن والولاة: لا تساهل مع السياقة الاستعراضية والدراجات المعدلة    محاكمة زيان.. النيابة العامة تطالب بتشديد عقوبة السجن 5 سنوات الصادرة ضده    ملاحظة نقدية من طرف ألفونس ويلهانز حول جان بول سارتر والعقل الجدلي    ذاكرة النص الأول بعيون متجددة    أبو الأسود الدؤلي    دراسة علمية تكشف قدرة التين المغربي على الوقاية من السرطان وأمراض القلب    الخطوط الملكية المغربية و"المبنى رقم 1 الجديد" في مطار JFK بنيويورك يبرمان شراكة استراتيجية لتعزيز تجربة المسافرين    إسبانيا تمول محطة تحلية عملاقة بالمغرب ب340 مليون يورو    "قانون بنعيسى" يُقصي الصحافيين من تغطية دورة جماعة أصيلة ويثير الجدل    ديزي دروس يكتسح "الطوندونس" المغربي بآخر أعماله الفنية    من إنتاج شركة "Monafrique": المخرجة فاطمة بوبكدي تحصد جائزة وطنية عن مسلسل "إيليس ن ووشن"    يومه الخميس، الذكرى 22 لميلاد ولي العهد الأمير مولاي الحسن    من هي النقابة التي اتهمها وزير العدل بالكذب وقرر عدم استقبالها؟    التوأمة التربوية بين الرباط وباكو .. جسر لتعزيز الحوار الثقافي والمحافظة على التراث    لأول مرة في مليلية.. فيلم ناطق بالريفية يُعرض في مهرجان سينمائي رسمي    بركة: نعيش سنة الحسم النهائي للوحدة الترابية للمملكة    الزمالك المصري يقيل المدرب بيسيرو    من المليار إلى المليون .. لمجرد يتراجع    "التقدم والاشتراكية": الحكومة فشلت على كافة المستويات.. وخطابها "مستفز" ومخالف للواقع    اختتام الدورة الأولى للمنتدى الدولي للصناعة والخدمات بجهة أكادير    الوداد يفسخ عقد تسيير متجره الرسمي مع كولد سبور    تشتت الانتباه لدى الأطفال…يستوجب وعيا وتشخيصا مبكرا    بركة: إحداث 52 ألف فرصة شغل بقطاع البناء والأشغال العمومية    "كوكا كولا" تغيّر ملصقات عبواتها بعد اتهامها بتضليل المستهلكين    500 مليون دولار خسائر مطار صنعاء    قمة دوري الأبطال تستنفر أمن باريس    بايدن يتهم ترامب باسترضاء روسيا    صيحة قوية للفاعل الجمعوي افرير عبد العزيز عن وضعية ملاعب القرب بحي العامرية بعين الشق لالدارالبيضاء    فليك يتهم الحكم بإقصاء برشلونة ويُخاطب لاعبيه قبل الكلاسيكو    انتر ميلان يتغلب على برشلونة ويمر إلى نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    المغرب يستقبل 5.7 ملايين سائح خلال 4 أشهر    القوات المسلحة الملكية: ندوة بالرباط تسلط الضوء على المساهمة الاستراتيجية للمغرب خلال الحرب العالمية الثانية    السياحة الريفية في الصين... هروب من صخب المدن نحو سحر القرى الهادئة    إرشادات طبية تقدمها الممرضة عربية بن الصغير في حفل توديع حجاج الناظور    تحذير من تناول الحليب الخام .. بكتيريات خطيرة تهدد الصحة!    عضة كلب تنهي حياة شاب بعد أسابيع من الإهمال    استقبال أعضاء البعثة الصحية لموسم الحج    كلمة وزير الصحة في حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثقافة الاعتماد والمسالة- بقلم محمد يتيم
نشر في التجديد يوم 21 - 02 - 2008


من الظواهر التي لا تخطئها ملاحظة من تصدى للعمل العام هو هذا السلوك الاجتماعي المتزايد الذي يمكن أن نسميه بثقافة الاعتماد ، ونقصد بثقافة الاعتماد هو ما أصبح في كثير من مظاهر سلوكنا الاجتماعي من لجوء إلى الوساطة والشفاعة في كبائر الأمر وابسطها . لا ننفي أن أوضاع الحاجة والفاقة من جهة وسيادة المحسوبية والبيروقراطية والرشوة قد جعلت عملية الحصول على ابسط الخدمات والحقوق مسالة معقدة تدفع الناس من اليأس في طلب حقوقهم البسيطة اللجوء إلى الطرق العادية والالتجاء إلى الإدارة أو المرفق العمومي الذي جعل أصلا لخدمة المواطن . وهذا مجال واسع للبحث والنظر يمكن الرجوع إليه ويتعلق بفساد وإفساد الحياة السياسية وضعف دولة الحق والقانون ودوره في إفساد نظام الثقافة والأخلاق . لكننا في هذه المقالات نركز على نقد نظام الثقافة والقيم في مجتمعاتنا أي الثقافة بما هي سلوك يومي وفي جوابها السلبية ، علما أن المدخل الثقافي من أهم مداخل الإصلاح لأنه مجال الفعل الإنساني بامتياز، ومجال الإرادة والتأثير المباشر لكل إنسان مهما يكن موقعه الاجتماعي والسياسي . كما أن السياسة والبيروقراطية والرشوة وفساد الإدارة كل ذلك لا يفسر كافة السلوكات الثقافية السلبية من قبيل ثقافة الاعتماد والتبعية . فاللجوء إلى الوساطة أو الشفاعة قد يكون متفهما حين يصطدم المواطن بالحائط في الحصول على أبسط الحقوق والخدمات ، وحين يكون في حالات الاضطرار الأقصى ، ولكن أن تصبح ثقافة الاعتماد ظاهرة بنيوية في السلوك الاجتماعي والثقافي ، وتصبح ردا فعلا تلقائيا حيث إن أول ما يفكر فيه الفرد هو اللجوء إلى وساطات نافذة للحصول على الحقوق ، أو للحصول على امتيازات غير مشروعة ، فذلك مؤشر مزعج على تحول ثقافي جماعي خطير يهدد قيم المبادرة والفاعلية والمنافسة الشريفة ، ويكرس قيم العبودية والاستعباد والتبعية ويسهم في تحطيم الكرامة الإنسانية . إن الواقع المعيش لدى كل من تصدى للعمل العام في الجماعات المحلية أو العمل االنيابي أو النقابي يؤكد أن فئة عريضة من المواطنين لا تجشم نفسها القيام بأبسط اتصال أو مراسلة أو حركة نحو الإدارة . وفي بعض الحالات تكون المشاكل أو القضايا المطروحة قضايا إدارية بسيطة ، لكن ثقافة الاعتماد التي تتنامي لدى الكثير منا ، أصبحت تصور لدى الكثيرين أنه لا بد لك من شخص وازن كي تصل إلى مرادك ، وأن تكون ( بيسطوني ) لكل تحصل على الحقوق بل لكي تحصل أيضا على الامتيازات . فثقافة الاعتماد ـ بما أنها تقوم على الاستقالة من مجال الفعل والاتكال على الآخرين ـ هي الطريق السيار المؤدي إلى طلب الامتيازات غير المشروعة والسطو على حقوق الآخرين . والظاهرة الأخطر هي أن كثيرا من المناضلين والملتزمين ـ في ظل انتشار ثقافة الاعتماد وما يرتبط بها من وساطة ومحسوبية ـ لا يدركون أن الحصول على أي امتياز إنما هو سطو على حق مواطن آخر، وأن الأصل حتى في طلب الحق هو أن يقوم إليه الإنسان بنفسه ، ويحاول أن يحصل عليه بالأدوات الذاتية قبل طلب المساعدة أو الوساطة ، وأن يسعى إليه في ذه لحالة بالوسائل المشروعة ، وحتى إذا اضطر إلى الوساطة فلا يطلب من الشفيع امتيازا أو أمرا غير مشروع . لذاك فإن لثقافة الاعتماد علاقة وطيدة بثقافة أخرى هي ثقافة المسالة والإلحاف المتعارضة مع ثقافة المبادرة والتعفف . وإلى ذلك الإشارة في عدة مواقع من القرآن الكريم في مثل قوله تعالى : وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كل على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم ) ( أنظركيف قابل القرآن بين ثقافة العجز والاعتماد وبين الاستقامة )، وقوله تعالى : للفقراء الذين أ حصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضرباً في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لايسألون الناس إلحافا وفي الحديث عن حكيم بن حزام رضي الله تعالى عنه: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لا نسأل الناس شيئا. حتى إن الرجلَ من الصحابة ليسقط سوطه من على راحلته، فينزل فيأخذه، لا يسأل أحداً أن يناوله إياه رواه مسلم ويقول ابن مسعود رضي الله عنه: (إن الرجل ليخرج من بيته ومع دينُه، فيلقى الرجلَ وله إليه حاجة، فيقول: أنت كيت وكيت، يثني عليه لعلَّه أن يقضيَ من حاجته شيئاً له، فيسخط الله عليه، فيرجع وما معه من دينه شيء) . ثقافة الاعتماد ترتبط أيضا بثقافة العجز والكسل التي استعاذ منها النبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء المأثور المعروف . فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- كما في صحيح البخاري (كنت أسمعه يكثر أن يقول: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل ومن غلبة الدين وقهر الرجال أحرص على ما ينفعك ولا تعجز الحديث. والهم هو شغل الفكر والعقل والقلب، والمقصود به الهم السلبي المقعد عن العمل والفعل وغالباً هو بداية الحزن. أما الهم الذي لا يؤدي إلى الحزن أي أنه منتج للإرادة والعزيمة ودافع لجمع أسباب القدرة وعوامل الإنجاز وشروطه فذلك هم إيجابي ، على اعتبار أن الحزن يأخذ قدرا كبيرا من الطاقة النفسية الضرورية للعمل أي أنه يشل الإرادة ويضعف القدرة في حالة وجودها . وفي الحديث اقتران بليغ بين العجز والكسل فالعجز هو وجود إرادة للفعل مع عدم وجود قدرة لإنجازه أو وجود قدرة ضعيفة. أما الكسل فهو انتفاء تلك الإرادة، فالفعل والإنجاز إنما هو أثر عن اجتماع الإرادة مع القدرة، فالإنسان إذا توافرت له الإرادة، فقد خرج من دائرة الكسل، فإذا كان عنده القدرة فقد خرج أيضاً من دائرة العجز فيكون الإنجاز ويكون الاعتماد على الله سبحانه وتعلى لأنه هو المخرج من العجز ومن الاعتماد على غيره وإلى ذلك الإشارة في آخر الحديث بقوله صلى الله عليه وسلم استعن بالله ولا تعجز . الاعتماد على الله توكل أي أخذ بالأسباب الذاتية ( النفسية ) والسباب الموضوعية ، أما الاعتماد على غير الله فهو تواكل واستقالة من مجال الفعل ، وهذا باب عظيم من أبواب الإصلاح أي تعزيز ثقافة المسؤولية وثقافة العمل وثقافة لاستقلالية و ثقافة المبادرة والفعالية ، وثقافة الإنجاز ، وكل هذه وغيرها منظومة متكاملة يسلم بعضها إلى البعض الآخر

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.