القافلة الجهوية تقديم آليات جديدة متاحة لرواد الأعمال وأصحاب المشاريع في الجهة    إصدار جديد من سلسلة تراث فجيج    حوالي 756 ألف مستفيد من دعم مربي الماشية توصلوا بأزيد من 3 ملايير درهم    تفكيك شبكة لترويج المخدرات بطنجة وتوقيف ستة من أفرادها    الحاجب يستقبل محطة جديدة لمعالجة المياه العادمة بجماعة أيت نعمان    إطلاق المنصة الوطنية لرصد وفيات الأمهات والمواليد الجدد لتعزيز الجودة والحكامة في المنظومة الصحية    متابعة الرابور "بوز فلو" في حالة اعتقال وإيداعه السجن المحلي لصفرو    ( الحب المر)... فيلم يكشف الوجه الخفي للنرجسية داخل الأسرة المغربية    بوريطة يتباحث بالرباط مع نظيره الغاني    "الأحرار" يصادق على تصوره للحكم الذاتي تمهيداً لرفعه إلى الملك    جدل داخل البرلمان حول مقترح حلّ الأحزاب التي لا تشارك في الانتخابات    بوريطة يستقبل رئيس الجمعية الوطنية لجمهورية تنزانيا المتحدة    تتويج أشرف حكيمي بجائزة أفضل لاعب إفريقي.. إشادة واسعة من قبل وسائل الإعلام الفرنسية    نبيل باها: "اللاعبون مستعدون لمواجهة البرازيل والفوز بالمباراة"    ملف إسكوبار الصحراء .. النيابة العامة تكشف اختلالات خطيرة في العقود الموثقة    تنسيقية الأطباء تحذّر مجلس المنافسة من سعي "أكديطال" لاحتكار القطاع الصحي عبر الاستحواذ على Rochaktalim    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها بأداء سلبي    الكاف يتجاهل المدرب محمد وهبي    في مداخلة له خلال الدرس الافتتاحي للجامعة الشعبية بمكناس .. وسيط المملكة: الإنصاف أعلى من القانون حين يُظلم المواطن    المغرب يترأس المجلس الدولي للزيتون    تكريم فريق جمعية الأوائل للأطفال للأطفال في وضعية إعاقة إثر ظفره بكأس العرش لكرة القدم داخل القاعة    تحقيق إسباني يكشف استعمال النفوذ للحصول على صفقات في المغرب وخلفيات ذكر اسمي اعمارة ورباح    أجهزة قياس السكر المستمر بين الحياة والألم: نداء أسر الأطفال السكريين لإدماجها في التغطية الصحية    الحكومة تقر "تنظيم مهنة العدول"    المغرب يحل ثالثا وفق مؤشر الأداء في مجال التغير المناخي (CCPI)            جمعية "السرطان... كلنا معنيون" بتطوان تشارك في مؤتمر عالمي للتحالف الدولي للرعاية الشخصية للسرطان PCCA    الفنان المغربي إِلياه والنجم المصري محمد رمضان يجتمعان في أغنية جديدة    السكتيوي يعلن الجمعة لائحة الرديف    في الحاجة إلى فلسفة "لا"    منظمة الصحة العالمية تحذر من الزيادة السريعة في استخدام الذكاء الاصطناعي في مجال الرعاية الصحية    ناسا تكشف عن صور جديدة للمذنب 3I/Atlas القادم من خارج النظام الشمسي    وزارة الاقتصاد والمالية تصدر ميزانية المواطن لسنة 2026    الإنصاف أخيرا لأشرف حكيمي..    تدشين غرفة التجارة المغربية بإيطاليا في روما    غوغل تطلق أداة جديدة للبحث العلمي    مناورات مشتركة بين قوات المارينز الأميركية ونظيرتها المغربية تختتم في الحسيمة    منتخبات ‬وفرق ‬وطنية ‬تواصل ‬التألق ‬وتخطيط ‬متواصل ‬يجعل ‬من ‬كرة ‬القدم ‬رافعة ‬تنموية ‬كبيرة    مونديال 2026.. جزيرة كوراساو الضيف المفاجأة    أمريكا تقدم "خطة السلام" في أوكرانيا    الملك يبارك اليوم الوطني لسلطنة عمان    أوكسفام: "ثروات الأثرياء" في ارتفاع    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الخميس    منظمة الصحة تحتاج إلى مليار دولار    كأس ديفيس: المنتخب الايطالي يتأهل لنصف النهاية على حساب نظيره النمساوي    معمار النص... نص المعمار    المهرجان الدولي للفيلم بمراكش يعلن عن تشكيلة لجنة التحكيم    لوحة لغوستاف كليمت تصبح ثاني أغلى عمل فني يباع في مزاد على الإطلاق    "صوت هند رجب" يفتتح مهرجان الدوحة السينمائي2025    مهرجان الناظور للسينما والذاكرة المشتركة يخلد اسم نور الدين الصايل    الأكاديمية الفرنسية تمنح جائزة أفضل سيرة أدبية لعام 2025 إلى الباحث المغربي مهدي أغويركات لكتابه عن ابن خلدون    الوصايا العشر في سورة الأنعام: قراءة فقهيّة تأمليّة في ضوء منهج القرآن التحويلي    ارتفاع معدلات الإصابة بارتفاع ضغط الدم لدى الأطفال والمراهقين بواقع الضعف خلال العقدين الماضيين    أطباء يوصون بتقليل "شد الجلد" بعد الجراحة    الإنعاش الميداني يجمع أطباء عسكريين‬    المسلم والإسلامي..    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحرية والأخلاق- بقلم المقرئ الإدريسي أبو زيد


لقد عرف مفهوم الحرية عبر مساره توجهين أساسين، الأول: ما يسميه محمد خاتمي بمسار الالتزام، وهو المرتبط بالرسائل السماوية ومبدأ العبودية لله عز وجل في إطار الاستخلاف والتسخير. أما التوجه الثاني: فقد طور مفهوم الحرية في اتجاه وضعي بشري دنيوي، متفلت من ضوابط المسار الأول، حيث نشأ مفهوم الحرية مضادا للحرية الملتزمة بدعاوى الثورة على القيد؛ ثم سرعان ما بدأ يضع قيوده الوضعية بتبرير الخضوع لمنطق الأشياء وضرورة تلافي الاصطدام بالفوضى وتعدي الحرية على حريات أخرى. لكن المأزق الذي يواجهه المسار الثاني المتفلت، بغض النظر عن المضامين اللاأخلاقية أو التدميرية الموجودة داخله، هو اصطدام هذا المفهوم بواقع الحاجة البشرية الاجتماعية إلى التقييد، فيشرع في وضع قيوده الخاصة به انطلاقا من العقل والتجربة والمواضعات البشرية، غافلا أنه بلور ذاته في مواجهة مفهوم القيد الذي جاء به الشرع. وهكذا يكون مفهوم الحرية في إطار الضوابط الشرعية على الأقل منسجما مع نفسه، بغض النظر عن جودة مضامينه وسلامتها من التناقض، وتعالي مصدرها الذي هو الوحي، فهو لا يتناقض مع نفسه؛ لأنه ينطلق من وضع قيد على الحرية، وهو القيد الذي ليس لأحد الحق في أن يضعه إلا المشرع سبحانه وتعالى، فالحرية وفق هذا التصور حق مقدس وبعد فطري، وحيوية للإنسان مثل الأوكسجين، والذي يضع قيدا للحرية هو خالقها الذي خلق الإنسان. وعليه، فللحرية مفهومان: الأول ينطلق من مفهوم القيد وهو منسجم معه، والثاني ينطلق ضد القيد ثم يضعه. ويبقى السؤال الحقيقي في من له الحق أن يضع القيد على الحرية؟ هل الإنسان الذي يشرع لأخيه الإنسان فيسقط في أحابيل التأله والاستصنام والاستعباد لأخيه الإنسان؟ أم الله عز وجل الذي خلق هذه الحرية، وهو الوحيد الذي له الحق في أن يصادرها أو أن يحد منها متى شاء؟ وإذا دخلنا بعد هذا التحليل الأولي في مضمون الحرية، فسنجد أن ضوابط الحرية المنبثقة من مبادئ الالتزام الديني هي ضوابط منسجمة مع الحاجات الإنسانية والفطرة الإنسانية ومع حدود الحرية وحدود التعدي من الجهة الأخرى، مع حفظ المصالح الحيوية للإنسان وهي: حفظ العقل والدين والنسل والمال والعرض، وأن الحرية إنما يوضع لها حد عندما تصبح انفلاتا وتعديا. وكلمة قيد ليست بالضرورة سلبية إلا إذا كنا نستبطن مفهوما فوضويا للحرية، فمن ينطلق من الفلسفة الفوضوية للحرية مثل الفلسفة الباكونية أو الأنارشية مثلا، يرى أن كلمة قيد أساسا كلمة سلبية، أما إذا تبنينا مفهوما منضبطا وملتزما ومسئولا للحرية، فإن السؤال ليس: هل القيد جيد أو سلبي؟ بل هو: أي نوع من القيد هو الجيد؟ وأي نوع من القيد هو الرديء؟ فالأمر يتعلق بتصورنا للقيد، فلنتصور على سبيل المثال التقريبي ماء متدفقا في الأرض، إذا قيدناه من جنباته أعطاك نهرا متدفقا، ومضى من الجبل إلى السهل إلى البحر، ليصبح نهرا دفاقا مباركا، ولنفترض أن النهر تكلم وكان فوضوي الفكر، وطالب بإزالة الحدين الأيمن والأيسر، وقتها سيصبح مستنقعات تشيع منها الملاريا وأنواع البعوض والدمار، ولضاع الماء وضاع الخير الذي ينتج عن الماء، ولتحول إلى شر على الأراضي الفلاحية والمنشآت والبشر والحيوانات، وبالتالي هل نتصور القيد بتصور النهر بجنباته أم كسد مانع؟ وحتى السد قد يصبح ضروريا في بعض الأوقات لتجميع الماء ليكون بحيرة للسقي والشرب وتوليد الكهرباء. فإذا كانت الأخلاق تضع قيودا خلاقة على الحرية من أجل ألا تكون الحرية مدمرة للذات، فإننا لن نقف عند لفظة القيد ولا نأبه لها. وهو ما نفسره أيضا بوقوفنا أمام الإشارة الحمراء في طريق المرور، فالوقوف ليس بسبب عقلية تقييدية قاهرة ومتسلطة تريد إجبارنا على فرملة السيارة لحظة الانطلاق المنتشية بسرعة الاندفاع بالسيارة، ولكن الإشارة الحمراء توقف إنقاذا من الذين يأتون في الاتجاه المتقاطع، ولهم الحق في أولوية المرور، وهي تحمي أيضا من الانطلاقة الرعناء التي تنتج الصدام المفضي إلى الموت والمقبرة، وهي أيضا تنظيم عادل لمبدأ ممارسة حرية المرور بالتناوب؛ فالمشكلة لا تكمن في القيد، وإنما تكمن في المعنى الذي نعطيه للقيد والفلسفة أو الرؤية التي تؤطر مسألة التقييد أو عدم التقييد. وحين نتأمل مجمل القوانين - سواء كانت بشرية أو إلهية- نجدها لا توضع من أجل تقييد مجال الحركة، ولكن لئلا تتحول الحرية إلى أنانية متمركزة على الذات وملغية للآخر ولا تؤمن بأن الآخر يمثل حدا طبيعيا لحركتك ونفوذك وحقك. وبهذا المعنى الأخلاق هي التقييد النبيل للحرية؛ إذ يضع الإسلام ضوابط أخلاقية لتصرفات الإنسان، ومن أقواها الضوابط الجنسية، التي وضعها في وجه الفلتان الغريزي الذي هو شهوة كل الناس بتصريح القرآن الكريم بهذه الحقيقة الفطرية: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} (آل عمران/14)، وجاء التعبير بالنساء وليس بامرأة واحدة، ولكن هل يستطيع شخص من دعاة الإباحية والتفلت باسم الحرية الجنسية والحق في التصرف في الجسد أن يكذب على نفسه إلى ما لا نهاية في أن الاستجابة إلى شهوته ليست مؤذية وليست مضرة، بحجة الاختيار والحرية والاعتداء على المجتمع وعلى سلامة الأعراض والأنساب وتماسك الأسرة، وتهديد العالم بالسيدا وباقي الأمراض الجنسية؟! للحرية منطق داخلي يجب الاستجابة له، وهو المنطق الذي يجعل الحرية مسئولة ومنضبطة، وهذا يعود بنا إلى أهمية الإيمان بالوحي والتسليم بوجود الله عز وجل وجدوى الحاجة إلى التشريع من خارج الذات الإنسانية والعقل الإنساني وعدم تأليه الإنسان والعقل، تبعا للتجارب الإنسانية الحديثة التي أوصلت البشرية إلى ما وصلت إليه من دمار، ونستحضر في هذا السياق شهادة الفيلسوفروجي جارودي الذي يؤكد باستمرار الفرق بين المجتمع الكارثة والمجتمع الإنسان ألا وهو الإيمان أن الإنسان لا ينهض لوحده، بل محتاج إلى الله لكي يشرع له الضوابط والحدود، ويرسم له البوصلة التي توجهه نحو طاقة الخلق والإبداع، وتقيه الدمار والانتحار.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.