توفى ملك الموت الأخ الفريد جواد بنامغار مساء يوم الأحد 27 ربيع الثاني 1426 الموافق 5 يونيو 2005 عن سن تناهز اثنين وأربعين عاما، وخرج من هذه الدنيا وهو لا يزال في سن الشباب. خرج من هذه الدنيا وقد جمع له الله العلي الأعلى بين عدة مزايا وعطايا تؤهله والله أعلم ليكون ضمن السبعة الذين يظلهم الله يوم لا ظل إلا ظله: كان هذا الجواد الفريد النادر أخي وصديقي ورفيقي في درب الدعوة الإسلامية والصحوة الإسلامية والحركة الإسلامية المعاصرة منذ أن كان تلميذا في ثانوية سيدي عيسى بسوق أربعاء الغرب رفقة زمرة من الفتية الذين آمنوا بربهم وزادهم هدى وآتاهم تقواهم، إذ قاموا فقالوا لعتاة الأساتذة الملحدين والشيوعيين والدهريين ربنا رب السماوات والأرض لن ندعو من دونه إلها، وإن الإلحاد هو الأفيون الحقيقي للشعوب لأنه يسهل على الطغاة طغيانهم وتألههم. ورغم أن أساتذتهم كانوا منكرين للدين، ليس عن عقيدة ولكن عن سياسة، فقد انتزعوا الإعجاب منهم ومن الإدارة ومن عموم التلاميذ، فكانوا في طلائع المتألقين دراسيا وأخلاقيا ودعويا، واستحقوا أن يكونوا من السابقين الأولين إلى إحياء الدين واجبا وسنة وهم صغار في أعين الكبار. وليس هذا فحسب، بل إن هذا الجواد الفريد استمر يتسلق منازل العلم والدعوة حتى نال شهادات علمية عن جدارة واستحقاق، هو والذين معه. فهو إذن شاب نشأ في عبادة الله وفي العلم بالله أيضا، ويعرفه في هذا زملاؤه في الهيئة الوطنية لعدول المغرب حيث كان العضو النشيط في لجنتها العلمية وجاهد فيها حق الجهاد بكل إيثار ودون إثارة. وثالثا، عرفته المساجد ومحاريبها ومنابرها وكراسيها العلمية في عدة مناطق من المغرب، خاصة في مدينتنا سوق أربعاء الغرب ونواحيها، ولن أنسى ما بقي لي من العمر في هذه الدنيا أننا كنا جنبا إلى جنب في أول اعتكاف بمسجد الفتح، يقبض بأصابعه اللينة على يدي قياما وقعودا وعلى جنوبنا، وفي يقظتنا ومنامنا، وفي بيته وبيتنا، فهو إذن شاب قلبه معلق بالمساجد. وقد صاحبه هذا التعلق إلى أن صار خطيبا لمسجد بدر في المدينة نفسها ورئيس اللجنة التنظيمية للمسجد ذاته رغم تعيينه مندوبا إقليميا لوزارة الأوقاف بكلميم في أواخر أيامه. وإن رحلة هذا الجواد الفريد في هذه الحياة لتمثل صفحة حية من صفحات الصحوة الإسلامية في هذا الزمان، رحلة جديرة بالتوثيق والتأريخ والتحليل والتركيب لفتى من فتيان البعث والتجديد الإسلامي، لم تفتنه المذاهب والملل والنحل والمحن والمنح عن الاعتصام بحبل الله المتين حتى لقي الله ثابتا محتسبا. عندما داهمه مرض الموت، أدرك بقلبه الحي أنه خارج لا محالة من هذه الدنيا، فأوصى بأن يتولى غسله وتكفينه فقيه الصلوات الخمس، وهو شاب آتاه الله حلاوة الصوت وجمال الأداء في تلاوة كتاب الله. حدثني هذا الإمام أنه تلا على الراحل آيات بينات من سورة طه، فلما بلغ قوله تعالى (منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى) رأى جوادا يتبسم. بسمة بقيت ناطقة على محياه وهو يوارى جوف التراب. حق لك أن تتبسم يا أخي جواد، وبشرى لك ولأهلك ولوالدتك ولأبيك ولأختك ولكافة إخوانك بابتسامة يوم الخروج، يوم كشف المولى عنك الغطاء فصار بصرك حديدا، ورأيت ما رأيت. عندما يموت الميت، يرسل رسائل متعددة إلى كل من علم بوفاته وشهدها من قريب أو بعيد، وكل واحد يستطيع أن يقرأها ويفك ألغازها إن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. ولقد أرسل الجواد الراحل رسائله في فترة المرض وفي لحظة الموت، وعلينا أن نقرأها قبل أن تخرج أرواحنا من أجسامنا، وذلك يسير على من خرج من داعية الهوى والنفس إلى داعية التقوى والخلود. لك الرحمة والمغفرة يا أيها الجواد الراحل، ولنا ولأهلك الذين صبروا صلوات من الله ورحمة وهداية. إنا لله وإنا إليه راجعون. حسن السرات