إذا حضر الاحتراف، يغيب الاختلاف أو التنازع: من يحمي الدستورانية في المغرب؟        وقفة احتجاجية بألميريا للمطالبة بكشف مصير المختفي مروان المقدم    يوليوز 2025 هو الأقل حرارة في 6 سنوات في المغرب.. لكنه "مخادع" مناخيا    أول تصريح لحكيمي منذ اتهامه: "ما حدث كان مؤلما وغير عادل"    خط بحري جديد لنقل الفواكه والخضروات المغربية نحو أوروبا    قادة أوروبا يؤكدون دعم أوكرانيا ويواصلون الضغط على روسيا    لماذا غابت القوى اليسارية والعلمانية عن مشهد تحرير سوريا؟    حادث شغل يودي بحياة عاملة زراعية مغربية في إسبانيا    مداخل المرجعية الأمازيغية لبناء مغرب جديد    مجلة الشرطة.. ملف خاص حول الدورة السادسة لأيام الأبواب المفتوحة للأمن الوطني    ميسي يواصل الغياب عن إنتر ميامي بسبب إصابة عضلية طفيفة    السكيتيوي يكشف عن تشكيلة المنتخب المحلي أمام كينيا            تشاد.. 20 عاما سجنًا لرئيس الوزراء السابق    بعد انهيار قاتل.. منجم نحاس في تشيلي يستأنف العمل    المغرب يكرم أبناءه بالخارج ويبرز جهود رقمنة الخدمات الموجهة لهم    استطلاع: غالبية الألمان تشاجروا مع شركاء حياتهم عبر رسائل نصية    محتجون بطنجة ينددون بتجويع غزة    دراسة: الفستق مفيد لصحة الأمعاء ومستويات السكر في الدم    ارتفاع ودائع الجالية في البنوك المغربية إلى 213,2 مليار درهم    حكيمي: أستحق الكرة الذهبية أكثر من أي مهاجم    سلطات خريبكة تمنع وقفة احتجاجية حول أزمة الماء    رحيل الشيخ مولاي جمال الدين القادري بودشيش... مسك ختام لمسيرة علم وعرفان امتدت لأكثر من نصف قرن    آلاف المتظاهرين في تل أبيب احتجاجا على الخطة الإسرائيلية للسيطرة على غزة    4 قتلى في محاولة اقتحام مركز شرطة بإيران    استشهاد 37 فلسطينيا بنيران الجيش الإسرائيلي في غزة معظمهم من منتظري المساعدات    دراسة تحذر.. البريغابالين قد يضاعف خطر فشل القلب لدى كبار السن    حادثة سير تحت جنحة الفرار تقود درك الجديدة الى تفكيك مخزن للوقود المهرب    الملك يعزي في وفاة جمال الدين بودشيش    "لوموند": إيلون ماسك يستلهم تحركاته من شخصية روائية    البرتغال.. المحكمة الدستورية تمنع مشروع قانون يقيد الهجرة    فرقة مركز البيئة للدرك الملكي تحجز 12 كلغ من اللحوم مجهولة المصدر بموسم مولاي عبد الله أمغار    ماذا نعرف عن فيروس "شيكونغونيا" الذي أعاد شبح "كورونا" إلى العالم؟    "نونييس" يكلّف الهلال 53 مليون يورو    العالم يختنق بحرارة غير مسبوقة وما هو قادم أسوأ من الجحيم    إطلاق "GPT-5" يكشف فجوة بين طموحات "OpenAI" وتجربة المستخدمين    20 عاما سجنًا لرئيس وزراء تشاد السابق    عمل جديد يعيد ثنائية الإدريسي وداداس    ودائع البنوك تتجاوز 1300 مليار درهم    الوداد يعلن التعاقد رسميًا مع الصبار    ليفاندوفسكي ولامين جمال يتبادلان اللكمات في تدريب طريف (فيديو)    سقوط شاب من قنطرة وسط طنجة أثناء تصوير فيديو على "تيك توك" (صور)    مشروع قانون المالية 2026 : المغرب يسرع التحول الاقتصادي بمشاريع كبرى    العودة الكبرى لنجوم مسرح الحي    الصخيرات تستعد لاحتضان الدورة الرابعة من مهرجان "تيم آرتي" بحضور 16 فنانا بارزا    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    80% من المقاولات تعتبر الولوج للتمويل البنكي "عاديا" في الفصل الثاني من 2025    "رابأفريكا" ينطلق بحضور جماهيري لافت    "زومبي" الرعب وموت أخلاق الحرب    وفاة محمد المنيع عمدة الفنانين الخليجيين    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    المغرب يواجه ضغوطا لتعقيم الكلاب الضالة بدل قتلها        الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البُكم الحكومي - بقلم حسن بويخف
حسن بويخف
نشر في التجديد يوم 22 - 03 - 2011

في أقل من شهر أصيبت حكومتنا الموقرة، على شاكلة أزمات الربو لدا الأطفال، ب ''أزمة بكم'' للمرة الثانية على التوالي. وأزماتها هذه تصيب البلاد بعدم الاستقرار بشكل خطير، وتصيب العباد بخيبة أمل كبيرة لا يخفف من وطأتها سوى دخول المغرب اليوم في ورش مراجعة الدستور، ويتوقعون أن يعالج الحكومة من مرضها المزمن والخطير، ويسقط ''حكومة الديكور'' ويحرر الحكومات بعدها من مس ''شيطان السياسة'' القاتل.
استغرقت ''أزمة البكم'' الأولى التي حلت بالحكومة، قرابة أسبوعين بلعت خلالها لسانها، على شاكلة ما يصيب المصابين بالصرع، واستيقظت من غيبوبتها بإعلان بلاغها المشهور حول الإدماج المباشر لحامل الشواهد المعطلين. بعد أن قضى المجازون قرابة نصف شهر وهم يودعون ملفاتهم على ''وهم'' وجود مناصب شغل تدمجهم مباشرة على غرار حاملي الدكتوراه والماستر. ليصدموا بالبلاغ الحكومي الذي أشعل بعدها نارا كان بالإمكان تفادي حرائقها في شوارع الرباط لو أن الحكومة ''تكلمت'' في الوقت المناسب.
ولم يمض أسبوعان اثنان، تجرعت خلالهما الحكومة مرارة صمتها وفق المثل المغربي القائل: ''لي دارها بديه إفكها بسنيه''، حتى حلت بها ''أزمة بكم'' ثانية لا تقل خطورة عن الأولى. فطيلة الأسبوع المنصرم، وإلى حدود كتابة هذه السطور، ترك ''البكم الحكومي'' المغاربة يعيشون شائعات من العيار الثقيل. شائعات تجاوز غليانها الصفحات الورقية والالكترونية لوسائل الإعلام، بل تعداه إلى مئات الأسر وعشرات من الحقوقيين والصحافيين و السياسيين. فالحكومة، وكأنها في تعيش في ''جزر الوقواق'' كما يقول المثل الشعبي، لم تتفاعل، لا سلبا ولا إيجابا، مع الأخبار التي راجت بقوة كبيرة وواسعة تتحدث عن وجود عفو سياسي ملكي يهم المعتقلين السياسيين الخمسة وبعضها يتحدث عن عفو يشمل أيضا معتقلي الرأي من السلفيين وباقي المعتقلين على خلفية الإرهاب.
إن المطلوب هنا لا يتعلق بمجرد تفاعل مع شائعة، إذ ليس من وظيفة الحكومة رصد الشائعات والرد عليها، بل يتعلق الأمر بملف حساس انتقل من مستوى الخبر إلى مستوى العمل، يفرض التدخل السريع لوقف تفاعلاته. لكن ''البكم الحكومي'' جعل ، ولأيام بلياليها، أسر المعتقلين بكل أصنافهم ومحاميهم وممثلي الجمعيات الحقوقية وممثلي وسائل الإعلام الوطنية والأجنبية، يحجون إلى سجن الزاكي بسلا، يرقبون باب السجن في انتظار خروج هؤلاء المعتقلين. ومن الأسر من أحضر الورود والحلويات وهيأ كل أسباب الاحتفال بحدث لا يقل أهمية عن حدث الإعلان عن فتح ورش مراجعة الدستور. لكن أياما طوالا مرت ولا شيء خرج من السجن، لم يخرج المعتقلون ولا خرج الخبر اليقين. كل ما هنالك أن الحكومة غائبة كلية والسجناء، بما فيهم المعتقلون فيما سمي مجموعة التامك، ''خرجوا'' جميعا وغادروا السجن على صفحات الجرائد!
لم تتعظ الحكومة المريضة من مخلفات أزمتها مع المعطلين، وهي الأزمة التي خلفت تنسيقيات من مجموعات المجازين العاطلين مؤلفة عبأت آلافا قرروا النزول باستمرار إلى شوارع الرباط في احتجاجات إلى أن تلبي الحكومة ''حقهم'' بدورهم في الإدماج المباشر في الوظيفة العمومية.
والأزمة الثانية أنتجت هي الأخرى مضاعفات إنسانية خطيرة، حيث أن عناصر من معتقلي السلفية تمكنوا مرة أخرى، ويا للعجب العجاب، من اعتلاء حائط السجن بسلا مهددين بالانتحار إذا لم يشملهم العفو بدورهم. وبالفعل نفذ ثلاثة منهم محاولة انتحار واحد بسقوطه من فوق الحائط والثاني بإشعال النار في جسده ويلحق به آخر في محاولة إنقاده، والرابع وضع حبله في عنقه وربطه بقدميه وهو ينتظر ساعة التنفيذ. عن أي عفو يتحدثون؟ ومن يهمهم ذلك العفو؟ لا شئ رسمي، لا نفي ولا تأكيد ! والأكبر من هذا أن المعتقلين في ملف الإرهاب في كل السجون المغربية دخلوا في إضراب وطني قد يتطور إلى كارثة إنسانية لا قدر الله، حيث يخشون من أن يطلق سراح المعتقلين السياسيين الخمسة بالفعل ويطوى الملف ويطويهم النسيان في السجون.
هذه ''الأزمات''، التي تنتج عن غياب التفاعل الحكومي السريع والتواصل من خلال ما أوتيت من صنوف وسائل الإعلام، تنضاف إلى سلسلة ''أزمات البكم الحكومي'' المعروفة والموروثة مند عدة عقود، (هذه ''الأزمات'') لا تكشف فقط عن فشل الحكومة وضعفها وعجزها ... فهذه الأمور أصبحت من المعلوم بالضرورة في السياسة المغربية. لكن الذي يؤكده ''البكم الحكومي المشؤوم'' هو من جهة أولى إفلاس المنظومة السياسية والقانونية والدستورية التي أفرزت ''الحكومة-الديكور''. ومن جهة ثانية تكشف خطورة ''الحكومات الديكور'' على استقرار البلاد وعلى سمعتها وصورتها، وعلى كرامة المواطنين وحقوقهم، بما يعني أن زمانها قد ولى واستمرارها يهدد مستقبل البلاد بعدم الاستقرار.
خطورة ''حكومات الديكور'' يكشفها عجزها حتى عن التدخل ولو بتوضيح إعلامي على شاكلة ''نفى مصدر حكومي الأخبار التي ...''، وعاجزة عن إصدار بلاغ في الوقت المناسب، مثلما تأخر صدور بلاغها حول الإدماج المباشر لحاملي الشواهد في الوظيفة العمومية. والواقع أن المطلوب أن تقوم به حكومة حقيقية هو فتح تحقيق في ملفات التلاعب بعواطف المواطنين ومحاسبة المتورطين والفاشلين في القيام بالواجب، وتعويض المتضررين والاعتذار للمواطنين إن لم يستقل الوزير أو الوزراء المعنيون. يعلم المغاربة علم اليقين أن الحكومة ''مصابة بمس من شيطان السياسة'' يكمم فمها ويوجه أعمالها ويتركها تدفع الثمن غاليا بعد ذلك.
إن المنظومة التي أفرزت ''الحكومة الديكور'' تمتد جذورها إلى الدستور الحالي، وترعاها المنهجية غير الديمقراطية المهيمنة في تدبير الشأن العام، ويغذيها الانفصام عن قيم حقوق الإنسان وثقافة احترام المواطن.
إن السؤال الأكثر أهمية في هذا الصدد هو هل ينجح ورش مراجعة الدستور في إسقاط ''الحكومات الديكور'' وفي تخليص ما يستقبل من الحكومات من ''شيطان السياسة'' اللعين؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.