علم تاريخ الرّواة كما هو معروف فعلم الحديث يتناول بالدراسة السند والمتن، والسند هو سلسلة الرواة الذين رووا الحديث، وهم موضوع علم الرجال، الذي ينقسم إلى علمين: علم تاريخ الرواة، وعلم الجرح والتعديل. علم التاريخ فعلم تاريخ الرواة: هو العلم الذي يُعَرِّفُ برواة الحديث من الناحية التي تتعلق بروايتهم للحديث، فهو يتناول بالبيان أحوال الرواة، بذكر تاريخ ولادة عنهم، ووفاته، وشيوخه، وتاريخ سماعه منهم، ورحلاته إليهم، ومن روى عنهم، وبلادهم ومواطنهم، وتاريخ قدومه إلى البلدان المختلفة، وسماعه من بعض الشيوخ قبل الاختلاط أو بعده، وغير ذلك مما له صلة بحياة الراوي الحديثية. وقد أطلق عليه بعض العلماء علم التاريخ وسماه البعض تاريخ الرواة، أو وفيات الرواة، ومنهم من اختار له اسم التواريخ والوفيات. غاية علم تاريخ الرواة نشأ هذا العلم مع نشأة الرواية في الإسلام، واهتم العلماء به ليتمكنوا من معرفة رجال الأسانيد، حرصاً على السنة الطاهرة وصيانة لها. فبهذا العلم أمكن للعلماء التحقق مما يرويه الرواة من سماع، ومعرفة السند المتصل من المنقطع، والمرسل من المرفوع. وكان التاريخ خير سلاح يتسلح به العلماء تجاه الكذابين، قال الإمام سفيان الثوري: لما استعمل الرواة الكذب استعملنا لهم التاريخ (1). وروى عفير بن معدان الكلاعي قال: قدم علينا عمر بن موسى حمص، فاجتمعنا إليه في المسجد فجعل يقول: حدثنا شيخكم الصالح، فلما أكثر قلت له: من شيخنا الصالح سمه لنا نعرفه، فقال: خالد بن معدان. قلت له: في أي سنة لقيته؟ قال: لقيته سنة ثمان ومائة. قلت: فأين لقيته؟ قال: في غزاة أرمينية. فقلت له: اتق الله يا شيخ، لا تكذب، مات خالد بن معدان سنة أربع ومائة، وأنت تزعم أنك لقيته بعد موته بأربع سنين.. وأزيدك أخرى: أنه لم يغز أرمينية قط، كان يغزو الروم. (2) المصنفات في علم التاريخ وكان من آثار النشاط العلمي أن اجتمعت لدى العلماء ثروة كبيرة من تراجم الرجال وأخبارهم على مختلف طبقاتهم ومواطنهم وعصورهم، حتى إذا ما أشرق عصر التدوين والتصنيف طالعتنا المصنفات الكثيرة في هذا الباب. وقد اختلفت طرق المصنفين في تاريخ الرواة، فمنهم من صنف على الطبقات، فتناول أحوال الرواة طبقة بعد طبقة، (والطبقة تمثل جماعة من الرواة عاشوا في عصر واحد تقريبا)، ومنهم من صنف على السنين، فيذكر سنة وفاة الراوي، ويترجم له، ويذكر أخباره، وواضح هذا المنحى في تاريخ الإسلام للذهبي. ومن العلماء من صنف تاريخ الرواة على حروف المعجم، وعلى هذه الطريقة ألف البخاري كتابه التاريخ الكبير. ومن أقدم ما صنف في هذا كتاب "الطبقات الكبرى" لمحمد بن سعد كاتب الواقِدِيّ (3) ومن أجمع كتب تراجم رواة الحديث كتاب (تهذيب التهذيب) للحافظ أحمد بن علي (ابن حجر) العَسْقَلانيّ. طبع في اثني عشر مجلداً. والمصنفات في تاريخ الرواة، وأنسابهم، والمشتبه من أسمائهم كثيرة جداً، تربو على ثلاث مائة مصنف، يستوعب أصغرها المجلد والمجلدين، وأوسطها ما بين ثلاث مجلدات وعشر مجلدات، وأما المبسوط منها ففوق ذلك، حتى إن بعضها يقع في سبعين مجلداً أو أكثر كتاريخ دمشق لابن عساكر. إعداد: خليل بن الشهبة