فتح بحث قضائي حول تعرض بعض المواطنين المغاربة للاحتجاز من طرف عصابات إجرامية ناشطة بميانمار    المشروع العملاق بالصحراء المغربية يرى النور قريبا    روسيا تسيطر على 3 بلدات جديدة والمعركة مستمرّة    زعيم المعارضة في إسرائيل: عودة الرهائن أهم من شن عملية في رفح    "تسريب أسرار".. تفاصيل إقالة وزير الدفاع الروسي    الجيش والمولودية يكملان ركب المتأهلين إلى نصف نهائي كأس العرش    أخنوش يلتقي الرئيس العراقي والارتقاء بعلاقات البلدين في صدارة المباحثات    تعزيز التعاون القضائي محور مباحثات السيد الداكي مع نائب وزير العدل الصيني    الحسيمة.. درك النكور ينهي نشاط مروج مخدرات مبحوث عنه وطنيا    يعالج حموضة المعدة ويقي من الاصابة بالسرطان.. تعرف على فوائد زيت الزيتون    النيابة العامة تدخل على خط احتجاز مغاربة بميانمار    خلال أربعة أشهر.. كمية مفرغات الصيد الساحلي والتقليدي بميناء العرائش يصل ل6177 طنا    جامعة كرة القدم تصدر عقوبات تأديبية    الجيش يتأهل لنصف نهائي كأس العرش    قمصان جديدة ل"أديداس" بلمسة مغربية    قطر تستضيف النسخ الثلاث من بطولة كأس العرب لسنوات 2025 و2029 و 2033    "بلومبيرغ": المغرب يُثبت أسعار الفائدة بينما يُواجه الفاتورة الباهضة لإعادة إعمار الزلزال    وزير النقل يعلن عن قرب إطلاق طلبات العروض لتوسيع مطارات طنجة ومراكش وأكادير    وزير الفلاحة يفتتح الدورة الثالثة للمنتدى الدولي للصناعة السمكية بالمغرب    شركة تنفي استعمال الغاز والتسبب في اختناق عشرات التلاميذ بالدار البيضاء    تعبئة 10 ملايين درهم لإعادة استعمال المياه العادمة المعالجة لسقي المساحات الخضراء بمدينة الحسيمة    "فايننشال تايمز": واشنطن تشجع المغرب ودول عربية على الانضمام إلى "القبعات الزرق" في غزة    الجيش الملكي يقتنص تأهلا مثيرا لنصف نهائي كأس العرش على حساب أولمبيك الدشيرة    الأمثال العامية بتطوان... (599)    رئيس سلوفاكيا في حالة حرجة بعد تعرضه لمحاولة اغتيال    سفر أخنوش يؤجل اجتماع المجلس الحكومي    انتخاب المحامية كريمة سلامة رئيسة للمرصد المغربي لمكافحة التشهير والابتزاز    "الحج والعمرة السعودية" توفر 15 دليلًا توعويًا ب16 لغة لتسهيل رحلة الحجاج    النصيري على رادار مدرب إشبيلية السابق    ما حاجة البشرية للقرآن في عصر التحولات؟    بعثة المنتخب الوطني المغربي النسوي لأقل من 17 سنة تتوجه إلى الجزائر    إضراب كتاب الضبط يؤخر محاكمة "مومو" استئنافيا    وسط "تعنت" ميراوي .. شبح "سنة بيضاء" بكليات الطب يستنفر الفرق البرلمانية    تطوان تستضيف الدورة 25 للمهرجان الدولي للعود    مدينة محمد السادس طنجة تيك تستقطب شركتين صينيتين عملاقتين في صناعة مكونات السيارات    إلزامية تحرير الجماعات الترابية من « أشرار السياسة »    النقابة الوطنية للتعليم fdt وضوح وشجاعة لاستشراف المستقبل        التويمي يخلف بودريقة بمرس السلطان    وفاة "سيدة فن الأقصوصة المعاصر" الكندية آليس مونرو    دراسة: صيف 2023 الأكثر سخونة منذ 2000 عام    "الصحة العالمية": أمراض القلب والأوعية الدموية تقتل 10 آلاف شخص يوميا في أوروبا    جمعية علمية تحذر من العواقب الصحية الوخيمة لقلة النوم    دراسة: الحر يؤدي إلى 150 ألف وفاة سنويا على مستوى العالم    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على أداء سلبي    قصيدة: تكوين الخباثة    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    زنيبر: رئاسة المغرب لمجلس حقوق الإنسان ثمرة للمنجز الذي راكمته المملكة    الرئيس السابق للغابون يُضرب عن الطعام احتجاجا على "التعذيب"    رجوى الساهلي توجه رسالة خاصة للطيفة رأفت    معرض الكتاب يحتفي بالملحون في ليلة شعرية بعنوان "شعر الملحون في المغرب.. ثرات إنساني من إبداع مغربي" (صور)    وفاة عازف الساكسفون الأميركي ديفيد سانبورن عن 78 عاما    رسالتي الأخيرة    لقاء تأبيني بمعرض الكتاب يستحضر أثر "صديق الكل" الراحل بهاء الدين الطود    الأمثال العامية بتطوان... (598)    السعودية: لاحج بلا تصريح وستطبق الأنظمة بحزم في حق المخالفين    الأمثال العامية بتطوان... (597)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قرأت لكم : تعليق على مسيرتي في البحث ليوسف بن إيليزر
نشر في أزيلال أون لاين يوم 28 - 08 - 2009

قرأت لكم : تعليق على \"مسيرتي في البحث\" ليوسف بن إيليزر
بسم الله الرّحمن الرّحيم
أثناء تصفّح موقع على شبكة الإنترنيت عرضت لي وصلة إشهاريّة لكتيّب بعنوان: \"مسيرتي في البحث\" لكاتبه يوسف بن إيليزر وهو من منشورات دار المحراث لسنة 2007 فقرّرت تحميله إلى حين التّفرّغ لقراءته والتّعليق عليه، والكتيّب عبارة عن سيرة ذاتية تصف معاناة أسرة بولنديّة استوطنت ألمانيا عند بداية القرن المنصرم، وتسرد بتفصيل ذكريات الكاتب عن الحرب الأوروبّيّة الثّانية، عن \"معاداة السّامية\" وعن الحياة الدّينيّة ونشاط الوكالة اليهوديّة واللّجوء إلى سيبيريا فإيران، ثمّ الوصول فلسطين في شهر شباط 1943 لغرض الاستيطان، فالانتساب إلى إعداديّة الزّراعة بأقدم مستوطنة صهيونيّة بفلسطين أسّسها تشارلز نتر (CHARLES NETTER) سنة 1870، وبداية البحث عن عمل بعد التّخرّج وعن الانتماء لجماعة شتيرن والانضمام إلى الصّراع المسلّح الدّائر وقتها بين العرب واليهود، فالبحث عن العائلة وعن الاستقرار والاستمرار في البحث عن السّلام إلى أيّامنا هذه
والواقع أنّ الكتيّب يفيد عند عرض أحداث تلك الفترة شهادة مهمّة عن العصر تتمثّل فيما يلي:
(1 الإشارة إلى ما كانت تقوم به المحافل الصّهيونيّة من تعبئة في صفوف يهود أوروبّا المتديّنين منهم وغير المتديّنين فعلى الصّفحتين 12 و13 يقول ما نصّه: (بعد إيقاد الشّموع كنّا نذهب أنا ووالدي وليو إلى الكنيس لتأدية صلوات المساء، وكانت الصّلوات العريقة التي يؤدّيها الشّمّاس تحرق الفؤاد، كنت أفهم بعض الكلمات العبريّة فقطّ إلاّ أنّ ما يثيره لحن تلك الصّلوات من مشاعر كان يعبّر بوضوح عن الاضطهاد والمعاناة التي قاساها شعبنا وعن الشّوق لله وللخلاص، ولا أزال أعيش تلك الأمسيّات التي كنّا نقيمها أيّام الجمع عندما كنت أختلي بنفسي لأسمع تسجيلات يوسيل روزنبلات (YOSSELE ROSENBLATT)... اعتاد والدي أن يأخذني معه بعد وجبة طعام دسمة عندما تهدأ الأمور في فترة ما بعد الظّهر إلى بيت الحاخام، إذ كان هذا اللّقاء محور الحياة الرّوحيّة للرّجال ومناسبة لتدارس الكتب المقدّسة والتّلمود، ولم يكن أخي يأتي معنا لأنّه كان منشغلا بنشاطاته ضمن حركة الشّباب الصّهيونيّ)
بينما يؤكّد على الصّفحة 48 انخراط المنظّمات الصّهيونيّة في التّعبئة على الميدان مستغلّة تواطؤ الانتداب البريطانيّ والتزامه بوعد بلفور بعد أن تمّ التّصويت على موضوع التّقسيم في هيئة الأمم لصالح إقامة دولتين فلسطينيّة وأخرى يهوديّة فيقول: (في تلك الفترة المؤقّتة من تشرين الثّاني 1947 وإلى غاية شهر أيّار 1948 شرعت مختلف المنظّمات السّرّيّة بالتّعبئة فعلا، وفي تلك الأثناء صار القتال الرّئيس بين اليهود والعرب، وكان البريطانيّون يعدّون العدّة للمغادرة فلم يهتمّوا لما كان يجري من أحداث بل غضّوا الطّرف عنها وكانوا يتدخّلون أحيانا لصالح إحدى الجهات ) بطبيعة الحال كانت تلك الجهة التي تدخّل الجيش البريطانيّ لصالحها هي إسرائيل عندما سلّم العتاد والذّخيرة والمواقع الهامّة للعصابات الصّهيونيّة وأسقط الطّائرات المصريّة التي حاولت إسناد العمليّات الميدانيّة للجيش العربيّ
(2 الإشارة إلى أن معلوماته عن المحرقة سماعيّة ولا تستند إلى التّجربة الشّخصيّة أو المعاينة حيث يذكر في الصّفحة 39 ما يلي: (عمل المعلّمون مرشدين وموجّهين في نفس الوقت، وكان أغلبهم من الأصوليّين الأرتذوكس، وغالبا ما كنت أثير الإزعاج في الصّفّ بطرح الكثير من الأسئلة حتى التي تتناول منها موضوع الإيمان نفسه، فما زلت أثور ضدّ فكرتي عن \"الله المتشدّد\"من جهة، ومن جهة ثانية بدأت صراعا آخر لمواجهة ما جرى في المحرقة النّازية ومحاولة الإجابة عن سؤال كان يؤرّقني هو: \" لماذا سمح الله بتلك المحرقة أن تحدث؟\"، كان بعض الأطفال قد أحضروا للتوّ مباشرة من المعسكر بوخنفالد (Buchenwald) النّازيّ للاعتقال فأخذوا يحدّثوننا عمّا حدث في ألمانيا، وكان أولئك الأطفال من نفس عمرنا إن لم يكونوا أصغر منّا إلاّ أنّهم كانوا كما العجزة من حيث أسلوب كلامهم وتصرّفاتهم، وقد هزّت هذه الأمور عقولنا وقلوبنا أجمعين)
وهذه ملاحظة جيّدة في اعتقادي قد تثير الانتباه إلى مدى ما أحرزت الوكالة اليهوديّة والمنظّمات الصّهيونيّة من نجاح باهر وإلى الآن سواء في فرض المحرقة (Holocaust) كمأساة تخصّ اليهود دون غيرهم، أو في تعميم هذه الفكرة على العالمين بوصفها إحدى الأساطير المؤسّسة للدّولة العبريّة، كما فد تثير تساؤلا جوهريّا في الوقت نفسه حول القوانين التي تمّ استصدارها في أوروبّا وأمريكا لمنع كلّ مسعى علميّ يتناول حقائق تلك الفترة الكالحة والمظلمة من تاريخ الإنسانيّة بالتّمحيص العلميّ وبالنّقد والمراجعة التّاريخيّين لأجل استبعاد ما تمّ ترويجه في هذا الصّدد من تلفيق، ولا يسع المرء سوى أن يستغرب تجريم الشّكّ وهو ممارسة فكريّة وعقلانيّة تحاول كشف الزّيف وتحرير الحقائق واستعادة جزء مهمّ من الواقع باستعادة الذّاكرة والتّاريخ المصادر
(3 الإشارة إلى التّركيز في عمليّة تهجير اليهود الأوروبّيّين على الأطفال والشّباب في المقام الأوّل رغبة في تنشئتهم على خدمة دولة إسرائيل بعد الإعلان عن قيامها، فهو يصف على الصّفحتين 35 و36 لحظة الوصول إلى فلسطين عبر قناة السّويس رفقة مجموعة من الأطفال قي مثل عمره، وذلك في شهر شباط من عام 1943 ثمّ التّوجّه إلى معسكر أتليت (ATLIT) الخاصّ بالاستقبال جنوب مدينة حيفا فيقول: (كانت أعمار الأطفال تتراوح ما بين الخامسة عشر والسّادسة عشر لذلك كان تصنيفهم ضمن مجموعات مهمّة شاقّة، لكنّ المسئولين عن معسكر الاستقبال حاولوا تشخيص بعض المشاكل الصّحّيّة التي كانت متفشّية بين هؤلاء الوافدين الصّغار، ومن ثمّة قرّروا إرسالهم إلى مناطق مختلفة لغرض الشّفاء فأرسلت أنا وجوديت إلى أورشليم، ونزلنا في مدرسة داخليّة للبنات بعد أن أخلينها وانتقلن إلى مجمّع سكنيّ تعاونيّ بالجوار (كيبّوتس Kibbutz)، وهي مدرسة تدعى (بيت تزيروت مزراخي Beit Tseerot Mizrachi)...
وبعد مضيّ ثمانية أسابيع عن الاستشفاء واسترداد العافية اجتمع المسئولون للنّظر في المكان الذي يجب أن ننتقل إليه، وكانت الأمّ المؤسّسة لحركة هجرة الشّباب YOUTH ALIYAH سيّدة يهوديّة أمريكيّة مسنّة تدعى هينرايتا شولد Henrietta szold أحبّت عملها وكرّست نفسها لخدمة أولئك الشّباب الذين كانت تحرص على مقابلة كلّ واحد منهم على حدة للسّؤال عن خلفيّته الثّقافيّة الاجتماعيّة والمذهبيّة، سألتني مع جوديت إن كان والدانا أصوليين فرددنا بالإيجاب، لذلك قرّر المسئولون إرسالنا إلى قرية تعاونيّة تدعى (مشاف سيدي يعقوب Moshav Sde Yaacov) وهي قرية صهيونيّة سكّانها أصوليّون معاصرون لكن ليسوا كاليهود المتشدّدين Hasidic Jews بلحى وخصال شعر جانبيّة بل كانوا حليقي اللّحى صهاينة مخلصون ومتفانون جدّا، وأثناء مباشرة الدّوام في المدرسة تعلّمت العبريّة وكان هذا شيئا جديدا إذ أنّ قسما منّا تعلّم كتابتها في بولندة ولكن لم يعرف أيّ واحد منّا كيف يتكلّمها)
في سياق \"لعبة الأمم\"، وبعد اكتشاف الذّهب الأسود في صحاري منطقة الشّرق الأوسط واتّفاق القوى الاستعماريّة على تصفية تركة ( الرّجل المريض) بموجب تفاهم (Mark Sykes & François Georges Picot) (سايكس/بيكو) السّرّيّ بين فرنسا وبريطانيا في مايّو 1916، و بفعل ما أحرزه ممثّل بريطانيا (هنري ماكماهون Henry Mac-Mahon) وضابط المخابرات البريطانيّة (توماس إدوارد لورنس (Thomas Edward Lawrence من نجاح في تأجيج الحركة الانفصاليّة ضدّ الأتراك العثمانيّين تحت مسمّى \"الثّورة العربيّة الكبرى\" ومسمّى \"القوميّة العربيّة\"، خفت تعاون صهاينة بارزين مع حكومة الرّايخ رغم ما كان يربطهم بها من صلات ويجمعهم بها من توجّهات جعلت الميز العنصريّ إلى الآن هو القاعدة (الدّينيّة والأيديولوجيّة ) التي تقوم عليها دولة العدوان، فبتخطيط القوى الاستعماريّة تمزّقت وحدة البلاد الإسلاميّة وبتشجيعها للانفصال تجزّأت بلاد العرب وغرقت في التّبعيّة،
وقد كانت فرنسا وبريطانيا المحرّض الرّئيس لكلّ حركة انفصاليّة تضعف الأمّة وتستهدف وحدتها وتوحّدها حول دولة جامعة خصوصا بعد التّأكّد من إصرار الفوهرر على حلّ (المسألة اليهوديّة) في مدغشقر وليس على حساب حليفه العثمانيّ بالأرض المقدّسة في فلسطين، فبعد أن يئس تيودور هيرتزل شخصيّا من تواطؤ \"البيت العالي\" على بيع الأرض المقدّسة أو المساومة عليها رغم ما عرض عليه من امتياز ومساعدة ومن هبات ماليّة، غيّرت الصّهيونيّة العالميّة الاتّجاه نحو معسكر الحلفاء بالكامل، وشجّعت يهود أوروبّا على الانخراط في المجهود الحربيّ للحلفاء بتشكيل اللواء اليهودي الذي حارب في صفوف الجيش البريطاني أيام الحرب الأوربّيّة الثانية، وقد كان هذا اللّواء هو النّواة الأولى التي شكّلت جيش العدوان الإسرائيليّ في يوم 26 مايو 1948 ، أي بعد اثنا عشر يوماً من إعلان قيام الدّولة بأمر من رئيس الحكومة المؤقتة آنذاك، ويمكن للمرء أن يتساءل عن دور القيادة الصّهيونيّة في الحرب الأوروبّيّة الثّانية إن كانت قد حاربت لإنقاذ اليهود كما تدّعي أم أنّها كانت تعدّ العدّة لخوض حرب عصابات ضدّ الفلسطينيّين لتهجيرهم عن أرضهم قسرا أو قتلهم في مجموعات، وذلك بتدريب كتائب جنود وألوية من القوّات المختلفة يستند الجيش إلى خبرتها العسكريّة والقتاليّة عند التّأسيس
وبالفعل فقد قام الجيش الإسرائيليّ كما هو معلوم بتجميع المنظمات الصّهيونيّة المسلّحة التي تعاونت مع الجيش البريطانيّ أثناء الحرب الثانية في فيالق ووحدات عسكريّة كانت نواتها الأولى هي منظّمة الهاجاناه ההגנה أو الدّفاع كما كانت تسمّي نفسها عندما أنشئت في مدينة القدس سنة 1921 حيث ارتبطت عضويّا بالمؤسّسات الاستيطانيّة العسكريّة والزّراعيّة التي كانت تهدف إلى التّوسّع ببناء المزيد من المستوطنات والمساعدة على تهجير يهود العالم بطريقة غير شرعيّة، وفي مرحلة لاحقة انضمّت إليها مجموعتا الإرجون ארגון أو (المنظمة العسكرية القومية ארגון צבאי לאומי إرغون تسفائي لئومي) وشتيرن (לוחמי חירות ישראל لحمي حيروت إسرائيل أو المحاربون من أجل حرية إسرائيل)، ولقد ارتكب جيش العدوان الإسرائيلي منذ نشأته عن عمد وبسبق إصرار العديد من المجازر لإرهاب الفلسطينيّين وترحيلهم عن مدنهم وقراهم وأراضيهم وممتلكاتهم، ومن أشهر هذه المجازر وأكثرها لؤما وفظاعة: مجزرة القدس في 07/10/1948، وحيفا في 16/01/1948، وطولكرم في 10/02/1948، ودير ياسين في 10/04/1948، وللعلم فإنّ إسرائيل تعتبر دولة عسكريّة بالكامل حيث إنّ معظم مواطنيها مجندون والبقيّة جنود احتياط لا يستثنى منهم إلاّ كبار السّنّ والأطفال
لقد نجح الحلفاء في التّكتّم عن الجرائم التي ارتكبتها الصّهيونيّة ضدّ الإنسانيّة كما استطاعوا صرف الأنظار عمّا كان لها من علاقات واضحة بالحركتين النّازيّة والفاشيّة
أوّلا: من خلال إعاقة متابعة بيشر اعتمادا على شهادة كاستنر الكاذبة في المحاكمة الصّوريّة بنورومبرغ تفاديا لما قد تثيره هذه المتابعة من تداعيات على قيام دولة إسرائيل، والتي كان من الممكن عند الشّروع فيها أن تفضح علاقة كاستنر نفسه وقياديي مجموعة الهاغاناه واشتيرن والأراغون وغيرهم من الزّعماء الصّهاينة بحكومة الرّايخ العنصريّة، وهو ما سيظهر الوجه القبيح للحركة برمّتها ويعرّي طابعها العنصريّ ويسلبها بالتّالي أهمّ وسائلها الدّعائيّة المتمثّلة في: ((الهولوكست)) و ((عقدة الذّنب)) التي ستستعملها لاحقا في طمس الوقائع وتزوير حقائق التّاريخ المعاصر وابتزاز العالمين.
ثانيّا: من خلال مساعدتها على تدمير معظم الوثائق التي تؤكّد تعاون لجنة الموساد التي تأسّست بتلّ أبيب سنة 1937 واتّخذت باريس مقرّا لها مع الغيستابّو والإس إس، وعلى اغتيال الشهود الذين يعرفون الكثير من حقائق التّعاون بين الصّهيونيّة والنّازيّة في مجموع التّراب الأوروبّيّ من نيقوسيا وبراغ إلى مدريد ولشبونة مثلما حدث مع النّازيّ أدولف إيخمان في مطلع السّتّينات، لكنّ تلك الدّول وإن استطاعت أن تنجح في إخفاء الحقيقة لفترة فإنّها لن تستطيع بالتّأكيد تغييبها تماما، لأنّ الحقيقة مآلها الظّهور بالرّغم من قوّة التّعتيم وعناد الإلغاء بإرادة الله، وبفضل مثابرة أولي العزم وصادقي النّية في كلّ الشّعوب!
وبهذا يتأكد كيف تتمّ معالجة الأخبار وهيكلة المعلومات بأسلوب الميديولوجيا أو الوسائطيّة المحدثة التي من ( فرط الشّفافيّة) تمسخ الشّفافيّة فتعمل عمل المرآة التي تعكس المواقع وتضحّي بالحقيقة، كيف أنّها تلمّع نشاط الدّولة الصهيونية وأيديولوجيتها العنصريّة التي لم تحد يوما عن التّعاون مع الإمبريالية العالميّة والتي لم يشترك قادتها كمجموعة حركيّة في الحلف المعادي للنازية إلاّ لمصالحهم الطبقية المعادية للشّعوب، وليس لإنقاذ اليهود كما يدّعون، وسيحين الأوان بكلّ تأكيد لكشف الدّور الذي قامت به القيادة الصّهيونيّة في الحرب الأوروبّيّة الثانية مهما عملت تلك القيادة ما في وسعها لطمسها!
وبه أيضا تصير الرّسالة المبثوثة عبر ما يُنَفَّذ على خلفيّة (النّظام العالميّ) من استراتيجيّات واضحة، تلك الاستراتيجيّات التي تجاوزت مستوى ما كان متوقّعا من قبل المؤرّخ هوبكنز وأمثاله من الكتّاب والمفكّرين لاسيما ما تعلّق منها بموضوع دعم إسرائيل حيث يتمّ الضّغط في اتّجاه تثبيت وعد (البيت الأبيض) للدّولة العبريّة سواء بخصوص عودة اللاّجئين ووضع الأراضي المحتلّة عام 67 بما فيها القدس، أو بقرار المحكمة الدّوليّة بشأن الجدار العازل وتوسيع لائحة الجمعيّات المصنّفة في إطار اللاّئحة الأمريكيّة كمنظّمات إرهابيّة، ففي الوقت الذي تعلن فيه \"ريباح\" (Rebah) التّابعة لجماعة ((أمناء جبل الهيكل)) خمس سيناريوهات لهدم المسجد الأقصى وتحرّض جماعة ((شهود يهوه)) حكومة تلّ أبيب على توسيع قاعدة الاستيطان بالقدس، واقتلاع السّكّان الأصليّين بنشر المزيد من المستوطنات في الضّفّة الغربيّة وطرد الأسر المقدسيّة من البيوت التي عاشوا فيها وعاش فيها أجدادهم لقرون، لفرض واقع سكّانيّ يساعد على تحويل مدن وقرى الشّعب الفلسطينيّ إلى غيتوهات وسجون كبيرة على مرأى ومسمع من العالم الذي يستهلك وصلات إعلاميّة تكيل المديح للواحة ((الدّيمقراطيّة)) الإسرائيليّة وصورها المحمولة على دبّابات الاحتلال، في انتخابات صوريّة لم تشارك فيها سوى فئات محدودة من مناطق معيّنة دون مراقبة دوليّة حقيقيّة تحت نَيْر قوانين وتشريعات وضعها المحتلّ في سياق عدوانه على المنطقة، بل تحت ضغط واقع مؤلم وإغراء دعاية كاذبة توزّع من الأحلام الورديّة ما يزرع الأمل في النّفوس ومن الإكراه ما يُسَوِّغ اللّجوء إلى توظيف بطاقات التّموين لحمل النّاخبين على التّصويت لصالح لوائح معيّنة، وابتزاز المتردّدين منهم بحرمانهم من التّزوّد بالمياه الصّالحة للشّرب وقطع تيّار الكهرباء وشبكة الهاتف عن أحيائهم بعد تخريب قنوات صرفها الصّحّيّ، ثمّ يُراد بتمجيد هذا المسخ الدّيمقراطيّ تحريض النّخب العميلة على تسويقه ونقل عدواه إلى شعوبهم التي يتخيّلون أنّ التّخلّف الاقتصاديّ، والاستبداد السّياسيّ، والتّخذيل الثّقافيّ، والتّخدير الإعلاميّ قد حوّلها إلى قطيع ستحتدّ المنافسة بينهم وبين رعاته كلاّ بطريقته، على بيعه لمن يحتاج إلى ذبحه
لقد قدّم المجتمع المسلم طوال تاريخه نموذجا رائعا للتّعايش بين القوميّات والتّسامح بين الأديان ومثلا ملهما للاعتدال والوسطيّة، فالقرآن والسّنّة بوصفهما مصدر رئيسا وتأسيسيّا للتّشريع الإسلاميّ يؤكّدان بشدّة على الإيمان بجميع الأنبياء والرّسل الكرام وعلى تعظيمهم وتبجيل سيرهم دون تمييز، ويدعوان إلى تنزيههم عن الرّذائل وإلى تخصيصهم بالعصمة والذّكر الحسن، بقدر ما يؤكّدان على حرّية الاعتقاد واحترام أهل الدّيانة السّماويّة يهوديّة كانت أو مسيحيّة ما لم يكونوا محاربين، ويبيحان مصاهرتهم ويوجبان صيانة حقوقهم المدنيّة والوطنيّة من أيّ مساس، واحترام شرائعهم التي يطبّقونها فيما بينهم والتي تخصّ أحكام الزّواج والطّلاق والإرث وغيرها، ويمكن لكلّ من يزور البلاد الإسلاميّة أن يقف بنفسه على تسامح المسلمين وعلى احترامهم العميق للتّديّن، وأن يلاحظ بعين المكان كيف أنّ الكنائس والبيع ما تزال تنتصب شاهدة على هذا التّسامح والاحترام. وفي القرآن الكريم من النّصوص الصّريحة ما يدعو إلى عدم الإطلاق والتّعميم في معاملة أهل الكتاب فيميّز بين الصّالحين منهم وبين غيرهم، وبين المسالمين منهم والمحاربين، نسوق منها قول الله تعالى في سورة الأعراف: (وقطعناهم في الأرض أمما منهم الصّالحون ومنهم دون ذلك)، وقوله عزّ وجلّ: (ومن قوم موسى أمّة يهدون بالحقّ وبه يعدلون) ، وقوله سبحانه في سورة الصّفّ: (يا أيّها الذين آمنوا كونوا أنصارا لله كما قال عيسى بن مريم للحواريّين من أنصاريّ إلى الله، قال الحواريّون نحن أنصار الله، فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة، فأيّدنا الذين آمنوا على عدوّهم فأصبحوا ظاهرين). وفيه أيضا ما يدعو عموم المؤمنين إلى التّرفّق في محاورة أهل الكتاب ومجادلتهم بالتي هي أحسن بالكلمة الطّيّبة والحجّة الواضحة والمنطق السّويّ، على أساس من هديه تعالى في سورة العنكبوت: (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلاّ بالتي هي أحسن إلاّ الذين ظلموا منهم، وقولوا آمنّا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون).
ويمكن لدارس السّيرة المتأمّل لأسلوب النّبيّ محمّد صلّى الله عليه وسلّم الدّعويّ أن يقف على تمثّله عليه الصّلاة والسّلام للتّوجيه القرآنيّ في الآية (158) من سورة الأعراف حيث يقول الله عزّ وجلّ: (قل يا أيّها النّاس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السّموات والأرض لا إله إلاّ هو يحيي ويميت، فآمنوا بالله ورسوله النّبيّ الأمّيّ الذي يؤمن بالله وكلمته واتّبعوه لعلّكم تهتدون )، وأن يجد أنّ الإسلام لا يلزم بشعائره وشرائعه غير المسلمين بمقتضى قوله تعالى في سورة البقرة: (لا إكراه في الدّين، قد تبيّن الرّشد من الغيّ)، وقوله عزّ من قائل في سورة الحجّ: (إنّ الذين آمنوا والذين هادوا والصّابئين والنّصارى والمجوس والذين أشركوا إنّ الله يفصل بينهم يوم القيّامة، إنّ الله على كلّ شيء شهيد)، وأنّه يترك لأهل الكتاب حرّية ممارسة شعائرهم وإقامة صلواتهم ما داموا ملتزمين بالحفاظ على السّلم وعلى ما تقتضيه المواطنة الصّالحة من حقوق وما تفرضه من واجبات منها سهرهم على ألاّ يتمّ استغلال ما يبديه المسلمون من تسامح معهم في أعمال التّخريب والتّجسّس ومحاربة الأمّة والإخلال بأمنها وإفساد دينها، قال تعالى في سورة الممتحنة: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدّين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرّوهم وتقسطوا إليهم إنّ الله يحبّ المقسطين، إنّما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدّين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولّوهم، ومن يتولّهم فأولئك هم الظّالمون). ولا نجد في التّراث ولا في التّاريخ الإسلاميّ العامّ ما يمنع المجتمع المسلم من إقامة علاقات سلميّة متوازنة مع الأمم الأخرى، بل إنّ كلّ الشّواهد تؤكّد تفتّح مجتمع الإسلام وانفتاح أهله على غيرهم من أبناء الشّعوب المختلفة والثّقافات المغايرة، قال تعالى في الآية (7) من سورة الممتحنة: (عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودّة، والله قدير، والله غفور رحيم).
وتعطي السّيرة النّبويّة إشارات قويّة تحضّ المسلمين على استدراج أهل الكتاب إلى التّعاون المبنيّ على التّفاهم والاحترام المتبادل وعلى قيم العدل والإنصاف والتّعارف بين النّاس، حيث نجد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يأذن لصحابته الأبرار وأهل بيته الأطهار بالهجرة إلى أرض الحبشة أرض النّصارى النّسطوريّين من أجل النّجاة بدينهم من ظلم الكفر ومن سطوة المشركين، ويذكر لهم أنّ النّجاشيّ ملكها الموحّد لا يظلم عنده صاحب حقّ، وسمّيت تلك الهجرة بالهجرة الأولى، وصلّى النّبيّ وأصحابه على النّجاشيّ عندما علموا بموته، بل صاهر صلّى الله عليه وسلّم أهل الكتاب بزواجه من أمّنا صفيّة بنت حيي بن أخطب سيّد بني النّضير من ولد هارون بن عمران أخي موسى وأمّنا مارية بنت شمعون القبطيّة رضي الله عنهما ائتلافا لقلوب عشيرتيهما من اليهود والمسيحيّين وسنّا لحسن معاملة الكتابيّين، كما نجد في معرض الإشارة إلى تفتّح المجتمع المسلم وتسامح المسلمين الذي شكّل ضمانا أخلاقيّا وسياسيّا وأرضيّة ثقافيّة واجتماعيّة مكّنتهم من التّعايش مع غيرهم من أبناء الدّينات السّماويّة بسلاسة منقطعة النّظير نماذج مختلفة مند عهد النّبوّة وإلى الدّولة القطريّة الحديثة، مرورا بالدّولة الأمويّة في الأندلس حيث تنتصب قرطبة رمزا شامخا للتّسامح، وقمّة في تقبّل الآخر المختلف، وعاصمة فريدة في التّجربة الإنسانيّة للتّعايش المبنيّ على التّساكن وحسن الجوار، وكذا بالدّولة العثمانيّة الجامعة التي عرفت مع نهاية القرن التّاسع عشر وبداية القرن العشرين نشاطا قوميّا وشعوبيّا مكثّفا في الأوساط اليهوديّة والمسيحيّة و \"الإسلاميّة\" استثمرته الحركة الصّهيونيّة ومحافلها الماسونيّة بجدارة في تحقيق أهدافها الاستيطانيّة بفلسطين، لقد كان التّعايش منقطع النّظير الذي عرفه المجتمع الإنسانيّ سواء في قرطبة أو في غيرها من حواضر العالم الإسلاميّ مثلا رائعا للتّفتّح على الثّقافات وتقبّل الآخر، حتى كان من بين أشهر وزراء الدّولة الأمويّة بالأندلس موسى بن ميمون المفكّر والفيلسوف اليهوديّ الذي يقول عنه الأحبار والمفكّرون اليهود ليس بعد موسى بن عمران إلاّ موسى بن ميمون لشدّة ورعه وسعة إطّلاعه وتبحّره في العلوم المختلفة.
ولا بدّ من التّذكير عند متمّ هذه الورقة بحقيقة مفادها أنّ جرائم الاحتلال الإسرائيليّ وعدوانه اليوميّ على مقدّرات الأمّة الإسلاميّة المتمثّلة في المسجد الأقصى وكنيسة القيامة، وعلى المدنيّين والعزّل من إخواننا الفلسطينيّين مسيحيّين ومسلمين لن ترهب أحدا ولن تحقّق له ما يتطلّع إليه من اندماج في النّسيج الاجتماعيّ والثّقافيّ للمنطقة، ونذكّر هنا بقول القائل: (أنصتوا إذن يا قادة إسرائيل، يا من بنيتم صهيون في الدّم والقدس في الجريمة، بسببكم سيحرث صهيون كحقل وتصبح القدس كومة من خراب)! وبقول الله عزّ وجلّ في سورة الإسراء: (فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم، وليدخلوا المسجد الحرام كما دخلوه أوّل مرّة وليثبّروا ما علوا تثبيرا ).
كما أنّه لا بدّ من تذكير أخينا يوسف بن أليزر الذي يعاني من حيرة والتباس، ومن قلق دائم في البحث عن السّلام بتجربة العيش في أخويّة (برودرهوف Bruderhof) أو (مجتمع الكنيسة الأخويّ الدّوليّ Church Community International) إنّ المؤمن بربّ عادل وبقضيّة عادلة سيهديه إيمانه إلى قول الحقيقة والاستماتة في الدّفاع عنها والتّعريف بها لأنّ ديّان السّموات والأرض قادر على نصرة الحقّ وصنع العدل والدّعوة إلى قيم المحبّة والسّلام، وللذين لا يؤمنون بربّ عادل مدبّر وحكيم التّيه والظّلم والضّلال، ففي كتابنا نحن المسلمين نقرأ في الآية 09 من سورة يونس قوله تعالى: ( إنّ الذين آمنوا وعملوا الصّالحات يهديهم ربّهم بإيمانهم) ونقرأ في الآية 104 من سورة النّحل قوله عزّ من قائل: (إنّ الذين لا يؤمنون بآيات الله لا يهديهم الله ولهم عذاب أليم)
والله المستعان وهو أرحم الرّاحمين وصلّى الله وسلّم على سيّدنا محمّد وآله الطّاهرين والحمد لله ربّ العالمين
التّوقيع: محمّد بن محمّد بن عليّ بن الحسن


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.