الخط : إستمع للمقال قال عمر هلال، الممثل الدائم للمغرب لدى الأممالمتحدة، إن الذكاء الاصطناعي يمثل "ثورة تكنولوجية كبرى" تتيح فرصا هائلة في مختلف القطاعات، لكنها تُثير في الآن نفسه تحديات أخلاقية وأمنية وعسكرية، خاصة في ظل غياب منظومة دولية قادرة على ضبط استعمالاته المتعددة. حيث جاء ذلك خلال مشاركته، اليوم الأربعاء 2 يوليوز 2025، في أشغال المناظرة الوطنية الأولى حول الذكاء الاصطناعي، التي تحتضنها الرباط تحت الرعاية السامية لللملك محمد السادس. وأكد هلال أن غياب توافق عالمي بشأن تقنين الذكاء الاصطناعي أدى إلى تكاثر مبادرات انفرادية ومتعددة الأطراف، مما جعل حلم الحوكمة المتعددة الأطراف يصطدم بواقع التشظي والتأخر عن مجاراة التطور السريع للتكنولوجيا. وبيّن أن هذه الدينامية تحولت إلى "سباق عالمي للهيمنة"، تتجلى معالمه في ثلاثة مستويات أساسية: ضخامة الاستثمارات، وتعدد الأطر التنظيمية، وتباين الأولويات الجيوسياسية. وفي هذا السياق، استعرض هلال أرقاما دالة على حجم السباق، مشيرا إلى أن الدول المتقدمة خصصت ما يقارب تريليون دولار عام 2025، بينها 500 مليار للولايات المتحدة، و200 مليار للاتحاد الأوروبي، و138 مليار للصين، و104 مليار لفرنسا. وأضاف أن إفريقيا، رغم حاجتها الملحة، لا تحظى سوى بأقل من 20% من هذه التمويلات، ما يكرّس خللا بنيويا في تقاسم موارد الثورة الرقمية. أما على مستوى الحوكمة، فلفت هلال إلى تعدد المرجعيات التنظيمية، من مبادئ منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية إلى قواعد الاتحاد الأوروبي، واستراتيجيات الدول الكبرى كالصينوالولاياتالمتحدةوروسيا، مقابل غياب انسجام أو إطار جامع يمكن أن يُعتمد كأساس مشترك. معتبرا أن هذه الفوضى التشريعية تهدد بانقسام العالم إلى أنظمة معيارية "متناقضة، وأحيانا تمييزية" تجاه بلدان الجنوب. وفي قراءة جيوسياسية، أوضح هلال أن الولاياتالمتحدة تفضل تنظيما مرنا لحماية تفوقها التقني، بينما تفرض أوروبا قواعد صارمة، وتزاوج الصين بين التحكم المركزي والتشجيع على الابتكار، أما روسيا فتنتهج مقاربة محافظة ذات طابع تنسيقي مع قوى مثل الهندوالصين. أمام هذا المشهد المعقد، شدّد هلال على أن البلدان النامية لم تعد تقبل بدور المتلقي السلبي، بل تطالب ب"نموذج حوكمة عالمي شامل" يقوم على العدالة، والشفافية، والمساواة، واحترام حقوق الإنسان، مضيفا أن الأممالمتحدة تبقى الإطار الأمثل لتجسيد هذا الطموح. وفي هذا الإطار، أشار إلى إطلاق لجنة علمية دولية مستقلة تضم 40 خبيرا لتقييم الفرص والمخاطر المصاحبة لتطور الذكاء الاصطناعي، كما أعلن عن حوار عالمي سينعقد في نيويورك وجنيف يجمع الدول والخبراء والمجتمع المدني من أجل وضع معايير مشتركة للحكامة والتنمية. وأكد هلال أن المغرب، انطلاقا من رؤية الملك محمد السادس، اختار التموقع مبكرا كفاعل مسؤول في النقاش العالمي، عبر انخراطه في مبادرات ثنائية ومتعددة الأطراف، من بينها الشراكة مع الولاياتالمتحدة، والتعاون مع الصين، والمشاركة في صياغة أول قرار أممي حول الذكاء الاصطناعي، فضلا عن ترؤسه لمجموعات العمل التابعة للأمم المتحدة. كما أبرز أن المملكة تشارك حاليا في التفاوض على آليات الحوكمة الدولية، وتساهم في بلورة أول قرار إفريقي حول الذكاء الاصطناعي، في خطوة تعكس التزامها بالقضايا القارية وتوجهها نحو دعم التحول الرقمي في إفريقيا. إلى جانب ذلك، أكد الممثل الدائم للمغرب لدى الأممالمتحدة، على أن الرهان لا يقتصر على اللحاق بالركب التكنولوجي، بل يتعلق بإعادة رسم معالم العدالة الرقمية العالمية، قائلا: "الولوج إلى الذكاء الاصطناعي ليس مسألة مساعدة تقنية، بل حق إنساني مرتبط بالعدالة والابتكار والتضامن". وأكد كذلك أن هذا التوجه يندرج ضمن رؤية استراتيجية للمملكة ترمي إلى ضمان "السيادة الرقمية" وقيادة التحول التكنولوجي في إفريقيا، مسترشدا بتوجيهات الملك محمد السادس الذي دعا إلى أن "تؤمن القارة بقدرتها على التحكم في مصيرها". الوسوم الذكاء الاصطناعي الملك محمد السادس عمر هلال