الخط : إستمع للمقال تواجه بلادنا تحديات مائية غير مسبوقة نتيجة سنوات الجفاف المتعاقبة، وتتضافر جهود الدولة على أعلى مستوى لتأمين الموارد المائية وضمان استدامتها للأجيال القادمة. وفي خضم هذه الجهود، تبرز للأسف بعض الممارسات السياسوية الضيقة التي تحاول الركوب على المشاريع الملكية الكبرى لتحقيق مكاسب انتخابية أو شخصية زائلة. إن الاجتماع الذي عقدته "جمعية الفلاحين المتحدين" بجهة سوس ماسة يوم الخميس 14 غشت 2025، والذي شهد هجوماً على رئيس الغرفة الفلاحية لجهة سوس ماسة وعدد من المسؤولين رغم عدم حضورهم لهذا الاجتماع، من طرف عضو بنفس الغرفة، هو مثال صارخ على هذه المحاولات البائسة. فبدلاً من تثمين المجهود الوطني المبذول، تم تحويل نقاش مشروع استراتيجي بحجم محطة تحلية مياه البحر لتيزنيت-تارودانت إلى منصة لتصفية الحسابات السياسية، بل قام خلاله عضو بذات الغرفة بتحريض الفلاحين الحاضرين ودعاهم للخروج للشارع والاحتجاج، في تجاهل تام للسياق الوطني وللإرادة الملكية السامية التي تعتبر المحرك الأساسي لهذه الأوراش. ومن الضروري هنا التذكير بأن التوجه نحو تحلية مياه البحر ليس وليد الصدفة أو قراراً حكومياً عابراً، بل هو جزء لا يتجزأ من رؤية استراتيجية شاملة أرسى دعائمها الملك محمد السادس. ففي خطابه السامي بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين لعيد العرش، خصص جلالته حيزاً كبيراً لقضية الماء، مؤكداً على ضرورة "القطع مع كل أشكال التبذير والاستغلال العشوائي وغير المسؤول لهذه المادة الحيوية". كما شدّد على أن الدولة تواصل مجهوداتها الحثيثة من خلال بناء السدود وتفعيل البرنامج الوطني للتزويد بالماء الصالح للشرب ومياه السقي 2020-2027، والذي يشمل تسريع إنجاز محطات تحلية مياه البحر، مضيفا أنه "ونظرا لتزايد الاحتياجات والإكراهات، نلح على ضرورة التحيين المستمر لآليات السياسة الوطنية للماء، وتحديد هدف استراتيجي، في كل الظروف والأحوال، وهو ضمان الماء الشروب لجميع المواطنين، وتوفير 80 في المائة على الأقل، من احتياجات السقي، على مستوى التراب الوطني". وأكد الملك محمد السادس كذلك في ذات الخطاب، على أنه يتعين كذلك تسريع إنجاز محطات تحلية مياه البحر، حسب البرنامج المحدد لها، والذي يستهدف تعبئة أكثر من 1,7 مليار متر مكعب سنويا، وهو ما سيمكن المغرب، في أفق 2030، من تغطية أكثر من نصف حاجياته من الماء الصالح للشرب من هذه المحطات، إضافة إلى سقي مساحات فلاحية كبرى، بما يسهم في تعزيز الأمن الغذائي للبلاد. إن هذا التأطير الملكي يضع هذه المشاريع في مصاف الأوراش السيادية التي تتجاوز أي أجندة حزبية أو فئوية، وتتطلب انخراط الجميع لإنجاحها لا استغلالها. وفي هذا الإطار، جاءت المذكرة التوجيهية لرئيس الحكومة المتعلقة بإعداد مشروع قانون المالية لسنة 2026 لتؤكد هذا التوجه وتترجمه إلى إجراءات ملموسة، حيث نصت المذكرة بوضوح على أن "التدبير الاستباقي والمستدام للموارد المائية أحد أهم أولويات مشروع قانون المالية لسنة 2026′′، تنفيذاً "للتعليمات الملكية السامية". وتضمنت المذكرة الإعلان عن مشاريع ضخمة، من ضمنها محطة تحلية مياه البحر بجهة سوس ماسة (تارودانت-تزنيت) بقدرة إنتاجية تصل إلى 350 مليون متر مكعب سنوياً، والتي ستكون موجهة لتلبية حاجيات الماء الشروب وسقي الأراضي الفلاحية، مما يجعل إدراج هذا المشروع ضمن وثيقة رسمية بهذا الحجم تأكيد على أنه مشروع دولة، تم رصد اعتماداته وتحديد أهدافه بدقة، وليس مجرد فكرة أو وعد انتخابي يمكن لأي كان أن ينسبه لنفسه. إن محاولة استغلال أحد أعضاء الغرفة الفلاحية هذا اللقاء لمهاجمة خصومه السياسيين والركوب على مشروع ملكي بهذا الحجم، لا يعكس سوى إفلاساً سياسياً وعدم فهم عميق لطبيعة الأوراش الاستراتيجية للدولة، خاصة وأن الفلاحون والمواطنون في جهة سوس ماسة، التي عانت كثيراً من وطأة الجفاف، ينتظرون حلولاً حقيقية وتعبئة جماعية، لا خطابات شعبوية ومزايدات سياسية فارغة. إن الواجب الوطني والأخلاقي يقتضي من جميع الفاعلين، سياسيين كانوا أم مهنيين، دعم هذه المشاريع وتسهيل إنجازها وشرح أهميتها للمواطنين، بدلاً من تحويلها إلى ساحة للصراع السياسي، خاصة وأن الأمن المائي والغذائي للمغاربة خط أحمر، ورؤية ملكية لا يجب أن تطالها الحسابات السياسية الضيقة. الوسوم المغرب تاروددانت تيزنيت سوس ماسة محطة تحلية مياه البحر