في تطورات جديدة في فضيحة “الماستر مقابل المال”، التي استأثرت باهتمام الرأي العام الوطني في شهر غشت المنصرم، قرر قاضي التحقيق لدى قسم جرائم الأموال بمحكمة الاستئناف بمدينة فاس، إيداع المستشار في المجلس التنفيذي لجمعية “ترانسبارنسي المغرب” الدكتور عبد الله (ح) قيد الاعتقال بالسجن المحلي مع متابعته من أجل جرائم الفساد المالي، في حين قرر متابعة أربعة مشاركين آخرين، وهم أستاذة جامعية وموظف بنفس المؤسسة الجامعية وطالب وأستاذ للتعليم الثانوي في حالة سراح، وذلك مقابل كفالة مالية تراوحت ما بين 10 آلاف و30 ألف درهم. وكانت الفرقة الجهوية للشرطة القضائية بمدينة فاس قد أحالت على الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف بنفس المدينة، يوم أمس الأربعاء، المشتبه فيهم الخمسة بعد إنهاء إجراءات البحث التمهيدي في هذه القضية، التي أثارت جدلا إعلاميا كبيرا وأسالت الكثير من المداد، وذلك على اعتبار أن الفاعل الرئيسي الذي يشتبه تورطه في ابتزاز الطلبة ومأسسة الرشوة والمحسوبية للحصول على الدبلومات والشواهد الجامعية لم يكن سوى مستشارا للجمعية المغربية لمكافحة الرشوة (ترانسبارنسي المغرب)، والذي كان يشغل في نفس الوقت أستاذا جامعيا ومنسقا لمسلك الماستر، وله عدة إصدارات في موضوع الحكامة والتخليق. يُذكر أن جمعية (ترانسبارنسي المغرب)، المهتمة بمكافحة الرشوة بالمغرب، كانت قد سارعت إلى تجميد عضوية مستشارها فور اندلاع هذه القضية، حتى قبل إجراء البحث معه واستجلاء حقيقة التهم الموجهة له، وهو ما اعتبره البعض تسرعا من جانب الجمعية ومساسا بقرينة البراءة. لكن تطور الأحداث وتسارعها، خصوصا بعد اعتقال مستشارها من أجل الرشوة وجرائم الفساد المالي، دفع العديد من المعلقين والمتتبعين لهذه القضية إلى الاعتقاد بأن الجمعية كانت على علم مسبق بتورط مستشارها في مستنقع الرشوة، وأنها ربما كانت واجهته لتبييض جرائمه المالية، وأن مبادرتها لتجميد عضويته بشكل متسرع لم تكن سوى وسيلة لإنقاذ سمعتها التي أغرقها المستشار في المجلس التنفيذي في وحل الرشوة والابتزاز. ومن جملة ما تمخض عن هذه الفضيحة أيضا، هو أن المحققين وصلوا إلى خلاصات خطيرة وتنذر بتداعيات سلبية على صورة جمعية ترانسبارنسي المغرب. فحسب مصادر قريبة من التحقيق، فإن الأستاذ الجامعي والقيادي في الجمعية المذكورة، يشتبه تورطه في تسريب مواد الاختبارات الجامعية مقابل مبالغ مالية مهمة، كما أنه استطاع مأسسة وتقعيد المحسوبية في عملية انتقاء الطلبة الراغبين في استكمال دراساتهم العليا مقابل مزايا وعطايا عينية ومالية، بحيث يؤاخذ عليه قبوله لعدد من الطلبة في سلك الماستر ممن لا تتوفر فيهم الشروط والمعايير المطلوبة التي تحددها لوائح وزارة التعليم العالي والقانون الداخلي للمؤسسة الجامعية. أيضا، من التطورات الخطيرة التي كشفت عنها هذه القضية، والتي تجعل جمعية “ترانسبارنسي المغرب” تغرق أكثر وأكثر في وحل الرشوة والفساد، هي أن المحققين استطاعوا حجز أوراق خاصة بالامتحان، الذي يشرف عليه المستشار المعتقل، وذلك بعدما تم تسريبها لعدد من الطلبة المستفيدين، كما تم ضبط شواهد الحضور الخاصة بالطلبة وقد طالها التزييف. للأسف الشديد، اعتاد المغاربة صدور البلاغات والخرجات الإعلامية شديدة اللهجة عن جمعيات حماية المال العام ومكافحة الرشوة، خصوصا من جمعية ترانسبارنسي المغرب، كلما اندلعت قضية رشوة أو فضيحة اختلاس مالي وكان بطلها مسؤول أو موظف عمومي. لكن عندما يكون مرتكب هذه الأفعال الخطيرة عضو قيادي في هذه الجمعية، فإنه يتم الاكتفاء فقط بتجميد العضوية لتهريب النقاش والتنصل من المسؤولية والحفاظ على “عذرية” النضال. اليوم، أضحى المغاربة يطالبون بأكثر من تجميد العضوية ودس الرأس في التراب حتى تمر العاصفة الإعلامية…لأننا لسنا أمام موظف يحصل على 50 أو 100 درهم لإنجاز وثيقة إدارية أو تسهيل الحصول عليها، أو عون عمومي يتسلم مبلغا ماليا للتغاضي عن عمل من أعمال وظيفته. نحن أمام معضلة وإشكالية خطيرة، وهي أن المرتشي أستاذ جامعي وعضو بارز في جمعية لمكافحة الرشوة استطاع أن يجعل المحسوبية والرشوة سبيلا للارتقاء الجامعي…وهو ما ينذر بنتائج خطيرة على مستوى مصداقية الشواهد الجامعية التي قدمها أو أشرف عليها هذا الناشط الكبير.