استعرض مصدر قضائي جملة من المغالطات القانونية والإخلالات المفاهيمية التي قال أنها “وردت في بلاغ الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية في معرض مناصرتها للمتهم عبد العالي حامي الدين، المتابع من طرف قاضي التحقيق من أجل المساهمة في القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد”، وذلك على خلفية قضية مقتل الطالب اليساري بنعيسى أيت الجيد. فالأمانة العامة لحزب المصباح، اعتبرت أن قرار حفظ الشكاية من طرف النيابة العامة في وقت سابق في مواجهة عبد العالي حامي الدين هي بمثابة قرينة قوية لفائدة المتهم تحول دون إمكانية محاكمته مرة أخرى من أجل نفس الأفعال الإجرامية، وهو الموقف الذي دحضه المصدر القضائي بشكل قاطع، مستشهدا بمنطوق المادتين 40 و49 من قانون المسطرة الجنائية، والذي يؤكد صراحة أن مقررات الحفظ التي يصدرها وكيل الملك والوكيل العام للملك يمكن التراجع عنها في حالة ظهور أدلة جديدة. وتأسيسا على أحكام هاتين المادتين، يخلص المصدر القضائي إلى أن قرار الحفظ المتخذ من طرف النيابة العامة لا يندرج ضمن مفهوم سبقية البت، ولا يمكن-بأي حال من الأحوال- أن يمنع القضاء من إعادة محاكمة الشخص الذي تم حفظ ملفه، وذلك كلّما ظهرت أدلة جديدة أو قرائن قوية تسمح بعدم إفلات المتهم من العقاب. وبخصوص العبارة التي وردت في بلاغ الأمانة العامة لحزب المصباح ” بعد أن سبق لقاضي التحقيق أن أصدر قرارا بعدم فتح التحقيق”، شدّد المصدر القضائي على أن المشرع المغربي لم ينص نهائيا عن أي قرار أو مقرر تحت عنوان ” الأمر بعدم فتح تحقيق”، معتبرا ذلك من “الاجتهادات الذاتية للحزب”، ومردفا بأن أوامر وقرارات قاضي التحقيق واردة على سبيل الحصر، وهي الأمر بالحضور والأمر بالإحضار والأمر بالإيداع في السجن والأمر بإلقاء القبض، وهي كذلك الوضع تحت المراقبة القضائية والاعتقال الاحتياطي. أما الأوامر القاضية بانتهاء التحقيق، فقد حددها المشرع المغربي في المواد 214 وما يليها من قانون المسطرة الجنائية، وهي الأمر بعدم الاختصاص (أولا)، والأمر بعدم المتابعة عندما يكون الفعل غير خاضع للقانون الجنائي أو لم يعد خاضعا له، أو لعدم كفاية الأدلة، أو لكون الفاعل يكون مجهولا(ثانيا)، ثم هناك الأمر بالمتابعة مع الإحالة على المحكمة المختصة أو الإحالة على غرفة الجنايات (ثالثا). ومن هذا المنظور، فالمشرع المغربي لم يتحدث عن “الأمر بعدم فتح تحقيق” كما جاء في بلاغ حزب العدالة والتنمية، وإنما نص على “الأمر بعدم المتابعة”، والذي جاء مقيدا بشروط وليس عاما وفضفاضا، بحيث نصت المادة 228 من قانون المسطرة الجنائية ” إذا صدر أمر بعدم متابعة المتهم، فلا يمكن متابعته من أجل نفس الفعل إلا إذا ظهرت أدلة جديدة”. وما هي الأدلة الجديدة التي تسمح بإعادة محاكمة المتهم الذي صدر في حقه أمر بعدم المتابعة، مثل حالة عبد العالي حامي الدين؟ الجواب تضمنته المادة 229 من قانون المسطرة الجنائية التي جاء فيها ” تعد أدلة جديدة شهادة الشهود والمستندات والمحاضر التي لم يكن في الإمكان عرضها على قاضي التحقيق لدراستها، والتي من طبيعتها إما أن تعزز الأدلة التي تبين أنها جد ضعيفة، وإما أن تعطي للأفعال تطورات مفيدة لإظهار الحقيقة”. واستطرد المصدر القضائي تصريحه بأن القانون كان واضحا وصريحا في هذا المقتضى، وذلك عندما خوّل للنيابة العامة بمقتضى المادة 230 من قانون المسطرة الجنائية” أن تقرر ما إذا كان هناك مبرر لالتماس إعادة التحقيق بسبب ظهور أدلة جديدة”. وبخصوص الموجبات القانونية التكميلية التي أوردها حزب العدالة والتنمية للدفاع عن المتهم عبد العالي حامي الدين، لاسيما المادة 126 من الدستور المغربي، والمادة 4 من قانون المسطرة الجنائية، فقد أبدى المصدر القضائي اندهاشه الكبير، بقدر الدهشة المفترضة التي عبرت عنها أمانة الحزب في بلاغها، موضحا بأن المقتضى الدستوري والمادة القانونية المستشهد بهما ينصان على ضرورة “احترام الأحكام النهائية للقضاء”، وعلى “سقوط الدعوى العمومية بصدور مقرر اكتسب قوة الشيء المقضي به”، وهي أمور لا تنطبق على قضية عبد العالي حامي الدين، خاصة بعدما ظهرت أدلة وإثباتات تسمح بمعاودة محاكمته طبقا للمادة 369 من قانون المسطرة الجنائية! فماذا تقرر هذه المادة الأخيرة التي تكرس “مبدأ سبقية البت”؟ تقول الفقرة الثانية من هذه المادة ” كل متهم حكم ببراءته أو بإعفائه، لا يمكن أن يتابع بعد ذلك من أجل نفس الوقائع ولو وصفت بوصف قانوني آخر”. فلماذا اكتفى المشرع المغربي بذكر المتهم المحكوم ببراءته أو إعفائه ولم يضف إليهما ” المتهم المحكوم بالإدانة سواء كانت غرامة مالية أو عقوبة حبسية” كما هو الحال في قضية عبد العالي حامي الدين؟ يتساءل المصدر القضائي باستغراب شديد! فالمشرع المغربي يعتبر المتهم المحكوم بالبراءة أو بالإعفاء لأي سبب من الأسباب التي تمحو الجريمة هو بريء في نظر القانون، ولا يمكن متابعته من أجل نفس الأفعال ولو وصفت بوصف آخر، أما باقي المحكوم عليهم بالإدانة، مثل عبد العالي حامي الدين، فيجوز قانونا إعادة محاكمتهم من أجل نفس الأفعال متى كانت هناك أدلة جديدة، وفق المادة 229 أعلاه, وختم المصدر القضائي تعليقه بالقول” لئن كان القرآن الكريم يكرس شخصية المسؤولية والعقوبة في الآية الكريمة (… ولاتزر وازرة وزر أخرى…)، وإذا كان القانون الوضعي يكرس بدوره نفس القاعدة القانونية، فإن حزب العدالة والتنمية اختار الخروج عن هذه المقتضيات الدينية والتشريعية، وأرسى قاعدة جديدة تحمّل الحزب المسؤولية الجنائية عن الأفعال الإجرامية التي ارتكبها عبد العالي حامي الدين” وهو بحق ” اجتهاد أقل ما يمكن أن يقال عنه هو أنه اجتهاد أخرق”.