طورت تركيا أردوغان نهجا جديدا في العلاقات الدولية يقوم على الابتزاز السياسي تارة بورقة الحشد الإعلامي داخل مواقع التواصل الاجتماعي الذي تديره بأدوات عربية وتمويل خليجي تحديدا، وتارة أخرى باستخدام ورقة الهجرة للضغط على المجتمع الدولي كما تفعل مع جيرانها الأوربيين. لكن نهج الابتزاز السياسي للدول يعتمد وجود طرف ثالث في مثلث شيطنة بعض الأنظمة السياسية التي توجد على خلاف في الموقف مع تركيا. يتعلق الأمر بتيار الإسلام السياسي في الوطن العربي، ذلك المرتبط توجيها وتمويلا بنظام أردوغان الذي جعل منها أبواقا ومنصات لقصف الأنظمة الحاكمة من الداخل والسعي إلى تفجيرها بافتعال أزمات داخلية وإثارة إشكالات الهوية والدين وتكريس عقيدة الانتماء إلى الأمة بديلا (وليست مكملا) للوطن! في الأسبوع الماضي، صادقت الحكومة التي تقودها العدالة والتنمية على مشروع القانون رقم 54.20 يوافق بموجبه على فرض الرسوم الجمركية لمدة خمس سنوات على المنتجات الصناعية ذات منشأ جمهورية تركيا والمدرجة بملحق اتفاقية التبادل الحر بين المملكة المغربية وتركيا. الغرض من هذا التدبير الاستثنائي حماية المنتجات الوطنية والصناعة الداخلية في بعض القطاعات التي تضررت بجائحة كورونا، وحماية اليد العاملة المغربية التي تدير هذه الصناعات المهددة بإغراق السوق المحلية بالواردات التركية. مباشرة بعد إعلان القرار بدأت آلة الابتزاز التركية تشتغل وتَحرك الإعلام الرسمي التركي ب"مقالات" تستهدف الضرب في المؤسسة الأمنية. وبدل أن يخوض إعلام أردوغان في الخلفيات الاقتصادية لإجراء فرض رسوم جمركية على الواردات التركية وتداعياتها على اتفاقات التعاون الاقتصادي بين البلدين، ذهب رأسا إلى المؤسسة الأمنية يشكك في مصداقية جهودها في مكافحة "ما يسمى الإرهاب" (بلُغة الإعلام العربي الممول من تركيا). فقد نشرت وكالة "ت.إر.ت عربي" التركية مقالة بعنوان "المغرب والخلايا الإرهابية، حقيقة أو مبالغات حكومية" تصف فيها العمليات الأمنية ب"البروباغندا" والتدخلات ب"المسرحية" في محاولة لتبخيس إستراتيجية الدولة في مكافحة الإرهاب بالاستناد إلى تعليقات وهمية (لا يمكن التحقق من صحة وجودها أو الجهة التي يقف وراءها) على منصات التواصل الاجتماعي. المثير في هذه القضية أن أبواق العدالة والتنمية التي اعتادت التطبيل لنظام أردوغان بلعت لسانها ولم ترد بكلمة واحدة على الابتزاز التركي للمغرب والتشكيك في مؤسساته الوطنية، هذه الأبواق التي تعودت التحدث بلغة نظام أردوغان وتسوق لخطاباته وهي بذلك تقامر بوضع المغرب في سياسة المحاور الإقليمية وغيرها.. هذه الأبواق اختارت الصمت في وقت الكلام. البرلمانيون والوزراء والمنتخبون والجالسون وراء منصات التواصل الاجتماعي يؤججون ضد الدولة ويدافعون عن "البيليكي" ونظرياته حول "الدبخشي"، كل هذه الأصوات المتعلقة قلوبهم بحاكم تركيا أخفوا رؤوسهم في الرمال وهم أنفسهم الذين أقاموا الدنيا وتهجموا على وزير في الحكومة التي يقودها الأمين العام للعدالة والتنمية فقط لأنه تحدث عن متاجر تركية تَزاحم "مول الحانوت" في رزقه. قد يقول قائل ولماذا حزب العدالة والتنمية؟ الجواب: لأن ما حدث من هرولة لقياداته نحو التضامن مع أردوغان ليلة الانقلاب الفاشل في يوليوز 2016 دليل آخر على حقيقة أناس يعيشون بيننا بهويات زائفة. تدويناتهم فضحت كل شيء ليلتها، الوزير الرباح كتب على حسابه: "اللهم احفظ أمتنا ووطننا من كل شر"، عن أي وطن كان يتحدث؟ بينما تناقل أمثال عبد العالي حامي الدين ومحمد الهيلالي، نائب رئيس حركة التوحيد الإصلاح، على حساباتهم في الفيسبوك التدوينة الشهيرة لتيار الإسلام السياسي يومها "من تدعمه الجوامع لن تهزمه المدافع"... كل هؤلاء بلعوا ألسنتهم حينما استهدف الإعلام التركي الأمن الذي يحميهم ويحمي ممتلكاتهم، سكتوا لأنهم مجرد منبهات صوتية تمت برمجتها سلفا! لا تحتاج المؤسسة الأمنية في المغرب لشهادة سيرة وسلوك من أحد، ف"مَذمَّة النّاقِص شهادةٌ أنَّها كاملُ"، ومن يخوض الحرب ضد الإرهاب داخليا وخارجيا ليس كمن يلعب ورقة الإرهاب لأهداف جيوستراتيجية في محيطه الجغرافي كما تفعل تركيا، حقيقةٌ يُدركها العالم وتفضحها شهادات العائدين من جحيم تنظيم "داعش" وحكاياتهم عن حقيقة تحول الرحلات نحو تركيا إلى معابر آمنة نحو الجماعات الإرهابية.