يشترك عمر بروكسي مع المؤلف الألماني كارل فريديرش ماي، رائد قصص الأساطير الشعبية، في قاسم مشترك ورابط فريد يجمعهما، وهو تسخير الوهم والخيال لإيهام القارئ بأنه يعيش في كنف الواقع، بل إنهما يتماهيان حد الاستيلاب مع قصصهما المبتدعة لدرجة جعلت الأول يتوهم نفسه خبيرا بقضايا الواقع السياسي المغربي، بينما عاش الثاني لعقود طويلة يحتال على القراء الألمان بدعوى أنه جايل فعلا أساطير مؤلفاته الخيالية. لكن ما يُفرّق المؤلف الألماني كارل ماي والمغربي عمر بروكسي أمور كثيرة تتجاوز ما يجمعهما، فالأول نشر قصصا خيالية وأساطير شعبية تجاوزت السبعين إصدارا، ناهزت مبيعاتها ملايين النسخ وترجمت لمختلف لغات وألسنة المعمور، بينما دبج عمر بروكسي مؤلفين اثنين فقط اعتمد فيهما على تقنية القص واللصق (copier coller) انطلاقا من مقالات وإصدارات صحفية فرنسية ومغربية سابقة، قبل أن تتفتّق جريرته مؤخرا ويقوم بإعادة تجميع منشوراته القديمة وتركيبها في كتاب جديد، لكن هذه المرة بخيال دافق واحتيال جارف. عنوان مثير.. لمؤلفات قديمة كل من يطالع "تدليسات" عمر بروكسي في إصداره الجديد/القديم "المغرب: التحقيقات المحظورة في قلب قضية بيغاسوس"، إلا وتطالعه شهادة الصحفية الفرنسية (جان ماري) التي كتبتها ذات يوم في مجلة ليكسبريس في حق عمر بروكسي. فقد قالت وقتها "إن هذا الأخير ينتمي لجيل جديد من الأقلام المأجورة التي تحمل الضغينة فقط، ولا تهمها المهنية بقدر ما يهمها التدمير والربح السريع". وكل من يطالع أيضا "عنوان" هذا الكتاب المتجدد في الشكل دون تحيين المبنى، يدرك جيدا بأن عمر بروكسي يعوزه الخيال الإبداعي مقارنة مع الخيال الاحتيالي الذي يتقنه بشكل يفوق المستوى المتصور. فحتى عنوان المؤلف (بفتح اللام) لم يستطع عمر بروكسي أن يكون مبدعا فيه، بعدما استوحى فكرته العامة والأساسية من "القصص المحظورة" (Forbbiden Stories) التي ابتدعت ذات يوم اختراقات ومزاعم بيغاسوس العابرة للحدود الوطنية. وحتى إن قرر القارئ أن ينفذ متسللا بين دفتي الكتاب، مختارا طواعية أن يكون ضحية عملية نصب محبوكة من طرف عمر بروكسي، فإنه سيصطدم بأن العنوان لا علاقة له بمضمون الكتاب! وهذه مكيدة من المكائد التي يجيد حياكتها عمر بروكسي. ألم يصرح ذات يوم في حوار تلفزيوني مع الصحافي وسيم الأحمر بأن "أسلوبه الصحافي يغلب على كتاباته، لذلك فهو يحرص على جعل العنوان مثيرا"؟ ألم يعترف عمر بروكسي صراحة في ذات الحوار بأن "القارئ قد يجد في كتابه شيئا من المبالغة، إن لم يكن الاستفزاز باعتباره كتابا صحفيا فقط". لكن المتتبع لمؤلف عمر بروكسي المعروض حديثا للنشر، سوف لن يصطدم فقط بالإثارة اللغوية في العنوان، أو بتغليب الاستفزاز والتحليل الصحفي للوقائع السياسية والاجتماعية، وإنما سيجد نفسه ضحية جريمة نصب واحتيال مكتملة الأركان المادية والمعنوية! بل سيجده نفسه يدفع أمواله بشكل لا إرادي لاقتناء كتب قديمة فشلت في أكشاك المبيعات، وتم تجميعها من طرف عمر بروكسي في إصدار جديد بعنوان مثير، وذلك في ابتداع ماكر لشكل جديد من أشكال "الماركوتينغ الاحتيالي" على القراء. بيغاسوس.. مكيدة لاصطياد القراء عندما يتصفح القارئ، الذي اختار أن تنطلي عليه حيل ودسائس عمر بروكسي، لهذا الإصدار الأخير، سوف يتفاجئ بأن 95 بالمائة من مشتملاته المكونة من 496 صفحة، إنما هي إعادة نشر وتجميع وتبويب لمؤلفاته السابقة التي قالت عنها الصحافة الفرنسية سابقا "بأنها تكرار واجترار لما كتبه آخرون، لكن بمستوى كبير من الانحطاط في المستوى والأسلوب، فلا مصادر معروفة، ولا منهجية مضبوطة، ولا معطيات مهمة، ولا معلومات تغني القارئ والباحث". أما 05 بالمائة الباقية من مجموع الإصدار، فقد تم تخصيصها لإعادة نشر المقالات الصحفية التي أفردها سابقا عمر بروكسي لقضية بيغاسوس في أعمدة بعض الصحافة الفرنسية المتحاملة على المغرب ومؤسساته الأمنية. ومفاجآت عمر بروكسي كثيرة مثلها من النوائب والنائبات لا تأتي فرادى وإنما تهطل كالرجع من كبد السماء. فحتى الغواية التي مارسها عمر بروكسي على القراء من خلال التلاعب بقضية بيغاسوس لم تحمل أي شيء جديد أو معطي يغري بالقراءة والمتابعة. فقط انبرى "الكاتب" يستعرض مزاعم التجسس التي اختلقتها منظمة العفو الدولية ومعها كورال Forbidden Stories، مدعيا أنه شكل بدوره ضحية اختراق معلوماتي منذ سنة 2018 في تماهي جديد من قصص الأساطير الشعبية التي يشترك فيها عمر بروكسي مع المؤلف الألماني كارل ماي. وفي تقييم لا نجزم بأنه موضوعي بامتياز، لأن موضوعية القارئ لا تنسجم مع احتيالية الكاتب ولا تتوافق مع خدعته الماكرة، يمكن القول بأن عمر بروكسي راهن على " نظام بيغاسوس" للخروج من دائرة النسيان السيبراني إلى دائرة الضوء الإعلامي، ولو من باب الكذب على القراء، منطلقا في ذلك من خلفيات لا تنحصر فقط في "البوز الإعلامي"، وإنما تحركها أيضا مقاصد مادية وأطماع ربحية بامتياز. فعمر بروكسي راهن على شغف القارئ الفرنسي بقضية بيغاسوس، خصوصا وأن هناك أماكن رمادية كثيرة لا زالت تعتري هذا الموضوع، فبادر بإعادة نشر مؤلفاته السابقة التي لم تحقق الإيرادات المالية المطلوبة في نسخة محيّنة تحمل اسم "بيغاسوس"، حتى يتسنى له إيقاع القراء في الغلط التدليسي ودفعهم لاقتناء الكتب القديمة في حلّة جديدة. وفي المحصلة، فالذي سيتصفح الإصدار الأخير لعمر بروكسي في نسخته "الماكرة" سيجد نفسه يطالع قسرا منشوراته السابقة، التي شكلت سلفا محل انتقاد جارح من طرف الصحافة المغربية والفرنسية على حد سواء، مشفوعة بإفادته الحالية حول قضية بيغاسوس التي نشرها مؤخرا في الجرائد الفرنسية خصوصا Le Monde و Orient XXI. فالأمر هنا لا يعدو أن يكون مجرد "فهلوة" أو "خفة يد" من جانب عمر بروكسي لتحقيق أهداف مالية ومرامي شعبوية.. ومآرب أخرى شتى.