ولد الرشيد: المقاربة الدبلوماسية المغربية انتقلت إلى منطق المبادرة والاستباق مرتكزة على شرعية تاريخية    وزير الصحة يستقبل المديرة الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط    نحو ابتكار نظام معلوماتي لتثمين ممتلكات الجماعات الترابية المغربية.. مؤلف جديد للدكتور محمد لكيحال    فرق المعارضة تؤجل جمع توقيعات ملتمس الرقابة ضد الحكومة إلى الأسبوع المقبل بسبب سفر إلى موريتانيا    المندوبية السامية للتخطيط : الاقتصاد الوطني أحدث 282 ألف منصب شغل في سنة    أسعار الذهب ترتفع مدعومة بتراجع الدولار    بورصة البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الانخفاض    ولاية أمن طنجة تكشف زيف فيديو اختطاف الأطفال وتوقف ناشرته    العلاقات الاقتصادية الصينية العربية تتجاوز 400 مليار دولار: تعاون استراتيجي يمتد إلى مجالات المستقبل    عمر حجيرة.. زيارة البعثة الاقتصادية المغربية لمصر رسالة واضحة على رغبة المملكة في تطوير الشراكة والتعاون بين البلدين    الرباط.. استقبال أعضاء البعثة الصحية لموسم الحج 1446ه/2025م    مسؤولة حكومية تقر بمنح زميل لها من "الأحرار" مليار و 100 مليون سنتيم لتربية الرخويات    مفاوضات متواصلة تؤجل الكشف عن الأسماء المغربية في موازين    الكوكب يواصل نزيف النقاط واتحاد يعقوب المنصور يعزز موقعه في المركز الثالث    النفط ينخفض بأكثر من دولارين للبرميل مع اتجاه أوبك+ لزيادة الإنتاج    أسود الأطلس يواصلون التألق بالدوريات الأوروبية    المغرب يطلق أول محطة شمسية عائمة لخفض التبخر    غنيمة حزبية في هيئة دعم عمومي    باريس.. الوجه الآخر    آلاف يتظاهرون في مكناس والدار البيضاء دعما لغزة ورفضا لتهجير الفلسطينيين    محمد وهبي: نتيجة التعادل مع نيجيريا منطقية    عودة تير شتيغن إلى برشلونة تسعد الألمان    رسميًا.. ألكسندر أرنولد يعلن رحيله عن ليفربول    التقنيون يواصلون الإضراب الشهري احتجاجا على تجاهل حكومة أخنوش    توقعات أحوال الطقس اليوم الإثنين    بعد فتح الجمارك.. مواد البناء المغربية تغزو سبتة المحتلة    رحلة كروية تنتهي بمأساة في ميراللفت: مصرع شخص وإصابة آخرين في انقلاب سيارة قرب شاطئ الشيخ    فرنسا والاتحاد الأوروبي يقودان جهودا لجذب العلماء الأميركيين المستائين من سياسات ترامب    الرابطة المغربية لمهنيي تعليم السياقة تطالب بإحداث رخصة خاصة للسيارات الأوتوماتيكية    المتصرفون التربويون يلوحون بالإضراب والجامعة الوطنية تتهم الوزارة ب"اللامبالاة"    العثور على جثث 13 عاملا بعد اختطافهم من منجم ذهب في بيرو    ترامب يأمر بإعادة فتح سجن الكاتراز بعد 60 عاما على إغلاقه    إسرائيل توافق على توزيع المساعدات    تفاصيل إحباط تفجير حفلة ليدي غاغا    صاحبة السمو الملكي الأميرة للا حسناء تزور بباكو المهرجان الدولي للسجاد بأذربيجان    أكاديمية المملكة تحتفي بآلة القانون    شغب الملاعب يقود أشخاصا للاعتقال بالدار البيضاء    مقبرة الرحمة بالجديدة بدون ماء.. معاناة يومية وصمت الجهات المعنية    فيديوهات خلقت جوًّا من الهلع وسط المواطنين.. أمن طنجة يوقف سيدة نشرت ادعاءات كاذبة عن اختطاف الأطفال    طنجة.. حملات أمنية متواصلة لمكافحة الدراجات النارية المخالفة والمعدّلة    العثور على جثث 13 عاملا بالبيرو    الاحتفاء بالموسيقى الكلاسيكية خلال مسابقة دولية للبيانو بمراكش    كأس أمم إفريقيا U20 .. المغرب يتعادل مع نيجيريا    المغرب التطواني يحقق فوزًا ثمينًا على نهضة الزمامرة ويبتعد عن منطقة الخطر    الأميرة لالة حسناء تشارك كضيفة شرف في مهرجان السجاد الدولي بباكو... تجسيد حي للدبلوماسية الثقافية المغربية    المغرب يطلق برنامجًا وطنيًا بأكثر من 100 مليون دولار للحد من ظاهرة الكلاب الضالة بطريقة إنسانية    الشرطة البرازيلية تحبط هجوما بالمتفجرات على حفل ليدي غاغا في ريو دي جانيرو    استشهاد 16 فلسطينيا بينهم أطفال ونساء في قصف إسرائيلي جديد على غزة    بريطانيا تطلق رسمياً لقاح جديد واعد ضد السرطان    علماء يطورون طلاء للأسنان يحمي من التسوس    نجم الراب "50 سنت" يغني في الرباط    من المثقف البروليتاري إلى الكأسمالي !    دراسة: الشخير الليلي المتكرر قد يكون إنذارا مبكرا لارتفاع ضغط الدم ومشاكل القلب    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في رحيل المؤرخ المغربي محمد ابن عزوز حكيم
نشر في بيان اليوم يوم 19 - 09 - 2014

انتقل إلى عفو ربه المؤرخ المغربي، محمد ابن عزوز حكيم، عن عمر يناهز التسعين حولا (1924-2014) لا أبا لك عن الكتابة يتوقف، فقد ظل يواصل الكتابة حتى مطلع الفجر خلال العقد الأخير من حياته ذاته. ويعد ابن عزوز حكيم من أشهر المؤرخين المغاربة والعرب، فالرجل عاش بالطول والعرض القرن السابق وبعض هذا القرن الواحد والعشرين. كتب ابن عزوز أكثر من مائتي كتاب باللغة الأسبانية، ومائة كتاب ونيف باللغة العربية (320 كتابا)، وما تزال بعض مخطوطاته على الرف، بل لم تزل آلاف الوثائق تنتظر أن تسهم في تحرير كتاب أو فصول من كتب.
وقد اعتبر المؤرخ الراحل أول مغربي يكتب كتابا باللغة الإسبانية إذ كتب رحلته الأولى إلى إسبانيا تحت عنوان "رحلة الأندلسية" (1942)، كما كتب الراحل في مجمل المجلات الإسبانية الصادرة بالمغرب ومنها "Al Motamid" وغيرها، والصادرة بإسبانيا ومنها "Africa" وغيرها.. وعمل مترجما للملكين الراحلين محمد الخامس (توفي سنة (1961 والحسن الثاني (توفي سنة 1999).. فمن أين لذلك الظل أن يغطي على نور ما كتب وعاش؟!
في مهب التاريخ والوثيقة...
بعد أن درس بكل من مدينة تطوان، والشاون، انتقل محمد ابن عزوز حكيم إلى مدريد لمتابعة دراسته بالرغم من معارضة والدته سفره ذلك، وهناك حصل على عدة شواهد (الإجازة في الفلسفة والآداب- قسم التاريخ)، ودبلوم في الدراسات السياسية، وآخر في الدراسات الدولية، وآخر في الدراسات الإفريقية- قسم الدراسات المغربية). ثم عاد إلى المغرب وعين بالإدارة الاستعمارية الإسبانية، وارتقى حتى أصبح كبير موظفي هذه الإدارة بشمال المغرب وهنا فعل الشعور الوطني فعله.
فقد عمد الرجل الشاب يومها، المسكون بالتاريخ والوطن إلى نسخ كل الوثائق المتعلقة بإدارة الحماية، الاستعمار الإسباني والاحتفاظ بها في بيته، وقد كان نسخ الوثائق صعبا يومها ومكلفا وتحمل وزر فعله من أجل المستقبل. ويوم دقت ساعة رحيل الاستعمار الإسباني عن شمال المغرب، أحرقت الإدارة الاستعمارية كل الوثائق ولم تكن تعلم أن نظير ما أحرقت ويزيد يستريح ببيت المؤرخ في انتظار جولات التمحيص، والبحث، والتأليف، وما أن بدأ نشر كتب تستوحي مادة تلك الربائد حتى تغيرت نظرة إسبانيا الرسمية إلى الرجل، فقد سجل وقع استغلالها ودبيبه.
لذلك، ظلت تمتنع حتى العشرية الأولى من هذا القرن من منحه تأشيرة دخول التراب الإسباني تلبية لدعوات جامعات، كما حدثنا بذلك وعايناه وكم غضب من ذلك الأمر لأنه كان يريد ابتهال المناسبة والتزود بمراجع وأعداد بعينها من مجلات إسبانية قديمة.
المكتبة الفريدة والمليون وثيقة
مكن انكباب ابن عزوز حكيم على تصوير الوثائق الإسبانية الخاصة بالمغرب وإسبانيا وعلاقتهما وما تعلق بكل ذلك على مدى عقود، ودأبه على زيارة دور الوثائق التاريخية للتنقيب عن الوثائق والمستندات الدبلوماسية الخاصة بتاريخ المغرب من احتواء مكتبته الخاصة على ما جعلها المكتبة الفريدة التي تضم معظم ما يخص تاريخ المغرب الحديث والمعاصر.
وقد لعب الرجل ومكتبته دورا أساسيا في تكوين ملف مطالبة المغرب بصحرائه (المسماة غربية)، كما كان الوحيد المتوفر على وثائق تنفذ مزاعم إسبانيا حول السيادة عن جزيرة ليلى، يوم اندلاع مشكل "جزيرة ليلى" (سنة 2002)، لكن موقف الحكومة المغربية لم يكن حاسما فلم تنفع الوثائق، وتضم مكتبة ابن عزوز حكيم أهم أرشيف وثائقي خاص بالمغرب يضم مليون وثيقة.
مما جعل مكتبته منبعا ثرا للتأليف في التاريخ بالاعتماد على الوثيقة وليس التخمين وقد عرضت على ابن عزوز الحكيم مبلغ مليار سنيتم (مليون يورو) لشراء مكتبته الخاصة لكن الرجل ما استجاب.
تكريم ملكي
سنة 2011 كرم الملك المؤرخ ابن عزوز حكيم عبر توشيحه بوسام الكفاءة الفكرية، وهي التفاتة تجدر بالمؤرخ أكثر من غيره، وكان المؤرخ أعلن لأول مرة أنه حصل على حقائق تاريخية طال البحث عنها أزيد من نصف قرن وتهم المأساة الأندلسية.
فقد أكد أنه حصل عبر صفقة مع نحاث إسباني على (70) صكا سريا للغاية لم تنشر من قبل، وتكذب هذه الصكوك كل ما كتب عن مأساة الأندلس، وهي وثائق كان الفاتيكان حريصا على سريتها، وكانت مدفونة بأوامر من جميع البابوات، الذين دعوا إلى وجب إبادتها واستنتج المؤرخ أن "كل من قرأ هذه الوثائق يجد نفسه أمام مؤامرة من الفاتيكان ضد إمارة المؤمنين بالأندلس"..
وقد سلم المؤرخ وثائق للإسبان تهم تاريخهم مقابل الحصول على وثائق الفاتيكان التي تخص تاريخ المغرب، وأكد أن قراءته لهذه الوثائق تؤكد أن مأساة الأندلسيين كانت نكبة أساسها الخيانة، وتحكي عن الخونة الذين كانوا يحيطون بالملك ابن الأحمر الذي تم اتهامه خطأ في كتب التاريخ بأنه باع غرناطة مما يشرعن إعادة كتابة تاريخ المغرب والأندلس وغني عن التذكير أن الرجل يعتبر حضارة الأندلس أرقى حضارة عرفتها البشرية وهو أندلسي الأصول.
حوار الصوت "المخالف"
لما أشرف ابن عزوز حكيم على الثمانين حولا، التقيت به وحدثته عن سلسلة حوارات تتناول سيرته والكتب، امتنع في البداية بلطف جم، ثم قلت له أعرف أن آراءك تفزع الكثير من الناس (واستعرضت بعضها)، لكن ثق أنها ستذاع وتنشر كما عبرت عنها بالحرف، قال ستفسد علاقتك بكثير من الناس، قلت له يكفي أن أرضي الحقيقة، واحتفظ وقد أسهم في التأريخ لبعض الثقافة المغربية (وربما العربية) عبر الحوار.
وأذكر قوله حين ذكرته بدفاعه عن بعض زعماء المقاومة المغربية المثيرين للجدل (الشريف الريسوني) "ولائي للمغرب عظيم، وحبي لرجال المقاومة لا نهاية له، لكن ولائي للحقيقة أكبر، وللوثيقة التاريخية الحكم الفيصل"، وتوالت لقاءاتنا، في بيته أحيانا، حيث ترقد خزانته الأسطورية وخبرت عن قرب حب الرجل للعمل، وسهره حتى تباشير الصباح بعد صلاة الفجر للكتابة والتأمل.
وقد جاوز الثمانين حولا قلت له ذات يوم إنك تكتب التاريخ كما يكتب آخرون الرواية البوليسية فقد تجاوزت عدد الروايات التي كتبها سيمونون، فرد قائلا كتابة التاريخ أعسر، فكل كتاب بمثابة قلع ضرس.
بؤر الكتابة
حين نلقي نظرة على معظم ما كتبه ابن عزوز حكيم ونشره وحققه نجد خيطا ناظما لجهوده حفر ثلاثة أخاديد تسربت الكتابة عبرها على جسد كتاباته العناية بنوابغ المغرب من زاوية إبداع التراث الأدبي والعلمي والحضاري، والتركيز على التجارب الثورية المغربية التي بطشت بالاستعمار منذ محاولة دخوله المغرب (تجارب الشريف الريسوني، وعبد الكريم الخطابي..) سواء كان وراءها قادة كبار أو قادة قبائل أجبالة أو الريف، والتأريخ للعمل الوطني السياسي( الزعيم عبد الخالق الطريس).
وكذا الإلحاح على حقوق المغرب التاريخية في المناطق السليبة من خلال كتب منها "الصحراء المغربية وثائق وصور" (1974)، "سبتة، متى وكيف اغتصبتها إسبانيا" (1985)، "لماذا نطالب باسترجاع مدينتي سبتة ومليلية"، الجزء الأول (1979).
كما اعتمد ابن عزوز حكيم الأرشيف لتصحيح كتابات عن تاريخ المغرب حيث ظل يؤكد أن جل "ما كتب لحد الآن عن المقاومة المسلحة والحركة الوطنية السياسية المغربية دون الاعتماد على الوثائق يخالف الحقيقة والواقع".
حظي الرجل بعناية محدودة بشخصه ومؤلفاته، لكن التكريم الملكي للمؤرخ سنة (2011) فتح الباب نحو تكريمات محدودة بإنتاجه، لعل غياب الرجل يخفف من غلواء المواقف منه ومن كتاباته، لعل غيابه فرصة لإعادة نشر نصوصه التي نفذ بعضها منذ رحيل الاستعمار المباشر، وبعضها الآخر منذ عقود.
*ناقد مغربي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.