تنتمي حادة بري إلى رواد فنون أحواش الذي يطلق على نمط تراثي يسود مناطق النصف الجنوبي من المغرب، وبالتحديد جبال الأطلس الكبير والصغير حيث توجد القبائل الأمازيغية المتحدثة بلهجة "تشلحيث"، التي تلتقي في المهرجان الوطني لفنون أحواش بمدينة ورززات كل سنة. لم يمنع حادة بلوغها من السن عتيا، التخلص من عصا تستند عليها للانخراط في أجواء الرقص والغناء وترديد الأشعار، "أنا مغرمة بفن أحواش حد الجنون" تقول هذه السيدة وتضيف، أحواش ليس حكرا على فئة دون أخرى من أبناء القبيلة، لأنه ظل حاضرا في جميع المناسبات من الولادة إلى الزواج، ومن الزرع إلى الحصاد، ينخرط فيه الشيخ والفقيه والشباب والنساء من مختلف الأعمار. وتشير إلى أنها تعاطت لهذا الفن وهي في سن الخامسة من العمر، لا تعرف سنة الميلاد ولكنها تؤكد على أنها عاصرت الملكين الراحلين محمد الخامس والحسن الثاني، وتعيش في عهد محمد السادس. وتحكي حادة، أن تعلقها بفن أحواش، جعلها تنخرط مبكرا في فرقة "ادلسان" التي تنتمي إلى محافظة ورززات جنوب شرق المغرب، ولا تتردد في مرافقة الفرقة في مختلف جولاتها. وتفيد أن بعض أبناءها وأحفادها صاروا يلحون عليها للتوقف عن هذا النشاط، أولا لعامل السن، وثانيا لانهم يرون أنه حرام ويجلب من وجهة نظرهم لصاحبه الآثام، بينما تصر هي على عدم التفريط في هذا الفن الذي يشكل جزءا من حياتها بل هو حياتها. وتوضح أنها لم تكن تسمع بأمر التحريم إلا في هذا الزمن، مشيرة إلى أن زوجها لم يكن يمنعها قيد حياته من ممارسة فن أحواش الذي كان يقبل عليه هو الآخر. وتردف مبتسمة، إذا كان بعض الشباب لا يريد الرقص والغناء ولا تغويه أشعار احواش، فهذا شأنه، فلنستمر نحن العجزة في هذا الدرب، تقول ذلك وهي تتوجه بالحديث إلى سيدة من أقرانها. من جهتها، تقول ماحلا حمدنة ، حضور المرأة في فن أحواش، تلزمه طقوس، أولها أن تكون المرأة أو الفتاة على طهارة كاملة، وأن تتزين لهذه اللحظة في إطار جماعي وبشكل تضامني، بالكحل والحناء والزعفران الحر، وغيرها من المواد الطبيعية التقليدية، ثم تلبس إلى جانب صديقاتها زيا موحدا ومميزا، ويضعن الحلي والحلل والأساور. عزيز بودرخة 13 سنة، من فرقة "إثران حارة شعوا" مدينة أكدز، يقول ، إنه ارتبط بفن أحواش منذ صغره، وفي سن العاشرة زاد شغفه به أكثر، فبدأ في صقل موهبته وتعلم طقوس هذا الفن وحفظ أشعاره والتقاط حركاته الراقصة من خلال أجواء المناسبات التي تسود بالقبيلة. ويضيف الطفل عزيز، بأن حبه لأحواش لا يثنيه عن الكد والاجتهاد في مجال التحصيل الدراسي، على اعتبار أن المدرسة حسبه ستوفر له بفضل التعلم الحصول على منصب مشرف، لكن مهما يكن حجم هذا المنصب في نظره، فإنه لن يتخلى عن ممارسة فن أحواش. وأوضح، أنه يحيي جميع الحفلات التي تدعى لها الفرقة، ويتقاضى نفس الأجر الذي يحصل عليه الآخرون كانوا شيبا أو شبابا، مشيرا إلى أنه يغطي بهذا المدخول جميع احتياجاته من ملابس وكتب مدرسية.