موتى موتى ضاع العدد ، موتى موتى لم يبقى غد . هكذا صرخت الشاعرة المجددة نازك الملائكة على إيقاع القصيدة النثرية . صرخت مرتين : أولاها حين ثارت على النمط القديم في الشعر وقيوده ؛ اما الصرخة الثانية فكانت صرخة تسيج أوجاع الكوليرا في أربعينيات القرن الماضي ببلاد الفراعنة ، بمصر ارض الكنانة . 1947 تحديدا من الحجر الصحي كانت الشاعرة المجددة تؤرخ لواحدة من اكبر الطواعين التي إجتاحت المنطقة ؛ واحدة من الطواعين التي إختطفت الأرواح أعدادا وأعدادا . كما نحن اليوم من داخل الحجر أناس مثل نازك الملائكة سارعوا إلى غبر أسوار الروح لإستخراج ما تبقى من مكنونات تحادث فينا الإنسان . في القرن السابع عشر من داخل الحجر وقع سالفدور روزا لوحته الشهيرة "خيانة الإنسان" وهو يفقد بسبب الطاعون إبنه وشقيقيه دون أن ننسى كارسيا لوركا وهو ينسج خيوط روايته "الحب في زمن كوليرا " من داخل الحجر . إنهم كثيرون ، أولئك الذين ادركوا بحس إنساني عميق أن الدفاع عن الحياة والإستماتة من أجلها يولد من رحم المعاناة والألم . من داخل الحجر ونحن صيام ، أفواهنا من وراء الكمامة تستعرض حكايات وحكايات لألوان الطواعين وبصرخات للمبدعين كما الحال في صرخة الشاعرة المجددة نازك الملائكة : موتى موتى ضاع العدد ، موتى موتى لم يبقى غد .